بالنسبة للألوان (اطفال الظلال.. كما سماها
ليوناردو دافنشي ) فان الافلام توظفها جماليا (من ناحية التناسق والتكوين) او
رمزيا (كتعبير عن رؤية ذاتية للواقع والاشياء) او
دراميا للتعبير عن الحالة العاطفية
والنفسية والذهنية للشخصيات.
يقول انتونيوني: »اود ان الون فيلمي وكأنه لوحة،
وارغب ان احقق فيه مزاجي اللوني الخاص. اود ان اخترع علاقات
لونية ولا اريد ان اقيد
نفسي بالوان تصويرية طبيعية (..) اللون بالنسبة لي يمتلك وظيفة نفسية ودرامية (..)
على المخرج ان يستخدم في فيلمه الالوان المناسبة للقصة وان يستبعد الالوان
الاخرى«.
الكثير من مصوري السينما استفادوا من اللوحات التشكيلية في كيفية توظيف
الالوان والاضاءة، وفي تبني إضاءة رمبرانت المجهولة المصدر
لغايات درامية. المصور
الايطالي فيتوريو ستورارو استفاد كثيرا من اعمال كارافاجيو وفرمير وآخرين في
تعزيز
الثراء التشكيلي للصور السينمائية.
والمصور العالمي نستور ألميندروس يقول في
كتابه »رجل وكاميرا« A man with a camera »عندما
احضر لفيلم ما فإنني عادة افكر في
رسام معين او مدرسة معينة في الرسم. في فيلم تروفو (الانجليزيتان) وجهنا
عنايتنا
الى الرسم الفيكتوري دون ان يغيب عن بالنا الانطباعيون الفرنسيون. الفيلم
تدور
احداثه في مطلع القرن العشرين. كيف بإمكاننا ان نعين هوية تلك
المرحلة؟ باللوحات.
بتأمل تلك اللوحات يدرك المرء ان الالوان الصافية في الملابس واوراق الجدران
وغير
ذلك لم تكن موجودة في ذلك الحين.. ربما بسبب استحالة التحضير التقني للاصباغ
(..)
وفي فيلم (ركبة كلير) اراد المخرج إريك رومر المظاهر التي تبدو في
لوحات جوجان حيث
الاسطح ثنائية البعد والالوان الصافية.
ويكشف الميندروس عن تأثير فيرمير في
استخدام الاضاءة والتي تأتي جانبية من خلال النوافذ. ويقول الميندروس: »هناك
بضعة
رسامين كانوا دائما مصدر عون لي لانهم استخدموا الضوء من اجل إعطاء احساس
ثلاثي
الابعاد بالمرئيات: فيرمير مع الاجزاء الداخلية النهارية، لا
تور مع الاجزاء
الداخلية الليلية المضاءة بمصدر ضوئي كاللهب، رمبرانت وكارافاجيو مع طرائقهما
في
توزيع الضوء والظل، إضافة الى مونيه ورينوار وغيرهما من الانطباعيين«.
وفي حديث
للمخرج كاريل رايس عن فيلمه (عشيقة الملازم الفرنسي) قال: »في المشاهد التي
تدور في
العصر الفيكتوري لجأنا بوعي تام الى استخدام النوع الاكاديمي من الاضاءة، ذلك
النوع
الذي تراه في اللوحات الفيكتورية. كذلك استخدمنا الاضاءة
الامامية والاضاءة
الجانبية في رسم الشيء كما كان يحدث في اعمال ما قبل الانطباعية«.
كذلك يشمل
التأثر بالاعمال التشكيلية مجالي الديكور والملابس حيث يتم العمل بوحي من
القواعد
الكلاسيكية لاستخدام اللون اضافة الى التوظيف الدرامي له.
ولا شك ان للسينما
ايضا تأثير على الفنانيين التشكيليين، اذ يقال ان سلفادور دالي كان كثير
التردد على
دور السينما طلبا للإثارة والالهام (على عكس ماتيس الذي كان يشاهد الافلام
لينسي
همومه).
ومن مظاهر التأثر نجد اقتراب اللوحة من المشهد السينمائي، او محاولة
ابراز المنظور من زوايا مختلفة واحجام متفاوتة كما تفعل
الكاميرا.
والافلام
السينمائية، وطوال تاريخها، قدمت العديد من الافلام عن الرسامين، بعض هذه
الافلام
تحتفي بالفنان بوصفه عبقريا معذبا، رائيا، والذي يتخطى ظروفه الاجتماعية
المباشرة
مثل »شهوة الى الحياة« (٦٥٩١)
عن فان جوخ. وافلام اخرى، ابرزها فيلم تاركوفسكي عن
رسام الايقونات اندريه روبليف (٦٦٩١)
تسعى الى عرض المرحلة التاريخية والاجتماعية
التي عاش فيها الفنان. وهناك افلام »كارافاجيو«، للمخرج ديريك جارمان (٦٨٩١)،
تعيد بناء او تركيب علاقة الفنان بواقعه من خلال مزيج من الحقائق والتخيلات،
وبالتالي فان هذه الافلام لا تحرص على تصور التجربة الحياتية للفنان، ولا
تقدم
بورتريها واقعيا او سيرة ذاتية للفنان، بقدر ما تهتم بخلق
عوالم بديلة، وبتقديم
رؤية شخصية. وهناك افلام تيتح لنا ان ننفذ الى عملية الابداع وسر الخلق
الفني، دون
ان يكون الفيلم درسا في الفن او في تاريخ الفن. ان التركيز على فعل الخلق
والبحث عن
عناصر إدراك الفنان التي رافقت تحقيق اللوحات، هي محاولة لكشف
الصلة الغامضة بين
حياة الفنان وتعبيره الجمالي، اي ان يكون الفنان نموذجا لسبر واستكشاف مسألة
سيكولوجية الابداع الفني.
اخيرا، فان ثمة مجالا لا يمكن التغاضي عنه، وهو مجال
الرسوم المتحركة، حيث فيه تتأسس العلاقة الحميمة بين السينما
وفن الرسم، حيث يكون
حضور التشكيل بارزا وقويا. وقد اشار روبير بنايون في كتاب له صدر في العام
١٦٩١
الى الصلة الوثيقة بين بعض افلام الرسوم المتحركة واعمال كاندنسكي وخوان ميرو
وايف
تانجي. وبين الى اي مدى استفادت بعض افلام التحريك من إمكانيات
الخط او الرسم
التخطيطي او الالوان او تنفيذ الحركة امام خلفية فارغة.
وينبغي ملاحظة ان منفذي
افلام الرسوم المتحركة هم من الرسامين اساسا، الذين يحملون اساليب ورؤى
مختلفة، بل
ان بعضهم حقق نجاحا ملفتا عندما انتقل الى مجال الافلام الدرامية الطويلة مثل
الياباني كون إيشيكاوا والبولندي فاليريان بوروفشيك وغيرهما من
الذين حملوا معهم
تأثيراتهم بمجال التحريك من حيث توظيف الالوان والتعامل مع الشاشة كما لو
انها لوحة
تستقبل تكويناتهم الجديدة، والتعامل بطريقة مغايرة في السرد والبناء
والمونتاج،
واعتماد الغرابة والادهاش. |