فريدا كاهلو رسامة مكسيكية
مشهورة، وعنها حققت
السينما المكسيكية
فيلماً بعنوان فريدا
أيضاً من اخراج بول
ليروك سنة 4.198 أما
الفيلم الذي نحن بصدده
فهو انتاج أمريكي نفذ في العام الماضي من اخراج الفنانة جولي
تايمور، وهو مأخوذ عن
كتاب ألفه هايدن هريرا.
في بداية الفيلم نري الرسامة
فريدا (سلمي
حايك) بالعاصمة المكسيكية سنة
1945،
أي قبل وفاتها بأسابيع قليلة، وهي مريضة
جداً إلي حد منع
الاطباء لها من الحركة، غير أنها تصر علي حضور المعرض الخاص
بأعمالها التشكيلية
وهي راقدة علي السرير. وعن طريق الفلاش باك المديد والذي يستغرق
الفيلم كله تعود إلي
سنوات العشرينات عندما كانت فريدا شابة نشطة ومفعمة بالحيوية،
حيث تتعرف علي رسام
الجداريات المشهور بفنه وبعلاقاته النسائية: ديجو ريفيرا
(الفريدو مولينا) بعد
ذلك تتعرض فريدا لحادث سير في 1925 فتصبح مقعدة وطريحة الفراش
زمناً، ومن أجل اشغال وقتها يحضر لها والدها أدوات الرسم لتنمي ولعها
بالرسم، تتعرف
علي الحركة الطليعية
في العاصمة. ثم يركز الفيلم علي العلاقة العاطفية والزوجية بين
فريدا وريفيرا، والتي
تتسم - هذه العلاقة - بالصخب والتوتر. كما يتناول الفيلم
جانباً من رحلاتها إلي
نيويورك وباريس وارتباطهما بالحركة الثورية العالمية:
السياسية والفنية من
خلال تروتسكي والسورياليين.
رغم نجاح الفيلم في تصوير العلاقة بين فريدا
وريفيرا من جميع جوانبها من حيث التفاعل فيما بينهما، تناميها
التدريجي، علاقتهما
بالآخرين، العاطفة المشتركة القوية، الاعتمادعلي بعضهما فنياً
واجتماعياً، علاقاتهما
بالآخرين وصداقاتهما المتنوعة، كذلك الخيانات المتكررة من
الطرفين إنها علاقة
تفاعل وتأثر متبادل بين شخصيتين قويتين.
لكن تركيز الفيلم
بؤرته علي هذه العلاقة
الصاخبة وأبعادها أدي إلي اختزال أو اقصاء مظاهر أخري مهمة
في حياة الفنانين،
الأمر الذي أدي بدوره إلي تقليص جوانب البورتريه عن هذه الفنانة
ذات الشخصية المربكة.
ثمة فوارق بين فريدا الواقع
وفريدا الشاشة، رغم اعتماد
الفيلم علي الكثير من
المعلومات الواردة في كتاب هريرا وفي اليوميات التي دونتها
الفنانة في السنوات
العشر الأخيرة من حياتها. فريدا، في الواقع، كانت طوال حياتها
يسارية ملتزمة، تحمل
أفكاراً ومواقف ثورية صارمة وحادة. أما علي الشاشة فقد تحولت
إلي شخصية غير ذات شأن
سياسي، وغير مزعجة بالنسبة للنظام القائم، أو في أغلب
الأحوال هي مهمة ولا
يسبر غورها من الوجهة السياسية. إن أفكارها ومواقفها اليسارية
والتزامها
بالايديولوجيا الشيوعية هي، في الفيلم، عابرة وغير واضحة أو إيجابية. ومع
أن الفيلم عرض العديد
من لوحات فريدا إلا أنه أغفل اللوحات التي تعبر عن هذه
الايديولوجيا.
ولم يتطرق الفيلم إلي ارتباط
فريدا السياسي إلا في مشهد سريع
وعابر وهي تشارك في
مظاهرة غير معلومة الأسباب. كذلك فإن المعروف عن فريدا تعاطفها
- مثل أغلب الشيوعيين
آنذاك. مع شخصية ستالين (وهذه الحقيقة لم يشد إليها الفيلم بل
ربما أوحي بعكس ذلك).
ويقال أن من اللوحات الأخيرة التي رسمتها فريدا قبل موتها
لوحة شخصية للزعيم
ستالين.
إن رغبة منتجي الفيلم في
تقديم شخصية محبوبة، مروضة،
غير صادمة أفضي إلي
إقصاء جوانب قد لا تبدو مضيئة وتتعارض مع ما يريد الفيلم أن
يقدمه بشأن الشخصية:
لقد كانت فريدا في الواقع مدمنة علي الكحول وعلي المخدرات،
وأقدمت علي الانتحار
في أكثر من محاولة فاشلة، إضافة إلي غرابة أطوارها. ومثل هذه
الجوانب هي التي تحكم،
وتتحكم في علاقاتها الاجتماعية والعاطفية والجنسية بالآخرين
واهمالها هو إهمال
لمكونات أساسية تسهم إلي حد بعيد في تشكيل الشخصية نفسياً
ودرامياً.
السرد واقعي وتقليدي لكنه
مطعم بتألق بصري أخاذ، وجمالية باهرة
متناثرة في مواقع
متفرقة من السرد، كما في حادث ارتطام المترو بالباص الذي يقل
فريدا الطالبة.
الكاميرا داخل الباص تصور بالحركة البطيئة الحادث المأساوي الأليم
والذي بسببه كادت
فريدا أن تفقد حياتها، في هذا المشهد، الذي هو أشبه بلوحة تشكيلية
رائعة وفي غاية
الجمال، نري صورا باهرة تتوالي: شظايا زجاج تتطاير، عصفور أزرق
يتحرر من قبضة يد
ويحلق، إناء من الرماد الذهبي يتفجر، وينتهي المشهد بلقطة مأخوذة
من أعلي لجسد فريدا
الملطخ بالدماء وهي ممدة بلا حراك علي أرضية الباص وقد اخترق
حوضها ما يشبه القضيب المعدني.
كذلك نجد اللمسات الجمالية
المتألقة في اللقطات
التي تظهر وصول ديجو
ريفيرا وفريدا إلي نيويورك (بدعوة من المليونير روكفلر لتصميم
جداريات ضخمة في مبني
إمياير سنيت) حيث تلجأ المخرجة إلي اسلوب الكولاج - المونتاج
التحريكي علي نحو يتسم
بالهزل والكاريكاتورية وتقنية التحريك نجدها في بعض المشاهد
الأخري مثل العملية
الجراحية بعد حادث الباص مباشرة، وتداخل ما يحدث للفنان دييجو
مع حالة الغوريلا
العملاق كينج كونج وهو يتسلق ناطحة السحاب.
أيضاً تكمن البراعة
الفنية، الجمالية، في
استخدام اللوحات علي نحو خلاق فالرسومات تصبح حية علي نحو
مفاجئ ومدهش أمام
أنظارنا إذ تخرج من أطرها الجامدة وتتداخل الرسوم مع المظاهر
الواقعية ولوحة الحلم
الشهيرة تتحول إلي
مشهد متألق بصرياً في ختام الفيلم حيث
السرير الذي ترقد عليه
فريدا مع هيكل عظمي فوقها مباشرة يحترق من تلقاء
نفسه.
لكن هذه الصور المدهشة،
الأخاذة تفتقر إلي الجوهر والعمق. القطع المتوازي
بين اغتيال تروتسكي
والمشهد الذي فيه ترسم فريدا أحد أشهر لوحاتها، يبدو وسيلة
مجانية بلا مسوغ أو
مبرر، بما أن ليست هناك علاقة واضحة وصريحة مؤسسة بين الحدثين.
وقد مارست المخرجة حريتها القصوي في مجال التخيل، والتعبير عن جوانب معينة
بجمالية
مرهفة، لكنها لم تفتح السيرة
علي مداها. |