ان معظم ما سمعتموه عن ابن ميونيخ المخرج والسينمائي فرنر هيرزوغ غير
حقيقي، أكاذيب وحكايات زائفه، كانت تنتجها مكنة ضخمة من الاشاعات، هكذا
تحدث بول كرونين في تقديمه لكتاب «سينما فيرنر هيرزوغ _ ذهاب الى التخوم
الأبعد». كتاب من تأليف بول، ترجمه للعربية الكاتب والروائي والسينارست
أمين صالح، ويعتبر من اصدارات «وزارة الثقافة» في نسخته المعربة، بالتعاون
مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
كتاب أشبه بسيرة لمسار اشتغال فرنر 1942، في عالم الكتابة وصناعة السينما،
من خلال حوارات ومقابلات طويلة كان بول قد أجراها معه، فقد كتب ابن ميونيخ
أول سيناريوهاته في عمر الخامسة عشرة وحصل على البكالوريا سنة 1961. وقد
فشل في مبادراته الأولى في تصوير الافلام في عمر السابعة عشرة عن موضوع
الاصلاح في السجون، وبدأ ينتج بنفسه أول أفلامه القصيرة والأفلام الروائية
بداية من عام 1963.
أنهى دراساته في التاريخ والآداب في جامعة ميونيخ وفي جامعة وينسبورغ في
الولايات المتحدة الأميركية وكان يشتغل في النهار أثناء دراسته كعامل لحام
في ساسيير.
في عمر الثامنة عشرة سافر الى السودان وفي وقت أزمة الكونغو، وأقام عدة
مرات في فترات متقطعة في اليونان «خرج عن ذلك فيلم بعنوان علامات الحياة»
وأقام في المكسيك وجزر الكناري «وخرج عن ذلك فيلم حتى الأقزام بدأوا صغاراً
أيضاً» وفي أفريقيا «أبدع فيلما بعنوان ناثان مورغان» وفي البيرو أبدع فيلم
«آغير أو غضب الآلهة» وفي الغوادلوب أبدع فيلم
«la soufriere»
وفي أيرلندا «قلب الزجاج» وفي هولندا وتشيكوسلوفاكيا أبدع «نوسفيراتو مصاص
الدماء» و«فوزيك» وفي أميركا اللاتينية في غابات الآمازون أبدع «فيتزكارالدو».
تسعة فصول وضعها بول في صيغة سؤال وجواب، كان قد تقصد من خلالها البحث
والتنقيب في مسارات حياة وأعمال هيرزوغ، وصفها بأنها أشبه بعملية تفتيش
وقبض على مصادر عدة، تتناقض وتتشابك في طبيعة اخبارها وتقاريرها، لتشي
بأنها غير حقيقية وخاضعة في شكل من أشكالها للعبة الاختلاق والفبركة.
ليسجل بول اعترافاً، بأنه خلال معايشته لفرنر كان يعمد دائما وأبداً،
لاعمال أفعال الحوار المراوغ، والملتوي للايقاع به ومحاولة تسجيل زلة أو
ثغرة ما في حججه التي يقدمها في حوارته، وتصريحاته الخاصة بانشغالاته
واشتغالاته السينمائية، لكنه عجز مسلماً بفشل كل كمائنه الكلامية. لينتهي
باستنتاج مفاده «اما ان يكون فرنر- كاذباً بارعاً، أو أنه يقول الحقيقة».
أفلام كان قد أنتجها فرنر، أعتبرها بول الأكثر أهمية في السينما الأوربية
بعد الحرب العالمية الثانية، 11 فيلماً منها درامياً طويلاً، لتكون بقيتها
محصورة في الأعمال الوثائقية والدرامية القصيرة.
فرنر هيرزوغ بحسب بول لم يلق التقدير اللائق في بلاده ألمانيا، فقد تم
تجاهله في المجالات البحثية والدراسات في الدول الناطقة بالانجليزية، لذا
كان هذا الكتاب قد تأخر كثيراً، وكان السبب في تأخره هو فرنر نفسه، اذ يقول
بول في هذا السياق «قبل عامين، عندما أجريت اتصالاً به للمرة الأولى بشأن
امكانية تأليف هذا الكتاب، تلقيت منه رسالة بالفاكس مكتوبة بخط اليد تقول:
أنا لا أقوم باستبطان دوافعي ومشاعري، اذا كنت أنظر الى المرآة فلكي أحلق
لحيتي دون ان أجرح نفسي. لكنني لا أعرف لون عيني. أنا لا أريد ان أساهم في
تأليف كتاب عني». |