تم إطلاق الموقع في يناير 2004

 
 
 
 
 

أرشيف الموقع

 
 

من أرشيف «سينماتك» الورقي

 
 
 
 
 
 
 
 

السينما المصرية (1985 – 1986)

عاطف الطيب من خمسة، ستة مخرجين:

عندنا إيمان وننفخ في الناس روحاً

القاهرة – سمير نصري

من أرشيف «سينماتك» الورقي

   
 
 

لقاء أجراه الناقد السينمائي المتميز والراحل "سمير نصري" للمخرج الشاب - آنذاك الراحل "عاطف الطيب"، بعد الانتهاء من تصوير فيلمه "البريء"، في جريدة النهار اللبنانية، بتاريخ 19 أغسطس 1985.

«سينماتك»

 
 
 
 
 

السينما المصرية (1985 – 1986)

عاطف الطيب من خمسة، ستة مخرجين:

عندنا إيمان وننفخ في الناس روحاً

القاهرة – سمير نصري

 

أغزر مخرجي جيه الطموحين، وأقلهم تميزاً من حيث الأسلوب. طموحه في اختيار المواضيع التي يتطرق إليها، وله افتقاره إلى الرؤيا السينمائية. إذ لقطات عاطف الطيب تتصف بعدم اكتراث تام للتكوين الشكلي. ينتقي ديكوراته بعناية ثم لا يعبأ باستغلالها. وإذا هناك عشر زوايا لوضع كاميراه فغالباً يختار أضعفها. وعاطف الطيب أسلوب بلا طابع، ورغبة في المزيد من الصدق والتطرق إلى الواقع، واهتمام بالمواضيع التي تعبر عن الإنسان المصري البسيط وكيف تطحنه براثن اقتصادية وسياسية صعبة وتمزقه الظروف غير الآمنة التي هو في ظلها.

"سواق الأتوبيس" أشهر – وأفضل – أعماله. وفجأة أضواء على السينمائي المجتهد، وبعد لفته الإنظار في مهرجان أيام قرطاج السينمائية في تونس، وفي مهرجان نيودلهي – الهند، استحق جائزة أفضل ممثل عبر نور الشريف فكان أول ممثل مصري يتوج في مسابقة دولية. وهذه السنة، عاطف الطيب من مهرجان إلى آخر: مع "الحب فوق هضبة الهرم" في مهرجان كان وبعد أيام في مهرجان مونتريال، و"الزمار" في مسابقة موسكو، و"البريء" مرشح لغير لقاء دولي في أشهر.

في نهاية الخمسينات، في دراسة الثانوية، كان يهوى التمثيل، وفي مطلع الستينات بدأ يدرك سيادة المخرج، وبهرته الأفلام الهوليوودية: "كنت مولعاً بـ"ذي كاربتبفرس" (الطموحون) وشاهدته خمساً، ست مرات. ومن الأفلام العربية، أفلام ليوسف شاهين ومنها "فجر يوم جديد" وكان يثير وقتها الكثير من الجدالات بين طلبة المعهد العالي للسينما الذي التحقت به، ولم أجد فيه المواصفات التي في وسعها أن ترضي شاباً في سني. كنت في السابعة، الثامنة عشرة، وكانت متابعة الفيلم صعبة لي. أتذكر أنني أعجبت كثيراً بـ"بداية ونهاية" وأبكاني، كما أعجبت بـ"هذا هو الحب" و"الوسادة الخالية" واجمالاً كان صلاح أبوسيف الأشد تأثيراً علي آنئذ بأفلامه الهادئة الرزينة، كما كنت أهوى قراءة الروايات الأسطورية. والأخص روايات جرجي زيدان. كانت فترة التكوين الأولى، بلا جذور حتى بلا تأكد صارم من صحة الطريق كنت أطمح أن أكون مخرجاً، لكن من الصعب القول أنني كنت أشعر بضرورة قصوى في ذلك. كان الواحد يحب السينما، يهوى الأفلام مرة في الأسبوع، ذلك شيء مقدس. ثم المعهد العالي للسينما وبدأ الواحد يدرك كم هو متخلف ليبني نفسه ثقافياً وسينمائياً من الأول. وابتدأت أعي أن هناك شيئاً اسمه "موجة جديدة" في فرنسا. ابتدأ الواحد يتوجه لدراسات تخصص في الفلسفة، في علم النفس، في دراسة الاجتماع، في الاقتصاد. ابتدأ يتكون نوع من الوعي السياسي يصاحبه وعي اجتماعي. أنا من الطبقة المتوسطة، والدي ووالدتي من الصعيد، ولدت في القاهرة. والدي لم يكن غنياً وكان يملك محلاً تجارياً، ثم أفلس وعمل في القطاع العام، فانتقلنا من حي طبقة متوسطة إلى حي من الفقراء. كل ذلك كأنه مخزون في داخلي، وفي انتظار اللحظة المناسبة للتطلع إليه بنظرة خاصة متسائلة: لماذا وصل الواحد إلى هنا، لماذا تدرجت علاقاته العائلية ولماذا أبي وأمي بدلاً من الاستمرار في الصعيد نزلا إلى القاهرة، وأشياء كثيرة أخرى... أشياء تأخذ في ذهني مكان فكرة العثور على قصة حب، على قصة خفيفة مسلية وتحويلها إلى فيلم.

 

أستاذان في المعهد

 

·    على من تتلمذت في المعهد؟

- يوسف شاهين وصلاح أبوسيف. وكلاهما، بدأ الواحد يدرك أهمية أفلامهما منذ الدراسة. وقبل المعهد، كان يرى أن لأفلام صلاح أبوسيف عليه تأثيراً وجدانياً. وفي المعهد، لمس كل ما فيها من تأثير عقلاني جداً، ودرس وحلل مكونات أفلام يوسف شاهين وأبعادها.

 

·    هل تعتبر أنك امتداد لأحدهما؟

- لا أعتبر نفسي امتداداً لصلاح أبوسيف، إلا أنني أرى الروح قريبة منه أي الاهتمام بالناس البسطاء، ومحاولة السرد السهل التلقي.

 

·    تخرجت في 1970 والتحقت في السنة التالية بقسم التصوير السينمائي للشؤون المعنوية في الجيش...

- كنا في الخطوط الأمامية في الجيش الثاني أو الثالث، نصور لقطات وترسل إلى القاهرة. وشاهدت فيما بعد بعضها وأتذكر أننا صورناه واستعمل في أفلام وثائقية وتسجيلية.

 

كتب وأخرج فيلمين تسجيليين قصيرين: "جريدة الصباح" (عرضاً لا يخلو من السخرية السوداء لما تقدمه الصحف صباح كل يوم من فقرات تبدأ بأخبار الدولة وتنتهي بصفحة الوفيات) و"المقايضة" (فلاح من جنوب مصر يقصد السوق الأسبوعي، يبيع محصوله ويشتري راديو ترانزيستور ويعود به على ظهر حمار). وعمل مساعداً للإخراج في أفلام مصرية وأميركية وصورت في مصر. مع محمد بسيوني (ابتسامة واحدة لا تكفي)، يوسف شاهين (اسكندرية ليه)، السيد طنطاوي، محمد شبل (أنياب) و"بعد ثلاث سنوات من العمل مساعداً، قررت تجربة الإنتاج. مع صديق لي مخرج يدعى وصفي درويش، بدأت أفكر في اقتباس "عطيل". كنا نريد دراما تقنع الموزع وتروق الجمهور. وبالفعل أول أفلامي، "الغيرة القاتلة" نجاح جماهيري جيد جداً، أتاح أن يكون لي شقة وعرف بي لدى أهل الصناعة. كنت مدركاً أنه ليس بفيلم ذي قيمة فكرية خارقة، وإنما أوضحني كمخرج يعرف أن يوجه ممثلاً وأن يحرك كاميرا وأن يعمل ايقاعاً وأن يبني فيلماً تستقبله الناس بلا نفور. أرى أنه كان سينمائياً متقناً، ولو استقبله الناقد بعدائية كبيرة، أتذكر أن سمير فريد كتب مقالة مضادة وقال أن علي العودة إلى المعهد لتعلم الدراما والإخراج من الصفر.

 

حطمت قيودي

 

في أقل من سنة. كان كون شركة صغيرة مع المخرج محمد خان والسيناري بشير الديك ("فوجهات نظرنا إلى السينما متقاربة إلى حد كبير، وطموحاتنا متشابهة") وبدأ في كتابة سيناريو بعنوان "حطمت قيودي": "في التصوير شعرنا أن العنوان لا يلائم، دون قيمته. دائماً الواحد وهو في فيلم يبقى احساسه بمدى قيمته قد ايه: من السيناريو.... نور الشريف قال: "نسميه "سائق الأتوبيس" فاقترحت نبيلة السيد: نسميه "سواق الأتوبيس"، أحلى. ومن هنا تسمية الفيلم. وكان "سواق الأتوبيس".

 

·    وأنت تصوره كنت تتوقع له النجاح الجماهيري والنقدي العريض الذي حظي به؟

- كنت أحس بقيمته. وأنني في فيلم صادق جداً. كنا كلنا متأكدين أننا في فيلم نحبه جداً، ولا نضحك على أنفسنا. وفي الكتابة بالذات، أنا وبشير كنا شديدي الاقتناع بكل ما نضعه على الورق.

 

·    في القاهرة، أيام إطلاق "سواق الأتوبيس"، كان يحكى في الأوساط السينمائية أن لنور الشريف اسهاماً في الكتابة والإخراج.

- الفيلم رشح له عادل إمام، ولم يقتنع بالسيناريو فاعتذر. وعرضنا الدور على نور، قرأ السيناريو، أعجب كثيراً وقال: "أنا عندي شوية ملاحظات...". وهذه الملاحظات صغيرة جداً.

كل من عملوا معي يعرفون أنني لا أحب أن أناقش في التصوير. قبل الدخول، نقرأ السيناريو وكل ممثل له نسخة. وأحد الممثلين إذا له ملاحظات، نناقشها، وإذا اتفقت مع وجهة نظري، كان بها وإلا لا أسمح بها. أما في التصوير، فلا أسمح لأي كان – منتجاً أم موزعاً أم ممثلاً أم ممثلة – أن يتدخل في حركة كاميرا في حركة ممثل ولا في الإيقاع ولا غيره. هذه كلها من مقدساتي أنا الشخصية التي لا تمس.

"أيام إطلاق سواق الأتوبيس حكي الكثير: "الله... مش معقول هو يعمل الفيلم الأول بالشكل ده، والثاني بالشكل ده... أكيد فيه حد له دخل في تغير الأشياء". أمام كل ما يقال، ليس في وسع الواحد إلا المزيد من الأفلام ليؤكد وجهة نظره هو.

 

الحركة المهمة

 

·    كيف تتعامل مع الممثلين؟

- أنا أفضل لتوزيع الأدوار أساساً أن يكون متفقاً جداً مع الشخصية المكتوبة، هذا رقم واحد. أكره طريقة التمثيل المعتمدة على وفرة استعمال الأيدي أو بالعكس الممثل الذي يجلس ويتكلم وهو بفذاذه وبلا حركة. وهاتان الخصلتان منتشرتان جداً في السينما المصرية. أنني منهمك جداً في أن أعطي الممثل شغله في حواره. وعادة هذا يكون مرتبطاً بإيقاع المشهد ككل. فالحركة لي مهمة جداً، تساعد الممثل أن يكون طبيعياً أكثر. هناك بعض الممثلين لا يتمكنون من التلاؤم مع الحركة، فيتوهون. في فيلم "الزمار"، بعد يوم واحد من التصوير لأحد الممثلين، اضطررنا إلى تبديله. كانت استحالة إدخاله في الإيقاع العام.

أعمل مع الممثلين قبل التصوير، جلسات فردية أو جماعية، ونقرأ السيناريو مرتين وثلاثاً، نتناقش في مسببات سلوك الشخصيات، نحلل المشاهد، وهذا يريحني جداً في التصوير. فالفيلم مرتبط دائماً واقتصاديات السينما، وعليك أن لا تتخطى، عشرة أسابيع تصويراً. وإذا تخطيتها تعذر على العمل ثانية، أو سيقال: "ده مخرج مكلف...". وعلى أي حال، لي الصبر للاستمرار بفيلم مدة خمسة أشهر. أطول مدة كانت فيلم "البريء": نحو ثمانية أسابيع. والباقي ما بين خمسة وستة.

 

الأسود غير المعتم

 

·    أفلامك اجمالاً تتميز بنظرة سوداوية إلى المجتمع المصري المعاصر، وتصور الإنسان الطيب ذا القيم والمبادئ والأحلام، وهو يصطدم بقوة بصعوبات الحياة اليومية فيظل الجشع والكبت.

- نعم، انما لا أترك السواد معتماً، فأحاول بقدر الإمكان لكل نهاية نوعاً من شحذ الهمة لمواجهة السواد. لا بد أن يكون مقابل هذا السواد، عنف، قوة بصيرة، حب.

 

·    اتعتقد ان الحب وسيلة خلاص؟

- الحب ينقي روحك، وبعد أن ينقي روحك وعقلك، تصير على درجة من القوة كافية لدرء الصدمات. الحب يخلق فيك قوة ويجعلك يقظاً بحدة.

 

·    "سواق الأتوبيس" يشرح بقساوة كبيرة الخلية العائلية – وهذا ليس في الإنتاج السينمائي المصري.

- الفيلم يعكس الظروف الاقتصادية والسياسية التي كانت أبان الفيلم ولما تزل. ثم يجد الواحد ناساً تقول لك: "معلش في الذوبعة دي شيء ما حانلاقيه. إيه هو؟ ما حدش عارفه إلى الآن، انما الكل متفق على انه لا بد أن تنتهي الظروف الموجودة. بأي وسيلة؟ لا أعلم. ربما عندي إيمان أن في إمكاننا شيئاً، نحن السينمائيين. ممكن أفلام تدعو للتمرد. نحن خمسة، ستة مخرجين نحاول أفلاماً تنفخ في الناس روحاً. ونلاقي بازائنا خمسين مخرجاً في أفلام لهدم هذا كله، إلا أن تأثيرنا نحن قد يكون في النهاية أقوى من تأثير عشرة أضعافنا من المخرجين اللامبالين. معظمنا لديه أمل في ما نطمح به.

 

·    هل تعتبر أن لديك رسالة عليك إيصالها، أو رغبة في التعبير عن نفسك تدفعك إلى أفلام؟

- لا، هناك رسالة. رسالة بإزاء الخراب الاقتصادي والسياسي.

 

"الله يرحمه، السادات"

 

·    الفيلم التالي، "التخشيبة" يبدو لي أكثر سواداً من "سواق الأتوبيس".

- نعم، بالتأكيد، الله يرحمه السادات كان يتكلم، دائماً على الأمن والأمان المستبدين... والحقيقة هذا لم يكن واقعاً. كان ممكناً للواحد أن تهدم حياته على أيدي هؤلاء الذين يدعون أنهم يحمون البلد. كان هناك من يستفزك وأنت تتحمل، يستفزك وأنت تتشبث بموقف اللاعدوانية، إلى أن تنفجر بحيوانية.

 

·    بعد النجاح الجماهيري العريض لـ"سواق الأتوبيس"، لم يلق "التخشيبة" اقبالاً يذكر.

- نعم. أطلق فيديو أشهراً قبل السينما، فأبصره الناس في البيوت. رغم ذلك، اقبال ما. أعتقد أنه ثبت عشرة أسابيع، وليس سيئاً.

 

·    كيف تفسر فتور النقاد نحو "التخشيبة"؟

- أتصور أن للفيلم قيمة قال النقاد أنها غير واضحة، وأن الجزء الأخير منه درب بوليسي بحت وأنه انتقصها. ولا أرى ذلك. أجده تسلسلاً منطقياً للحدث. بعضهم استقبله استقبالاً مقبولاً، والبعض خذراً. وبعض النقاد قال إنني  كمخرج أفضل مما كنت في "سواق الأتوبيس". كأن المخرج يحرك بعض الممثلين وكاميرا، فقط لا غير.

 

·    وما هو تعريفك للمخرج؟

- المخرج إنسان قلب وعقل، ومزيج يحركه. إضافة طبعاً إلى المناخ العام الذي هو فيه. والمخرج أساساً إنسان. إذا هذا الإنسان خرب، أكيد هو مخرج خرب جداً، وإذا نجح في انقاذ نفسه من الخراب، فانه سينجي ناساً كثيرين معه.

 

·    أمام بعض ملامح "التخشيبة" أقول إن  الفيلم يبدو لي هيتشكوكياً. وليس فقط في شخصية المتهم البريء، وانما شيء ما في المناخ القلق المتوتر العام.

- لم أفكر في ذلك من قبل. وكلامك يجعلني أسترجع فيلماً لهيتشكوك أحبه جداً، هو "مارني". وفي "التخشيبة" لم يكن ذلك في ذهني بتاتاً.

 

"الشخصيات ضحايا"

 

·    هل تختار بنفسك تشكيل اللقطات؟ تضع عينك في العدسة أو تعطي توجيهات لمدير التصوير والكاميرات؟

- لا يمكنني أن أعمل وأنا أرتجل. انه نوع من الانضباط اكتسبته من يوسف شاهين. اذهب إلى مكان التصوير ومعي تقطيعي الكامل للمشاهد ليوم العمل. ولو حصلت تعديلة صغيرة، لأتت إضافية. وفي الأساس كل شيء على الورق سلفاً: الحركة وتشكيل اللقطة وكل شيء.

 

·    في مهرجان كان، عند عرض "الحب فوق هضبة الهرم" في تظاهرة "15 يوماً المخرجين"، قدمت الفيلم قائلاً ان شخصياته، وهي من الطبقة الوسطى، "ضحايا" كل ما دار في مصر من 1952 إلى اليوم. هل تعتبر أن الثورة في ذاتها جعلت من أفراد الطبقة الوسطى ضحايا".

- أنا مرتبط بجذور، انها جذور أبي وجدي. والأكيد أن الثورة أحدثت الصدمة لدى الناس واستقبلها البعض ايجاباً والبعض الآخر سلباً. وأعتقد أن أبي استقبلها ايجاباً، مذ أتاحت مناخاً وتمكن هو أن يعيش فيه في شكل جيد. أكيد قبل الثورة ما كنت قادراً أن أتعلم. أبي لم يكن له الدخل الكافي لدراستي. وبالثورة تمكنت أن أتعلم وأصير إلى ما أنا عليه الآن.

الثورة صنعت نوعاً من التحول في حياة معظم الناس في مصر، ومن كل الطبقات، ومنها الطبقة التي أنا منها. انه تحول بإيجابيات جذرية، حيوية. وكلمة "ضحايا" التي استعملت تنطبق أساساً على التحولات في 1973. قبل 1973 كنت تعيش في نظام مختلف تماماً عما بعد 73. ففي 1972 كنت متخرجاً في المعهد، وفي عيشة كويسة، والدليل أنني كنت مثلاً موظفاً في وزارة الثقافة أتقاضى 17 جنيهاً، وأعيش بها وأتمكن من مساعدة عائلتي وفي آخر كل شهر جنيه أو اثنان على حده. ومنذ 1973 المسألة اختلفت تماماً. وأول من انهالت عليه المصاعب هم اللي زي حالاتنا. سواء كجيل أم كطبقة. هذا الجيل هو حارب، ومن حاربوا ليسوا أولاد الأغنياء ومن لهم سطوة في البلد. والأوضاع التي اصطدم بها الواحد عند رجوعه إلى الحياة المدينة لم تكن بتاتاً ما تصوره وحلم به وهو يحارب.

 

المطمئن والبحر الهائج

 

·    لك ثلاثة أفلام مع نور الشريف وثلاثة مع أحمد زكي. ماذا عن تجربتك وكل من الممثلين القديرين؟

- العمل مع نور مطمئن جداً، لا تتخلله صعوبات. يهتم بأن يريحك دائماً باستمرار. ومع أحمد زكي كثير التقلبات. بحر هائج. قد يأتي في يوم مضطرباً ونتشاجر. ويؤدي وهو متوتر، أو ربما ذات مرة أتعمد أنا استفزازه. والأقرب لي دائماً أحمد زكي. ولو شديد التقلب، أحمد الأقرب.

 

·    كتبت أربعة سيناريوهات لـ"الحب فوق هضبة الهرم"، وصورت الأخير عاملاً عليه مع مصطفى محرم. هل تعكف دائماً على سيناريوهات أفلامك؟

- السيناري يجلس ليكتب على أسس وضعناها واتفقنا عليها: على الشخصيات وموقف الفيلم، ويجب أن يكون واضحاً جداً من البدء – وعلى الأحداث الأساسية. وكمخرج، لا يمكنني الأخذ بسيناريو جاهز، وعلي أن أنفذه. وهذا لي طبيعي جداً: أن اشترك في الكتابة وأناقش ما يكتبه السيناري.

 

·    "الحب فوق هضبة الهرم" أول فيلم لك عن عمل أدبي مصري. والبعض يلومك أنك أفقدت كتاب نجيب محفوظ شاعريته؟

- أيقولون ذلك؟ مؤسف جداً، وآمل أن يكون الخطأ في رؤية من يدعون ذلك. ميزة الرواية أنها مشعة، ولو قصيرة جداً. والمواقف فيها تعكس أوضاعاً اجتماعية وسياسية واقتصادية في آن. ما أتاح لنا العمل بحرية قوية على السيناريو وأن نبني أحداثاً لها دلالة على شخصية قد تكون عابرة جداً في الأصل الأدبي. قصة نجيب محفوظ كانت نهراً غرفنا منه، وآمل حقاً أن يكون اتهامي بتفريغها من شاعريتها مجرد رأي اعتباطي.

 

·    "الحب فوق هضبة الهرم" يبدو متوغلاً أبعد في السوداوية. الحب نفسه لا يشكل خلاصاً لأحد. هل أفلامك أسود فأسود لأنك هكذا ترى حولك؟

- لا خلاص. فالذين ينجون يكتفون بشبه نجاة أو بنجاة زائفة، وهو المحتمون بالدين. غير أنني أرى في "الحب فوق هضبة الهرم" كم يملك من التهكم أكثر بكثير من الأفلام السابقة له. كم سخرية رهيبة. ولا أقول انه أشد سواداً، وانما في السلسلة التي ليست بالوردية التي يتصورها السينمائيون المصريون عادة ألخصه بأنه عن كل ولد وبنت في مصر يريدان الجنس معاً وغير قادرين على فك الكبت.

 

"هبوط أورفيوس"

 

·    "الزمار" اقتباس لرواية تنسي وليامس "هبوط أورفيوس"، ونقل رفيق الصبان وعبدالرحيم منصور المعطيات إلى الصعيد المصري. هل أنت من اختار اقتباس "هبوط أورفيوس" وما الذي جذبك؟

- في البدء، نور الشريف من اختار الفكرة. من الصعب جداً علي أن أتحدث عن أفلامي في شكل محدد يمضي الواحد يمكن من الشخصية، من الحديث، ويأخذ بتطويرها من خلال نفسه، من خلال المناخ الذي هو فيه، ومن انعكاس الأحداث التي ترتمي عليه. أحاول دائماً أن يكون هذا كله في أي موضوع أعمل عليه.

 

عن فلاح شاب

 

·    حدثنا عن "البريء" الذي تنتهي حالياً من تركيبه.

- قصة وسيناريو وحوار من وحيد حامد، تمثيل أحمد زكي، عن فلاح شاب يزرع أرضه ومن المحصول يعيل والدته وأخاه المتخلف عقلياً، يستدعى للتجنيد ويلحق بالأمن المركزي ويتوكل بحراسة واحد من المعتقلات السياسية. قبل أن يغادر قريته، يسأل الشاب البسيط صديقه متنورا: حايودوني الجيش أعمل ايه؟، قال له: "عشان تحارب الأعداء"، قال له: "إنما احنا بلادنا مالهاش عدوين"، فقال له: "يمكن يكون لها عدوين في يوم من الأيام، فتبقى مستعدة للدفاع عن نفسها". وفي المعتقل، يقال له أن في الداخل أعداء الوطن. فينهال عليهم بقسوة ويعذبهم. وتبدأ رحلته الصعبة مع تأنيب الضمير والمعاناة من أساليب القمع التي يفرضها على من .......... التتمة في الصفحة 11 (للأسف.. مفقودة..!!)

 

 

النهار اللبنانية في

19.08.1985

 
 
 
 

عن «عاطف الطيب» في «سينماتك»

 
 
 

·    عن ثنائية القهر/ التمرد في أفلام المخرج عاطف الطيب

·    من إصدارات حداد.. رؤية نقدية في أسلوبه السينمائي

·    شاهد صور للمخرج

 
 
 
 

عاطف الطيب (1947 - 1995) Atef El Tayeb

 

مخرج مصري، ولد في مركز المراغة التابع لمحافظة سوهاج في عام 1947، درس في قسم اﻹخراج بالمعهد العالي للسينما وتخرج منه في عام 1970، وخلال فترة الدراسة وبعدها، عمل عاطف الطيب كمساعد مع عدد من المخرجين، منهم مدحت بكير ومحمد شبل وشادي عبد السلام ويوسف شاهين، ثم أخرج أول فيلم طويل له في عام 1982 وهو فيلم (الغيرة القاتلة)، وواصل بعدها مسيرته في اﻹخراج من خلال عدد كبير من الأفلام التي نالت نجاحًا نقديًا وجماهيريًا، منها: (البريء، سواق الأوتوبيس، ضد الحكومة، ملف في الآداب، الهروب، ليلة ساخنة). توفى في عام 1996 بعد إصابته بأزمة قلبية بعد عملية جراحية في القلب.

الجنسية: مصر       تاريخ الميلاد: 26 ديسمبر 1947            تاريخ الوفاة: 23 يونيو 1995

 
 
 
 

سمير نصري (1937 ـ 1991) Samir Nasry

 

مخرج وكاتب وناقد سينيمائي مصري، ولد عام 1937، وبدأ حياته الصحفية ناقداً للسينما في بعض المجلات والصحف المصرية التي كانت تصدر باللغة الفرنسية في مصر في الخمسينيات، ثم إلتحق بمجال اﻹخراج عندما تعرف على يوسف شاهين وشارك معه كمخرج مساعد بفيلم (نداء العشاق) عام 1960، ثم كتب له سيناريو فيلم (فجر يوم جديد) عام 1965، شارك بعدة أفلام أيضا منها (اسكندرية كمان وكمان، شباب تحت الشمس)، يعتبر من أهم النقاد السينيمائيين في العالم العربي، وافته المنية عام 1991.

الجنسية: مصر       تاريخ الولادة: 1937         تاريخ الوفاة: 1991

  

 
 
 
 
 
 

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004