فيلمنا يعد من بين
أبرز الافلام التي عرضت هذا العام. ففيلم (حسن اللول) نجح في أن يجمع كل
مواصفات الفيلم التجاري، وتوافرت فيه كل أسباب القبول الجماهيري.. (نجم
شهير، في دور البطل الذي لا يقهر.. نجمة شابة جميلة بل فاتنة تسير يخطى
ثابتة نحو إحتلال مكانة شرعية على الشاشة.. ومخرج حركة متمكن أصبح يعرف
تماماً قواعد اللعبة السينمائية).. ماذا تطلب من فيلم تجاري إستهلاكي،
أكثر من هذا؟ قام ببطولة الفيلم النجم الجماهيري أحمد زكي مع شيرين رضا وعبدالعزيز مخيون وعزت أبوعوف وجمال إسماعيل ومحمد الدفراوي. أما الإخراج
فكان للمصري نادر جلال.
من خلال الدعاية الصحفية عن فيلم (حسن اللول)، التي ذكرت بأنه يدور حول
شاب فقير يسعى الى الثراء السريع باللجوء الى مافيا المخدرات وعالم التهريب.. كان متوقعاً بأنه سيتبنى فكرة درامية مقتبسة وربما مملة، ينقذها إخراج
عالي الحرفية ليستهلكها الجمهور.. وكان هذا أقصى التوقعات. إلا أننا
شاهدنا فيلماً قادراً على شد إنتباه المتفرج، يضع نفسه في مقدمة أفلام
الشباك. فتفاصيل أحداث الفيلم مشبعة بوقائع إجتماعية وتاريخية محسوسة،
والمخرج وطاقمه الفني نجحوا في أن يجعلوا الفيلم يستمر متحدياً في السباق.
فأحداث الفيلم السريعة وتفاصيل مشاهده المثيرة، جعلتنا نشعر بالتفائل في
أن يستمر هكذا حتى النهاية.. إلا أنه لا يفعل ذلك.
يحكي الفيلم عن حسن اللول (أحمد زكي)، مهرب صغير من بورسعيد، ينتمي الى
أسرة بسيطة مكافحة، شأنها شأن الكثير من الأسر المصرية.. يعمل مثل
الكثيرين من مواطني بورسعيد في تجارة نصفها مشروع والنصف الثاني قائم على
المهارة والذكاء وحسن التصرف مع ضباط الجمرك والمسئولين فيه. وهو بالرغم
من إشتغاله في التهريب، إلا أنه نموذج لإبن البلد، كما عرفناه في الكثير
من الافلام المصرية، بشهامته وحسن تدبيره وإيمانه بقيم أخلاقية وإجتماعية
ثابتة. هذا رغم الحياة التي يحياها والعمل الذي يمارسه. وربما يعود ذلك
أصلاً الى تكوينه العائلي المتين، والى إضطراره السير في طريق فرضته السوق
الحرة المقامة في بورسعيد وإختلاف طرق الحياة فيها. فهو مثلاً لا يلوث
يديه بتهريب المخدرات، بل يحاول أن يأخذ الحياة (بفتاكة).. يناورها بيديه
وقلبه ولسانه.
أول ما يلفت الإنتباه في فيلم (حسن اللول) هو إختيار بورسعيد مسرحاً
للأحداث، مما أعطى الفيلم طابعاً مميزاً وجديداً على المتفرج، هذا بالرغم
من ضعف القصة وسطحيتها في بعض الأحيان. وقد نجح المخرج في إستغلال المدينة
بكل ما فيها من مخازن كبيرة ومقاهي ولنشات بحرية ومصانع كبيرة، التي
ساعدته كثيراً في إبراز إمكانياته وإضفاء إيقاع حركي متميز، وهو أسلوب
يتميز به كمخرج.
ومع وجود إحساس بطبيعة هكذا مكان، وحوار ذكي وشيق، كان هناك إهتمام
بالتفاصيل الصغيرة التي تحيط بالموضوع الأساسي، ألا وهو عالم التهريب.
إننا هنا في مدينة بورسعيد بعد أن أصبحت منطقة حرة تتاجر في السلع
الاستهلاكية.. إذن نحن نتابع عالم قائم على معايير ومقاييس محددة. فمن
خلال أحداث الفيلم سنجد صوراً مؤلمة لمجتمع أصبح يفكر على نسق واحد..
فالكل يعلم ما يحدث من عمليات تهريب وعليه أما أن يشارك فيها أو يتغاضى
عنها. ومن يقاومها مصيره الموت.
سيناريو فيلم (حسن اللول) يتمحور حول علاقتين يعيشهما حسن، الاولى مع
مأمور الجمارك مصطفى العربي (عبدالعزيز مخيون) القادم من الصعيد وهو يحمل
دون أن يدري عوامل مصيده المأساوي.. وهي البراءة والشرف والجرأة على
مواجهة عمليات التهريب. والعلاقة الثانية مع الفتاة فاطمة أو فتيما (شيرين
رضا) الابنة المدللة لإمبراطور التهريب السرساوي (محمد الدفراوي) الذي كانت
تعده مافيا المخدرات في القاهرة بواسطة مساعده زكريا (عزت أبوعوف) ليتحول
من تهريب الاقمشة والآلات الكهربائية الى تهريب الهيرويين مقابل الثروة
الهائلة والمساعدة في الانتخابات النيابية.
ومن خلال تتابع الأحداث نكتشف بأن حسن اللول لم يكن سعيداً بمهنته، فهو
حاصل على دبلوم صنايع، ولكنه يهوى السياقة لانها تساعده على الهرب من حزنه
الدفين. ونراه يعاني كثيراً داخل مدينة موحشة نزح منها الاب والاخت ليعيشا
في المطرية. ويعيش ذكريات حزينة عن شقيقه الذي مات غرقاً ضحية لفساد الذمم. وتأتي علاقته العاطفية بفتيما لتؤكد مدى أحاسيسه المرهفة وقدرته على
التعامل مع الامور برجولة وأمانة.
لقد حقق نادر جلال وفريقه الفني فيلماً رفيع المستوى مليئاً بالتفاصيل التي
تعكس تجاوباً مع المعايشة الذاتية لكاتب القصة، سواء في إختيار الاماكن
داخل مدينة بورسعيد في منافذها البرية والبحرية أو في تجسيد العلاقات
المتشابكة بين الشخصيات بسلاسة وحنكة.. ولولا الثلث الاخير من الفيلم،
حيث تحولت الاحداث الى مجموعة من المشاجرات والمطاردات المنفذ بعظها بإهمال، لتحقق لهذا الفيلم شأن آخر.
ومن المهم أن نذكر بأن هذا الفيلم يقف وراءه فنان كبير وعبقرية نادرة في
الأداء، هو بطله الاول أحمد زكي، الذي يتألق دائما، ويقدم لنا وجهاً آخر
من وجوه موهبته المتألقة التي لم يعد يشك فيها أحد. فهو في هذا الفيلم
يأتي إلينا مغامراً شهماً ومقاتلاً شرساً.. حزيناً في أعماقه قادراً على
العشق مرة وعلى التحدي مرات.. إنه يقدم لنا أفضل أدواره بعد (ناصر 56).
لقد فهم أحمد زكي بذكائه وحسه المشتعل طبيعة الدور التجاري الذي يلعبه في
حسن اللول.. فعزف على أوتاره ونجج في ذلك.
ثم لا بد من الإشارة الى أن المخرج نادر جلال قد نجح الى حد كبير في إختيار
ممثليه بل وإكتشافهم من جديد، فبالإضافة الى أحمد زكي، قدم لنا شيرين رضا
في دور جميل ومبتكر بوجهها الجميل الاخاذ وطريقة حركتها والحلاوة التي تقطر
من عينيها، فهي مكسب حقيقي للسينما المصرية.. رغم أن الطريق مازال طويلاً
أمامها، عليها أن تطوره لا أن تكرره. كما يؤكد مرة أخرى على أن عزت
أبوعوف هو نجم المستقبل للأدوار الثانوية، بعد أن قدمه من قبل في أفلام
(إمرأة هزت عرش مصر، إغتيال)، وذلك في شخصية الانتهازي الفاسد باستاذية
تؤكد أن مكانة هذا الفنان قد أصبحت ثابتة في السينما المصرية وأنه قد أصبح
من الدعائم الراسخة فيها.
إن الفيلم ينتمي بشكل مباشر الى نوعية الفيلم التجاري الجماهيري الذي يهدف
الى التسلية والامتاع.. مع قدر بسيط من النقد الاجتماعي. فهو في تركيبتة
وأسلوبه لا يقصد هز قواعد السينما.. أو تقديم إتجاه مبتكر.. أو طرح أسلوب
سينمائي متجدد.. إنه يقدم نفسه من خلال تركيبة معروفة، سبق أن شاهدناها
في الكثير من الافلام.. ولكنه يضيف إليها جرعات متقنة من تمثيل وتصوير
وإخراج، تجعلنا نعاود مشاهدتها دون إحساس بالملل أو الضيق. والفيلم شأنه
في ذلك شأن معظم أفلام هذه الايام، وإن كان يعرض لقضايا جديرة بالاهتمام،
إلا أنه يعرض لها على الهامش، فيمر عليها مرور الكرام، وبذلك تضيع رسالتة
الفيلم وسط ركام من مقبلات الفيلم التجاري. |