فيلم (الجراج ـ 1994) من بطولة الفنانة نجلاء فتحي وفاروق
الفيشاوي وآخرون. ومن إخراج المخرج الشاب علاء كريم، في ثاني أفلامه بعد
فيلمه (إشتباه ـ 1992)، الذي سبق وقدمنا له على صفحات مجلتنا هذه.
وفيلم (الجراج) يشكل إنطلاقة جديدة لمخرجه، خصوصاً إذا عرفنا بأنه هو من
كتب القصة السينمائية عن أحداث واقعية، وإشترك مع الكاتب وليد سيف في
كتابة السيناريو والحوار.
فكرة الفيلم جديدة وتحكي عن عالم المهمشين الذين يعيشون في جراجات العمارات
الشاهقة التي يسكنها الميسرين. فنحن أمام نعيمة (نجلاء فتحي) وهي إمرأة
مسئولة عن جراج عربيات لإحدى العمارات، وهي أيضاً أم لسبعة أطفال، أما
الأب زينهم (سيد زيان) فهو عاطل عن العمل ومنحرف خلقياً ومتنكراً لمسئوليته
أمام زوجته وأطفاله، ونراه يسعى للحصول على عقد عمل في الخارج حتى يتحقق
له ذلك، ويسافر تاركاً أطفاله لأمهم تتحمل تربيتهم. وأمام هذا الفقر
الشديد التي تعاني منه هذه العائلة، تشعر الأم بحالات يأس والإحباط من
مقدرتها على متابعة كافة طلبات أطفالها، وتربيتهم تربية صحيحة وصالحة،
خصوصاً وهي تعاني من آلام شديدة في الرأس. فإبنتها البكر (دنيا)، التي هي
في سن المراهقة، وهي سن خطرة إذا لم يكن هناك من يتابعها، تتعلق بحب شاب
صغير من سكان العمارة يوشك أن يعتدي عليها ويدمر حياتها، لولا تدخل الأم
لإنقاذها في آخر لحظة.. والإبن الأكبر تامر (تامر أشرف) المنحرف والذي
نراه يتبع خطى والده في أكل العيش، فنراه ينصب على الجميع ويسرق قطع غيار
سيارات الجراج لييبيعهم ويشتري بثمنهم سجائر وخمر، ويودي به إنحرافه الى
سجن الأحداث. أما الإبن الأصغر حسن (حسن مصطفى) فهو طالب مجتهد ويتمنى أن
يصبح دكتور، وهو المفضل عند الأم. وهناك أيضاً أخوهم المعاق كريم (كريم
الحسيني) والذي يهوى الموسيقى والغناء ويعمل بالخفاء كمنادي لبيع الزهور،
يسترزق منها قوت يومه.. ومع كل هؤلاء يعيش الشاب عبدالله (فاروق الفيشاوي)
وهو الذي رباه والد نعيمة وأصبح بمثابة شقيقها، هي ترعاه وتعطف عليه
خصوصاً بأنه فاقداً للنطق، وهو يحميها من قدر الآخرين بإعتباره رجل شهم.
تتصاعد الأحداث وتصل الأحداث مع نعيمة الى مرحلة خطيرة من اليأس، خصوصاً
بعد أن تكتشف بأنها مصابة بالسرطان، بل وفي مرحلة متأخرة وميئوس منها.
وتتصارع في داخلها الأفكار في كيفية تدبير أمر أطفالها بعد أن ينهي المرض
حياتها. الى أن تشير عليها إحدى صديقاتها بأن تطمئن عليهم مع أناس قادرين
يرعونهم. فتقبل نعيمة هذه الفكرة على مضض، حيث لاخيار لها غيره. فتبدأ
بالدكتور الصغير حسن، الذي يأخذه عجوز مقتدر مع زوجته ويعتبرونه مثل إبنهم، ليكون بداية تشتت الأسرة. فالإبن الرضيع مع أخته دنيا يذهبان مع زوجان
حديثا الزواج لا ينجبان. كذلك الطفل يحيى (يحيى كريم). والإبن المعاق
كريم يذهب الى مدرسة داخلية للمعاقين. ولا يمهل الموت نعيمة حتى تتصرف في
البقية، فتموت تاركة هؤلاء الأطفال يواجهون مصيرهم المحتوم.
بعد حادثة محاولة الإعتداء على دنيا من قبل من تبنى أخوها الرضيع، يصل
الفيلم الى نهايته السعيدة، ليجتمع الأشقاء تحت لواء الشاب الشهم عبدالله
والأخت البكر دنيا.
في فيلم (الجراج) نحن أمام مأساة إجتماعية ميلودرامية. مكتوبة بعناية في
سيناريو أخاذ في كثير من الأحيان، يتخلله ضعف في ربط بعض الأحداث. إنما
رسم الشخصيات فكان موفقاً الى حد كبير. خصوصاً شخصية نعيمة، التي قدمتها
الفنانة نجلاء فتحي بصدق وثقة وإقتدار. وبشكل عام فالتمثيل كان عنصراً
فعالاً في توصيل ما يريده الفيلم من أفكار خصوصاً أداء الأطفال في أدوار
رئيسية. أما الفنان فاروق الفيشاوي فيحسب له أداءه لشخصية عبدالله،
بإعتبارها شخصية ثانوية ولكنها هامة ومؤثرة في الأحداث.
نأتي الى دور المخرج علاء كريم في تجسيده لهذه المأساة الإجتماعية، حيث
كان متألقاً في إدارته لمجموعة ممثليه وخصوصاً الأطفال. ومقدرته في التحكم
في أدواته الفنية من تصوير جيد أداره الفنان محسن نصر، ومونتاج لماح لسلوى
بكير، وموسيقى وألحان لمنير الوسيمي. في فيلم (الجراج) يؤكد المخرج علاء
كريم تطوره الفني بعد فيلمه الأول، بل إنه بفيلمه الثاني هذا يعلن عن فنان
حساس وموهبة فذة. |