فيلم (موعد مع الرئيس ـ 1990)
إخراج محمد راضي وبطولة فاروق الفيشاوي وإلهام شاهين وكمال الشناوي،
ومجموعة كبيرة من الممثلين. هذا إضافة الى مجموعات الكومبارس الكبيرة،
باعتبار ان فيلمنا هذا ينتمي لفائمة الافلام ذات الانتاج الضخم.
وعبارة (إنتاج ضخم) لا تعني بالضرورة ان يكون الفيلم ذا قيمة فنية أو فكرية
معينة لمجرد ان منتجه قد صرف عليه كثيراً. فتاريخ السينما العالمية قد حفل
بالكثير من هذا النوع من الانتاج، سواء كانت افلاماً حربية أو تاريخية، فانتجت عشرات الافلام الرفيعة المستوى، وكان هناك العديد من الاعمال
المتدنية، فقيمة الفيلم إذن تكمن في ذاته ولا تتحدد بانتمائه لهذا الاتجاه
أو ذاك.
وفيلمنا الذي نحن بصدد تناوله قد توافرت له إمكانيات إنتاجية كبيرة، نسبة الي ما تنتجه السينما المصرية طبعاً. فالفيلم في مجمل مشاهده يحتوي على
مجاميع تقدر بالمئات، بينهم جنود الامن المركزي ونشاهدهم يؤدون تدريباتهم
الشاقة في صفوف طويلة ومنتظمة، ومجموعات من الكومبارس يمثلون سكان أحد الاحياء الشعبية، يتحركون ككتلة واحدة. هذا إضافة الى الاسلحة وعربات
الجنود والدراجات البخارية والطائرات المروحية، جميعها كان له دور فيما
شاهدناه من مطاردات وصدامات ومواجهات بين المجاميع والافراد. كل هذا كان
يؤكد وصفنا للفيلم بانه ينتمي الى قائمة (الانتاج الضخم).. لكن السؤال هو
ماذا يحمل هذا الانتاج من مضمون فكري وفني؟! نحن هنا، عندما نريد البحث
في ذلك، لن نتطرق لسرد احداث الفيلم، وإنما سنكتفي بالاشارة الى بعض
المشاهد التي تهمنا في تناولنا له.
الفيلم بالرغم من تقليدية السرد الدرامي فيه، إلا ان جزءه الاول كان أفضل
من الثاني. فالجزء الاول إعتمد على عنصري الاثارة والتشويق في عرض قضية إجتماعية تناولتها الكثير من افلام الانفتاح، والتي شكلت في عصر الانفتاح
الاقتصادي أفضل وأكبر مجالات الاستثمار المالي السريع. مما ترتب على ذلك
بروز ظاهرة الشراء أو الاستيلاء على الاراضي بالقوة، وتحويلها الى مشاريع
سياحية وإستثمارية جديدة.
كان الصراع في الفيلم تقليدياً، ويدور بين الخير (نائبة مجلس الشعب)
المدافعة عن سكان الحي وعن حقوقهم، وبين قوى الشر (الشركة الاستثمارية)
التي إستصدرت حكماً قضائياً مزوراً باخلاء الحي من السكان بالقوة. والصراع
بين الطرفين كان ما بين شد وجذب حتى نهاية الفيلم التي تعلن إنتصار الخير
طبعاً.
الفيلم في بنائه العام ضعيف، ولم يوفق في رسم شخصياته واحداثه، فبدا
أغلبها سطحياً ويفتقر الى العمق في التحليل. فعلى سبيل المثال هناك مشهد
محاولة إخلاء الحي من السكان من قبل رجال الامن المركزي، وهو من أضخم
مشاهد الفيلم، حيث مشاهد قوات الامن المركزي وهم يقفون في صفوف منتظمة وفي
حوزتهم العصي والدروع ويلبسون الخوذات، وبعضهم يضع كمامات علي الوجه كما
لو كانوا سيدخلون حرباً كيماوية. وأمام كل هذه الاستعدادات التي تشكل
تهديداً للسكان فانهم على إثرها يخرجون في كتلة واحدة كبيرة، لا ليدافعوا
عن مساكنهم، بل ليهربوا مثل الجرذان، وعبثاً من يحاول إرجاعهم الى
مساكنهم، فالجميع مصاب بالرعب ويطلب النجاة.
هذا المشهد بالذات، رغم ضخامته، يبدو ضعيفاً جداً من الناحية الفكرية، إذ يعبر عن موقف متجن على هؤلاء الناس البسطاء، فيظهرهم يصرخون ويولولون
ويدوسون بعضهم البعض بالاقدام، فقط لمجرد الهرب والنجاة من تهديد قوات الامن. ثم نشاهد ـ في نفس المشهد ـ الجنود وهم يضربون العجائز والنساء والاطفال بالعصي، والعجيب ان الفيلم لا يتخذ موقفاً نقدياً ضد جهاز القمع، بل علي العكس فهو يكيل له المديح في النهاية. لذلك فنحن لا نخرج بموقف
واضح، وإنما بموقف غريب ومشوش، يجعلنا نعتقد تماماً بان هذا المشهد إنما
جاء فقط لعرض (مشهدية ضخمة) للتأكيد على ان الفيلم ذو إنتاج ضخم.
هناك ايضاً مشهد إنقاذ الطفلة من أيدي العصابة، والذي جاء مشهداً ساذجاً،
حيث تم بسهولة شديدة ـ من قبل رجال الامن ـ تحديد مكان الطفلة المخطوفة.
ثم تلك المعركة الحامية والمفتعلة لانقاذها، لا تتناسب وحجم الحدث.
ثم أننا لا نجد ما يبرر وجود تلك العلاقة العاطفية التي بين بطلة الفيلم
وضابط الامن، فوجودها قد أضر كثيراً بالمعنى العام للفيلم. فاذا كان ذلك
لمجرد ايجاد المبرر لذلك الحماس لدى الضابط وإستبساله في إنقاذ البطلة وإبنتها، فهو بالتالي مبرر فاقد القيمة. فعدم وجود تلك الفلاقة يعطي
شمولية أكثر عمقاً في قيام ضابط بمهمته الاساسية وهي مواجهة الارهاب. ثم ان وجود هذه العلاقة قد حول الاحداث ـ خصوصاً في الجزء الثاني من الفيلم ـ الى نموذج ضعيف من افلام العنف والمطاردات، فليس بالضرورة ان يكون هناك
حافز شخصي لكي يتصدى أي شخص، وليس رجل الامن فقط، للارهاب وللخارجين على
القانون.
ثم لا يفوتنا الاشارة الى ذلك التطويل والتمطيط في احداث الفيلم. فهناك
المقدمة غير الضرورية تماماً، والتي جاءت لتجسيد (مشهدية ضخمة) ايضاً.
وجاءت أقرب الى الفيلم التسجيلي المتقن الصنع عن معسكرات الامن المركزي
وتدريباتهم. هذا إضافة الى مشاهد كثيرة يمكن إختصارها أو الاستغناء عنها
تماماً.
أما إختيار القطار للرحلة من القاهرة الى أسوان، فقد جاء ـ كما يبدو ـ لايجاد مساحة زمنية إضافية للفيلم للمزيد من الاثارة والعنف. هذا إضافة الى ان القطار أساساً مكان يساعد على تجسيد هذه الاثارة.
فيلم (موعد مع الرئيس) بكل هذا الضعف العام المنتشر بين ثناياه،
ومغالاته في التعبير عن قضايا الجماهير، ثم تأكيده في الجزء الثاني حتى
النهاية على ان كل إصلاح إجتماعي أو إداري يتوقف على مقابلة الرئيس، إنما
ينم عن حلول ناقصة ورؤية أحادية. وبكل هذا، يثبت لنا هذا الفيلم بان صفة الانتاج الضخم لا يمكن ان تجعل من العمل الضعيف والصغير في جوهره، عملاً
ضخماً وجيداً. |