في فيلم (أفواه وأرانب)، هناك فكرتان أساسيتان تدور حولها الأحداث:
فكرة التصالح الطبقي، وفكرة تحديد النسل. ومن هاتين الفكرتين تتفرع
عدة أفكار ثانوية كثيرة، كفكرة الصراع بين الخير والشر وغيرها من
الأفكار المثالية. فكرة التصالح الطبقي تدور بين فاتن حمامة
المنتمية الى الطبقة العاملة الفقيرة، وبين محمود ياسين البورجوازي
النبيل. ولكن الصراع ـ كما بينه الفيلم ـ لا يدور بين هاتين
الطبقتين، بل بين كل واحدة منهما وبين أندادها من نفس الطبقة. ولا
يتم اللقاء بين فاتن ومحمود إلا بعد أن ينتصر كل منهما على طبقته،
سواء كان ذلك بالإقناع أو بالعناد، حيث لا فرق في هذا عند صناع
الفيلم. ولكن الفيلم بذلك قد إعتمد في توصيل فكرة التصالح الطبقي
على تحويل الصراع الطبقي الى صراع أخلاقي بين الخير والشر، وصرف
النظر عن الدوافع الإجتماعية التي تحرك هذا الصراع. وهذا ـ بالطبع
ـ منطق متخلف كما نظن. وحتى إذا قلنا بأن لفاتن حمامة هنا خصوصيتها
الشخصية، أي بأنها ليست شخصية نمطية شائعة، فإن المخرج قد نجح
بإستخدامه لكافة تلك العناصر السينمائية الفنية التي تحدثنا عنها
سابقاً ـ وبالأخص فاتن حمامة ـ في تحويل الخاص الى عام، في تحويل
شخصية فاتن حمامة من حالة خاصة الى حالة عامة. وبالتالي، فقد لعب
ذلك التعاطف الذي نشأ بين الجمهور وبطلته، دوراً سلبياً ومخرباً.
أما بالنسبة للفكرة الأساسية الأخرى، فإن الفيلم قد طرح مشكلة
الإنجاب وتعدد الأطفال لدى العائلات الفقيرة، طرحها بشكل سطحي
متجنباً ـ بالطبع ـ علاجها جذرياً. فهو يبدأ وينتهي بلقطات قصيرة
وسريعة لأطفال منتشرين في الشوارع، تقول بأن هذه المشكلة هي السبب
في الفقر الذي تعاني منه عائلة فاتن حمامة. وهي ـ أيضاً ـ السبب
الذي يجعلها تخشى الزواج.
إن مشكلة الإنجاب هذه حاضرة في كل لحظة من لحظات الفيلم، وبالتالي
فالفيلم يدينها. ولكن المخرج لا يتردد لحظة واحدة في إيجاد حل سحري
لها، حيث يكون الحل على يد البورجوازي النبيل، عندما يأتي في
النهاية ويصطحب أفراد العائلة جميعاً ليعيشوا معه في المزرعة. وهذا
ـ بالطبع ـ حل فوقي مزيف للمشكلة، يطرحه الفيلم بديلاً للحل
المنطقي. أي إنه حل يتناول الشكل الخارجي للمشكلة وليس جوهرها،
فالمشكلة الأساسية هنا هي مشكلة النظام الإقتصادي العاجز عن
إستيعاب مالديه من طاقات بشرية نتيجة غياب التخطيط المستقبلي
السليم.
وكما يفعل الفيلم، حين يعمم الحل القائم على التصالح الطبقي، نراه
يعمم الحل السحري بالنسبة لمشكلة الإنجاب. فمثلما وجدت فاتن حمامة
من يحبها ويرفعها طبقياً، كذلك يجد الأطفال سيداً يرعاهم ويوفر لهم
ما كانوا محرومين منه، وبالتالي ينهي مشكلتهم. هنا يكون الفيلم
وصناع قد حققوا ما أرادوه من توصيل هذه الأفكار، وذلك بدغدغة عواطف
المتفرج، وإستدراجه للتعاطف مع الفيلم وأبطاله وبالتالي أفكاره.
وإظهار السيد البورجوازي كالبطل المنقذ في النهاية، دون أن يتركوا
أي مجال للمتفرج بالتفكير في حل آخر، أو إنتظار أي منقذ آخر.
ولكن بالرغم من كل ذلك، فلا بد من الإشارة الى أن (أفواه وأرانب)
فيلم جيد فنياً ومتقن في صناعته السينمائية. وهذا بالذات ما دفعنا
الى تناوله من الناحية الفكرية بل والتركيز عليها. لأن مثل هذا
الفيلم يشكل خطراً أكبر على الجمهور، وكان لابد من فضحه.