( 1 )
يعد
فيلم (رجل المطر
Rain Man) إنتاج عام 1988، أهم الأفلام
التي عرضت في ذلك العام، وإستحق لقب فيلم الجوائز، حيث حصل على
ثمان جوائز أوسكار
أفضل فيلم، أفضل إخراج، أفضل ممثل، كما حصل قبل الأوسكار على
جائزة الدب الذهبي
في مهرجان برلين الدولي.
يتناول الفيلم عزلة الفرد وإغترابه في وسط
مجتمعه، كما يؤكد على ضرورة الإتصال مع الآخر وفهمه وقبوله كما هو.
وقد جاء تجسيد
كل هذه المعاني من خلال تلك العلاقة التي تقوم بين شقيقين، عندما
يلتقيان من جديد
بعد وفاة والدهما. أحدهما يدعى شارلي (توم كروز) يعمل في تجارة
السيارات ويعاني من
أزمة مالية، وهو الذي لم يكن على وفاق مع والده المليونير وتركه له
منذ أن كان في
السادسة عشرة من عمره.
أما الشقيق الأكبر ريموند (داستن هوفمان) فقد كان مقيماً
في مصح للمتخلفين عقلياً منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً، حيث
كان يعاني من مرض
عقلي دفعه الى التوحد مع الذات والعجز عن فهم الواقع والتعامل معه
وإقامة علاقات
سوية طبيعية مع الآخرين. لكنه في ذات الوقت يملك قدرة هائلة ومذهلة
في التعامل مع
الأرقام وحل المسائل الحسابية، هذا إضافة الى إمتلاكه لذاكرة
قوية وملفتة يمكن أن
تختزن معلومات وإحصائيات تثير الدهشة حقاً، حوادث الطيران مثلاً.
وبوفاة
الوالد ينتعش الأمل لدى »شارلي« لحل أزمته المالية، معتقداً بأنه
سيرث تركة والده، إلا أنه يصدم عندما يعرف وصية والده، والتي تقضي
بملكيته للسيارة القديمة فقط، تلك السيارة التي كانت سبباً في تأزم
العلاقة بينه وبين والده. ولم يكن شارلي
يتذكر بأن له شقيقاً، بل أنه فوجىء بأن ملايين والده ورثها شخص
يدعى »ريموند«، لا
يعرف معنى المال ولا كيفية التصرف فيه. ويكتشف شارلي أو يتذكر بأن
ريموند هو نفسه
»رينمان« الذي كان يشعر بالراحة والطمأنينة
في حضوره عندما كان صغيراً، بل كان
يعتقد بأن شخصية »رينمان« هي من نسج خياله هو.
( 2 )
في فيلم (رجل المطر
Rain Man)
يقرر شارلي، وينجح في أن
ينتزع شقيقه من المصح دون علم المشرفين هناك. دافعه في ذلك هو
إيجاد طريقة للحصول
على نصف التركة ـ على أقل تقدير ـ من شقيقه مهما كلفه الأمر، وفي
سبيل ذلك يحتمل سلوك ريموند الطفولي، ويتحمل المشاكل التي تترتب من
جراء تخلفه العقلي. وهو ـ
بالطبع ـ لا يتردد في إستغلال مهارات ريموند وقدراته على
التعامل مع الأرقام في الكسب من صالات القمار في »لاس فيجاس«. ولكن
فيما بعد يتغير موقف شارلي، ويشعر
تجاه ريموند بالحب والإحترام، بل ويقرر الإعتناء بعه ورعايته، غير
إن هذا الأمر
لا يمكن تحقيقه، بإعتبار إن ريموند ليس مؤهلاً لفهم الحياة والتكيف
مع العالم
والناس خارج المصح العقلي.
تكمن قوة الفيلم الفنية في أداء داستن هوفمان لشخصية ريموند، حيث
حرص هذا الفنان العبقري على دراسة شاملة للشخصية وسلوكها، وإهتم
بأدق التفاصيل المتعلقة بالحركة والإلقاء، فقدم دوراً صعباً لا
يتكرر، ونجح بتمكن في توصيله بشكل مقنع ومدهش لا مثيل لهما، هذا
الدور الذي أهله للحصول على أوسكار أفضل
ممثل.
أما السيناريو، فهو يقدم لنا رحلة يقوم بها شخصان يختلفان في كل
شيء، في سلوكهما وفهمهما ورؤيتهما للعالم، ولا يربطهما سوى المال
والعجز عن الإتصال والتفاهم. فإذا كانت حالة ريموند مرضية عقلية
أساساً، فإن حالة شارلي نفسية
إجتماعية. صحيح بأن الفيلم قد أشار الى هذا الإرتباط بين
الشخصيتين، إلا أنه لم
يحسن إستغلاله بشكل عميق. ثم أن السيناريو قد ركز فقط على الربط
الوجداني الإنساني بين الشخصيتين، وأغفل الأبعاد السيكولوجية
والفلسفية التي كان من الممكن أن تضفي
على الأحداث والشخصيات مصداقية أكثر.
وبالرغم من هذا، إلا أننا أمام فيلم نُفّذ بشكل جيد ومتكامل
إخراجاً وتصويراً وموسيقى وأداء، بل أن فيلم (رجل المطر) سيظل
علامة هامة لا تنسى في تاريخ السينما الأمريكية والعالمية.