(شادر السمك ـ 1985) فيلم
للمخرج علي عبدالخالق، وهو من الأفلام التي شاهدناها أكثر من مرة على شاشة
التليفزيون.. فيلم مصنوع جيداً، يضم نخبة من خيرة الفنانين المصريين.
قام ببطولة الفيلم أحمد زكي و نبيلة عبيد.
والفيلم، الذي كتب قصته وأنتجه نبيل نصار، يتحدث عن الحياة اليومية في
سوق السمك، والمعروف بإسم »شادر السمك«، وذلك من خلال تسجيل واقعي
للأحداث، ونسيج درامي وبناء سينمائي مصنوع بدقة للشخصيات، وجو عام من
خلال ديكور لا يختلف في أي شيء عن الجو الحقيقي لشادر السمك.
يحكي الفيلم عن الأرملة الجميلة جمالات (نبيلة عبيد)، والتي تبيع السمك
في الشادر بعد أن توفى زوخها وتركها وحيدة مع إبنتها تقاسي الكثير من
المتاعب، من خلال تحكم كبار التجار في السوق، والطامعون في شبابها
وجمالها، والذين يقفون ضدها بعد أن صدتهم مراراً. لذلك تظل تعاني من
مقالبهم وحيلهم وألاعيبهم، حتى تقع عينيها ذات يوم على عامل صغير في السوق، أتى من الصعيد ليقتات على حمل صناديق السمك عند أحد تجار السوق. تتوسم
فيه المروءة والشهامة، بعد أن وقف بجانبها في إحدى خناقاتها بالسوق، فهي
ترى بأنه لايطمع فيها بسبب بساطته وفقره، فتتزوجه ليعوضها عن سنوات الحزن
والحرمان والترمل، وتثق فيه أكثر وتسلمه ماإدخرته طوال تلك السنوات،
وتفتح له محلاً لبيع السمك في نفس الشادر، ويصبح بين يوم وليلة من كبار
تجار السوق، يتحكم في سعر الجملة والقطاعي. فتتغير أحواله بعد أن تزداد
ثروته ويتدفق عليه المال، فيركب المرسيدس ويرتدي أفخر الثياب، لينجذب نحو
الطبقة الأرستقراطية ويتزوج باحدى بناتها، متناسياً ومتنكراً لزوجته التي
دفعته الى هذا النجاح، بل إنه يطلقها بعد أن أحس بأنها تشكل عبأً ثقيلاً
عليه، إلا أنها تنجح في إثارة تجار الشادر ضده، فقد تبين لها بأن هذا
التمثال الجميل الذي صنعته يصفعها وينتقلب ضدها. فيتعاون معها جميع تجار الشادر، حيث كل يريد إعادة مجده القديم، فيدبرون للخلاص منه، فيقتلونه
ليعود للشادر توازنه ولتعود لهم هيبتهم المفتقدة.
من خلال هذا السرد الموجز لأحداث الفيلم، نلاحظ بأن الحكاية لاتتضمن أي
جديد، فالصراع بين رموز القوة (المعلمين وتجار السوق الكبار) وصعود أو
سقوط البعض منهم، موضوع تناولته السينما المصرية في أكثر من فيلم.. إلا
أن فيلم (شادر السمك) يتميز عن الأفلام الأخرى في صناعته فنياً وتقنياً.
فقد قام علي عبدالخالق وكاتب السيناريو (عبدالجواد يوسف) بدراسة كل
الأبعاد النفسية والإجتماعية في السوق على الطبيعة، بين تجار السمك
وبياعيه في سوق الوائلي، وأخذا أفكارهما من الواقع ومن طبيعة الحياة التي
يعيشها أصحاب هذه السلعة، منذ إستلامها من فوق مراكب الصيد حتى توزيعها
وشحنها الى المدن المختلفة.. ثم حركة التحكم في الأسعار وسر الصنعة
وسلوكيات السوق، وكل مايدور حول حلقات بيع السمك. كل هذه التفاصيل
الدقيقة إحتواها سيناريو الفيلم.
كما لا يفوتنا أن نشير الى أن المخرج قد إستعان بكل العاملين بسوق الوائلي، من كبار التجار الى صغار العمال الذين يحملون صناديق السمك الخشبية. كل
هؤلاء نقلهم المخرج الى الأستوديو، حيث لم يسعفه الزحام وحركة السوق
الطبيعية من التصوير هناك. لذلك قام مهندس الديكور نهاد بهجت ببناء السوق
بأكمله في أستوديو نحاس، وإستطاع بديكوره هذا ، الوصول الى الإيهام الفعلي
للسوق، بكل مافيه من محلات كبيرة وصغيرة، وشوارع السوق ودروبه. ثم جاء
المخرج ليضيف على هذا الديكور النبض والحيوية، ويبعث فيه الحياة الطبيعية، من مضاربات المزادات التي تتم في السوق على أنواع السمك وأسعاره،
وخناقات تجار الجملة والقطاعي.. وإستطاع المخرج، بكل هذا، أن يخلق الجو
العام للسوق، بحيث لم يشعر المتفرج بأنه يشاهد هذه الأحداث داخل ديكور
مصنوع في الأستوديو، وليس في سوق حقيقي.
فيلم (شادر السمك) يذكرنا بفيلم آخر، وهو فيلم (الفتوة ـ 1957)
للمخرج الكبير صلاح أبوسيف.. فالفيلمان يتشابهان، وإن إختلفت الرؤية
الفنية في كل منهما. فعندما قدم أيوسيف فيلمه، كان يرصد ـ بوعي فكري وفني
ـ مدى التطور الذي حدث للمجتمع في تلك الفترة، والتغيُّر السريع الذي أدى الى تخلخل البنية الإجتماعية والطبقية.. وفي هذا الفيلم تجاوز أبوسيف
مرحلة الرصد الى مرحلة التنبؤ والإشارة الى المستقبل، حيث كان التحول
الدرامي محسوباً بدقة داخل إطار الواقع ومن ثم تأثره وتأثيره في هذا الواقع. أما في فيلم علي عبدالخالق، فقد كان التحول الدرامي مرهوناً بظروف
الفيلم وليس بظروف الواقع، وهو بالتالي تحول يتم في لحظات سريعة للوصول الى مايريد الفيلم طرحه.
في فيلم (شادر السمك) نجح علي عبدالخالق في تحريك المجاميع بشكل طبيعي،
خاصة في الخناقات والمعارك التي كانت تحدث في السوق. أما البطل الحقيقي
للفيلم فكان الديكور المتميز للسوق الذي أبدعه الفنان نهاد بهجت، والذي ـ
دون شك ـ من الصعب أن تفرقه عن شادر السمك الحقيقي. |