صُورت أغلب مشاهد فيلم
(المومياء) خارج الأستوديو، وهذا يعني بأن مخرجه شادي عبدالسلام،
لن يستطيع أن يلون الأرض والجبال والآثار على مزاجه، لذلك استفاد
شادي من الشمس ودورتها التي تلون الطبيعة، فكان يصور في الصباح
مشاهد الصباح، وفي الظهر والليل كذلك. وكانت دورة الشمس اليومية هي
التي تحكم عمله، وعلى أساس حركتها تم وضع جدول العمل، حتى تتحقق
وحدة اللون المطلوبة للفيلم. كانت هناك ـ أيضاً ـ صعوبة التصوير في
الليل بالنسبة للمشهد الأخير، وهم ينقلون التوابيت من بطن الجبل
إلى النهر، فقد كان من الصعب تصويره في الليل، وذلك لأن الطبقة
الحساسة على الشريط لن تسمح بظهور شيء، لعدم توفر الضوء، وكان شادي
حريص كل الحرص على عدم استخدام إضاءة صناعية، فهي ترمي ظلالاً على
الأرض، وهو لا يريد في هذا الفيلم الإحساس بالكهرباء إطلاقاً. لذلك
اتفق مع مدير التصوير على تنفيذ هذا المشهد خلال وقت محدد وضيق
جداً، وهو لحظة ما بعد الغروب مباشرة، حيث يختفي قرص الشمس وتبقى
أشعته في السماء، يبقى ضوء الشمس لكن دون احمراره. ويصر شادي على
التصوير في هذا الوقت بالذات، لأن الطبيعة في الأقصر ـ كما يقول ـ
في هذا الوقت، تلون الجبال باللون البنفسجي المائل إلى الاحمرار.
إن هذا المشهد يمتد عرضه على الشاشة اثنتي عشرة دقيقة فقط، ويتكون
من ثماني وعشرون لقطة، ولم يكن من الممكن أن يتم تصوير هذا العدد
من اللقطات دفعة واحدة أو في يوم واحد من تلك اللحظة المحددة، إذاً
ماذا فعل هذا المخرج العبقري؟ لقد صور في كل يوم لقطة واحدة فقط من
هذا المشهد، وبالتالي استغرق تصوير هذا المشهد ثمانية وعشرون
يوماً، وذلك حتى يحتفظ المخرج باللون الواحد للمشهد كله.
إن هذه الدقة وقوة
الملاحظة لا تصدر إلا من مخرج حساس وغير عادي، فأي مخرج عادي قد
يصور فيلماً كاملاً مدته ساعتان في ثمانية وعشرون يوماً، وليس
مشهداً مدته اثنتي عشرة دقيقة.. حقاً إن شادي عبدالسلام لمخرج
عبقري.
بعد إنجاز الفيلم مباشرة،
وقبل عرضه جماهيرياً، عرض بشكل خاص على النقاد والمهتمين بالسينما،
فقوبل بعاصفة من النقد بين التأييد والمعارضة، وأمام هذه العاصفة
كان من الممكن أن ينهار صاحب (المومياء)، لولا وجود النقد المخلص
الذي وقف إلى جانبه ورد الثقة إلي نفسه ومنحه إحساساً بأن جهده
لتقديم شيء جديد لم يذهب هباءً، فقد كان يريد أن يعرف هل هو على
خطأ أم على صواب في أول تجربة إخراجية له. ولم يقتصر دور النقاد في
تحقيق توازنه النفسي فحسب، بل كان لهم الفضل ـ أيضاً ـ في توجيه
نظر الآخرين إلى الفيلم، واكتشاف قيمه الجديدة.
بعدها خرج فيلم (المومياء)
إلى المهرجانات السينمائية الدولية، ليحصل على العديد من الجوائز..
منها أربع جوائز عالمية وسبع شهادات تقديرية من سبع مهرجانات، وكان
أهمها جائزة جورج سادول الفرنسية عام 1970.
يرى البعض من السينمائيين،
بأن شادي عبدالسلام يهتم بالشكل على حساب المضمون، بمعنى إن
اهتمامه وتركيزه على القضايا الحرفية السينمائية يجعل المضمون في
مرحلة تالية، وهذا غير صحيح، فاهتمامه الحرفي يخدم ـ أساساً ـ
القضية التي يريد أن يعبر عنها، باعتبار أن الشكل له الدور الهام
والفعال في تطور المضمون. ويقول شادي في هذا الصدد: (...أنا مؤمن
بأن للسينما لغة خاصة بها، وهي لا تعتمد على الكلمة المنطوقة،
وإنما على الصورة السينمائية التي تخدم الإطار العام للفيلم،
والحرفية بالنسبة للمخرج هي آخر شيء يفكر فيه، بل من الكريه أن
يكون المخرج مجرد حرفي فقط، لا بد أن يكون للمخرج وجهة نظر ورأي
يلتزم به، حرفة المخرج تماثل معرفتي لاستخدام القلم...).
الفكرة عند شادي عبدالسلام
هي الفيلم كله، والفيلم هو الفكرة. فنحن في (المومياء) لن نجد لقطة
أو مشهد أو حدث يمكنه أن يعبر عن فكرة الفيلم، فالفكرة تجري في
شرايين الفيلم بأكمله.
|