في مسلسله الكوميدي الجديد، يلامس الخطوط الحمر، ويسمّي
الأشياء بأسمائها... لقد أعاده زمن الانهيارات إلى الشاشة ثائراً يرفض
الانكسار، وها هو «أبو الطيب العربي» يشارك معاصريه همومهم اليوميّة على
امتداد 90 حلقة. بعد التلفزيون ستنتقل «المواجهة» إلى المسرح
«ابن البلد» رجع إلى البلد، ليسخر من الأوضاع السياسيّة
والاجتماعيّة في لبنان والوطن العربي. سيطلّ قريباً على الشاشة، ليثور على
«الظلم والطغيان، ويرفض الذل والانكسار». وذلك عبر خطاب درامي مباشر من 90
حلقة منفصلة ــــ متصلة من الكوميديا السوداء «أبو الطيب العربي»، كتابة
رفيق نصر الله وإخراج علي الغول وإنتاج «سان لايت بروداكشن».
أحمد الزين الذي غاب في السنوات الأخيرة عن الدراما اللبنانية،
بعدما تعرقل تنفيذ الأعمال التي وقع اختياره عليها، حضر بشكل بارز في
الدراما السورية. هو اليوم، قرّر ألاّ يهجر مسلسلات دمشق، على أن يطلّ كضيف
في مسلسل «ناصر» الذي سينفّذه المخرج باسل الخطيب في القاهرة، عن حياة جمال
عبد الناصر.
وبعد طول غياب عن الساحة المحلية، اتخذ قراراً ثانياً بالعودة
في عمل خاص من إنتاج لبناني، يشبّهه بالعمل الكوميدي السوري الساخر «بقعة
ضوء». لا يخشى من المباشرة التي يستخدمها الكاتب في عمله، «لأن الذل
والتآمر مباشران ووجع الناس مباشر أيضاً، لذا أردنا ألاّ نهرب صوب
الترميز». هنا، يجاهر الكاتب بأن «ما من خطوط حمراء في العمل. سنسمّي
الأشياء بأسمائها ــــ حتى لو كانت صادمة ــــ من دون تحفّظ أو خجل أو
خوف... ليس منطقياً، أن اتّبع الأسلوب غير المباشر في نصّي، في عصر طغى
تلفزيون الواقع على أي شيء آخر».
ويشرح نصر الله أن «اللقاء الأول بيني وبين أحمد الزين، كان
إذاعيّاً مع حلقات «ابن البلد» عام 1982. آنذاك، أوحى إليّ بأنه قادر على
التعبير عن شخصيتي، بكل ما تعيشه من معاناة سياسية وثقافيّة واجتماعيّة.
وفي ظل غياب أي مشروع ثقافي جدّي، ها أنا أقدّم عملاً يعبّر عن حالتي،
وتحضر فيه رموز عربية مثل جمال عبد الناصر». وفيما يشبّه كتاباته بنصوص
الكاتب السوري الراحل محمد الماغوط، يشرح أن «أبو الطيب العربي، هو بمثابة
تطوير لشخصيّة «ابن البلد» النمطية وغير الصالحة للتلفزيون. هنا، نتعرّف
إلى المواطن العربي الذي «انكسر خاطره» وضاعت هويته، في عمل خارج عن
المألوف». ويكشف عن حلقة يقرر فيها أحد الشهداء تقديم استقالته من الشهادة.
وفي حلقة أخرى، نتعرّف إلى «أبو موسى» الذي يقتحم الاحتلال منزله إذاعيّاً،
فيجنّ لدخول إذاعة إسرائيل إلى عقر داره، ويموت بعد أربعة أيام من «الخجل
الوطني». وفي حلقة ثالثة، يقصد أبو الطيب عيادة التجميل، «ليجري عملية
تجميل لوجهه ويديه وقدميه وكل أطراف جسمه، ليتمكن من التماشي مع الغدر
والخيانة والتخاذل العربي. وفي رابعة، يرصد تعاطي الاستخبارات في يومياتنا
في قالب ساخر وجريء».
عندما تسأل عن الجديد الذي سيحمله العمل، تتطوّع ميرنا مكرزل التي تشارك في
العمل، بالإجابة: «ما من جديد يُقدم منذ سنوات. أما هنا، فيكمن ذكاء الكاتب
في تقديم دراما مختلفة بشخصياتها وأسلوبها». وتعرب عن سعادتها بأنه «سيتاح
لي، لعب شخصيات متعددة، تزاوج بين الدراما والكوميديا السوداء». ويتدخل
الزين مسجّلاً إعجابه بدور المرأة الجنوبية «أم موسى»، وطبيبة التجميل،
وبتنوّع الشخصيات التي تؤديها مكرزل.
يختلف «أبو الطيب العربي» عن آخر أعمال «ابن البلد» في تلفزيون
لبنان «يا غافل إلك الله» (كتابة محمد النابلسي وإخراج غابي سعد)، وعمّا
قدمه قبل ذلك في تلفزيون المشرق، سواء في روحية النص أم لجهة الإخراج
المتقن والإنتاج الذي يراهن على نوعية راقية من الكوميديا الساخرة. ويرى
الزين أن «الجمهور سيفاجأ بالأفكار الجديدة، في فترة بات وجع الشعب العربي
واحداً من المحيط إلى الخليج، همنّا واحد ومصيرنا واحد». ويسجّل تحفظه على
ما يعرض على الشاشة من كوميديا ساخرة، مؤكداً «أننا، بكل تواضع، لا نقدّم
ما لا يجرؤ أحد على تقديمه».
ويرى رفيق نصر الله أن «النص يحمل شروط السيناريو الكوميدي
التلفزيوني، بخلاف الكوميديا الساخرة لمسرح القوّالين المنتشرة حاليّاً».
ويبرر عدم إطلاق تسمية «ابن البلد»، بأن «هذا العمل عربي الهوى، لذا كان
عليّ مخاطبة المواطن العربي أينما وجد».
وما سبب العودة اليوم؟ «الوضع المزري الذي نعيشه مرشح للتفاقم
يوماً بعد يوم، لذا لن أكتفي بمواجهته في التلفزيون، بل سأعتلي خشبة المسرح
قريباً مع «أبو الطيب العربي» أيضاً، وتنتجها «سان لايت بروداكشن»، ويخرجها
حسام الصبّاح».
من جهته، يشرح المخرج علي الغول، الذي بدأ حياته في الإذاعة
قبل 24 عاماً وفي التلفزيون مع
art
قبل 15 عاماً، وكان آخر أعماله التلفزيونية «رجال حول الحسين» على
«المنار»، أن «معرفتي بأحمد الزين ورفيق نصر الله، كانت منذ أيام إذاعة
لبنان العربي، وتعمّقت معرفتي بـ«ابن البلد» في تلفزيون المشرق». ويضيف أن
«أبو الطيب رجل يتراوح في مواقفه بين السلبية والإيجابيّة، لكن مضمونه
دوماً إيجابي. تراه يسخر من واقعه ويطرح مشاكل أساسية، قد تطرحها البرامج
الأخرى، لكن حتماً بشكل مختلف». وعن أسلوب التصوير، يقول: «أعتمد على تفاعل
الممثل مع حركة الكاميرا، ما يعطي المشاهد مساحة أوسع للتفكير. هكذا أتمكن
من أن أوصل الحوار مع الحركة والتعبير، وتأتي الموسيقى الخلفية، لتكمل
الشكل والمضمون».
يُعَدُّ «أبو الطيب العربي» اللقاء التلفزيوني الأول بين
الممثل والكاتب، بعدما تشاركا نجاح «ابن البلد» الإذاعي قبل خمسة وعشرين
عاماً ونيّف، ثم قدّما معاً ثلاثة أعمال مسرحيّة هي: «الشهيد ابن البلد» من
إخراج نقولا دانيال (1984)، «الدبور» (1985) من إخراج حسام الصبّاح،
و«العصافير» (1989) للمخرج روجيه عسّاف. كما يُعَدُّ باكورة الإنتاجات
الدرامية لشركة «سان لايت بروداكشن» التي تهتم بتنفيذ الأفلام والبرامج
الوثائقيّة. أما بالنسبة إلى «أبو الطيب العربي»، فتُجري الشركة مفاوضات مع
أكثر من محطة لبنانية وعربية لبيعه.
صحـــــوة
إعلاميّـــــة متأخّـــــرة
ينشغل الكاتب والمحلل السياسي رفيق نصر الله حاليّاً، بإدارة
«المركز الدولي للإعلام والدراسات» الذي يعدّ «أول مركز من نوعه في لبنان،
متخصّص بتدريب الكوادر الإعلاميّة، من طلاب كلية الإعلام ومتخرّجيها، ومن
العاملين في الحقل الإعلامي».
وهذه ليست التجربة الأولى لنصر الله في هذا الإطار، إذ شارك
محاضراً في دورة تدريبية أجرتها الـBBC،
وأعطى دورات مماثلة في الإمارات وعُمان، وقريباً في الكويت. وبينما يواصل
عمله في الجامعات ومع طلاب السنة الأخيرة في كلية الإعلام وفي قناة
«المنار»، يتحدث عن تعاون إعلامي وشيك مع مركز التدريب والتطوير التابع
لقناة «الجزيرة» القطريّة. ويشرح أن «فكرة إنشاء المركز، ولدت بعد انتهاء
العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، نظراً لما لاحظناه من ضعف ومستوى متدنٍّ
في تغطيات بعض المراسلين. ذلك أن مذيعينا ليسوا معتادين على التعاطي مع هذا
النوع من التغطيات، وخصوصاً أن كليّة الإعلام تكتفي بالتدريس النظري، من
دون التركيز على الجانب التطبيقي». ويرى أن مهمة المركز ليست الحلول بدلاً
من كليات الإعلام بل تتكامل معها، وتشدد على كيفية التعاطي مع الصورة
وكيفيّة صناعة الخبر.
وهل يهتم المركز أيضاً بالتدريب على أصول اللغة والأداء؟ يشرح
أن هذا جزء أساسي من ثقافة التغطية، ونحن نعلّم ميكانيكيّة العمل الإعلامي
وكيفيّة قراءة نشرات الأخبار وتغطية الأحداث الدوليّة والأمنيّة والسياسيّة
والمؤتمرات والندوات والكوارث الطبيعية، إضافة إلى التغطيات العسكريّة.
وهنا يسجل انتقاده للمراسلين الذين يوردون عبارات خاطئة في تقارير إخباريّة
تفتقد الحد الأدنى من الثقافة الإعلاميّة».
لن تحمل دورس نصر الله نفسَه الإعلامي المؤيّد للمقاومة حتى
الرمق الأخير. وهنا يحرص على القول إن «ما نعطيه لا يعدو كونه تعليم أصول
الإعلام في دورات شهريّة لمدة ثلاث ساعات يوميّاً، إضافة إلى دروس بسيطة في
التصوير والمونتاج، يعطيها متخصصون في هذين المجالين. لكن ليس لنا علاقة
بهوية الإعلامي وبتحديد كيف يمارس مهنته وبالبروباغندا التي تحكم المحطة
حيث يعمل». وعما إذا كان المركز يتأثر بالانقسام السياسي في البلد، يوضح
أننا مركز علمي لا علاقة له بالاصطفافات السياسيّة.
الأخبار اللبنانية في 16
فبراير 2008
|