حالة سينمائية مختلفة عن السينما السائدة تشهدها مصر في الوقت الراهن، مع
تزايد الإقبال الكبير من الموهوبين والهاوين الشباب على أفلام الموبايل،
التي نجحت في فرض نفسها على الساحة خلال الفترة الأخيرة.
حيث بات يعقد لها مهرجان سنوي يفرد لهذا النوع من الإبداع مساحة كبيرة،
ويتم عرض تجارب العديد من هواة التصوير بأفلام الموبايل، والتي يقوم الشخص
من خلالها بتسجيل بعض المشاهد أو المواقف في أماكن يصعب وجود كاميرا تصوير
فيها، على غرار ما حدث أثناء إعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، حيث
لعب الموبايل كوسيلة تكنولوجية حديثة دوراً كبيراً في ذلك.
وعلى الرغم من أن الفكرة لم تكن جديدة على الساحة الفنية العالمية، بل كانت
حاضرة في دول أوروبية عديدة منذ سنوات طويلة، إلا أن الاهتمام الكبير بها
فتح خطاً ساخناً في مصر، وجدد الحوار حول هذا النوع من الأفلام التي لا
تكلف أصحابها شيئاً، بل ساعدت هؤلاء الشباب على التوثيق والرصد وتطوير
الأدوات والفكر في التعامل مع المشاهد التي يتم تصويرها.
حيث تتميز أفلام الموبايل بأنها أكثر قدرة وسرعة على تسجيل وقائع الحياة
دون إعداد أو استعداد، ولعل هذا الإقبال والاهتمام من الشباب فتح خطاً أكثر
سخونة مع المهتمين والنقاد لتقييم التجربة، ومدى الإضافة التي تحققها
للسينما.
المخرج المسرحي محمد عبدالفتاح واحد من أبرز المهتمين بهذه النوعية من
الأفلام يؤكد أن أفلام الموبايل تجربة مثيرة، وبالرغم من أنها تفتقد
التكنيك والإبهار، ولكن من الممكن تطويرها لتصبح مفيدة وأكثر تأثيراً.
وقال إن الشباب الهاوي يمكن أن يصنع فيلماً جيداً يخدم هدفاً، خاصة أن
أفلام الموبايل تجعل المساحة بين الجمهور والفن سهلة، وهذا ما سوف يسمح في
أي يوم أن يقوم أي إنسان بالتعبير عبر كاميرا الموبايل عن قضية أو قضايا
فشل في توصيلها بالطرق العادية.
من هذا المنطلق طالب عبدالفتاح بتنظيم ورش عمل لمساعدة هؤلاء الشباب في
تطوير مهاراتهم الشخصية في التعامل مع كاميرا الموبايل، وإدخال تعديلات
عليها، وتبصيرهم بكيفية التقاط المشاهد بشكل فيه قدر من الحرفية.
تجربة مثيرة
بدورها دافعت المخرجة نادية كامل عن هذا النوع من الأفلام؛ مؤكدة أن من
يدعي أن هذا النوع من الأفلام لا يخدم قضية مخطئ، مشيرة إلى أن الأفلام
أنواع عديدة.
وانضم إليها أخيراً أفلام الموبايل فهي مهمة؛ بل أكثرها أهمية لو تم تطوير
الأداء في التعامل معها بحكم أنها الأسرع في الوصول إلى أي مشهد، وفي أي
مكان، وقالت لماذا لا نتعامل مع هذا النوع بجدية، طالما أن التطور مستمر في
صناعة أجهزة الموبايل، فبالتأكيد سيفكرون في إضافة كاميرات حديثة تكون أكثر
قدرة على الدوران، وربما مستقبلاً يتجه كثير من الدارسين للسينما إلى
كاميرات الموبايل لإضافة مشاهد صعبة أو نادرة إلى أفلامهم.
فيما أكد الناقد السينمائي زين العابدين أحمد أنه شاهد في الخارج أفلام
الموبايل منذ فترة طويلة، وكانت رائعة، واندهش عندما شاهدها في أحد
المهرجانات للشباب المصري وكانت جيدة ومعقولة، وهذا يؤكد أن لهذا النوع من
الأفلام مستقبلاً كبيراً ليس في مصر وحدها إنما في كل الوطن العربي.
نظم وقوانين
لكن زين العابدين أبدى تخوفه من استخدام هذه الكاميرا بحرية كبيرة بحيث
تخدم أغراضاً خطيرة، وأشار إلى أن السينما والدراما والأفلام التسجيلية
وغيرها محكومة بنظم وقوانين محددة في التناول، ولكن أفلام الموبايل التي
أتوقع تطورها بسرعة بعد ظهور أجيال جديدة من أجهزة الموبايل في العامين
المقبلين لن تحكمها أي ضوابط، وبالتالي يمكن الترويج لها عبر الإنترنت
والمواقع وهي تتضمن ما لا يتفق مع ثقافتنا وأخلاقنا وديننا.
أضاف: لكن هذا لا يمنع الاهتمام بهؤلاء الراغبين في عمل أفلام عبر
الموبايل، وتوجيههم وترسيخ القيم والأعراف الخاصة بالإعلام في عقولهم..
ولكن التساؤل: كيف نهيئ الرأي العام بشكل جيد لاستخدام كاميرا الموبايل بما
يفيد ويخدم قضايا وأهدافاً تساعدنا لتجاوز سلبياتنا؟
الناقد نادر عدلي رغم اتفاقه مع القول ان أفلام الموبايل يمكن النظر إليها
باعتبارها فرصة سانحة للشباب الذي يرغب في التمثيل أو الإخراج والإبداع
عموماً؛ ولكنها في مجملها لا يمكن أن نطلق عليها أفلاماً لافتقادها الموضوع
المتكامل وكل القواعد المفترض توفرها في الأفلام.
عدلي أشار إلى أنه بالرغم من ضرورة الاهتمام بهذا النوع من الأفلام؛ إلا
أنها، على حد رأيه، لن تفيد السينما؛ ولن تضف لها شيئاً، لافتاً أن كل ما
كان من اهتمام في المهرجانات في الداخل والخارج هو تشجيع الشباب لخوض
التجارب التي يمكن أن تدفع بطموحاتهم للتقدم للسينما الحقيقية.
وتابع عدلي قائلاً: «لكننا لا ننكر أن هناك مميزات أخرى وهي التسجيل أو
التوثيق حيث يمكن للشباب أن يفاجأ بموقف صعب في غياب الكاميرا السينمائية
أو التلفزيونية وبسهولة يسجل هذا الموقف أو يوثق لأشياء لم يكن متاحاً
لكاميرات السينما أوالتلفزيون الوصول إليها».
إبداع خاص
وفي رأي الناقد عصام زكريا فإن أفلام الموبايل يمكن النظر إليها كتجربة
مثيرة من ناحية الفكرة، خاصة أن الموبايل في تناول كل يد، وفي لحظة يمكن أن
يلتقط مشهداً أو حادثة، ويدعم ذلك وجود بعض الموبايلات الحديثة جداً .
والتي تتمتع بكاميرات ذات جودة عالية. لافتاً أن كثيراً من الأحداث قد
رصدها الموبايل وطورها وطرحت من خلال القنوات العالمية، ففي مصر سجل
الموبايل بكاميراته أحداث أثارت الرأي العام مثل ما حدث في أحد أقسام
الشرطة من تعذيب لمواطن وغيرها من الأحداث المثيرة التي لم تلتقطها
الكاميرات التلفزيونية أو السينمائية.
زكريا أكد رفضه لمحاولات البعض التقليل من أهمية أفلام الموبايل فهي
تسجيلية ومهمة وواقعية في نفس الوقت، منتقداً الذين يحاولون استخدامه في
تصوير لحظات جنسية والمتاجرة بها أو تصوير الفتيات والترويج لصورهم على
الانترنت دون علمهم أو سابق معرفة بهؤلاء.
وأشار الناقد الفني إلى أن هذا النوع له إبداع خاص فتلك الأفلام القصيرة
دائماً ما تكشف عن أشياء تحرك المسؤولين أو الرأي العام ولابد من الاهتمام
بها.
هدف محدد
إلى هنا أعتبر المصور السينمائي خالد رفقي تجربة أفلام الموبايل جيدة بصفة
عامة، لكنه قال: تعامل الهواة معها لن يضيف لها شيئاً؛ ولا بد أن يكون هناك
من يساعدهم ويعلمهم أن الاستعمال يكون نابعاً عن فكرة تخدم هدفاً محدداً
لتصوير الشكل متكاملاً، وكذلك عملية التوثيق أو التسجيل تحتاج إلى إدراك
عال وفكرة جيدة؛ لأن التسجيل يجب أن يكون متكاملاً، ويتناول كل جوانب الحدث
الذي نريد تسجيله.
أضاف ان الأمر ليس صعباً فقط يحتاج إلى شرح وتوضيح بدءاً من بزوغ الفكرة
والإمساك بالكاميرا وتوجيهها وانتقالاتها والتكبير والتصغير والسرعة
وغيرها، وأكد تفاؤله بأن أفلام الموبايل ستقدم خدمة كبيرة في يوم من
الأيام، خاصة أن هناك آلاف الموهوبين الذين لم يجدوا فرصتهم وسيجدون ضالتهم
في الموبايل.
منهج للتعامل
وكان لهواة أفلام الموبايل رأي أيضاً، حيث أكدت راجية راشد وهي من الفتيات
اللائي نفذن أفلام موبايل، حيث قالت: كنا في بادئ الأمر نصور أصدقاءنا أو
فناناً نعجب به وهو يغني، ولكن بعد ظهور فكرة أفلام الموبايل بدأنا نفكر في
منهج نتعامل به، ومن خلاله يمكن أن نعبر عن أنفسنا وعن مشكلاتنا وعرض
آرائنا.
أشارت إلى أن هذا النوع من الأفلام يساعدنا على إخراج طاقاتنا الإبداعية من
خلال عمل بسيط نراه نحن، ولكن بعد مشاهدته تجده أمراً مهماً، وأكثر ما
يساعدنا أن الفكرة غير مكلفة مادياً، وهذا سيشجع أي إنسان للدخول في مجال
عمل أفلام موبايل، ويعبر عن وجهة نظره.
وأكدت أن الفكرة ستتطور قريباً، وأنهم بدأوا يطلعون على كثير من الكتب التي
تفيدهم في هذا المجال؛ بل البعض اتجه لدراسة الإخراج في بعض المعاهد أو
الفصول المتخصصة لتطوير أدواتهم.
وقال الشاب حسن إبراهيم الذي ينفذ أفلام موبايل دون الدخول في منافسة رسمية
بل من باب الهواية إنه قام بعمل فيلم لأطفال الشوارع وتتبع حركتهم بشكل
جيد، وأشار إلى أنه وصل إلى نتيجة أن هذا العمل كبير جداً رغم أنه لأقل من
عشر دقائق.
وأوضح أن الذين يعتبرون أفلام الموبايل ليست ذات أهمية عملية عليهم أن
يدركوا أن إعدام صدام حسين شاهده الناس بالموبايل والتعذيب في سجون أبو
غريب شاهدوها بالموبايل وغيرها من الشواهد؛ وبتطوير هذا النوع من الأفلام
سيخدم الموبايل هدفاً كبيراً باعتباره سريعاً جداً ويصل إلى أي مكان ويخترق
حتى الخصوصيات إذا أراد الإنسان؛ ولذلك لا بد من وضع قواعد للتعامل بمثل
هذه الأفلام والتعامل معها كرافد من روافد الإبداع المعترف به.
البيان الإماراتية في
27/07/2009 |