تشهد فرنسا منذ سنوات وهي المعروفة بسينما ترتكز
على الرومانسية والثيمات السيكولوجية بوصفها عادة معيارا ادبيا طاغيا اكثر
من اللازم، تشهد هذه السينما تكاثر لافلام مبهرة تجذب جمهور المشاهدين،
كافلام الرعب والافلام البوليسية وافلام الخيال العلمي اضافة الى افلام
الحركة والمغامرات مما يعني ان الفرنسيين اقتحموا مجالا يحتله تقليديا
الامريكيون استطاع الفرنسون الابداع فيه بنجاح جامعين بين الحبكة المعقدة
والاخراج المتقن.
على اي حال تجرأ المنتجون الفرنسيون على الاندفاع نحو افلام ستفتن العالم
وافلام مبهرة بميزانيات ضخمة وهي التي كانت حكرا تقليديا على الاستوديوهات
الهوليوودية، فقد تمكن المخرج الشاب كرسيتوفرجانز وهو في الثلاثين عاما من
اعادة الاعتبار لنوع اخر من الافلام يجمع بين الاثارة والخلفية التاريخية
وذلك من خلال فيلمه (تحالف الذئاب) الذي عرض من على شاشات السينما بداية
العام 2001 والذي اظهر الامكانيات والقدرات الهائلة لهذا المخرج الذي سبق
ان الف واخرج عام 1996 فيلم (الرجل الصارخ) والذي كان اول افلامه من نوع
الحركة الخالصة والمتأثر بسينما هونغ كونغ في وقتها..
اما فيما يتعلق بالافلام البوليسية البحتة فقد عادت اليها السينما الفرنسية
بقوة مع فيلم (شاهد جريمة) للمخرج فردريك شونوفر المنتج عام 2000 ويعتمد
هذا الفيلم على الخفة والحذر الفاعل وهو اول فيلم بوليسي للمخرج ولكنه
اخرجه بشكل محكم فقد تمت عملية تشريح التحقيق البوليسي للبحث عن قاتل ارتكب
سلسلة من الجرائم والشخصيات الرئيسية هم اصلا مفتشين بوليسيين ويجري
تصويرها خطوة بخطوة مما اضفى على الفيلم طابعا انسانيا طاغيا فلا فرق يذكر
في النهاية بين المشاهدين والابطال الرئيسيين.
اما النوع الاخر من الافلام السينمائية والتي عادت فيها السينما الفرنسية
بقوة ولا يقل اهمية عن غيره من حيث النوعية فهو الفيلم الخيالي (جلد
الحمار) وفيلم (مصير اميلي بولان المدهش) والذي اوصل بطلته اودري توتو الى
السينما الامريكية حيث ادت دور البطولة، اما توم هانكس في فيلم (شفرة
دافنشي) ففي هذا الفيلم يقدم صورة جديدة لباريس مقرونة بقصة حب تحاول قدر
المستطاع الجمع بين الشعر والواقع ولقد استعان المخرج جونيه في التصوير
بفلتر خاص جدا من اللون الاخضر المطعم بالازرق لاضفاء طابع الخيال الساحر
على الفيلم بعيدا عن التكلف!!
اما الافلام الكوميدية فمن السهل ان نذكرها ولكن لايمكننا التحدث عن عودة
تجددية لهذا النوع من الافلام لازدهاره المستمر والدائم في السينما
الفرنسية بعد النجاح الكبير الذي حققته في بداية الالفية الثانية مثل افلام
(الخزانة) و(الحقيقة ان كنت كذب) و(زوار في امريكا) لجان رينو مع كريستيان
كلانييه.
كما ان العديد من الافلام الاكثر تواضعا اثبتت انها قادرة ايضا على تخطي
حدود فرنسا لتصل الى العالم ففيلم (موارد بشرية) للمخرج لوران كانتيه تم
تسويقه بنجاح بعد ان فاز بجائزة الاكتشاف الاوربي لعام 2000 فتم تسويقه الى
سويسرا والمكسيك والارجنتين اضافة على الولايات المتحدة الامريكية وفيلم
(ذوق الاخرين) الذي مثل فرنسا في حفل توزيع جوائز الاوسكار للعام 2001 هذا
بعد ان تم تسويقهع الى اكثر من ثلاثين دولة لعرضه.
لقد وصل الامر بعد نجاح الافلام الفرنسية في العالم الى ان اصبح بعض نجوم
السينما الفرنسية يتمتع بنصيب وافر من حب الجمهور الامريكي، ويعد هذا
انجازا في الولايات المتحدة الامريكية التي تعد اصعب الاسواق للاختراق
والسوق الاكثر اثارة للاحلام.
وتعد كاثرين دينوف مثالا على هذا واصبح المنتجون الامريكون على استعداد
لعبور المحيط الاطلنطي من اجلها.
وهذا هو الحال مع النجم جيرار دي بارديو فبعد نجاح فيلمه جرين كارد 1990
للمخرج بيتر دير اصبح مطلوبا ايضا في امريكا.
اما في بريطانيا فسيظل النجاح الضخم الذي حققه الفيلم المعقد (الزمان الذي
عاد) بطولة ايمانويل بيار وكاثرين دينوف من اخراج راؤل رويز والماخوذة عن
رواية مارسيل بروست سيظل هذا الفيلم له الفضل في نجاح الزخم الهائل على
مبيعات الكتاب الاصلي الذي اخذ الفيلم قصته منه.
لقد عانت السينما الفرنسية لسنوات عديدة من تسلط السينما الامريكية وتحكمها
في سوق الافلام العالمية.. ولكن في السنوات الاخيرة بدأت السينما الفرنسية
تستعيد نشوة النجاح واستعادت روحها الجميلة ولاغرابة بذلك فان السينما بدأت
من فرنسا ومن غير المعقول ان تأتي سينما اخرى مهما كانت قوتها لتلغي دور
واهمية السينما الفرنسية الاصلية وهي التي تتميز الان بالانواع والرؤى
السينمائية الكثيرة لافلامها بعيدا عن تلك الصورة التي طالما لازمتها بانها
سينما موجهة للنخبة والمثقفين ومنطوية على نفسها بل بالعكس اصبحت هذه
السينما اليوم سينما الابتداع والتعددية والديناميكية وتبدو ناجحة بدليل
نجاحها في اوربا وامريكا وفي التوفيق بين الربح التجاري التي تسعى اليه
صناعة السينما والطموحات الفنية لوسيلة تعبير قادت على خلق اعمال مبتكرة
ساعدتنا لكي نصبح اكثر انسانية.
الإتحاد العراقية في
19/07/2009 |