الفيلم: ثرثرة فوق النيل
إخراج: حسين كمال
تمثيل:
عماد حمدي، ميرڤت أمين، كمال رمزي، ماجدة الخطيب.
إنتاج:
مصري [1971]
تقييم الناقد: ** (من خمسة)
حين خرج «ثرثرة فوق النيل»
الى العروض السينمائية أستقبِل بحفاوة نقدية من البعض وهوجم من
قبل البعض الآخر وذلك لأسباب سياسية في
معظمها.
الفيلم بدا، وقد مات زعيم الأمّة حديثاً،
كما لو كان فتحاً في الفيلم السياسي: مجموعة مساطيل يتحلّقون حول الشيشة
التي يعدّها أكبرهم سنّاً (وهو موظف يفهم أكثر مما يٌبدي) ويحششون. مكان
الإلتقاء «عوّامة» وهم مؤلّفون من أربعة رجال بينهم الصحافي
الذي يكتب لمن يرشيه والمناضل السابق والممثل وكلهم فاسدون
ينتمون الى مجتمع فاسد. من أفسدهم ومن أفسد هذا المجتمع؟ الإشتراكية. معهم في المكان بنات ونساء لكن منهن خلفية مختلفة.
الطالبة التي هجرتها أمّها لطاولة القمار، الموظّفة التي عليها أن تجد
مورداً إضافياً لكي تساعد أمّها وأخيها، ثم الزوجة اللعوبة
التي لم تعد تطيق زوجها فتخونه.
مع هذا التصوّر كان طبيعياً
أن ينقسم النقاد من حوله. إذا كنت من الذين آمنوا بالحرية والإشتراكية
والوحدة كنت ضد هذا الفيلم. إذا كنت من الذين كفروا سريعاً بما آمنوا به
لحين، او من الذين لم يؤمنوا به مطلقاً فأنت بطبيعة الحال مع هذا الفيلم
وتجده فاتحة في السينما المتحرّرة من القيود.
لا ريب أن في فيلم حسين كمال جرأة،
لكن فيه أيضاً إقحام لمواضيع تدور في فلك شخصيات غير صالحة لكي تكون
نموذجاً تخدُم حتى الرسالة التي يتوخّاها الفيلم.
أولاً، إذا كان الرجال (وهم محور الفيلم وليس نسائه)
فاسدين فكونهم قلّة يعني أنهم ليسوا بنماذج، بل بالكاد فئات.
ثانياً، كونهم فئات فاسدة لا
يعني أن المجتمع فاسد. هذا الكلام ليس من حكمي، بل يتسلل من فيلم يريدك أن
تصدّق العكس. فهو يخلو من عمق. ما يعرضه جاهز على «فترينة» تحمل ما يُراد
لها أن تحمله. ما قد يبرق مثيراً لكنه يضمحل حال اللمس.
ثالثاً، النساء «الفاسدات» هم أكثر نموذجية لما قد
يكون حادثاً أيّامها او فيما بعد، ليس في مصر وحدها بل في أماكن أخرى
عديدة. وهذا ليس له، بالتالي، علاقة بالنظام السياسي... إنه يحدث الآن
أيضاً.
«ثرثرة
فوق النيل» بعرضه هذه الشخصيات «الفاسدة» يضطر في النهاية للعمل ضد رسالته.
فكلّما ضغط لإثبات فساد هذه الشخصيات تبيّن أكثر إنها فاسدة لذاتها. كما أن
هروبها من الواقع الى الحشيش لا يمكن تبريره. والفيلم في النهاية، وعلى
لسان شخصيّته الإيجابية الوحيدة ماجدة الخطيب يقول شيئاً في هذا الصدد. بالتالي، لا يستطيع أن يؤكد رسالته
عبر تعميق ما في
الفيلم من مفارقات ولا يستطيع الدفاع عن هؤلاء لأجل النيل من النظام الذي صنعهم. الفائدة؟
الناحية التي غاب عنها الحديث
(على
الأقل الحديث الذي استطعت قراءته لاحقاً) هو أن التوليفة بين الموضوع
المطروح وبين الأسلوب الحاوي
لهذا الطرح غير موفّقة. إذا ما كان المخرج
يكره شخصيّاته وعالمه فهو
يكره الحياة وعوض النقد الذي يمكن أن يثمر عن فهم ودراية، ينتهي الى نقد
يستغل الحالة لإثارة اسئلة لا يعرف ـ سينمائياً
ـ
كيف يُجيب عنها.
في مجمله، يبدو «ثرثرة فوق النيل»
اليوم مكشوفاً أكثر مما كان مكشوفاً
في حينه. حلم ليلة صيف لمخرج استهوته حكايات المخادع والميلودراميات
المحدودة ولم
ير الوضع الذي ينتقده الا من منظور تلك الفئة التي
تضرّرت. أما تلك الجماهير التي استفادت فغيّبها. المهم، يقول الفيلم، هو
القلّة.
سينماتك
في 12 مايو 2007