·
«ستالوني» يحاول بالتمثيل والإخراج والمشاركة في الإنتاج استعادة مجده
الغابر لشخصية البطل الأسطوري «رامبو».
·
موضوع الفيلم قريب الصلة بما يحدث في العراق حيث تزعم أمريكا تخليص
الشعوب من جلاديها ومنحهم الطعام والدواء والكرامة عن طريق رامبو
وأمثاله
·
رغم وجود فرقة كاملة من المرتزقة يظل رامبو هو الوحيد القادر علي قتل
جنود الأعداء مثل الذباب
لا أدري بالضبط ما الحكمة في عودة رامبو بطل الفيتنام وقاهر
الحمر والبطل الأسطوري القادر وحده علي إبادة جيش بأكمله. هل هي رغبة
سلفستر ستالوني بطل الأجزاء الأولي في استعادة مجده الغابر والتذكير
ببطولاته التي لم تتوقف، لدرجة أن يشارك بإنتاج الفيلم وأن يقوم بإخراجه
بنفسه!!أم هي سياسة عامة تتبعها هوليود عادة بإعطاء حروب أمريكا ورجالها
لمسة إنسانية تبرر بعد ذلك كل الجرائم والقتل العنيف، والإبادة التي
يرتكبها الجنود الأمريكيون في البلاد التي يرغبون بالسيطرة عليها، وفرض
نفوذهم علي مقدراتهامهما يكن فإننا أمام فيلم حرب جديد يطل علينا فيه وجه «ستالوني»
المتعب الذي رسمت التجاعيد حول وجهه خطوطا بارزة والذي تركت السنون علي
حركته ونظراته الكثير من السأم واللامبالاة دون أن يتوقف عن العيش
والحركة.إنه لم يغادر الفيتنام التي حارب فيها وانتصر وترك آثارا وذكريات
لا تمحي، فهو يعمل صيادا لثعابين الكوبرا السامة يستخدم خبرته القتالية في
الإمساك بها ثم بيعها للمراهنين عليها في لعبة الموت التي يلعبونها.إنه راض
بقدره الذي اختاره بنفسه بعد امواج العنف والدم التي سفكها، وهو الآن يطل
بقاربه الخشبي علي بقع الأرض التي لم تجف دماؤها، وقد خلا قلبه من أية
مشاعر أو عواطف إنسانية تدفعه لخوض معركة أو الدفاع عن مبدأ.القتل يأتي إلي
رامبوولكن إذا كان رامبو قد هجر المغامرة والقتل فإن المغامرة والقتل لم
تهجره وها هي بعثة طبية أمريكية تأتي إليه لكي يقودها بقارب إلي منطقة
منعزلة تسيطر عليها فئة عسكرية دكتاتورية تقتل وتحرق وتسبي دون أن يحاسبها
أحد تاركة الشعب المسكين بلا حماية ولا دواء ولا أمل .الفيلم يبدأ بمشاهد
تصور قائد هذه الفئة العسكرية كيف يقتل المدنيين ببرود اعصاب، وكيف ويوجههم
إلي حقل مليء بالالغام، ثم يتسلي بعد أن تضربهم جنوده بالأقدام وكعوب
البنادق باصطيادهم واحدا بعد الآخر، هذا إذا لم تتفجر الألغام في اجسادهم
ويراهم يتساقطون وهو في نشوة تشابه نشوة الجسد.المجموعة الإنسانية التي تضم
عدداً من الأطباء والمكرسين أنفسهم للخدمات الإنسانية ومن بينهم امرأة
متحمسة للعدل والحق والحرية، تطلب من رامبو الذي يعرف مجاهل الغابات
والأنهار الفيتنامية أن يقودهم إلي القرية المنكوبة.ولكن رامبو يرفض العرض
بحزم وإصرار أن الحروب التي خاضها جعلته يؤمن بأن لا شيء في العالم يمكن
تغييره وأن الوحشية والدم والعنف والقتل هي المبادئ التي تعيش عليها
الإنسانية، ومن الصعب الابتعاد عنها وتغييرها وأنه أصبح يفضل التعامل مع
أفاعي الكوبرا علي أن يتعامل مع البشر.ولكن رغم هذا الإصرار علي الرفض تنجح
المرأة - واسمها سارة!!- في اقناعه بالدور الإنساني الذي تقوم به الجماعة
وتقنعه بأن يرافقهم في رحلتهم المحفوفة بالأخطار، وبالفعل ينجح رامبو في
اجتياز الأخطار كلها وإيصال المجموعة إلي هدفها.حيث ترمي المساعدات
الإنسانية للقرية المنكوبة وتوزيع الأدوية وانقاذ الجرحي، ولكن ما إن تبدأ
شفاه السكان بالعودة إلي الابتسام .. حتي يهاجم القائد العسكري المتوحش
القرية ويحرق بيوتها ويسبي نساءها ويختطف أطفالها في مشاهد مروعة في قسوتها
ودمويتها، بل إنه أيضا يقوم بالقبض علي «المجموعة الإنسانية» كلها ويودعها
سجونه، ويخص المرأة بسجن خاص بها تمهيدا لعقوبات أخري يهيئها لها في
رأسه.وبالطبع فإن رامبو الذي رأي كل ذلك تجتاحه مرة أخري عواطف إنسانية
كانت كامنة في نفسه، ويقرر انقاذ هذه المجموعة وبالأخص «سارة» مستعينا بعدد
من المرتزقة المحترفي القتل.وتدور أحداث الفيلم كلها بعد ذلك في محاولة
الهجوم علي المعسكر وانقاذ «الرهائن» وبالطبع.. فإنه رغم وجود المرتزقة فإن
المنقذ الوحيد يبقي رامبو .. فهو وحده القادر علي قتل الجنود .. وكأنهم
حفنة من الذباب أمامه.وبالطبع ينجح في انقاذ سارة وزملاءها، بينما جنود
المعسكر يشاهدون رقصة تقوم بها «السبايا» من سكان القرية قبل أن يهاجموا
المسرح ليقوموا باغتصاب جماعي للفتيات، بينما قائدهم .. يمارس الشذوذ
الجنسي مع غلام اختاره من القرية المنكوبة.ولكن ما أن يستفيق القائد إلي ما
حصل وكيف نجح رامبو والمرتزقة في انقاذ الأسري حتي يرسل كتيبة كلها بكل
جنودها بعربات عسكرية مجهزة وبكلاب بوليسية تقتفي الأثر إلي الغابات بحثا
عن الهاربين.وبالطبع يتم تبادل اطلاق النار ويلقي بعض المرتزقة حتفهم ،
ولكن رامبو وحده ينجح في قتل العشرات ثم العشرات من الجنود .. قبل أن يواجه
القائد العسكري السادي .. ويقتله بخنجره الشهير وينجح في إعادة سارة ومن
تبقي من البعثة سالمين إلي بلادهم.. بينما يسير هو في طريق طويل لا نعرف
إلي أين يؤدي، وقد اكتشف أن العالم لابد له أن يتغير وأن هذا التغير يجب أن
يأتي عن طريقه هو أو طريق امثاله.تخاريف وأكاذيبلا يمكن التعليق علي
التخريف الكبير الذي تدور حوله أحداث الفيلم كلها.. وعلي مجموعة الاكاذيب
الدعائية التي فسد تأثيرها منذ زمن بعيد ولا عن بطولات رامبو الخارقة ولا
عن الوحشية اللاإنسانية التي تتعامل بها الوحدات العسكرية الوطنية علي
السكان الذين ينتظرون المساعدة الإلهية من هذه المجموعات القريبة التي
يجتاز الأخطار والمصاعب في سبيل تحرير الشعب المسكين من جلاديه، ومنحه
الحرية والطعام والدواء والكرامة تماما كما يفعل الجيش الأمريكي الآن في
العراق أو في أفغانستان، بعد أن أصبحت حرب الفيتنام حلما قديما أو كابوسا
من الأفضل نسيانه .. أو تقديمه للذكري من وجهة نظر أمريكية بحتة.«رامبو
الرابع» فيلم يقطر خبثا وسوء نية وتحوير للحقائق الثابتة وتمجيداً لبطولات
فردية خارقة يتميز بها «العسكري الأمريكي» ويتميز بعدد الجثث والقتلي التي
نراها تتناثر يمينا وشمالا منذ بدء الفيلم وحتي نهايته، وبالطبع إذا تركنا
جانبا القتلي الذين يسقطون برصاص رامبو وخنجره .. فإن أغلب هذه الضحايا هم
من المدنيين المسالمين الذين يفتك بهم هذا النظام العسكري الغاشم، الذي
يحرمهم من الدواء ومن الحياة ومن تلقي المعونة من أي طريق كان، رغم أنهم
ينتمون إلي المواطنة نفسها وإلي البلد نفسه.ولكن يحلو للفيلم أن يظهرهم علي
هذا الشكل .. محرومين من كل شيء وضحايا للتعسف والكراهية والقتل وانتظار
الفرج.. الذي سيأتي عن طريق رامبو والأمريكان!!فيلم يحمل سم الكوبرا التي
كان يلتقطها رامبو في مطلع الفيلم وينفث سم العقارب في كل مشاهده المزيفة
الكاذبة التي تحاول إظهار مواطني البلد فئة من المتوحشين القتلة وإظهار
الإنسانية الكائنة حتي لدي الجنود المرتزقة .. بالطبع فإن رامبو يقود
الجميع ويحقق للناس المظلومين العدل الذي ينشدونه.العدل الأمريكيستالوني
إذن لم يتغير وشخصية رامبو رغم الطلاء الظاهري المزيف الذي وصفته في بادئ
الفيلم وتصويره، علي أنه أصبح بائسا كافرا بالقيم التي دافع عنها، فإنها
تبقي في جوهرها هي هي لا تتغير مجرد الديمكانيكية للقتل والدمار تحت شعار
مبادئ إنسانية زائفة وبعيدة عن الإقناع.ستالوني مخرجا كان أكثر توثيقا منه
كستالوني ممثلا.. إذ ملأ فيلمه بمعارك ودماء واغتصاب وقتل.. تحس من خلالها
أننا نشاهد فيلم رسوم متحركة دموياً للكبار.وبالطبع هناك مشاهد الاغتصاب
الجماعي ومشهد ملاحقة الهاربين بالغابة ثم شهد حرق القرية وقتل سكانها، كل
ذلك قدمه المخرج ستالوني بتكنيك يغلب عليه «استطراف» العنف والدم والقتل
والتركيز عليها، كأننا أمام «مشهد فني» علينا أن نبدي تجاهه الإعجاب
والخضوع.في غمار حرب الفيتنام أخرج الممثل جون واين رمز الرجولة لدي
الأمريكيين فيلما عن حرب الفيتناميين اطلق عليه اسم «البريهات الخضراء»
مبرراً فيه حرب الفيتنام وأظهر الجنود الأمريكيين وكأنهم رسل السماء لإنقاذ
هذه البلاد، وما عليهم إلا سحق هذه الحشرات الصغيرة التي يدعونها «أهل
الفيتنام» لتحل مكانها العدالة والديمقراطية الأمريكية بقوة السلاح
والدمار.وها هو التاريخ يعيد نفسه وها هو سلفستر ستالوني يستعرض مواهبه
الإخراجية «الدفينة» ليقدم لنا الدرس نفسه بعد مرور أكثر من نصف قرن تقريبا
علي الحرب المشؤومة.ويقول لنا بواسطة تكنيك سينمائي متقدم إنه لا شيء قد
تغير وأن الأمريكي القوي ما زال بإمكانه إعادة العدل إلي شعب منكوب بحكامه
وجيشه، وأنه مادامت امريكا تملك رامبو وأمثاله فمن حقها إذن أن تحكم العالم
وتديره كما تشاء.أليس من حقنا أذن أن نتمني وجود رامبو عربي علي الطريقة
الأمريكية يخلصنا من اعدائنا بنفس السهولة التي يتعامل بها رامبو مع سكان
البلد الأصليين .. ويبعدنا قليلا عن «العدل الأمريكي» المفروض علينا!!
جريدة القاهرة في 19
فبراير 2008
|