يحفل الأسبوع السينمائي
اللبناني الجديد، الذي ينطلق بعد ظهر اليوم، بعدد من الأفلام المتنوّعة،
المتراوحة
بين التشويق والتسلية والمغامرة.
هنا قراءة نقدية لفيلمين اثنين منها فقط: «حقل
البرسيم»
(Cloverfield)
لمات
ريفيز (تمثيل ليزي كابلان وجيسيكا لوكاس وتي جي ميلر
ومايكل ستال ديفيد) في «سينما سيتي» (الدورة) و«لاس ساليناس» (أنفة)
و«أمبير
سوديكو» و«غالاكسي» (بولفار كميل شمعون) و«غراند سينما أ ب ث»
(الأشرفية)، و«فراشة
على الدولاب»
(Butterfly On A Wheel)
لمايك
باركر (تمثيل جيرارد باتلر وماريا بيلّو
وبيرس بروسنان) في «سينما سيتي» و«أمبير دون» (فردان) و«إسباس» (الزوق)
و«أمبير
سوديكو» و«غالاكسي».
الاختلاف بين هذين الفيلمين واضحٌ للغاية: ذلك أن «حقل
البرسيم» يتمتّع بقدرة عالية على إثارة التوتر المباشر، لأنه
استخدم آلة تصوير
صغيرة الحجم نقلت وقائع ساعات عدّة مرّت على مجموعة من الشباب في نيويورك
في ظلّ
هجوم كائن غريب على مدينتهم. في حين أن «فراشة على الدولاب» (اقتُبس
العنوان من نصّ
لألكسندر بوب جاء فيه: «من يسحق فراشة على دولاب») يثير نوعاً
آخر من التوتر، جرّاء
الحبكة الدرامية التي يصنعها بطلا الفيلم في سعيهما إلى تدمير آخرَين بسبب
ارتكابهما «جريمة الخيانة».
إثارة
مختلفة
الإثارة نوعٌ سينمائي يستمد طاقته
من
قوة الخيال في صنع مشاهد بصرية قابلة لأن تحيل المتلقّي إلى كتلة من التوتر
والارتباك والقلق والرغبة في إنهاء «الكابوس» سريعاً. لكنه
تمثّل في هذين الفيلمين
بصورتين متناقضتين للغاية: صورة أولى مفبركة بطريقة سينمائية لا تريح
المُشاهد
لأنها تستقطبه إليها منذ اللحظات الأولى لسقوط الكائن الغريب على أرض
نيويورك وبدء
المطاردة الليلية بين أنقاض ومعارك عسكرية ومناخ ضاغط. وصورة
ثانية لم تبلغ مرتبة
الإبهار أو حثّ المُشاهد على المشاركة الفعلية في الحبكة الدرامية، لأنها
ظلّت
عادية في تكرار مناخها وحركتها وخيوط لعبتها المكشوفة، وإن حافظت القصّة
على خاتمة
غير متوقعة (إلى حدّ ما). ومع أن العنوان مفتوحٌ على احتمال
العبث بمصائر أناس
غاصوا في جرائمهم وتمتّعوا بارتكابها قبل انكشاف السرّ المؤدّي بهم إلى
التهلكة
والتأديب الأخلاقي(!)، إلاّ أن «فراشة على الدولاب» فقد
مقوّمات الجمالية الدرامية
لهذه المسائل كلّها، عندما سقط في فخّ اللعبة السينمائية المعروفة في سرد
الحكاية،
وإن حملت الخاتمة «مفاجأة» كان يُمكن تحويلها إلى ثقل درامي
ومعنوي ممتدّ من اللحظة
الأولى للقصّة. في حين أن لا شيء متعلّقاً بحقيقة النصّ السينمائي ومناخه
الدرامي
المتوتر كان واضحاً منذ بداية «حقل البرسيم»، إلى درجة أن الدقائق العشرين
الأولى
تقريباً منه بدت مغايرة تماماً للملصق والحكاية: فالأول
(الملصق) قدّم تمثال الحرية
مكسور الرأس ومشوّه الظهر إثر اعتداء «إرهابي» جديد على نيويورك (هذا ما
يرد على
لسان إحدى الشخصيات)؛ والثانية (الحكاية) تقول إن اعتداءً حصل ضد الولايات
المتحدّة
الأميركية، فكيف السبيل إلى مواجهته؟ بينما لم يُقدّم ملصق
«فراشة على الدولاب»
شيئاً
مثيراً للتساؤل، لأنه التقط وجوه الممثلين الثلاثة (بيرس بروسنان وجيرارد
باتلر وماريا بيلّو) بشكل عاديّ، وإن تفنّن صانعه بوضع بروسنان بينهما
كترميز لدوره
في السعي إلى فصلهما عن بعضهما البعض(!).
لهذا كلّه، لا يستطيع المُشاهد
المتورّط في متاهة «حقل البرسيم» أن يبتعد عن المناخ المتوتر الذي صنعه
الاعتداء
أولاً، والتصوير الليلي ثانياً، وحركة الكاميرا ثالثاً،
والملامح الخائفة والمرتبكة
المرسومة على وجوه الشخصيات رابعاً، والتقاط لقطات قريبة في الغالبية
الساحقة من
مشاهد الفيلم خامساً، وحصر عدسة الكاميرا في دوائر صغيرة الحجم
سادساً. في المقابل،
ومع أن قصّة «فراشة على الدولاب» تحتمل قدراً عالياً من التشويق والإثارة
والتوتر
(في
الدقائق الأخيرة من الفيلم، يُدرك المُشاهدون الغاية المرجوة من خطف الابنة
ومصادرة حرية الوالدين وممارسة لعبة مدمِّرة عليهما من قبل رجل «بدا» أن
الزوجين لا
يعرفانه قبلاً)، إلاّ أن المعالجة الدرامية ارتكزت على نمط
واحد وثابت، وإن كان
مشدوداً بالمعنى العاديّ لآلية صنع فيلم مشوّق. من هنا، يُمكن القول إن
«حقل
البرسيم» أفضل تقنياً وفنياً في الدرجة الأولى، في حين أن اختيار هذه
القصّة لم
يُقدّم جديداً يُذكر، لأنه شكّل غطاءً ضرورياً لممارسة التمرين
البصري في استخدام
الكاميرا وتحريكها، ولرفع نسبة التوتر عند المُشاهد الذي يجد نفسه متورّطاً
في هذه
اللعبة سريعاً.
لعبة
الكاميرا
عشية مغادرته نيويورك إلى اليابان لاستلام
منصب جديد له في إحدى الشركات الضخمة، قرّرت صديقة أخيه تنظيم
حفلة وداعية له أمضت
أياماً عدّة في التحضير السرّي لها. تمّت دعوة صديقته التي تخلّى عنها بعد
علاقة
حميمة بينهما، لكن اللقاء كان عاصفاً قبيل مغادرتها الحفلة وصديقها الجديد.
في تلك
اللحظات، سُمع دوي هائل في الخارج، ونقلت مذيعة أخبار نبأ
انفجار باخرة نفط بالقرب
من
تمثال الحرية. لكن، هناك في عتمة الليل ما يثير الريبة والحذر والقلق، ما
أدّى
إلى هلع الناس وهروبهم في الشوارع، خصوصاً بعد وصول الجيش وبدء عملية
الإخلاء.
المفارقة الأساسية في الفيلم كامنة في وجود كاميرا فيديو صغيرة كُلّف أحد
الأصدقاء
بحملها
لإجراء مقابلات سريعة مع المدعوين إلى الحفلة يودّعون فيها صديقهم. غير أن
الكاميرا هذه نقلت حالة الشارع وناسه والمناخ الضاغط والخوف والهرب،
وقدّمته إلى
جمهور الصالة المعتمة بكثير من الحرفية التقنية المبسّطة
والحاملة قدراً كبيراً من
الإثارة والتوتر والتشويق، لمدّة تكاد لا تبلغ تسعين دقيقة.
إن الطريقة
المستخدمة في صنعه أثارت حماسة لدى المنتجين، إذ نُشر خبرٌ مفاده أن شركة
«باراماونت»
قرّرت إنتاج جزء ثان منه، ما دفع بمات ريفيز إلى تأخير البدء بإخراج
فيلمه الجديد «امرأة غير مرئية» (ثريلر على الطريقة الهيتشكوكية) إلى وقت
لاحق في
هذا العام، كي يُنهي الجزء الثاني من «حقل البرسيم» سريعاً
(حقّق الفيلم في ثلاثة
أسابيع من عروضه التجارية الأميركية في 3007 صالات 71 مليونا و915 ألفا
و658
دولاراً أميركياً فقط).
من ناحية أخرى، بدت عائلة راندل في «فراشة على الدولاب»
سعيدة: نل (باتلر) رجل أعمال ناجح جداً في شركة الإعلانات، إلى درجة أن
مديره
يُفضّله
على الآخرين جميعهم. وزوجته آبي (بيلّو) جميلة تمارس دورها كأم حنونة على
ابنتهما صوفي بكثير من الشفافية والبساطة والحيوية. لكن راين (بروسنان)
ينقضّ
عليهما فجأة ويُهدّدهما بقتل ابنتهما التي باتت بين يدي جليسة
أطفال إذا لم يُنفّذا
طلباته. تبدأ اللعبة بإرغامهما على سحب كل ما يملكانه من مال، قبل أن يحرقه
راين
أمامهما. تستمرّ اللعبة لوقت طويل، مقدّمة عدداً من المواقف المتشنّجة
والمشوّقة،
إلى أن يبلغ الجميع المرحلة الأخيرة: يجب على نل أن يقتل من
يقيم في داخل منزل
ريفي، وإلاّ فإن صوفي ستُقتل. ما الذي سيفعله نل؟ ومن هو الشخص المقيم في
المنزل؟
يُفضّل تعليق الإجابة، لأن الخاتمة قد تكون مناقضة للمتخيّل الخاصّ
بالمُشاهد.
السفير اللبنانية في 6
فبراير 2008
|