استوحى المخرج الصيني التايواني آنغ لي « شهوة وحذر» من قصة
قصيرة للأديبة آيلين تشانغ هدفها الأصلي تصوير الصحوة الحسية لدى شابة
تقليدية جريئة اندفعت نحو المغامرة الخطرة بحثاً عن هويتها الأنثوية أولاً،
وبالتالي تجاوباً مع المشاعر الوطنية الصافية خلال الاحتلال الياباني
للصين. ويقول آنغ لي ان مزيج الجنس والسياسة أزعجه في قراءته الأولى للقصة،
لكنه استوعب في النهاية ان العلاقة بين الاثنين ليست مفتعلة أو مبتكرة بل
هي قائمة ووطيدة منذ فجر التاريخ. وهكذا جاء فيلمه مزيجاً متفجراً من تأجج
الرغبة والانتفاضة ضد الاحتلال الياباني لشانغهاي عام 1942.
يقوم بدوري البطولة توني لونغ أحد اشهر ممثلي هونغ كونغ، وتانغ
وي الصينية الوافدة حديثاً الى السينما، علماً أنها تنجح في أداء دورها في
براعة يصعب استبعادها عن الجوائز المقبلة.
ساعتان يحكم دقائقهما توتر حارق وإيقاع يتجنب الإغراء السهل بل
يتعمد تشكيل سطح هادئ يشبه المشاهد العادية في التمثيليات الخاصة
بالتلفزيون، مع فارق جمالي مصدره لغة لونية قاتمة وزوايا قريبة تجعل التنفس
صعباً وترفع مستويات التركيز الى حد مؤلم أحياناً.
المؤسف ان الشاشات العربية لن تعرض هذا الفيلم، بل من الأفضل
ألا تعرضه في ظل مقاييس الرقابة الراهنة، ذلك ان المشاهد الحميمة فيه لغة
فنية تتخطى إدراك الرقابات ذات العين المحدودة، وهي بالتالي عماد اللعبة
الدرامية المبنية على توليد الحب المستحيل من أعماق الكره والاحتقار، فلو
حذفت أطيح بجوهر العمل الفني وفرغ الشريط من محتواه تماماً.
من الفن
الى المقاومة
تبدأ الحكاية عام 1938 في هونغ كونغ حين تتحول الفرقة المسرحية
في الجامعة الى خلية ارتجالية ساذجة لمقاومة الاحتلال الياباني. بما ان
وونغ شياي تشي (تانغ وي) هي افضل ممثلات الفرقة تحولها الظروف الى ماتا
هاري صينية مهمتها اختراق أسرة أحد كبار المتعاونين مع الاحتلال ومحاولة
جرّه الى شقة خارج المدينة لاغتياله. إلا أن الرجل الحذر، على رغم شغفه
الواضح بـ «الجاسوسة» يتردد في الدخول، وفي اليوم التالي يغادر مع أسرته
الى شانغهاي ما يفشل المهمة.
في الأثناء يستفحل الاحتلال في سيطرته الباطشة ويتحول النافذ
السابق مسؤولاً مباشراً عن التحقيقات مع المتمردين اذ ذاك تبحث الخلية عن
فاتنتها الغاوية لعلها تعيد التواصل معه، فيجدونها غارقة في الفقر والعوز
بالكاد قادرة على سد رمقها ورمق عائلتها من المساعدات الشحيحة. لكن الخلية
الهاوية سابقاً تحولت الى جزء من المقاومة المنتظمة وباتت قادرة على تمويل
مشروع خطر ومكلف يحول آيلين الى السيدة ماك، المتزوجة (فرضاً) برجل أعمال
دائم التجوال والمقربة من حلقة السيدة ييي زوجة «جزار شانغهاي» من هناك، من
حول لعبة تشبه الدومينو الى مائدة السيدة ييي تتسرب الجاسوسة الى قلب هدفها
من جديد وسرعان ما تغرق معه في لجّة عاصفة من الشهوات تقلب موازينها
العاطفية وتخلخل ارتباطها بالمقاومة، خصوصاً حين تكتشف في اللحظات الأخيرة
ان الرجل الفولاذي ينفطر حباً بها فتحاول إنقاذه من الاغتيال الوشيك.
عرف آنغ لي ان الرقابة الصينية ستتحفظ على المشاهد الحميمة
وتمكّن في حنكة ودراية كبيرتين ان يختزل منها عشر دقائق لا اكثر، ما سمح
بعرض الفيلم في صالات الصين. أما الصالات الأميركية فصنفته بشكل يقرّبه من
أفلام البورنو، وإذا كان عيب الرقابات العربية أنها لا تأخذ الناحية الفنية
بالاعتبار في مثل هذه الظروف فعيب الرقابة الأميركية أنها تنظر بعين سطحية
اليها وان من دون اللجوء الى المنع.
أما فوز « الشهوة والحذر « بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان
البندقية وبجائزة الحصان الذهبي لاحقاً ناهيك عن نسبة 63 في المئة من النقد
الإيجابي والإقبال المتصاعد على صالات عرضه حول العالم، فلن يحرم عشاق
السينما في البلاد العربية من رؤيته لمجرّد حصول المنع الرقابي، وذلك لأن
النسخ الإلكتروني، القانوني والمقرصن على السواء حقق عملية « الاغتيال» ضد
الرقابات كما يعرف كل لبيب!
الحياة اللندنية في 1
فبراير 2008
|