كانت الحرب اللبنانية بدأت للتوّ حين اشترت الشابة أرسينيه
وعائلتها
بطاقة سفر الى كندا، من دون اياب، كسائر المهاجرين اللبنانيين الذين هربوا
من العنف والاقتتال. هناك، أرادت متابعة دروس في المسرح، لكن القرار لم يلق
تشجيعاً
من الاهل. فاتجهت خانجيان الى العلوم السياسية، قبل ان يلتقي دربها بدرب
آتوم
أيغويان الذي كان يتهيأ لاتمام فيلمه الاول "نكست أوف كين"، في اواسط
الثمانينات.
شاءت الظروف ان تتولى خانجيان بطولة هذا العمل، علماً
ان تجربتها الدراماتيكية لم
تكن تتعدى تأدية بعض الشخصيات، كهاوية، في اعمال المسرح الكلاسيكي الفرنسي،
من
كورناي الى راسين. الى انشغالها في دعم السينمائيين الشباب في مجلس فنون
مدينة
اونتاريو الكنديّة، صارت الممثلة شيئاً فشيئاً ملهمة ايغويان الذي أدرجها
في أفلامه
المنجزة
بين 1984 و1994، قبل أن تتفرّغ نهائياً للتمثيل بعدما تحرّرت من عقدة
التزاماتها العائلية ومن قبضة بيئة محافظة أنانية. مرحلة اليقظة هذه جاءت
مع صدور
فيلم "اكزوتيكا" الذي شرّع الباب لسلسلة تساؤلات حول الهوية والانتماء،
وهما
الموضوعان اللذان كان سيتمحور عليهما، مباشرة او مواربة، مجمل أفلام هذا
الثنائي
الذي بات كلّ طرف منه يغذّي الطرف الآخر، فكرياً وعاطفياً وتاريخياً.
شخصية
فأخرى، تراكمت الادوار في جعبتها (مساعدة مصوّر في "كالاندر"؛ أمّ مفجوعة
في "غد
جميل"؛ صاحبة علبة ستريبتيز في "أكزوتيكا") الى حدّ ان اسمها ارتبط باسم
ايغويان
الذي سيكون عرّابها ومعلّمها خلف الكاميرا وزوجها كذلك. لكن "الخيانة" لن
تطول اذ
ستتولّى خانجيان أدواراً في أفلام سينمائيين مكرّسين مثل أوليفييه أساياس
("ايرما
فيب"، 1996؛ "بداية آب، نهاية أيلول"، 1999)، وميكاييل هانيكيه ("رمز
مجهول"، 2000)
وأخيراً مع المخرجة الفرنسية الصدامية كاترين بريا التي جعلتها تلعب دور
الأمّ في
شريطها الجريء "الى شقيقتي!". بيد ان المحطة الأثيرة في مسارها هي تجربتها
الوجدانية في "أرارات" الذي جاء حصيلة سنوات من التأمل في قضية الابادة
الارمنية،
أمضاها خانجيان وايغويان وهما يبحثان معاً عن معنى أن ينتمي المرء الى هذه
الدياسبورا الارمنية بعد نحو تسعة عقود على مجازر غير معترف بها. هذه
القضية
استعادها أخيراً الأخوان تافياني في "مزرعة القبّرة"، الذي، رغم أهمية
مخرجيه، لم
ينل اهتماماً جماهيرياً يُذكر. خلال زيارتنا مدينة كارلوفي فاري، حيث جرت
في شهر
تموز الماضي، الدورة الاخيرة من المهرجان الذي يحمل اسم المدينة التشيكية
الساحرة،
كان اللقاء المنتظر مع خانجيان للحديث عن بعض اقتناعاتها السينمائية.
•
أوّد أولاً أن أتحدّث معك عن فيلم الأخوين تافياني، "مزرعة
القبّرة"، حيث لعبتِ
أخيراً دور سيّدة تدعى أرمينيه. كيف تمّ الاعداد لهذا الشريط، وما الفرق
بينه وبين
ما انجزه زوجك أتوم ايغويان عن موضوع مماثل؟
-
اقتبس الفيلم من رواية صدرت في
ايطاليا قبل نحو 3 أعوام للكاتبة أنطونيا أرسلان من أصل أرمني، نجت من
الإبادة،
وتروي فيها قصة جدّها الذي وصل الى ايطاليا. لقي الكتاب إعجاب النقّاد،
فقرأه
الأخوان تافياني وقررا فوراً تحويله فيلماً. عندما سمعت عن المشروع، كنت في
مهرجان
يريفان السينمائي، وقالت لي سيدة هي أحد أعضاء لجنة التحكيم إن الأخوين
تافياني
يبحثان عني. ضحكت لأن العثور عليَّ ليس بالمسألة الصعبة، وبرغم ذلك فاجأني
أن يبحثا
عني. أعطيتها أرقامي وعنواني، وأخبرتني باختصار عن المشروع. بعد نحو شهر،
تلقيت
رسالة الكترونية تطلب مني قراءة سيناريو. وفوجئت مرّة أخرى لأن الأخوين
تافياني
مهتمان بهذه الرواية. فكوننا من الأرمن، معتادون ألا نُفهَم في ما يتعلق
بمسألة
الهوية. قرأت السيناريو إذاً وأحببته كثيراً ووجدت الدور ملائماً لي وقبلت
بسرور
تأديته. لكني خلال التصوير وقبله، أردت مشاهدة بعض أفلام الاخوين تافياني
مجدداً.
حينذاك أدركت أنه ليس من المفاجئ أن يهتما بهذه القضية
لأنهما عايشا الوضع نفسه
عندما كانا طفلين خلال الحرب العالمية الثانية. عندما شاهدت "ليلة سان
لورنزو"
(1982)
أدركت
أنهما عاشا المعاناة نفسها في ديارهما
(...).
•
ألا تشعرين بأنك
تعيدين الكرّة بعد "أرارات"؟
-
صحيح أن لـ"أرارات" طابعاً خاصاً وهو شريط في
الحاضر
ولا يتطرّق الى الماضي الاّ من بعيد، مقارنة بالموضوع الحقيقي الذي يعني
جيلك أو جيلي. فـ"أرارات" إذاً متعلق بهذا الجانب النفسي من الموضوع. أما
فيلم
الأخوين، فهو أكثر دقّة ويحدث في مرحلة تاريخية. يروي قصة عائلة يشتتها
نظام
الإبادة. ليس إذاً الأمر نفسه. ولكن يمكنني القول أن "مزرعة القبّرة"
يتقاطع مع
"أرارات"
في واقع أن أزنافور ينجز في الفيلم الاخير المشروع السينمائي الذي يعزّ
عليه. في "أرارات" تعود الشخصية الى الماضي وهي في حاجة لتروي قصة هذا
الشعب الذي
تنتمي اليه. في رأيي، كان ممكناً أن نرى أفلاماً مشابهة لفيلم الأخوين قبل
"أرارات"، وما يهمّنا كأرمن هو أن تلك الأفلام لم تنجز في وقتها
الطبيعي، في حين
مثلاً أن الحكايات بدأت تروى فور انتهاء محرقة اليهود. وبغض النظر عن
البروباغندا
التي ساعدت في ذلك، وأيضاً برغم الكارثة التي حصلت ليهود أوروبا، كان هناك
شتات
خارج أوروبا ساهم في إخبار هذه القصة. أما في حالتنا نحن، فالذين تمكنوا من
النجاة
هم
اليتامى وزوجات المقاتلين الشهداء. اضطررنا الى أن نشق طريقنا بأنفسنا
وانتظرنا
جيل
أهلنا، وأكثر بعد. أعطى شريط أتوم الثقة والحماسة والطاقة، ولكن أظن أننا
كنا
سنبلغ هذه المرحلة برغم كل شيء لأننا جاهزون ومندمجون في أوساطنا ونفهم
أهمية
السينما والعمل الفني وقوة الخطاب الذي يتخطى السياسة. لكن "أرارات"، وبفضل
أهمية
موضوعه، أعطى الأمل لهذا الجيل الذي يملك الإمكانات والموهبة والرغبة.
•
نشعر
اليوم بأنك أكثر تحرراً من قبل. سابقاً كان اسمك مرتبطاً أكثر باسم زوجك.
ما الذي
تغيّر؟
-
حصل تغيير في جدول أعمالي! في البيئة التي آتي منها، كنت أريد
أن أكون
ممثلة ولكني لم ألق التشجيع. قد لا تكون هذه مشكلة جيلكم، لكن أنا كانت
طريقي جد
شائكة للتوصل أخيراً الى أن أكون من كنت أريد أن أكونه مهنياً. لذلك، درست
العلوم
السياسية وحصلت على جدارة في الإدارة العامة وعملت في مجلس الفنون في
أونتاريو. كان
ذلك شيئاً أرغب فيه. وعندما شعرت أن في إمكاني التحرر من واجباتي العاطفية
التي
فرضتها عليَّ تربيتي، وكذلك الوسط الذي آتي منه، أدركت أني قادرة على ارضاء
توقعات
مجتمعي
وبلدي وشعبي ولبنان أيضاً، إذ أشعر أني لبنانية. أنا أرمنية ولكني لبنانية
خصوصاً.
فلبنان هو البلد الذي عرفته لدى ولادتي (...). كنت محظوظة بالذهاب لاحقاً
الى كندا لاتخاذ هذه القرارات التي لم تكن سهلة ولكن ممكنة. استغرق الأمر
وقتاً
طويلاً. ثم عندما التقيت أتوم، لم أكن أتمتع بعد بالثقة. وكنت أخاف ألا
تكون
خياراتي مناسبة. تدريجياً، رحت أتخلى عن تلك المخاوف. بدأت في وقت متأخر،
بعدما كنت
درست المسرح في مونتريال ولكن ليس بهدف أن أكمّل في هذا المجال بصفة
المحترفة.
•
أجد أن من المأسوي أن كل شيء يصبح مقبولاً في الاوساط المحافظة
ما ان يحظى
المرء بالشهرة والمال!
-
هذا أمر شكلّ هاجساً عندي لوقت طويل، لأني كنت أرغب في
أن يعترف
بي شعبي. ثم أدركت أن أسباباً تاريخية تمنع هذا الاعتراف وأن الاهم هو أن
أنجح، ليصبح هذا النجاح تالياً، برغم كل شيء، نموذجاً وفاتح آفاق لآخرين.
تمكّنت من
تخطي هذه العقبة، والآن أشعر بالفخر كوني فعلتها. كان من الصعب أن أفكر أني
سأكافأ
إذا نجحت فحسب وليس بفضل الجهد الذي أبذله. لحسن الحظ كنت أعيش في كندا
واشتغلت في
أوروبا. احتكاكي بهذه الثقافات منحني الرضا على المستوى الشخصي وحفّزني لكي
أكمّل.
أقول الآن لمن شكّكوا في هذه الخيارات إنهم أخطأوا وأن
نجاحي يمنح الشباب الثقة
بموهبتهم، وأن هذه المهنة شرعية وتعوّض كل شيء آخر. أصبحت لي الآن القدرة
على
الدفاع عن هذا الموقف بمقدار أقل من الشكّ.
•
خلال مسارك، عملت مع مخرجين
آخرين كذلك. هل فعلت ذلك بالحماسة نفسها التي كانت لك خلال عملك مع زوجك؟
-
يختلف الأمر. وهذا ما هو ممتع في هذه المهنة. أتشارك وأتوم
تاريخاً مشتركاًَ يسمح
لنا بعض الاختصارات. ولكن في العمل، يجبر المرء على إبقاء الأمور الشخصية
بعيدة.
ولكن لكون الواحد منا يفهم الآخر، يمكننا أن نقترح أموراً مختلفة. في
المقابل، خلال
العمل مع
مخرج لا أعرفه، أفاجأ بالطريقة المختلفة التي يراني بها. في الحالتين،
أشعر بالحماسة لأني أعمل بطريقتين مخالفتين.
•
نظراً الى حضورك الطاغي في سينما
أتوم ايغويان، من الواضح أنه يعتبرك مصدر إلهام. هل يزيد ذلك من مسؤولياتك
المهنية؟
-
لم أشعر قط أني مرتاحة أزاء هذه الملاحظة. قد تكون صحيحة،
ولكني لا أشعر
بارتياح كوني مصدر إلهام، لأن عملنا ملموس ومشترك.
•
كونك آتية من بيئة محافظة،
هل أزعجك أن تؤدي مشاهد عري؟
-
طبعاً. هناك أصلاً خجلي الطبيعي، واضطررت أيضاً
الى هتك
بعض أصول تربيتي. أردت أن أدخل هذه المهنة لأنها طريقة لكي أكتشف نفسي وأرى
إمكانات أخرى وشخصيات اخرى. مكنّني التمثيل من اكتشاف العالم والانفتاح
عليه. كان
عليَّ أن أفهم تلك الشخصيات التي ألعبها والتعمّق فيها. وكانت لقاءات حافلة
بالمفاجآت والأوقات المزعجة التي لم أكن واثقة من قدرتي على جعلها حقيقية.
أظن أن
الجميل في هذه المهنة هو امكان إعادة النظر باستمرار في سؤال الحشمة.
•
الى حدّ
أنك لاحقاً لم تخافي من التمثيل تحت إدارة كاترين بريا مثلاً...
- (ضحك).
وأوليفييه أساياس أيضاً. كاترين بريا امرأة أحترمها جداً. أما بالنسبة الى
أفلامها
فهناك أمور تدهشني فيها. أشعر بشيء من التميّز لكوني استطعت أن أكون جزءاً
من
فيلموغرافيتها.
•
هل تزعجك اتيكيت "الممثلة المثقّفة"؟
-
مطلقاً. هل يُقال
عني ذلك؟ (ضحك). بالعكس هذا يسعدني.
•
أُجريت معك مقابلة في مجلة "بوزيتيف" وهي
مجلة لا
تجري عادة مقابلات مع ممثلات.
-
لا يسعدني ذلك فحسب، بل أعتبره قيمة
مضافة لأن ما حدّد خيارات أفلامي هو أني بحثت دائماً في السينما عما يرضيني
فكرياً.
أعرف أنه يجري الكلام كثيراً عن العواطف في السينما. لا
أمانع ذلك، ولكن في رأيي
يجب منح سينما الافكار الحقّ في ان تكون موجودة. حياتنا حوار متواصل بين
العواطف
والفكر.
•
ماذا عن الالتزام؟ هل تظنين أن على الممثلة أن تكون مؤمنة
بقضيّة
ومسيّسة كما هي الحال معك؟
-
لا يمكنني أن أتحدّث باسم زميلاتي. ولكن في ما
يخصّني،
من الضروري أن أكون ملتزمة لأني أحب أن أتكلم بعدئذٍ عن العمل الذي أنجزته.
ليس عن العمل من منظاره التقني بل عن كلّ ما يتعلّق
بمسألة التعريف عن الشخصيات
التي ابتكرتها ومهمّة الدفاع عنها. أظن أنها شخصيات اختزالية للتجربة
البشرية. أحسب
أنه عليَّ أن أكون ملتزمة إزاءها. لم أؤد تلك الشخصيات لمجدي الخاص أو
لأطّل من على
الشاشة. أفلامي أشاهدها ثلاث مرّات أو خمساً كحد أقصى. ولكن ما يهمّني
دائماً هو
المسار الذي تولد خلاله الشخصيات.
•
العمل النهائي يهمّك أقل؟
-
يهمّني،
ولكن التكلم عنه لا يخيفني.
•
رأيناك تدافعين عن أفلام شخصية وذات موازنة
محدودة،
على غرار "صباح" والفيلم الذي تعرضينه هنا "ستون تايم تاتش"؟
-
كان
الفيلم الأخير مهماً بالنسبة إليّ لأني لم أشارك فيه كوني ممثلة فحسب بل
لأني أروي
تجربتي الخاصة. لم يكن هناك من سيناريو منجز لهذا الفيلم ولا مخطّط مسبق.
للمرّة
الأولى شاركت في تصميم العمل السينمائي ومونتاجه وهيكليته. أثار ذلك حماستي
لأنني
قد أفكّر مستقبلاً في الانتقال الى الاخراج. أحب سينما المؤلّف. فهي سينما
ترتكز
على الأبحاث. لا أتحمّس للأمور ذات النتائج الموثوق بها، بل أميل الى
المخاطرة.
أحبّ
الافلام التي تتبع التقليد السينمائي وفيها شيء من الكلاسيكية، علماً اني
أشجّع التجديد أيضاً.
•
كثيراً ما سمعنا روايات لممثلات عانين نظرة الآخرين
السلبية
أزاءهنّ، كونهن يحملن هويات عدّة. هل هذه حالك أيضاً؟
-
لا، ولكن الامر
ليس سهلاً. فقد شكّل ذلك عائقاً أمام مسيرتي وخصوصاً في أميركا الشمالية،
من ناحية
المظهر واللهجة والانكليزية التي لم أكن أتقنها. الثقافة، والفن تحديداً،
من
المجالات التي يتمتع فيها المرء بحرية أكبر، بحيث يمكننا من خلالها أن
نندمج مع
الآخر في
مجتمع لم يعالج بعد تعدّد الثقافات فيه ولا يزال محافظاً ومناهضاً لفكرة
الآخر. لاحظت عندما وصلت الى كندا انه عندما يكون المرء مهندساً أو طبيباً
لا يمكنه
أن يجد العمل فوراً ولكن في إمكانه الحصول على ديبلوم كندي ومن ثم دخول
الحياة
المهنية، أما الممثلة فلا يمكنها البتة أن تفعل ذلك. فعليها أن تصبح شكلياً
على
صورة هذه الثقافة. ولكن كنت محظوظة لأني التقيت اتوم لأنه لم تكن لديه تلك
الأفكار
الجاهزة. في مجمل الاحوال كان عليَّ النضال.
•
هل تشعرين أنك نجحتِ؟
-
أظنني
قطعت شوطاً طويلاً. لا ينبغي أن أكون ناكرة الجميل في تقويمي للنجاح، لأنني
نجحت في
شيء لم يكن متوقعاً لي. الحظّ مهم ولكن غير كافٍ. عموماً، نجحت على نحو
واسع في
تحقيق رغباتي وأحلامي نظراً الى الخيارات التي كانت لي. لم أشأ أن أعمل في
هوليوود.
لم
يكن ذلك يهمني أصلاً! هل كنت مخطئة؟ مطلقاً. لو عملت هناك كنت لأُعرَف
بطريقة
أخرى،
ولكني لا أندم على ذلك.
•
حتى عندما ترين داني دوفيتو هنا؟
-
لا. لا
أريد أن أكون سلبية أزاء هذا الموضوع؛ كلّ ما في الامر أنه لم يهمّني تسلّق
سلّم
نجاح الشهرة في هوليوود. لم يكن متوقعاً أن أصبح معروفة في السينما
الفرنسية كوني
ممثلة أرمنية - لبنانية مهاجرة الى كندا. ولكني تابعت الاصرار. لا أندم على
شيء.
أقلّه حتى الآن.
(hauvick.habechian@annahar.com.lb)
سينما الف
تحفة وتحفة
Gegen Die
Wand
لفاتح أكين
(2004)
بعد محاولة انتحار فاشلة يقوم بها كاهيت، يقول له الطبيب:
"يمكن
ان تضع حداً لحياتك من دون ان تنتحر". ويفهم ان عليه ان يبدأ حياته من
الصفر.
سيبيل في الـ20 من العمر. اصلها تركية، تماماً مثل كاهيت،
لكنها تربت في
هامبورغ. جميلة وتحب الحياة كثيراً. ولكي تهرب من عائلتها المسلمة
المتشددة، تحاول
ان تنتحر لكنها لا تنجح في ذلك. تتعرف الى كاهيت في مصح للامراض العقلية.
حين لا
تجد مخرجاً آخر لكي تهرب من عائلتها، تطلب الى كاهيت ان يتزوجها. يتردد
قليلاً
ولكنه يقبل في النهاية، من دون شك لأنه يعلم انه يستطيع ان ينقذ نفسه بهذه
الطريقة،
ولكي يتصرف، ولو لمرة واحدة في حياته، بعقلانية. فيعيش الثنائي تحت سقف
واحد، ولكن
العلاقة لا تتعدى ذلك. تتمتع سيبيل بهذه الحرية الجديدة الى اقصى الحدود،
فيما
يتابع كاهيت مغامرته العاطفية العابرة مع مارين، حتى يدخل الحب شيئاً
فشيئاً حياته.
هذا الفيلم الذي افصح عن موهبة الالماني من أصل تركي فاتح أكين،
يلقي الضوء على
المشكلات التي تواجهها الاجيال الثانية والثالثة من الاتراك المهاجرين في
المانيا.
غير ان الفيلم يعالج موضوعاً شاملاً، يسهل فهمه اينما كان. فقد ينطبق الامر
على
الجزائريين في فرنسا او الصينيين في اميركا. ادى الممثلان بيرول اونيل
وسيبيل
كاكيلي دورتي التركيان المقيمان في هامبورغ ببراعة كبيرة. يصعب التفريق
اليوم بين
الاتراك المقيمين في المانيا والسكان الاصليين، اذ انهم تأقلموا مع الحياة
العصرية
واللغة. ولكن، بفضل شعور عائلي قوي، لم تختفِ العادات والتقاليد. وهذا
الامر شكل
صعوبة بالنسبة الى الاتراك الشباب، لأنهم ممزقون بين عالمين مختلفين.
يبدو
الفيلم في البداية كأنه كوميديا، لكن اكين يعمّق فهمنا لعالم المهاجرين
الاتراك،
بإدخاله تدريجياً العناصر التراجيدية، ويسمح لشخصيتي الفيلم بالتعبير عن
فرديتهما
من دون الاهتمام بالتقاليد. فرض العمل نفسه بقوة، على الرغم من ميل
الشخصيتين
الاساسيتين الى تدمير ذاتهما. فكل منهما يحارب جاهداً لايجاد القليل من
السعادة،
غير ان الظروف تجعل الامر صعباً.
هـ.ح.
النهار اللبنانية في 31
يناير 2008
|