·
خالد
يوسف في «حين ميسرة» يقتفي أثر «عصفور» يوسف شاهين
·
المغني ممدوح بيرم في «حين ميسرة» مثل الشيخ إمام عيسي في «العصفور»
والأم هالة فاخر بحنوها وغضبها وتمسكها بمكانها تشبه بهية في «العصفور»
·
جمع
قضايا العشوائيات والإرهاب والدعارة والفساد والبلطجة وتجارة المخدرات
وبطش السلطة في مدة ساعتين فقط لا يعطي المتفرج وقتا للاستيعاب والفهم.
·
يدور
الفيلم في 13 سنة تبدأ من عام 1990 حين غزا العراق الكويت وتنتهي 003
حين سقطت بغداد
عادل حشيشة ميكانيكي سيارات يجرب سيارة أحد زبائنه ويلقتي بمحض
الصدفة بناهد التي يخلصها من محاولة اعتداء عليها، يقيم معها علاقة جنسية
ينتج عنها ابن غير شرعي، لضيق حالتهما يتنكران له ويتركانه ليصبح في نصف
الفيلم الثاني من أطفال الشوارع، يحاول كل منهما مواصلة الحياة ومواجهة
تقلباتها، وبعد 13 سنة يضمهم قطار واحد دون أن يلتقوا، عادل وناهد في عربات
القطار، وابنهما علي سطحه ومعه رفيقته في حياة الشارع ورضيع نتج عن
علاقتهما.السنوات الـ 13 تبدأ من 1990 وحتي 003، فنحن إذن أمام فيلم تصبح
السياسة فيه الأعلي صوتا وضجيجا، فمزج الفيلم بين أحداث المنطقة العربية
السياسية وما يتم في المنطقة العشوائية من تقلبات وتغيرات، وأظهر الفيلم
هذه الأحداث في عدة لقطات تسجيلية أو توثيقية تجاور ـ وإن شئت الدقة تزاحم
ـ أحداث الفيلم الروائي، ففي عام 1990 غزت العراق الكويت وفي العام التالي
أخرجتها قوات التحالف الدولي بـ «عاصفة الصحراء» وفي 003 سقطت بغداد في يد
الأمريكان، وفي منتصف المسافة تقريبا «1998» حدثت عملية «ثعلب
الصحراء».لنتوقف قليلا أمام هذه «الزحمة» فأنت تحتاج إلي «خريطة طريق» إلي
ورق كثير وأفلام عديدة لتتابع الأحداث، وتتعرف علي عالم كل من عادل وناهد،
المزدحم بالشخصيات والأحداث، وكل منهما يحتاج إلي فيلم مستقل بذاته، فعادل
يتقلب بين العمل والبطالة والسجن ويصبح بلطجيا وفتوة منطقته العشوائية،
ومرشدا للبوليس، وناهد تهرب من نظرات وملاحقات زوج أمها وتهرب من فقرها
الشديد باحثة طوال الفيلم عن مأوي لها، ويحدث لديها «هروب متكرر» وصدف
كثيرة، وهي في المجمل شخصية إيجابية علي النقيض من عادل الخانع تماما
لظروفه وأقداره.الفيلم يتحدث عن العشوائيات والإرهاب والدعارة والفساد
والبلطجة وتجارة المخدرات وأطفال الشوارع وبطش السلطة، فهل لدينا «ميسرة»
في الفهم والاستيعاب والمشاهدة ليحدث كل هذا في شريط سينمائي مدته ساعتين
من الزمان؟ أشك في ذلك. هل السيناريست والمخرج في حاجة لكل هذه «الزحمة»
فهذا ليس العمل الأول للسيناريست ناصر عبدالرحمن أو المخرج خالد يوسف. وهذا
أحدث تشويشا، وربما تاهت منا رسالة ـ أو رسائل ـ الفيلم التي يريد توصيلها
للمشاهد.دلالة المكانالقاهرة والإسكندرية محطتان رئيسيتان في الأحداث، فإلي
الإسكندرية هربت من نظرات وملاحقات زوج الأم لتلتقي في القطار بامرأة
تستضيفها في منزلها وتحاول ممارسة الشذوذ معها، فتهرب منها إلي سيدة مسنة
تشكو جحود أبنائها تقيم معها خمس سنوات، تظل اللحظات الأمنة والمستقرة في
حياتها، لتعود مرة أخري إلي المرأة السحاقية التي هربت منها، وعندها تلتقي
مع الشاب «عدنان».رسم السيناريو شخصية عدنان ببراعة فهو شاب لاه عابث يلعب
القمار، وثقت فيه ناهد لكنه يتركها فريسة لثلاثة ذئاب بشرية من أجل شمة
هيروين. في هذا المشهد كان عدنان واعيا تماما وكان يحاول أن ينسي نذالته
وحكارته بأن يقرب لفاقة الشم من أنفه في لقطة مركزة ومعبرة عن معاناته بين
نشوة الشم المستبدة به وبين إحساسه الداخلي وألمه بالتخلي عن ناهد.هربت
ناهد من شقة المرأة السحاقية في كبسة بوليس، كما تخبأت تحت بطانية موجودة
في أحد المراكب السياحية لحظة القبض علي الموظف الحكومي المرتشي و«البيه»
الراشي، فهل يريد الفيلم منا أن نتعاطف مع ناهد التي هربت من قهر زوج الأم
ونذالة عادل، وحاولت الحفاظ علي نفسها وسط عالم لا يرحم، عموما لم تكن
الإسكندرية رحيمة بل كانت أكثر قسوة من القاهرة، عادت إليها ناهد في الختام
لعلها تكون رحيمة هذه المرة، ولنفس السبب أراد عادل الهروب من القاهرة
وقسوتها إلي الإسكندرية علي أمل أن يبدأ حياة جديدة لكن الأم ترفض بشدة،
وتتمسك بمكانها فيقرر السفر وحيدا.برع الفيلم في استعراض بؤس الحياة
وشقائها في المنطقة العشوائية، فالمنطقة لها قانونها الخاص من البلطجة
والإتجار بالمخدرات والإرهاب الديني وبطش السلطة. استعرضت الكاميرا الأوضة
«الحقة» التي تقيم بها أم رضا واربعة أبناء صغار، ذهب رضا للعراق وتركهم
لأمه، وكذلك خمسة أطفال أولاد ابنتها التي قتلها زوجها وبالطبع يقيم معهم
عادل، وفي حجرة مماثلة ملاصقة يقيم فتحي مع زوجتين «يناقش الفيلم تعدد
الزوجات» ولأنه غير قادر علي الإنجاب يخيرهما بين الطلاق والبقاء معه،
فيختاران المعيشة معه، المرأة نحمده «وفاء عامر» والشابة الصغيرة «فهل فتحي
بفقره وعجزه أرحم من المجتمع الذي يقهر ولا يرحم امرأة ولا فتاة؟»نجح
الديكور «حامد حمدان» والتصوير «رمسيس مزروق» والإضاءة في بض الإشارات عن
رمضان والعيد الصغير وبعض لهجات البهجة، فالمسحراتي لايزال موجودا وينادي
الناس بأسمائها، وكذلك «لمة» الستات الشعبية لعمل كحك العيد، ومن لحظات
السعادة التي يسترقها الناس من الزحام وقسوة الأيام الأغنية التي تزامنت مع
خروج عادل بعد خمس سنوات سجن، والعزومة التي ضمت أسرة عادل وفتحي وزوجتيه
وشقيق نحمده العائد من العراق خالي الوفاض، وأحد رجال المنطقة ذا الصوت
الجميل الشجي.مقارنات ومقابلاتبرع الفيلم في عقد عدة مقارنات، منها
المقارنة بين حال عادل وناهد والفقر يغالبهما ويغلبهما، وبين ابنهما «أيمن»
الذي يقضي طفولة هانئة مستقرة منعمة في حضن أب وأم ولو بالتبني ولبعض سنوات
يتركانه بعدها للشارع والمصير المظلم.ومقارنة أخري عن مساعدة أولاد الكولة
لعادل ليصبح بلطجي وفتوة المنطقة الجديدة في نفس يوم معركة ثعلب الصحراء،
فالبلطجي يسود من خلال ضعف الآخرين أو إذعانهم أو مشاركتهم، ووسط فقرها
المدقع تحلم أم رضا بعودته حيث ينزل من عربة يرتدي بدلة شيك ومعه شنطة فلوس
يغرق بها الأهالي وفي يده مروحة، المشهد جميل يصور حلم العودة المستحيل
وزفة عودة رضا بعد غياب سنوات، لكن الأم تصحو من لحظات حلمها الجميل علي
«خبط» عادل علي الشباك، والحق أن الأم جعلت من أبنها أسطورة في شخصه وطباعه
وتصر أنها أم رضا وليست أم عادل، فرضا ألبسها المصاغ «غويشتين» تعتبرهما
ثمن كفنها عند الرحيل.قدم الفيلم رجل تنظيم القاعدة «أحمد بدير» في «نيولوك»
جديد فهو بغير دقن، لديه لاب توب «رجل تكنولوجيا يعني» ولديه اتصال بقائده
في التنظيم ويغادر المنطقة لحظة تفجير الأمن لها، يغادرها سليما معافي إلي
مكان آخر فالقاعدة لا تموت ولا تنتهي.خالد يوسف أراد العمل ببراعة وأدار
ممثليه بكفاءة، فهالة فاخر في دور أم رضا اكتشاف جديد لها بعد سنوات طويلة
من العمل، والوجه الجديد عمر سعد «عادل» وجه معبر عن الشاب الحائر المستسلم
الضائع، وسمية الخشاب «ناهد» تحاول بالفيلم اللحاق بنجمات الصف الأول وشباك
التذاكر، وعمرو عبدالجليل العائد بقوة بعد سنوات من التجاهل والأدوار
الصغيرة الهامشية «في دور فتحي» هو فاكهة الفيلم بكلامه وحركاته وافيهاته،
كما أن خالد يوسف استفاد من ممثلي فيلمه السابق بالاشتراك مع الأستاذ «هي
فوضي» فعواطف حلمي الأم التي تشكو جحود أبنائها كانت في «هي فوضي» سيدة
عجوز مسنة دجالة تبيع الوهم لأمين الشرطة، وكذلك الحضور الخاص جدا والمتميز
لخالد صالح وأسماه التتر «ظهور خاص» في دور رضا، والشاب الصغير الذي كان
أحد شباب الجامعة المحتجزين في «هي فوضي» وكان أحد اتباع البلطجي في «حين
ميسرة» لا أعرف اسمه للأسف، وعموما في هذا الفيلم أطلق المخرج عددا من
الوجوه الجديدة ومنها الزوجة الثانية لفتحي وعدنان، وهذه الوجوه التي لا
أعرف أسماءها «لكثرة الأسماء وزحمة الفيلم» لديها مستقبل واعد وستتحقق في
الأفلام القادمة.راودني خاطر أثناء المشاهد وبعدها، هل وقع خالد يوسف أسيرا
لفيلم «العصفور» وأراد أن يقتفي أثر أستاذه فوقع لنفسه «حين ميسرة»؟
فالمغني ممدوح بيرم يرمي علي الشيخ إمام عيسي، والأم هالة فاخر بحنوها
وغضبها وبقائها في منطقتها قريبة الشبة من بهية في العصفور، ومانشيتات
الصحف في تتر المقدمة عن العشوائيات، ربما تقارب مانشيتات العصفور عن
المجرم الهارب. هل لاحظتم ذلك؟ هل أكون مصيبا؟ ربما!
جريدة القاهرة في 29
يناير 2008
|