هناك خمسة أفلام مرشّحة لأوسكار أفضل سيناريو غير مقتبس أي
مكتوب خصيصاً للشاشة الكبيرة.
والتالي قراءة في بعض ما جعلها تدخل هذه المرحلة الأخيرة من
سباق الأوسكار.في مثل هذه الأيام من العام الماضي تعرّضت للسيناريوهات التي
أعلن ترشيحها رسمياً لجائزة الأوسكار وذلك على حلقتين، واحدة للسيناريوها
المقتسبة عن روايات ومصادر مختلفة والثانية للسيناريوهات المكتوبة خصيصاً.
الأفلام المرشّحة لأوسكار أفضل سيناريو كتب خصيصاً للسينما، أو
كما يقولون “أصلي” هي: سيناريوهات أفلام “جونو” الذي كتبه ديابلو كودي، و”لارس
والفتاة الحقيقية” لنانسي أولير، و”مايكل كلايتون” الذي وضعه توني غيلروي
مخرج الفيلم، و”المتوحّشون” لتمارا جنكنز وهي مخرجته أيضاً،
والفيلم الكرتوني “راتاتوي” الذي كتبه ثلاثة هم براد بيرد ويان بنكافا وجيم
كابوبيانكو.
في المقابل، فإن الأفلام التي لم تدخل هذا الجزء الأخير من
السباق كثيرة، وبعضها كان مرشّحاً بقوة مثل “أميركان غانغستر” الذي كتبه
ستيفن زايلان، و”دارجلينغ ليمتد” الذي كتبه مخرجه وز أندرسون الذي يؤكّد أن
الفكرة وقسماً كبيراً من القصّة هما نتيجة عمل مشترك بينه وبين روما كوبولا
وجاسون شوارتزمان.
أيضاً “وعود شرقية” الذي وضعه ستيف نايت و”مسحور” الذي وضعه
بيلي كيلي (ثالث سيناريوهاته المنتجة).
ثلاثة من الأفلام المرشحّة هنا تنتمي لإنتاجات السينما
المستقلّة وهي “جونو”، و”لارس والفتاة الحقيقية” و”المتوحّشون”، بينما
“مايكل كلايتون” و”راتاتوي” ينتميان إلى سينما المؤسسات. على ذلك المسافة
بين هذين الفيلمين بعيدة نظراً لأن “راتاتوي” هو فيلم رسوم متحركة.
ولو أخذنا الأفلام المذكورة واحداً واحداً فإن هناك ما هو
إيجابي وما هو سلبي في معظمها، وهذا يبدو أمراً عادياً، لكن المرء سيجد
أيضاً إذا ما سنحت له فرصة قراءة هذه السيناريوهات أن بعض السيناريوهات
التي لم يسعفها الدخول إلى المسابقة تحمل بعض الحسنات ونقاط ضعف أقل من بعض
تلك التي دخلت المسابقة.
Michael Clayton
توني غليروي مخرج جديد (وهذا أوّل أفلامه في هذا المضمار) لكنه
كاتب سيناريو منذ سنوات أنتجت له السينما اثني عشر عملاً من كتاباته منها
ثلاثية “بورن” كما “محامي الشيطان” و”أرماغدون”. وكون هذا الفيلم يأتي في
أعقاب ثلاثية “بورن” التشويقية مفيد له ولو أن الثلاثية تختلف عن “مايكل
كلايتون” من حيث أنها مكتوبة كسجال من الأكشن، بينما “مايكل كلايتون” مكتوب
على نسق سينما السبعينات حيث التشويق ممزوج بالدراسة الشخصية والمساواة بين
بينه وبين الجانب اللغزي طوال الوقت.
سيناريو “مايكل كلايتون” مشغول ببراعة. الشخصية الرئيسية التي
اسمها من اسم الفيلم ويؤديها جورج كلوني تكتشف أن صديقه في المؤسسة
القانونية التي يعمل لها قُتل وبحثه عن القتله مرتبط ببحثه عن الحقيقة في
مسألة قيام تلك المؤسسة بتمثيل شركة كيماوية أضرّت بحياة الناس. إنه ليس
الفيلم السهل لكثير من المشاهدين الذين ربما أرادوا الإسراع في النتائج
والحلول. إنه، بالنسبة لهذا الناقد، أفضل السيناريوهات من حيث تقنية
الكتابة وتوظيفها لخدمة قضية أكبر من مجرّد القصّة.
The Savages
الكاتبة المخرجة تامارا جنكينز ليس لديها ذات الخبرة، لكن
القصّة التي وضعتها تحت هذا العنوان لفيلمها (الثاني لها) تثير الاهتمام.
إنها قائمة على حكاية باحث تاريخي اسمه جون سافاج وشقيقته الكاتبة المسرحية
وندي. كلاهما متباعد عن الآخر في المسافتين المكانية والنفسية لكنهما
يلتقيان عندما يقع والدها (فيليب بوسكو) مريضاً ويصبح بحاجة إلى رعايتهما.
كون أن هناك حلولاً أخرى للمشكلة لم يمنع من تقديم عمل قابل للتصديق.
لزيادة جرعة الأهمية قامت تامارا بجعل التاريخ الشخصي لعائلة “سافاج”
ملوّثاً بما هو مشين، فالأب كان صعب المراس حين كان شابّاً ولا يزال للآن
وقد بلغ 58 سنة من العمر. هذا يخلق نكهة كوميدية، لكنها ليست كافية لفيلم
يريد أن يضع بينه وبين المعالجات الكوميدية المنزلية مسافة واسعة.
Juno
الكاتبة ديابلو كودي جديدة على الساحة كلها، لديها خلفية
تلفزيونية قصيرة المدى وهذا هو أول سيناريو تكتبه للسينما (من حينها باعت
ثلاثة سيناريوهات أخرى). في الحقيقة خلفيّتها الحقيقية في مرابع الرقص في
النوادي الليلية (ستربتيز، الخ..) لكن “جونو” خبطة تجارية ناجحة فهو فيلم
مستقل صغير بتكلفة تقل عن ثلاثة ملايين دولار جمع للآن 58 مليون دولار من
الولايات المتحدة وعشرة من خارجها. ضربة تجارية ناجحة من كل الاتجاهات.
والسبب هو السيناريو: حديث حول حال فتاة (إيلين بايج) في السادسة عشرة من
عمرها تدخل بيت والديها وتصارحهما بأنها حامل. السيناريو مؤلف من مواقف
متلاحقة تنطلق من هذه الحقيقة ومن كيف ستحلّ هذه الفتاة الصغيرة مشكلتها من
دون تردد أو خوف ومن سيحاول إقناعها بضرورة التخلي عن الجنين في الوقت الذي
يزداد تصميمها على الاحتفاظ به. في العام الماضي نال فيلم مستقل وصغير آخر،
هو “ليتل مس سنشاين” الأوسكار في هذا الميدان لذا من المرجّح لهذا الفيلم
الذي أخرجه جاسون رايتمان إنجاز النجاح ذاته.
Lars and the Real Girl
يقوم هذا السيناريو على افتراضية من نوع “ماذا لو أن...” ولو
أن هنا تتعلّق بشاب (رايان غوزلينغ) يكتشف على الإنترنت فتاة أحلامه، إنها
سمراء وجميلة ورشيقة القوام وبالغة الجاذبية. هل هي مشكلته إذا ما كانت
أيضاً.. دمية؟ يشتريها (أو إذا أردت يستوردها) ويقدّمها لمحيطه على أساس
أنها صديقته. السؤال هو ماذا لو أن هذا حصل؟ في الواقع سنطلق على الرجل
كلمة معتوه أو شاذ، لكن الفيلم يحاول أن يسحب من هذه القصّة الرقيقة خيطاً
يتعامل فيه مع مسائل الوحدة والإحباط و(مرة أخرى) العائلة غير السعيدة.
نانسي أوليفر، ذات الخبرة التلفزيونية، كتبت سيناريو صعب الإتقان، ولا
أعتقده متقناً، لكنه بالتأكيد جديد إلى حد ومسل إلى أكثر من ذلك.
Ratatouillle
“لارس والفتاة الحقيقية” صعب الكتابة بسبب انطلاقه من فرضية
خيالية، ولأنه في الحقيقة يتمحور حول هذه الحالة عوض أن يتوسّع فيها، هذا
على العكس تماماً من سيناريو هذا الفيلم الكرتوني. إنها المرّة الأولى في
تاريخ الأوسكار (80 سنة) التي يتم فيها اختيار سيناريو فيلم كرتوني لكي
يدخل المسابقة.
كُتب هذا الفيلم كفيلم كرتوني في الأساس على عكس “مونستر هاوس”
في العام الماضي الذي كُتب كفيلم حي ثم تم تحويله. وهو فيلم من بطولة فأر
أو بالأحرى مجموعة كبيرة من الفئران أفضلها “راتاتوّي” الذي يريد الانفصال
عن الفئران الآخرين بدءاً بقراره عدم تناول طعامه من مخلّفات المطاعم
الفرنسية بل من المطاعم نفسها. كسيناريو، هنا الفاصلة المهمّة الأولى: هو
المتمرّد على الغالبية الراضية بنصيبها من الحياة. ومثل كثير من المتمرّدين
لديه من قوّة الدفع ما سيمكّنه لا من اقتحام أفضل مطعم باريسي، بل التحوّل
إلى الطبّاخ الخفي لشاب بلا خبرة حدث أنه يعمل في مطبخ ذلك المطعم.
هنا الفاصلة الثانية من ناحية الكتابة، أو من الناحية القصصية:
تآلف بين شخصية بشرية وبين ذلك الحيوان الصغير. هذا التآلف ينتج عنه تفاهم
وقبول الآخر في الوقت الذي لا تتوقّف فيه الأحداث عن تقديم الذروة قبيل
نهاية الفيلم ثم المفاد الأخلاقي في نهايته شأنه في ذلك شأن كل الأفلام
الحيّة.
أوراق ناقد
رسالة
حول فيلم
من: محمد جاسم (الشارقة):
أكتب إليك هذه المرّة عن موضوع قد يكون قديماً بعض الشيء ولكنه
ذو أهمية كبيرة بالنسبة لي. من عادة عشّاق السينما عند الحديث فيما بينهم
عن أفلامهم المفضلة أن يتشاركوا الرأي حول جوانب متعددة من الفيلم، وما
أكثر هذه الجوانب. ومن عادتهم أيضاً عندما يقرأون لأحد نقاد السينما ألا
يتركوا موضوعاً يهمهم إلا ويسألونه عن رأيه فيه، وما أكثر الأفلام التي قد
يطلب عشاق السينما آراء النقاد فيها أيضاً.
الآن أصبحت من المتتبعين الجدد لمقالاتك، ولا أريد أن أكثر من
الاسئلة لكني جربت منك الرد على الرسائل بإيجاز مفصّل وواف ولدي اليوم
سؤالان فقط:
شاهدت “المصفوفة” مراراً وتكراراً لأنه الفيلم المفضل بالنسبة
لي، ويهمني كثيراً أن أعرف رأيك فيه من ناحية السيناريو والقصّة وأيضاً من
الناحية الفنية والنقدية وغيرها. بحثت كثيراً في الإنترنت عن مقال لك عن
هذا الفيلم لكني لم أجد، هل لك أن تطلعني على رأيك فيه؟
أيضاً اطلعت مؤخراً علي مدوّنتك وإني لأتساءل: كيف تجد الوقت
الكافي لكتابة كل هذا؟ مجرد فضول. وبالمناسبة شكراً جزيلاً على ردّك السريع
على رسالتي الماضية.
المحرر: كنت سأكون سعيداً جدّاً لو استطعت الجواب عن سؤالك
فيما يتعلّق بالفيلم الذي ذكرته تحت عنوان “المصفوفة”، لكني لم أعرف
بالتحديد أي فيلم هذا. لم ينفع ترجمة الكلمة إلى الإنجليزية لأن لا شيء
يقترب من هذه الصفة في عناوين الأفلام الأمريكية. وبما أن الأفلام المعروضة
في البلاد العربية عادة ما تتّخذ عناوين غير حرفية للأفلام القادمة من
هوليوود، أو من أي مكان من العالم، أقترح أن تبعث لي بالعنوان الأصلي، أو
على الأقل اسم المخرج أو اسم الممثل أو شيء من هذا القبيل. وسأكتب لك رأيي
فيه بلا أدنى تردد. كونه الفيلم المفضّل لديك وشاهدته مراراً وتكراراً كما
تقول معناه أنه فيلم يستحق الاهتمام.
بالنسبة لموضوع الكتابة اليوم 24 ساعة وقسّمتها على النحو
التالي:
6 ساعات نوم، و3 ساعات خاصّة، و6 ساعات كتابة، وساعتان قراءة،
وساعتان للأرشيف ومتابعة أخبار الإنترنت الخ، و5 ساعات لفيلم سينمائي أو
اثنين (حسب المتاح).
لكن تطبيق كل هذا كل يوم، يتطلّب قدرة على التنظيم ثم قدرة على
متابعة هذا التنظيم. ودعني أقول لك ما قاله الكاتب جوزف كونراد الذي اقتبس
فرنسيس فورد كوبولا عن روايته “قلب العتمة” فيلمه الشهير “سفر الرؤيا...
الآن”: “أحلامنا تتحوّل إلى كوابيس ولكل منا كابوسه وهو مسؤول عنه”.
خسارتان
بينما يقول بوليس نيويورك إن الأمر سيتطلّب بضعة أيام أخرى قبل
التأكد من السبب الحقيقي أو الأسباب الفعلية التي أدّت إلى موت الممثل
الشاب هيث لدجر، فإن هوليوود تقول إن الأمر يحتاج إلى أكثر من ذلك الوقت
لمعرفة كيف سيتم حل المعضلة التي نتجت عن موته المفاجئ. احذف كلمة معضلة
وضع مكانها كلمة معضلتين.
فالممثل المذكور كان مشغولاً بتمثيل فيلمين معاً، أي لا يوجد
وقت أكثر ضرراً من الوقت الذي اختاره لدجر ليتجرّع كل هذه الكميّة من
عقاقير النوم التي يبدو ولو أن ذلك ليس مؤكداً بعد انها ذهبت بحياته.
الفيلم الأول “مكان خيال دكتور بارناسوس” الذي يؤدي فيه لدجر
دوراً محورياً. الآن صار أمام هذا الفيلم ثلاثة احتمالات. الأول: إغلاق
الفيلم تماماً وشطبه بأقل الخسائر الممكنة. الثاني: التصوير حول الممثل أي
مع تغيير كبير في السيناريو بحيث يتم تجنيب باقي المشاهد التي كان من
المفترض أن يؤديها، أما الثالث فهو احتمال الإتيان بممثل آخر وإعادة تصوير
الفيلم من أوّله.
الى ذلك، فإن المشكلة الأساسية الأخرى هنا هي أن الفيلم لم يكن
ليتم لولا اسم الممثل، فعلى اسمه استلف المنتج سامويل حديدة 30 مليون دولار
لإنتاج الفيلم.
الفيلم الثاني هو “الفارس الأسود”. في هذا الفيلم يؤدي لدجر
دور البطولة الثانية. إنه العدو الرئيسي لباتمان (كرستيان بايل لا يزال
على قيد الحياة) لاعباً شخصية جوكر، وهي الشخصية التي لعبها قبل سنوات عدّة
جاك نيكولسون.
المشكلة هنا ليست ناسفة. معظم الفيلم تم تصويره بالفعل وصار في
العلب، لكن المشكلة هي أن منتجيه (وورنر) كانوا بحاجة إليه ليساعد في ترويج
الفيلم بعد انتهائه. الآن لم يعد ذلك ممكناً (ولو أن الممثل سيروّج للفيلم
بسبب موته).
م.ر
email: merci4404@earthlink.net
Blog: shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في 27
يناير 2008
|