مئة دقيقة كانت كافية للمخرج الاسرائيلي آفي مغربي ليقدم فيلمه
الوثائقي «لأجل عين من عيني» الذي يطرح فيه مجموعة كبيرة من القضايا التي
قد تثير كثيرين حول الفكر الذي ينشأ عليه الاطفال اليهود في اسرائيل وما
يتعرض له الفلسطينيون من اذلال وقهر. وعرض الفيلم ليل أول من أمس في قاعة
المركز الثقافي الفرنسي - الالماني في رام الله في الضفة الغربية المحتلة.
أهدى مغربي المعروف بمواقفه المناوئة لسياسة حكومته فيلمه الذي
عرض للمرة الاولى امام جمهور فلسطيني على رغم انه انتج قبل 3 سنوات لابنه
الذي رفض الخدمة في الجيش لئلا يقتل. ويعرض الوثائقي ما يتعرض له
الفلسطينيون من اذلال على الحواجز وعلى بوابات الجدار الذي بنته اسرائيل
حتى يسمح لهم بالوصول الى ارضهم.
ويزخر الفيلم بمواقف انسانية صعبة ترى فيها امراة عجوزاً تنظر
عند احدى البوابات المقامة على الجدار المشيد على الاراضي الفلسطينية
وتقول: «منذ أربع ساعات وأنا اقف هنا بانتظار ان يفتح جنود الاحتلال
البوابة لأذهب لزيارة ابنتي في الجهة الاخرى من الجدار». ويواصل مغربي
تصوير هذه المرأة من دون ان يذكر اسمها والى جانبها عدد من الرجال بانتظار
فتح البوابة. تزداد اللحظة تأثيراً عندما تبدأ المرأة في البكاء وهي تقول:
«الموت احسن من هذه الحياة، القبر افضل من هذه الحياة». يمزج المخرج
الاسرائيلي بطريقة معبّرة بين تنشئة الاطفال اليهود وما يستمعون اليه من
اساطير حول قصة جبل المسادا وشمشون العملاق وما يتعرض له الفلسطينيون.
ويعرض الفيلم قصة المسادا اكثر من مرة من خلال دروس يستمع اليها الاطفال
الاسرائيليون في المكان ذاته الذي يعتبر اليهود ان القصة حدثت فيه على جبل
مطل على البحر الميت.
يستمع الاطفال باهتمام كبير في كل مشهد تستحضر فيه القصة التي
تتلخص في ان مجموعة من اليهود لجأوا الى هذا الجبل عام سبعين ميلادية
وبعدما حاصرهم الرومان لمدة عامين فضلوا الانتحار على تسليم انفسهم. ويقدم
المدرسون في تلك المشاهد التسجيلية عرضاً مفصلاً لهذه القصة وكيف قرر
اليعازر بن يائير، كما تروي القصة، الموت على الاستسلام. ينتقل المخرج بين
تلك المشاهد التي يتلقى فيها الاطفال الاسرائيليون شرحاً حول بطولة اليهود
الذين حوصروا في المسادا وقصة شمشون صاحب القوة الخارقة الذي كان يقتل
ثلاثة آلاف شخص بضربة واحدة وكيف هدم المعبد الذي لجأ اليه على نفسه وعلى
الفلسطينيين البالغ عددهم ثلاثة آلاف ليموتوا جميعاً وبين ما يتعرض له
الفلسطينيون على الحواجز الاسرائيلية.
ويرافق مغربي الفلسطينيين في اكثر من موقف ويتحدى الجنود
الاسرائيليين ويواصل التصوير، ولأنه اسرائيلي يساعده ذلك في ما يبدو في
كثير من المواقف على تحدي الجنود ليظهروا له قراراً قانونياً بمنعه من
التصوير.
ومن بين تلك المواقف الكثيرة التي يقدمها مغربي في فيلمه
مجموعة من الشبان محتجزين على احد الحواجز في مدن الضفة الغربية: اثنان
منهما يقفان على حجر عقاباً لهما، وعندما يسألهما لماذا يقفان هكذا؟ يقول
احدهما: «لانه نظر الى الخلف». فالنظر الى الخلف بحسب تعليمات الجنود
ممنوع.
ويترك المخرج الاسرائيلي مساحة واسعة لصديق فلسطيني له لا تظهر
صورته في الفيلم بل يسمع صوته عبر اكثر من مكالمة هاتفية بينه وبين المخرج
وقال في احداها: «الاجراءات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين تدفعهم نحو التطرف
فيصلون الى حد لا يصبح هناك من فارق بين الموت والحياة». مشاهد كثيرة
يقدمها المخرج... تارة لمستوطنين يهود يحتفلون في كهف شمشون ودروس لاطفال
عن المسادا وأخرى حول معاناة الفلسطينيين المستمرة.
وينتهي الفيلم بلقطة يظهر فيها مدرّس اسرائيلي وهو يشير الى
علم اسرائيل ويقول: «انظروا ها هو علم اسرائيل يرفرف. اين ذهب الرومان؟
ابحثوا عنهم في كتب التاريخ».
الحياة اللندنية في 11
يناير 2008
|