تنشط
نوادي السينما في تونس منذ عقود بصفة ملحوظة، وهذا يرجع إلى عقد الستينات
من القرن الماضي، بل إن معظم المخرجين السينمائيين ونقاد السينما في تونس
مثل المخرج النوري بوزيد، والمخرج فريد بوغدير، والمخرجة سلمى بكار، قد
عرفوا اتجاهات التقنيات الجديدة في عالم الفن السابع بحضورهم المتواصل في
تلك النوادي ومشاهدة آخر الانتاجات السينمائية ومناقشتها والاطلاع على
خلفياتها.
لذلك حظيت
هذه النوادي بالمتابعة والتشجيع، سواء من قِبل المخرجين المعروفين أو كذلك
من قِبل الأجيال الشغوفة بهذه الممارسة التي تجلب الانتباه إليها في كل
مرة.
وللتأكيد
على هذا الشغف بالسينما في تونس، تكونت منذ عام 1962 جمعية السينمائيين
الشبان بتونس، وبعد ذلك بسنتين نظمت الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة
المهرجان الأول لسينما الهواة وذلك بمدينة قليبية، وأشرفت على تنظيمه
الجمعية، ومنذ عام 1966 أصبحت الجامعة التونسية هي التي تشرف على هذا
المهرجان بصفة منتظمة وبالتداول مع أيام قرطاج السينمائية.
وبداية من
عام 1968، انضوت كل نوادي جمعية السينمائيين الشبان تحت لواء الجامعة
التونسية للسينمائيين الهواة.
ولعل كل
هذه العوالم المحيطة بسينما الهواة هي التي رشحت كفة تونس لاحتضان الدورة
السبعين للمؤتمر العالمي لسينما الهواة الذي ستحتضنه مدينة «الحمامات» خلال
الفترة الممتدة بين 28 يونيو (حزيران) حتى 6 يوليو (تموز) 2008.
وسيشرف
على هذا الحدث العالمي الاتحاد الدولي لسينما الهواة الذي تنضوي تحت رايته
جمعيات وجامعات سينما الهواة في جميع أنحاء العالم ومن بينها الجامعة
التونسية لسينما الهواة، وهي بدورها تضم أعدادا مهمة من النوادي الجهوية
والمحلية في تونس، وهي الجمعية الوحيدة في العالم العربي وافريقيا التي
واصلت نشاطاتها السينمائية منذ أكثر من 40 عاما من دون انقطاع.
ويتضمن
برنامج الدورة السبعين للمؤتمر العالمي لسينما الهواة عديد الفقرات
والأنشطة من ضمنها على وجه الخصوص المسابقة الدولية التي ستكون مفتوحة أمام
الأعمال السينمائية المتنوعة التي تم إنتاجها خلال الفترة المتراوحة بين
الدورة التي احتضنتها سلوفاكيا عام 2007 والدورة التي ستحتضنها تونس خلال
الصيف المقبل.
ومن
المقرر أن يشارك في تلك المسابقة الدولية نحو 350 من السينمائيين الهواة
ويقدر عدد الدول المشاركة في المسابقة الدولية إلى حد الآن، بنحو 35 دولة
تتوزع على جميع القارات.
وكانت
تونس قد فازت بالميدالية البرونزية في الدورة التي احتضنتها كوريا الجنوبية
عام 2006، وهو ما دعم سمعتها الدولية في هذا المجال وأهلها أكثر من غيرها
لاحتضان الدورة الجديدة للمؤتمر العالمي لسينما الهواة.
ومن
المنتظر أن تشهد هذه الدورة مشاركة تونسية مكثفة وذلك من خلال العديد من
الأفلام المنجزة في نطاق سينما الهواة. وإذا علمنا أن معظم أفلام الهواة من
نوعية الأفلام القصيرة، نتأكد حينها من أهمية السهرتين اللتين نظمتهما
الجمعية التونسية للنقد السينمائي يومي 27 و28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي
بالعاصمة، وخصصتهما للفيلم التونسي القصير، وهما بمثابة البروفة الناجحة
لتجربة هذه النوعية من التظاهرات. وقد لقيت هاتان السهرتان إقبالا جماهيريا
لافتا للانتباه، وهو ما يؤكد جماهيرية الأفلام القصيرة التي تعود في معظمها
إلى سينمائيين هواة.
وقد فتحت
هذه التظاهرة أبواب الحوار بين المبدعين والمشاهدين ومن المنتظر أن توجد
أرضية صلبة للنقد الثقافي الحقيقي والبناء وتساهم بالتالي، في النهوض
بالنقد السينمائي. وكانت السهرة الأولى المخصصة للفيلم التونسي القصير قد
عرفت عرض 11 شريطا، فيما تم عرض 8 أفلام خلال السهرة الثانية، وهذه الأفلام
كلها من إنتاج عامي 2006 و2007، وقد تراوحت مدتها بين 9 دقائق و22 دقيقة،
وهو ما يرجح أن يكون العديد من الأفلام المعروضة في هاتين السهرتين من بين
المشاركة في المؤتمر العالمي لسينما الهواة الذي ستحتضنه تونس خلال الصيف
المقبل.
وقد شهدت
هذه البروفة مشاركة بعض المخرجين المعروفين على غرار المخرج حمادي عرافة
بفيلم «برنوص»، وفارس نعناع بفيلم «من الحب ما قتل»، ومحمد بن عطية بفيلم
«كيف الآخرين»، وسامي بلحاج بفيلم «فوسكة»، وغيرهم من السينمائيين الشبان
القادمين بخطى ثابتة نحو عوالم الشاشة الكبيرة.
وتستعد
أكثر من جهة لإنجاح هذه التظاهرة العالمية المهمة وينشط أعضاء الجامعة
التونسية للسينمائيين الهواة لتدعيمها، سواء على المستوى الداخلي أو على
المستوى الخارجي، وقد نظمت خلال الفترة المتراوحة بين 26 و30 ديسمبر الماضي
بالمركز الثقافي بمدينة الحمامات مؤتمرا ضم ورشة للأفلام وورشة للسيناريو
للمحترفين وثالثة للمبتدئين، وقد شارك فيها أساتذة محترفون في مجالات
الكتابة للسينما والإخراج السينمائي.
وحول هذه
التظاهرة المهمة تقول سعيدة الشريف، عضو بالجامعة التونسية لنوادي السينما،
ان المؤتمر يعتبر محطة مهمة ستجمع العديد من الأفكار والتوجهات الحديثة في
عالم السينما وهذا ما سيعود على سينما الهواة والمحترفين على حد السواء
بالكثير من المنفعة، فبالنظر للعدد الهائل من السينمائيين الذين سيحلون
ببلادنا، من المؤكد أن ذلك سيعرف بالتجارب السينمائية التونسية وسيمكنها من
الاحتكاك بعوالم مختلفة من السينما.
وتضيف،
بالرغم من كون الجامعة التونسية لنوادي السينما غير معنية مباشرة بهذه
التظاهرة، فإنها ستعيش التجربة بكافة تفاصيلها، إذ ان هذه الفرصة ستؤثر
لاحقا في الحركة السينمائية وستجعل تجاربها أكثر إشعاعا.
أما خميس
الخياطي، المتخصص في النقد السينمائي، فيؤكد أهمية هذه التظاهرة في فتح
أبواب اللقاءات بين مختلف الأطياف السينمائية، إذ بالرغم من التطور الهائل
الذي عرفه هذا القطاع، فإنه مطلوب المزيد من الانفتاح على تجارب الآخرين.
ويضيف، لعل انعقاد المؤتمر بتونس يعتبر فرصة تاريخية لتطوير التجربة
التونسية والنهوض بآليات النقد السينمائي بين الفئات الشابة، كما أن احتضان
بلد عربي لمؤتمر دولي بهذا الحجم، يعد اعترافا واضحا بنضج التجربة
التونسية.
يذكر أن
آخر موعد للتسجيل في هذه التظاهرة العالمية هو يوم 29 من فبراير (شباط)
2008، وسينزل الضيوف في نزل من فئة ثلاثة أو أربعة أوخمسة نجوم.
الشرق الأوسط في 18
يناير 2008
|