من يتابع أفلام موسم عيد الأضحي والتي عرضت خلال الفترة
الماضية ويستمر عرضها حتي موسم إجازة منتصف العام سيجد نفسه أمام مجموعة من
الأسئلة المهمة, والتي تجب مناقشتها بدءا من نوعية هذه الأفلام, وما
تطرحها من قضايا شائكة وصولا إلي الشكل الفني حيث تنتمي معظم الأفلام
المعروضة إلي نوعية الأكشن والإثارة, فهل يبدو الأمر مجرد موضة بعد تراجع
الكوميديا, أم أن السينما وبقليل من التفاؤل أصبحت قريبة من القضايا
المجتمعية؟
و يبدو أن فيلم هي فوضي لم يكن الأول في نوعية الأفلام التي
ناقشت العديد من القضايا الشائكة وتحديدا فيما يتعلق بعلاقة المواطن
بالداخلية إلا أن حالة الشحن التي حملها الفيلم خصوصا بعد انتشار أخبار
عمليات التعذيب في الصحف ووسائل الإعلام المرئية, وتحديدا قضية عماد
الكبير هو ما ضمن للفيلم تحقيق أعلي إيرادات في تاريخ شاهين السينمائي,
إذ صار فيلم حين ميسرة في نفس الاتجاه مع تضمين الفيلم لقضايا أكثر سخونة
تتعلق بالعشوائيات التي تحيط القاهرة من كل جانب وقد تتحول في ليلة وضحاها
إلي حزام ناسف يحرق كل من حوله ورصد الفيلم حياة البسطاء الذين يعيشون داخل
العشش, ولا يملكون سوي البحث عن قوت يومهم, وما تولده هذه العشوائية من
فوضي وظواهر سلبية بدءا من الزنا وصولا إلي العلاقات المحرمة بين أطفال
الشوارع والمثلية الجنسية بين البطلة سمية الخشاب وغادة عبدالرازق.
كما يرصد فيلم الجزيرة المستند إلي واقعة حقيقية للمخرج شريف
عرفة وبطولة أحمد السقا ومحمود ياسين وهند صبري تلك العلاقة الشائكة التي
ربطت بين قيادات من وزارة الداخلية وواحد من أكبر تجار المخدرات والسلاح في
الصعيد عزت حنفي فيما عرف بقضية النخيلة والتي انتهت نهاية مأساوية
لبطلها, إلا أن دراما الفيلم ساقت تبريرا لتلك العلاقة الشائكة بين حنفي
وأجهزة الأمن, إذ تم التأكيد علي الدعم الذي ناله واحد من أكبر تجار
المخدرات والسلاح مقابل أن يساعد الداخلية في القبض علي الإرهابيين ورصد
الفيلم التطورات التي لحقت بشخصية البطل والذي أيقن في لحظة من أنه يملك كل
مفاتيح اللعبة في يده إلي درجة أنه حول الجزيرة إلي ثكنة عسكرية وأخذ
أهاليها كمجموعة من الرهائن, وبرغم عدم انتهاء البطل إلي ما انتهي إليه
حنفي في الحقيقة, والذي تم إعدامه إلا أن بطل الجزيرة اختفي من أمام قاعة
المحكمة, وتواصل إطلاق النار بين أهله من جانب والأمن, وجهة أخري غير
معلومة من جانب آخر في تأكيد من صناع العمل علي تغلغل الفساد وتداخل
أطرافه, وبرغم ردود الفعل الغاضبة التي جاءت علي الفيلم من قبل عائلة
حنفي في الصعيد إذ هددوا باللجوء إلي القضاء علي أن تتم مقاضاة مخرج
العمل, وبطله ومنتجه, إلا أن البعض رأي أن الفيلم برغم دخوله في تلك
المنطقة الشائكة إلا أنه حمل تبريرا لسياسات الأمن في تلك الفترة, وقد
يكون هذا السبب هو ما شجع الرقابة علي الموافقة علي سيناريو الفيلم,
والذي يحتل مقدمه الإيرادات في شباك التذاكر.
جرأة
الرقابة.. أم خطوط حمراء
تلك الهجمة من الأفلام السينمائية والتي تتناول قضايا مهمة
وتطرح تساؤلات عن أمور مازالت تناقش بعضا منها علي صفحات الجرائد مثل قضايا
العشوائيات والتعذيب داخل أقسام الشرطة, ولكن يجب أن نسأل هل تكيل
الرقابة المصرية بمكيالين خصوصا أنها سبق ورفضت اسم فيلم فقط لأنه يحمل اسم
ضباط وأربع قطط وتم تغييره إلي أسد وأربع قطط للنجم هاني رمزي ؟خوفا من أن
يضايق الاسم أحدا برغم أن البطل داخل أحداث الفيلم يجسد دور ضابط فما بالك
بأفلام تناقش مثل هذه القضايا؟.
كما أن فيلم هي فوضي تم حذف بعض اللقطات المهمة منه والتي تضم
حوارا بين وكيل النيابة يوسف الشريف, وأمين الشرطة خالد صالح, ولقطة
أخري تتعلق بشخص المأمور وسلطاته مما يؤكد أنه لاتزال هناك خطوط حمراء لا
يمكن تخطيها, ولا سيما أن هناك العديد من السيناريوهات بالتي كان يتم
تحويلها إلي جهات أمنية لإبداء الموافقة عليها قبل إعطائها تصريح
الرقابة, في هذا السياق يري الناقد السينمائي رفيق الصبان أنه بغض النظر
عن وقائع سابقة حدثت في جهاز الرقابة إلا أن تلك الأفلام ووجودها خير دليل
علي جرأة الرقابة, خصوصا أن الأفلام جيدة علي مستوي الأفكار والشكل
الفني.
ويعلق رئيس الرقابة علي المصنفات الفنية علي أبوشادي أن ما
يحدث حاليا هو مرحلة مهمة في تاريخ الرقابة, وأنه تحمل الموافقة علي هذه
الأفلام علي مسئوليته خصوصا أن طرحها يحمل الكثير من الموضوعية بعيدا عن
منطق الخيار والفاقوس, الذي تتحدثون عنه فمن المفترض أن تتم تحية الرقابة
علي إيجازها هذه الأفلام, وكل فيلم وله ظروفه الخاصة ولا يجوز
المقارنة*
الأهرام العربي في 5
يناير 2008
|