يعد المخرج "ريدلي سكوت" من النجوم اللامعة في سماء السينما
الأمريكية، حتى وإن كان بريطانياً يحمل رتبة "السير"، إلا انه ذو توجه
أمريكي، سواء
بالشكل السينمائي كأيقوناته السينمائية الشهيرة في عالم المؤثرات البصرية
"بلاد
رنر" و"إلين" و"غلادياتور". أو حتى على صعيد المضمون في الفيلم
غير الهوليودي
"ثيلما
آند لويس". وأكثر ما يميز أسلوب سكوت السينمائي هو الجرأة في استخدام
الصورة
وتكثيفها، والضخامة في استخدام المؤثرات وبرامج الكمبيوتر، مع
قيادة رائعة
للممثلين، فهو رجل الأفلام الضخمة التي إن لم تفشل نقديا، فهي حتما ستنجح
تجاريا،
مثلما حدث مؤخرا مع أخر أفلامه (اميركان غانغستر-American
Gangster)
بنصيب لا بأس
به
من ترشيحات جوائز الغولدن غلوب، على صعيد أفضل فيلم ومخرج وممثل.
بالإضافة إلى ريدلي سكوت كرجل يقف خلف الكاميرا، يقود فيلم (اميركان
غانغستر)
طاقم
تمثيلي من الوزن الثقيل بقيادة النجمين الجماهيريين و"الأوسكاريين" دينزل
واشنطن ورسل كرو. يقوم دينزل بدور "فرانك لوكاس" رجل العصابات الشهير الذي
كون
إمبراطوريته الإجرامية في السبعينيات في نيويورك من خلال تهريب
وبيع المخدرات. أما
بالنسبة لرسل كرو (ثالث تعاون يجمعه مع سكوت) الذي يقوم بدور ريتشي روبرتس
فهو يمثل
الرجل الصالح في الفيلم، محققٌ نزيه ضمن مجموعة من محققي الشرطة الفاسدين
يسعى إلى
الإطاحة ب"فرانك لوكاس"؛ وبذلك كان الجو لا يسمح لإعطاء أي
مساحة إبداعية للممثلين
الثانويين في الفيلم. وقام بكتابة السيناريو رجل ضليع بتقديم أفلام الإثارة
الجيدة،
مع أنه استخدم أسلوباً أرى بأن فيه نوعا من التميز عن كتاباته
السابقة، وهو ستيفن
زيليان الحاصل على الأوسكار هو الآخر عن فيلم "قائمة شندلر". وبذلك يكون
طاقم
الفيلم مكون من حفنة من حاملي أوسكار سابقين وقد يكونون
محتملين في المستقبل
القريب.
كانت مهمة السيناريو الأساسية في الساعة الأولى من الفيلم،
البناء الدرامي الجيد
لهاتين الشخصيتين، والتمهيد المقنع لتصادم الشخصيتين فيما بعد، ثنائية
البطل/الشرير. إلا أن الفيلم لا يتمحور حول هذين الرجلين فقط، وإلا لكان
فيلم
مطاردات من النوع الرخيص، فكل رجل يعمل وفق عوالمه الخاصة ومع
أفراد طاقمه الذين
يشتركون معه في النزاع، ومع ذلك فقد برع النص بإبراز هاتين الشخصيتين بشكل
خاص
ومميز، ولأن هذه العوالم لا تتقاطع إلا في الأجل الطويل، لذلك كان لزاما
على الفيلم
أن يحافظ على مستوى متدرج من التصاعد الدرامي أقرب للإثارة منه
للبرود. وكان سيفقد
هذه الميزة إذا حول القضية إلى قضية شخصية، لكسب إعجاب الجماهير، فالفيلم
مع إثارته
إلا انه مقارنة مع أفلام العصابات والجريمة الأخرى يغلب عليه
الطابع الدرامي، حيث
الإثارة في كامل أجواء القصة وليست فقط في الحدوتة (الحدث).
قصة الفيلم كما بدأت، عن كيفية ترقي "فرانك لوكاس" في عالم
الجريمة، فبعد وفاة
رب
عمله السابق الذي كان أكبر رئيس عصابات في المنطقة، تولى لوكاس الأمور من
بعده
ليكتشف عوالم تهريب المخدرات وإغراءاتها، لكنه كان خلاقاً لدرجة أنه أصبح
يوزع
منتجاً خاصاً به ذا جودة نوعية عالية ليخلق اسماً تجارياً في
شوارع هارلم ومانهاتن،
هذا النوع إنما يأتي به خصيصاً من فيتنام وقت الحرب. وتزامناً مع صعود اسم
"فرانك
لوكاس" في نيويورك، يتم نقلنا إلى أروقة الشرطة المحلية حيث
الفساد متفش ولا يحاربه
سوى المحقق "ريتشي روبرتس" العازم على الإطاحة بالمنظمات الإجرامية في
المدينة.
وبعد جولة طويلة متفرقة حول الحياة الشخصية لكل من رجل العصابة والشرطي
المحقق،
يبدأ
ريتشي في التعرف على لوكاس وتبدأ معها رحلة القبض عليه، لنقترب أكثر هنا
نحو
الشكل الكلاسيكي لأفلام العصابات، الذي فتح المجال للجمهور والنقاد في خلق
المقارنات.
الفلك الإجرامي الذي تدور أحداث الفيلم حوله لم يتم تصويره
بتلك الحدة، خاصة وأن
سكوت عرف بقدراته البصرية التي لن نقول انها تعطلت ولكن لم توظف هنا، فلا
مشاهد قتل
ودماء ومطاردات وتفجيرات، لكن رؤية سكوت لهذا الموضوع لم تكن بهذه السطحية.
وهذا
يقودنا للحديث عن معالجة الفيلم، التي نقلتنا إلى عوالم
السبعينيات بشكل دقيق
ومفصل، من خلال تصوير العالم المظلم والتركيز عليه، سواء في أزقة هارلم
الإجرامية
أو
خلال حياة تجار ومتعاطي المخدرات، وكانت أقرب إلى "حكاية بروز وسقوط رئيس
عصابة"
في شكلها الخارجي فقط، بينما كان الوضع في الداخل أعمق بكثير،
حيث فساد الشرطة،
وتعقد النظام الإجرامي بكامله وكيف أن المصالح السياسية بالإمكان الاستفادة
منها
شخصياً، فإذا كان توقف الحرب في فيتنام يؤثر كثيراً في إعادة تشكيل الأسماء
المؤثرة
في اللعبة الإجرامية في نيويورك، فإن المسألة بالتأكيد معقدة
للغاية وتحتاج إلى
أكثر من شرطي صالح للوقوف أمامها. هذا إذا ما رأينا عالم نيويورك كعالم
صغير جداً،
والمخدرات كسلعة يتم تداولها في ذلك العالم، وبقياس ذلك على عالم اليوم؟!
في النهاية، ومع جودة وبروز عناصر الفيلم السينمائية، إلا أن الفيلم لا
يجعلك
تشعر بأنه يقترب ذالك الاقتراب من "التحفة" أو العمل الأوسكاري،
كأفضل فيلم. ربما
لتشابه أفلام العصابات، وربما لأننا لا نزال نشعر بأثر (ذا ديبارتد-The
Departed)
علينا
كمشاهدين، فمسألة فوز فيلم عصابات آخر بالأوسكار سيجعلنا نقارن بين
الفيلمين
لا محالة. إلا إذا كان هناك شخص سيشاهد العمل كفيلم لا ينتمي
لأفلام العصابات، بل
لقصة تم سردها سينمائياً بلغة رائعة..
الرياض السعودية في 3
يناير 2008
|