من بين 155 فيلما عرضت خلال الدورة الخامسة لمهرجان الخليج السينمائي
حالفني الحظ بمشاهدة ما يقرب من 140 فيلما من افلام هذه الدورة المميزة في
مختلف البرامج التي تنوعت ما بين مسابقات الافلام الخليجية الطويلة
والقصيرة والمسابقة الخليجية لأفلام الطلبة القصيرة ومسابقة الأفلام
الدولية إلى جانب الاختيارات الرسمية خارج المسابقة في برامج اضواء
وتقاطعات.
ومن بين ال155 فيلما فاز 21 فيلما بمجموع جوائز نصف مليون درهم حيث
فازت عدة افلام بأكثر من جائزة مثل الفيلم العراقي "حلبجة"الفائز بالجائزة
الأولى في مسابقة الأفلام الطويلة وجائزة افضل مخرج"أكرم حيدو", ومثل
الفيلم الكويتي"اليس في بلاد العجائب"الفائز بجائزة أفضل مخرج"دانة
المعجل"وجائزة لجنة التحكيم الخاصة, والفيلم العراقي"بايسكل"الفائز بجائزة
افضل سيناريو وأفضل فيلم قصير وكلا الفيلمين في مسابقة الأفلام الخليجية
القصيرة.
الطفولة غلاف أم توجه
على غلاف الكتالوج الخاص بهذه الدورة ثمة صورة لطفلين يبدوان كمن
يلعبا لعبة "الأستغماية/الغميضة" ذكر وأنثى – ادم وحواء في طورهم المعنوي-
داخل ممرات منطقة البستيكة التراثية التي تقع في مدينة دبي.
للوهلة الاولى يبدو الغلاف نازعا نحو المحلية التي هي أحد التوجهات
الأساسية للمهرجان فهو قبل اي اطار دولي مهرجان قومي/وطني لحركة السينما في
منطقة الخليج ويبدو الطفلين هنا صورة رمزية لمستقبل هذه السينما الوليدة
التي تجتاز طور التكوين إلى التشكل والنمو المطرد بأتجاه اعتبارها محصلة
سردية هامة لقراءة جزء من الوجدان الجمعي للمنطقة.
وللوهلة الثانية يتداعي مع صورة الغلاف شعار هذه الدورة (عرفت شيئا
وغابت عنك اشياء) حيث فكرة البحث عن المختبئ في الغميضة وحالة التشوف ونشوة
الأكتشاف التي تشيع في الحركة السينمائية الخليجية التي تتشكل بالتدريج
وعبر تجارب ومغامرات سينمائيين يجتاز اغلبهم العتبات الأولى لهذا العالم
الساحر القديم.
ان السينما الخليجية في أحد مستويات قراءتها اشبه بطفل يخطو خطواته
الأولى فوق ارض السينما الرحيبة ومثل اي طفل لا يزال أمامه الكثير لتعلمه
ولأكتشافه والكثير لتجربته او بمعنى اخر في مقابل الشئ الذي عرفه ثمة اشياء
كثيرة لا تزال غائبة عنه ولكن كلما تراكمت التجارب الفيلمية عاما بعد عام
كلما ذاد ونما وعرف.
اما على مستوى برامج المهرجان "الدولية" فثمة شعور بأن الدورة الخامسة
احضرت بعض افلام/اطفال العالم لمشاركة "أطفال الأفلام الخليجية" العابهم
السينمائية فمن بين 15 فيلما في مسابقة الأفلام الدولية على سبيل المثال
ثمة خمسة افلام تتمحور حول شخصيات اطفال او يلعب فيها الأطفال الدور
الاساسي أو يمثلون الثقل الشعوري للدراما والحبكة.
وهي
افلام"الحاضنة"النمساوي و"الحساب"المصري الحائز على جائزة لجنة التحكيم
الخاصة, و"الرجل الخارق"الروماني, و"صوت المطر"الأيراني الفائز بأحسن فيلم
قصير و"المصنع" البرازيلي الفائزة بالجائزة الثانية.
وثمة خمسة افلام أخرى تتحدث عن شخصيات في طور الطفولة النفسية او
المعنوية أو الفكرية هي"تحليق"السويسري الذي يدور حول زوجان يقضيان يوما
باكلمه مع ابنهم المصاب بالتوحد قبل ان يذهب إلى المصح العلاجي لكنه يقرر
التحليق بعيدا مع الصقر الذي يربوه في المنزل, وفيلم"لا اعرف سوى
البحر"الامريكي حول زوجين ايضا يقضيان الأيام الأخيرة مع ابنتهم المصابة في
حادث خطير على وشك الموت فيعيد إليهم موت ابنتهم اكتشاف تاريخ علاقتهم عبر
الثمرة التي جمعتهم وفرقتهم ذات يوم وفيلم"الفنار"الاذربيجاني الذي يقدم
لنا بورتريه عن ثلاثة ايام في حياة اب يعمل مديرا لفنار منعزل وهو يحاول أن
يعالج ابنه المدمن عبر علاقة جدلية تحتشتد بمشاعر متناقضة وعنيفة,
وفيلم"النور يا نور"اللبناني الذي يقدم لنا حالة شابة تستعيد من خلال جهاز
مشغل صوتي صغير ذكريات طفولتها مع الحرب الاهلية في لبنان من خلال اصوات
وملامح كل الذين فقدتهم اثناء الحرب وكأن ذاكرتها اصبحت صندوق اسود خرجت
منه ذات لحظة الطفلة التي عاشت ويلات الفقدان والقهر الانساني, واخيرا
فيلم"زهور جليدية" البوسني الذي يقدم علاقة شديدة الغرابة ما بين شاب صغير
وأمراة تعاني من الزهايمير وتنتظر أبنها الغائب فيما يشبه لعبة الكراسي
الموسيقية حيث يتبادل الشاب والمراة ادوار الامومة والطفولة بينما يقضي
معها اسبوع كامل للأعتناء بها مقابل حصوله على بعض المال.
وتجدر الأشارة إلى ان احد برامج المهرجان الرسمية هذا العام برنامج
سينما الاطفال الذي عرض تسعة افلام دولية ما بين الروائي والتحريك.
أطفال المسابقة الدولية
في المسابقة الدولية تطالعنا أفلام "المصنع"البرازيلي في الجائزة
الثانية الذي يروي موقفا شديد القوة حول جده تقوم بتهريب تليفون محمول
لأبنها في السجن من أجل أن يتحدث مع ابنته الصغيرة في عيد ميلادها معتذرا
لها عن تغيبه عن الحضور لأنه في"المصنع" ورغم ان الطفلة الصغيرة لا تظهر
سوى في نهاية الفيلم من خلال مشهد عيد ميلادها المتواضع إل أن الثقل
الدرامي كله يتبلور عند هذه الذروة المفاجئة خاصة أننا نتصور بعد عملية
متابعة اخفاء الهاتف المحمول واستماتة الشاب المسجون في الحصول عليه من
المرحاض واتصاله برجل اسود مقبض الملامح نتصور أننا امام عملية ترتيب لهروب
الشاب أو جريمة جديدة بحكم كونه في السجن لكننا نكتشف ان كل هذه الرحلة
التي قطعها الهاتف من فرج المرأة العجوز إلى بالعوة المرحاض إلى اذن الشاب
لم تكن سوى للأتصال بطفلته الصغيرة.
وفكرة اخفاء المرأة عجوز الهاتف في فرجها ذات دلالة انسانية عميقة لا
تكتمل سوى بمشهد النهاية فحجم التقزز أو النفور مما تفعله هذه المرأة
والشعور بأنها مشتركة في جريمة ما بأخفاء الهاتف يزول بمجرد أن نعلم سبب
تهريب الهاتف لأبنها في السجن ويتخذ فرجها هنا تلك الدلالة السسيولوجية
الخاصة بكونه منبت الأطفال و"مصنع" الحياة فكما اخرجت ابنها من هذا الفرج
ذات يوم ها ي تخرج له الهاتف الذي يحادث منه ابنته وكأنها تخرج له
ابنته/حفيدتها من فرجها.
الحساب"هات و خد"
اما جائزة لجنة التحكيم الخاصة فذهبت للفيلم المصري"الحساب"إخراج عمر
خالد والذي يشكل فيه طفل في المرحلة الأبتدائية محور البناء الفكري حيث أن
كلمة"الحساب"تخرج من دلالة حصة الرياضيات/الحساب التي يتلقى فيها هذا الطفل
عقابا مؤلما على يد معلمه الشرس/المقهور إلى فكرة"الحساب"بالمفهوم المادي
والمعنوي فالمدرس الذي يعمل في نفس الوقت سائق تاكسي يتعرض لضغوط اجتماعية
قاهرة من قبل الشرطة الفاسدة التي تتحيز لشاب يصدمه بسيارته لمجرد أن لديه
علاقات ذوي النفوذ ويتقطاع مصير سائق التاكسي في محاسبته على خطأ لم يرتكبه
مع خط العاهرة التي يجب أن تدفع الحساب الاجتماعي المفروض عليها لكل من
أمين الشرطة الذي يقبض عليها من أجل ممارسة الجنس الفموي معها او صاحب
البيت الذي هو في نفس الوقت والد الطفل والذي يمارس معها التحسيس والخيابة
الجنسية في مقابل ايجار الغرفة الحقيرة التي تعيش فيها.
كل شخصيات الفيلم تقريبا عليها ان تأخذ"حسابها/ نصيبها المادي
والمعنوي"من شخصيات اخرى و تدفع حسابها/حصتها في القهر الأجتماعي لشخصيات
أو افكار أو قوى قهرية اخرى فالطفل يأخذ نصيبه من ابيه الفقير في شكل
مصروف وغذاء ويذهب إلى المدرسة كي يتلقى عقابا على عدم حفظه جدول الضرب
لأنه يعيش في ظروف سيئة تمنعه من المذاكرة أو التركيز والمدرس يأخذ نصييبه
من الطفل في شكل عقاب عنيف بينما يدفع حسابه إلى امين الشرطة في تعرضه
للمهانة وسحب رخصه والعاهرة تأخذ نصيبها من الشاب الخليجي الذي يمارس معها
الجنس في السيارة ثم تدفعه في شكل اتاوة جنسية لأمين الشرطة وصاحب الغرفة.
ومن خلال عينا الطفل الذي يتلصص على ابيه وهو يأخذ الحساب من الفتاة
العاهرة نكتشف سر قراره بأن يتلقى العقاب في اليوم التالي على يد المدرس
دون أن يقاوم او يعترض كما في المرة الاولى فهي دائرة جهنمية من القهر
والظلم والفقر والفساد الاجتماعي والنفسي والأخلاقي لن تنتهي بحفظه جدول
الضرب.
لكن في رأيي ان مشكلة هذا الفيلم والتي ربما لم تؤهله سوى للحصول على
جائزة لجنة التحكيم الخاصة هي اسلوبه السردي القائم على تكسير الزمن بشكل
مبالغ فيه وهي مراهقة سردية اضرت كثيرا بحجم الطاقة والشحنة الأنفعالية
التي كان من الممكن أن تولدها احداث الفيلم, وكما يقول ماركيز عندما يكون
لديك قصة جيدة فتجنب تعقيدها وحاول أن ترويها ببساطة, أم محاولة المخرج ان
يقدم شكل سردي مختلف لم تتسق مع جوهر موضوعه القائم على فكرة"هات وخد"
وتكسير الزمن في هذا النوع من الأفلام ذات العلاقات الجدلية يشتت ذهن
المتلقي ويفقده الكثير من سعيه وراء تشرب الحبكة ومحاولة المخرج أن يجبر
المتلقي على لعب "البازل" السينمائي من خلال اعادة ترتيب المشاهد في ذهنه
كي يلتقط فكرة الحساب المتبادل جاءت في غير مكانها الصحيح.
صوت المطر وغراب قابيل
اما الطفل في الفيلم الأيراني"صوت المطر" للمخرج جلال سعيد فهو طفل
استثنائي بكل المقاييس ليس فقط على مستوى التشوه الشكلي الذي يبدو أن
المخرج اختار طفلا مشوها خلقيا طبيعيا وليس تشوه ايهامي بالمكياج ولكن ايضا
على مستوى الحالة الذهنية التي يمثلها هذا الطفل ولا نقصد بها حالة الأعاقة
الذهنية أو شبه الأعاقة الذهنية ولكن ذلك الباب الذي يفتح في ذهن المتلقي
كما الشباك الذي تفر منه الطيور في الفيلم من تاجر الطيور الجلف.
يدور الفيلم بأكلمه فوق سطح احد البيوت حيث رجل يربي انواع غالية من
الطيور ويحفظها في اقفاص خشنة وحقيرة ويعيش بشكل متوحد ومنعزل لا يخترق
عزلته سوى طفل متخلف عقليا يأتي كي يشاكسه في براءة محاولا ان يجعل الرجل
يريه كيف يصنع قفصا بينما الرجل لا يطيقه ويصر على مطاردته بشكل مستمر
طاردا ايه من فوق السطح.
فجأة يستيقظ الرجل ذات يوم ليجد نفسه حبيس حجرته وليس من احدا يمكن أن
ينجده سوى الطفل المتخلف الصغير.
هنا يرتفع الفيلم فوق سخرية الموقف إلى افق التأويل الوجودي
والأنساني, فالطفل الصغير المشوه المتخلف عقليا يتحول تدريجيا إلى ما يشبه
غراب قابيل الذي علمه كيف يدراي سوءة أخيه, فالطفل لا يستجيب بسهولة لرغبة
الرجل في ان يفتح له الباب بسبب ان الرجل طالما طرده وطارده وهدده بالضرب
والعقاب, هنا يحاول الرجل ان يستميل الطفل بلا فائدة وللمرة الاولى يشعر
بسوءته أن يكون حبيسا مثل الطيور التي يصنع الأقفاص ليحبسها فيها, وتتحول
الغرفة بصريا ودراميا بحكم الأقفاص المعلقة فيها والتي نراها من زاوية
منخفضة واسعة من دخالها تشعرنا بحجم الحبسة التي يعاني منها الرجل حيث تضعه
الكاميرا هنا في موقف الطير الحبيس, ويصبح امله الوحيد أن يوافق الطفل المتخلف
على اطلاق سراحه, يتخذ تخلف الطفل هنا دلالة مختلفة فهو يمثل البراءة
المطلقة والشعور الخام الذي لا تحكمه ارادة عقلية منطقية اما الحكمة التي
ينقلها هذا الغراب الطفولي لأبن الأنسان فهي قيمة الحياة نفسها, قيمة
الحرية, الشعور بالأخر حتى لو كان طيرا اخرسا انها قيمة وجودية راقية
وشديدة الحساسية والقوة, فالطفل الصغير بكل عفويته يطلب من الرجل أن يمنحه
عصفورا كي يضعه في القفص البدائي الذي صنعه محاكاة لأقفاص الرجل وبالطبع في
مرة يضع عصفورا في قفصه البسيط يطير العصفور ويصرخ الرجل حسرة على عصافيره
التي تهرب واحدة وراء الأخر بينما الطفل مصر على ان يضع عصفورا في قفصه
البدائي, من زواية كاميرا منخفضة ايضا خارج الغرفة نرى الرجل ينظر من
الشباك الصغير على العالم الخارجي حيث الطفل يملك كل شئ وهو لا يقدر أن
يغادر و من شباك الغرفة الأخر تشرع بقية العصافير في الهرب فالحياة التي
يتصور الانسان انه يملكها و يتحكم فيها يمكن أن تنطلق من مجرد فتحة صغيرة
لا يملك هو أن يخرج منها للحياة!
وفي النهاية عندما تكون كل العصافير قد هربت ويأس الرجل من اطلاق
صراحة يسقط نائما ولا يستيقظ سوى ليلا على صوت المطر الذي أخيرا يأتي بعد
ان تحررت الحياة مكن يؤطرها ويحول دون ممارسة الكائنات حريتها راضيا
بالعزلة والنفور والوجه الحزين.
....
يتبع
الجزيرة الواثائقية في
26/04/2012
البرامج الدولية في مهرجان الخليج السينمائيّ
عرفتَ شيئاَ، ... وغابت عنكَ أشياءَ
صلاح سرميني ـ باريس
(عرفتَ شيئاً، وغابت عنكَ أشياءَ)، شعارٌ "شعريٌّ" رفعه مهرجان الخليج
السينمائي في دورته الخامسة التي إنعقدت خلال الفترة من 10 وحتى 16 أبريل
2012، وكانت مناسبةٌ عملية لمُراجعة، وتقييّم ما أنجزه في الدورات
السابقة، وما يطمحُ إليه لاحقاً.
وُفق أدبياته، يُعتبر المهرجان حدثاً ثقافياً سنوياً غير ربحيّ، يهدف
إلى الإحتفاء بالسينما الخليجية، ويسعى إلى تحقيق هدفيّن رئيسييّن :
ـ تطوير، وترسيخ الثقافة السينمائية المحلية، والخليجية، ومنح الفرص
أمام المُبدعين الخليجييّن لعرض أفلامهم، وتطوير مشاريعهم المُستقبلية.
ـ الاحتفاء بالأعمال الإبداعية المُتميّزة على مستوى السينما الخليجية
لتصبح محطة يتجه إليها مجتمع السينما العالمي لاكتشافها، والاشتراك
بفعاليات المهرجان، والاحتكاك بمبدعي الحركة.
وبدوري أُضيف، إذا كانت الأهداف الرئيسية من هذا المهرجان تتوجه نحو
رصد تحولات السينما الخليجية، وتطوّرها، ومنحها منصة عرضٍ لا تتوفر، أو
جزئياً، في مهرجاناتِ إقليمية أخرى، فإنه لم يُغفل السينمات الأجنبية
الأطول تاريخاً، والأكثر تقدماً، وخلال الدورات السابقة قدمها في برامج،
وأقسام مختلفة بالتوازي مع "المُسابقة الخليجية" بفروعها المُتعددة.
في الدورة الأولى عام 2008، إقتصر "برنامج الأطفال" على أفلامٍ من
إنتاج "الإمارات العربية المتحدة" (4 أفلام قصيرة)، وكانت سويسرا "في دائرة
الضوء" (7 أفلام قصيرة، وفيلمٌ واحدٌ طويل)، وعُرضت الأفلام الأجنبية "خارج
المسابقة" مختلطةً مع أفلام إماراتية، خليجية، وعربية.
في الدورة الثانية عام 2009، توسّعت جغرافيا "برنامج الأطفال"، وشملت
أفلاماً إماراتية، خليجية، وأجنبية، وقفز العدد من أربعة إلى 22 فيلماً
قصيراً، وكانت الهند "في دائرة الضوء" (19 فيلماً قصيراً)، وبدأت الأفلام
الأجنبية "خارج المسابقة" تُعرض في قسمٍ خاصّ بعنوان "تقاطعات" (24 فيلماً
قصيراً)، بينما تجمّعت الأفلام الإماراتية، الخليجية، والعربية في قسمٍ آخر
بعنوان "أضواء".
في الدورة الثالثة عام 2010، إستمر "برنامج الأطفال" مع 7 أفلام من
دولٍ أجنبية مختلفة، وإحتفل برنامج "في دائرة الضوء" بالمخرج الفرنسي
"فرانسوا فوجيل" (16 فيلماً قصيراً)، وعُرضت الأفلام الأجنبية "خارج
المسابقة" في قسم "تقاطعات" (59 فيلماً قصيراً، منها 15 من بلغاريا).
في الدورة الرابعة عام 2011، حافظ "برنامج الأطفال" (8 أفلام) على
إستمراريته، وإنطلقت الدورة الأولى للمُسابقة الدولية (13 فيلماً)، وبقيت
الأفلام الأجنبية "خارج المسابقة" تُعرض في قسم "تقاطعات"، وتوسّعت
النشاطات المُوازية، وإمتدّت مع ورشةٍ بالتعاون مع "أصوات وثائقية" أشرف
عليها المخرج الإيراني "عباس كياروستامي"، وفي تلك المناسبة عرض المهرجان
ثلاثة أفلام قصيرة من إخراجه.
في تلك الدورة، أقدم المهرجان على تجربةٍ أصيلة، وفريدة من نوعها، حيث
عرض مجموعةً كبيرة من أعمال السينمائي الفرنسي "جيرار كوران" على 11 شاشة
فيديو توزعت في أماكن مختلفة، وبدوره، صوّر "كوران" مادةً فيلمية إستقبلتها
الدورة اللاحقة بحذر نقديّ عربيّ.
في الدورة الخامسة عام 2012، تضمّنت "المسابقة الدولية" 15 فيلماً
أجنبياً، وعربياً قصيراً، و17 في "تقاطعات" خارج المسابقة، وأصبح الكبار
أيضاً يتسللون إلى الصالة التي تعرض "أفلام الأطفال".
وعاد "جيرار كوران" إلى المهرجان مرةً أخرى كي يعرض ما صوّره في
الدورة الرابعة (134 سينماتون، 3 بورتريهات ثنائية، 2 بورتريهات جماعية، 2
من نافذة غرفة فندق، 1 سينما، 10 ملاحظات فيلميّة، بورتريه خارج السلسلة
بعنوان " السيد فيرنر هيرتزوغ، لا، هذا ليس سينماتون حقيقيّ لك").
وتحت عنوان "كرز كياروستامي" عرض المهرجان حصيلة ورشة الدورة السابقة
(39 فيلماً تدريبياً قصيراً) تمحورت حول تيمة الوحدة، تباينت في مذاقها،
وحلاوتها.
هذه السنة، كانت الأردن "في دائرة الضوء"، كما إنطلقت الدورة الأولى
من "سوق سيناريو الأفلام الخليجية القصيرة"، وإستمرت "ليالي مهرجان الخليج"
رغماً عن تأفف المُتذمرين من أيّ فكرة جديدة، ومبتكرة.
المسابقة الدولية
في الدورة الرابعة، واجه المهرجان تحدياتٍ كبيرة، تغلبت عليها
بإحترافيةٍ فائقة، عندما إنعقدت "مسابقةُ دولية" بالتوازي مع "المُسابقة
الخليجية"، ومنحت المهرجان زخماً، ثقلاً، وعالميةً، وأصبحت نافذةً يُطلّ
منها المُشاركون، والجمهور المحليّ على المشهد السينمائي العالميّ للأفلام
القصيرة.
تخيل بعض أصحاب الحساسيات الرقيقة، بأنه يتوّجب الإنتظار دوراتٍ أخرى
كثيرة كي تختفي مشاعر القلق، الحذر، وحتى الأنانية المُبّطنة، حيث إعتقد
هؤلاء، بأن "المسابقة الدولية" سوف تطغى على "المسابقة الخليجية"،
مُسابقتهم، ولكن، لم يمضِ وقت طويل حتى أصبحت مع دورتها الثانية جزءاً
أساسياً من المهرجان، ولم تعدّ تثير أيّ تساؤلاتٍ، أو مقارنة، أو على
الأقلّ تقلصت حدتها.
تفسيري لتلك الإنفعالات الآنية، بأنها تعكس فهماً مُتأخراً لآليات
العمل المهرجانيّ السينمائي، كما الحال تماماً عندما كانت بعض أقلام
الثقافة السينمائية العربية تزدري ظهور مهرجاناتٍ سينمائية في الإمارات،
وبعد أكثر من عشر سنواتٍ، إكتشفت بأنّ "السينما الخليجية موجودة، وحيّةّ"،
صحّ النوم
كما كتب الناقد السينمائي اللبناني "محمد رضا".
وهي خلاصةٌ نقديةٌ تنسف كلّ الأقوال الشفهية، والآراء المكتوبة
بتحاملٍ عن هذه السينما الشبابية، ومهرجاناتها، ويمكن لأيّ فضوليّ العثور
عليها في الشبكة العنكبوتية، وهذا يعني بوضوحٍ، بأنّ هؤلاء إستيقظوا
متأخرين جداً من سباتٍ نقديّ، وإعترفوا مُرغمين، أو على "مغص"، بالحراك
السينمائي الذي حدث في المنطقة بدءاً من تأسيس "مسابقة أفلام من الإمارات"،
وحتى آخر تجربةٍ منسوخة عن مهرجان الخليج
.
العودة إلى تلك الكتابات المُتهورة، تؤكد محدودية النظرة النقدية
لأولئك الذين إقتنعوا بها، ودافعوا عنها بضراوةٍ خلال عقدٍ من الزمان،
ورُبما يحتاج هؤلاء إلى عشر سنواتٍ أخرى كي يتبين لهم من خطأ إستنتاجاتهم
الجديدة حول مبادراتٍ مهرجانية جديدة، ومتسرّعة.
ويكفينا حالياً، بأنّ نشاطات الدورة الخامسة لمهرجان الخليج السينمائي
في دبي تكشف تصوراتهم الخاطئة عما حدث "هناك"، وسوف يحدث "هنا"، لأنّ ما
حدث "هناك" قد حدث "هنا" منذ سنواتٍ، أفلاماً، ضيوفاً، مكرمين، وحتى نظاماً
داخلياً منسوخاً.
منذ تأسيس"مسابقة أفلام من الإمارات" بمبادرةٍ من السينمائي "مسعود
أمر الله"(ولا أحد غيره)، ونشرها العدوى السينمائية في كلّ أنحاء المنطقة،
يتأصل الإعتقاد سنةً بعد أخرى، بأنّ السينما الخليجية لن تتطوّر بالبقاء
منطويةً على ذاتها، ومنتشيةً بالإحتفاء المُبالغ بأفلامها، مخرجيها،
ومهرجاناتها الباذخة، والمُتناسخة
.
هي تحتاج دائماً إلى الإستفادة من سينماتٍ أخرى عربية، وأجنبية سبقتها
تاريخاً، وتجربةً، وبينما إقتصرت "المسابقة الدولية" في الدورة الماضية على
الأفلام الأجنبية، فقد فتحت دورة هذا العام فرصة التسابق للأفلام العربية.
في الدورة الخامسة (الدورة الثانية للمسابقة الدولية)، تلقت إدارة
المهرجان عدداً كبيراً من الأفلام من جميع أنحاء العالم، أكثر بكثير من
الأرقام المُعلنة، والمُسجلة رسمياً، وأظهرت المُشاهدة الأولية، بأنّ
المشهد السينمائي العالمي للأفلام القصيرة يعيش حالةً مُزدهرة جداً،
وتحديداً في البلدان التي تُدرك قيمتها، وتعتبرها وسيلة تعبير سينمائية
أصيلة، وليست تدريباتٍ أولية، أو جسراً للعبور إلى الأفلام الطويلة.
كانت عملية فرزها مثيرةً بحدّ ذاتها، ولكن، الأكثر فرحةً (وحزناً في
بعض المرات) حتمية إختيار البعض منها:
15
فيلماً في "المسابقة الدولية".
17
في قسم "تقاطعات" خارج المسابقة.
10
أفلام في "برنامج للأطفال".
بينما توزعت بعض الأفلام في برنامج "أضواء"، و"المُسابقة الخليجية"
بفروعها المُتعددة.
إختيارات نهائية تحتمها آليّات عمل المهرجانات، طبيعتها، وأذواق مبرمجيها
أيضاً.
أفلامٌ مختلفة في موضوعاتها، وأساليب معالجاتها الدرامية، والجمالية،
ولكنها تتشارك في نوعيّتها العالية، وفيها نعثر على ملامح مشتركة، تدخل
قلوب المتفرج بدون إستئذانٍ، لأنها، ببساطةٍ، تمسّ جوانب إنسانية عامة.
وهذا ما لمسه بالضبط الناقد اللبناني "نديم جرجورة" عندما كتب :
"هذه
المسابقة أُنشئت في العام الفائت، ولاقت رواجاً لقدرتها على اختيار بعض
أفضل العناوين السينمائية اللافتة للانتباه، كتلك المختارة في الدورة
الخامسة أيضاً، أفلام لافتة للانتباه، التقت حكايات بعضها عند تيمة واحدة :
الموت، سواء اكان مباشراً، أم ظلَّل طيفه الفضاء الدرامي، والحياة اليومية
لأفراد معينين. لكن الموت، الجذر الدرامي الموحِّد حكايات أفلام عدّة،
مفتوح على أسئلة إنسانية مختلفة بمناخاتها، وتفاصيلها، وآلامها، وهو، لكونه
نواة الحياة، ومصيرها، لم يظهر بشكل مباشر، ولم يبق أسير ملامح مبطّنة فقط،
لأنه تُرجم بصرياً في أشكال متنوّعة"(صحيفة السفير 19/4/2012)
في البرنامج الدولي، وبالتوازي مع "المسابقة الرسمية"، تمّ إختيار
مجموعة من الأفلام عُرضت في قسم بعنوان "تقاطعات"، ولم تكن أقلّ أهميةً من
الأفلام المُتسابقة، ويمكن إعتبارها إمتداداً سينمائياً، وجغرافياً ينضح
بنوعيةٍ عالية المستوى، ولكن بدون جوائز، وقد شغلت هذا المكان لأسبابٍ
تقنية تحكم البرمجة كما الحال في كلّ مهرجانات الدنيا، ويمكن القول أيضاً،
بأنها طبق المُشهيات قبل وجبة طعامٍ دسمة، أو قطعة حلوى بعدها مباشرةً.
وبينما تغطي "المسابقة الدولية" بلداناً مثل : (أذربيجان، البرازيل،
إيران، رومانيا/فرنسا، الولايات المتحدة، فرنسا/إيطاليا، النمسا، إستونيا،
مصر، بولندا، رومانيا، فرنسا/لبنان، ألمانيا، فرنسا، سويسرا/المغرب)،
يُوسّع برنامج "تقاطعات" من هذه الجغرافيا السينمائية، ويُثريها بموضوعاتٍ،
وأساليب من بلدان أخرى (لبنان، فرنسا/الجزائر، إيران، هولندة/فرنسا/بلجيكا،
إسبانيا، بولندة، النرويج، المجر، سنغافورة، الجزائر، قيرغيستان/المملكة
المتحدة، تشيكيا، أندونيسيا).
ها نحن قد عرفنا أشياءَ عن مهرجان الخليج السينمائي في دبي، ورُبما
بقيت أشياءَ لم نعرفها عنه بعد، وأفضل طريقةٍ هي متابعته عن قرب.
الجزيرة الواثائقية في
25/04/2012
استعراض المنصات الأنسب للأفلام القصيرة
بمهرجان الخليج السينمائى
كتب خالد إبراهيم
خلال إحدى ورش عمل مهرجان الخليج السينمائى، والتى حملت عنوان
"الأفلام القصيرة: بين المخرج والموزع"، أكد أبرز وأهم المنتجين والموزعين
السينمائيين من منطقة الخليج، ضرورة إيجاد منصات توزيع قوية للأفلام
القصيرة فى منطقة الشرق الأوسط، وقد كانت هذه الجلسة باستضافة مؤسسة الدوحة
للأفلام.
وكانت الورشة إحدى أكثر الجلسات مشاركة خلال المهرجان، حيث دعا خلالها
العديد من مخرجى الأفلام القصيرة من الجمهور الحاضر إلى ضرورة الحصول على
دعم أكبر من القطاع السينمائى، فيما حثّ الموزعون كافة المخرجين أن يكونوا
أكثر واقعية وعملية فيما يتعلّق بالجدوى التجارية لأفلامهم.
وقد أشرف على الورشة سامى المرزوقى، مدير سوق دبى السينمائى، وضمت
قائمة المتحدثين خلالها ألبيرز فرانك، منتج فى شركة روبرت بوش ستيفتونغ
المحدوة، وآندى فوردهام، مدير مشاريع صالات السينما التقنية والرقمية لشركة
جلف فيلم، وجون شاهين، المدير العام، شركة إيطاليا للسينما، ميشيل كمّون،
منتج ومخرج سينمائى، بشركة روى للأفلام، وماهى جولتشن ديبالا، المدير
التنفيذى لشركة فارس للأفلام.
وقد ألمح المشاركون فى الورشة إلى أنه رغم إنتاج منطقة الخليج لأكثر
من 1000 فيلم قصير كل عام، إلا أن جزءاً يسيراً منها فقط تجاوز المرحلة
الأولى من العروض، ومن خلال نقاشاتهم، هدف الخبراء المتحدثون إلى تعريف
مخرجى الأفلام القصيرة فى المنطقة بالأساليب والطرق الجديدة التى تضمن لهم
التطور والنمو بما يتجاوز مجرد المشاركة فى المهرجانات السينمائية لعرض
أفلامهم.
وقالت ماهى جولتشن، إن أحد أهم الأسباب وراء الافتقار لوجود شبكات
توزيع واسعة للأفلام القصيرة، هو أن معظمها يتمّ إنتاجه عبر التمويل
الحكومى.
وأضاف فى هذا الصدد: "رغم أن المواضيع التى تتطرق لها هذه الأفلام
تعتبر مهمة ومؤثرة، ولكن هذا لا يعنى بالضرورة أن تكون الأفلام ذات جودة
عالية من الناحية التجارية، ولهذا تكون المهرجانات السينمائية هى المنصة
الوحيدة التى تُعرض من خلالها".
وقد نصحت الورشة السينمائيين بالابتعاد قليلاً عن المواضيع التى تتعلق
ببلادهم والمناطق المحيطة بها، والعمل بشكل مكثف على سرد قصص تجتذب جمهوراً
عالمياً أوسع، الأمر الذى ولّد ردات فعل متباينة بين المخرجين، فدافع كل
منهم بضراوة عن خيارات وطرق معالجته السينمائية.
وقام ألبيرز فرانك بتقديم لمحة واقعية عن الجدوى الاقتصادية للأفلام
القصيرة، وقال فى هذا السياق: "فى حال حقق أى فيلم قصير ردود فعل إيجابية
على الساحة السينمائية العالمية، فعندها يتوقّف عن التطوّر والتقدّم،
فالطريقة الوحيدة التى يمكن أن يعرض من خلالها فيلم قصير على الجمهور، خارج
إطار فعاليات المهرجانات السينمائية، هى عن طريق بيعه إلى المحطات والقنوات
التلفزيونية الصغيرة والمتواضعة، مما يجعل من فكرة تحقيق مبالغ مالية طائلة
من هذه الأفلام القصيرة أمراً أشبه بالمستحيل".
فيما عمل ميشيل كمّون على وضع اقتراح للتغلب على التحدى النابع من
تنسيق الأفلام القصيرة، والمتمثّل بفترتها الزمنية، فقال: "يفضّل الناس
حضور أفلام بطول 90 دقيقة، على دفع المبلغ ذاته وحضور أفلام من 3 إلى 4
دقائق، ويمكن تجاوز هذه المشكلة بأن يتمّ عرض الأفلام القصيرة، قبل بدء
الفيلم الطويل أو فى الفترة الفاصلة ما بين فيلمين طويلين".
ومن جهته، أشار آندى فوردهام إلى أن هناك توجهاً واسع الانتشار فى سوق
السينما بالتركيز على الأفلام الطويلة ذات الإنتاج الضخم، واقترح اعتماد
أسلوب رقمى لدعم قابلية تسويق الأفلام القصيرة، وصرّح بقوله: "يغلب على
الأفلام القصيرة التى تمّ إنتاجها فى المنطقة الطابع الفنى، الذى لا يمكن
أن يحقق أرباحاً طائلة فى هذه المنطقة. وأنا شخصياً أرى أن على
السينمائيين، وخاصة منهم من يعمل على الأفلام القصيرة، الانتقال إلى العصر
الرقمى، باعتبار أن التقنيات الرقمية تقدّم إحدى أقل منصات العرض السينمائى
تكلفة، وتحقق انتشاراً عالمياً واسعاً".
ومن جانبه قال جون شاهين، إن التحدى الذى يقف فى وجه الموزعين يكمن فى
أن المنطقة تفتقر لوجود منصات مخصصة لعرض الأفلام القصيرة. وأضاف فى هذا
الصدد: "حتى مع وجود صالات سينما خاصة لعرض الأفلام المستقلة، إلا أنها لم
تفتح أبوابها للأفلام القصيرة بعد".
ونوّه المتحدثون إلى أن التعاون مع المؤسسات الثقافية والتعليمية،
للترويج لعروض الأفلام القصيرة، يمكن أن يساعد فى زيادة شهرة الأفلام
القصيرة وكثرة الحديث عنها، مما يحفّز بالمقابل من إمكانات توزيع هذه
الأفلام.
كما استضافت مؤسسة الدوحة للأفلام مأدبة غداء للسينمائيين خلال مهرجان
الخليج السينمائى، الذى تختتم فعالياته يوم غد الاثنين.
اليوم السابع المصرية في
25/04/2012 |