يعتبر فنان السينما البريطانى ستيفن دالدرى من كبار مخرجى العالم فى
العقد الأول من القرن الميلادى الجديد الواحد والعشرين، وقد كان فيلمه
الأول «بيللى إليوت» من اكتشافات مهرجان كان ٢٠٠٠ الكبرى «رشح لـ٣ جوائز
أوسكار»، وفى مسابقة برلين ٢٠٠٢ عرض فيلمه الثانى «الساعات» «رشح لـ٩ جوائز
أوسكار»، وفى مسابقة برلين ٢٠٠٩ عرض فيلمه الثالث «القارئ» «رشح لـ٥ جوائز
أوسكار»، وفى برلين هذا العام عرض فيلمه الرابع «مرتفع للغاية وقريب جداً»
المرشح لأوسكار أحسن فيلم فى المسابقة الأمريكية التى تعلن ٢٦ فبراير.
ولا أحد يدرى لماذا يعرض الفيلم خارج المسابقة، ولكن بغض النظر عن
المسابقات والجوائز، نحن أمام عمل فنى كبير من فنان سينمائى ينتمى إلى ما
يمكن أن نطلق عليه النزعة الإنسانية الجديدة فى عصر الثورة التكنولوجيا
والحديث عن «ما بعد الإنسان».
وهو هنا يعود ويقدم رؤية صبى دون الثالثة عشرة كان فى «بيللى إليوت»،
وكما أدار ببراعة الصبى جامى بيل فى هذا الفيلم، يدير توماس هورن فى الفيلم
الجديد، الذى يعبر فيه عن كارثة ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١ فى نيويورك، والهجوم
بالطائرات المدنية على برجى مركز التجارة العالمى مما أدى إلى انهيارهما فى
أكبر العمليات الانتحارية.
لقد بدأ القرن الواحد والعشرون زمنياً أول يناير عام ٢٠٠٠، ولكنه بدأ
تاريخياً فى ١١ سبتمبر ٢٠٠١، فهو الحدث الذى صنع أهم المتغيرات فى العالم
فى العقد الأول من القرن الجديد، ولايزال،
وبقدر ما كان من الطبيعى أن يصنع عنه أوليفر ستون بعد سنة فيلمه
«مركز التجارة» كمخرج أفلام سياسية، بقدر ما هو طبيعى أيضاً أن يصنع عنه
دالدرى فيلمه بعد مرور عشر سنوات كاملة كمخرج أفلام إنسانية تتجاوز السياسى
حتى فى تناول أحداث سياسية، أى يعبر عنها من منظور شامل، ويضعها فى مكانها
من «الحالة الإنسانية».
الفيلم عن رواية بنفس العنوان صدرت عام ٢٠٠٥ للمؤلف جوناثان سافران
فويز، وتصنف من أدب الأطفال، أى الموجه للأطفال، ولكن الفيلم ليس من أفلام
الأطفال، وإنما بطله صبى مثل إيفان فى تحفة تاركوفسكى «طفولة إيفان»، ومثل
أوسكار فى تحفة شولوندورف «الطبل الصفيح» عن رواية جونتر جراس، والصبى فى
فيلم دالدرى فقد والده فى ١١ سبتمبر عندما كان على موعد فى أحد البرجين،
وأحداث الفيلم تدور بعد سنة والصبى لايزال يعيش ذكرياته مع والده،
ولا ينسى الرعب الذى تملكه فى ذلك اليوم الذى يطلق عليه «اليوم الأسوأ»
وتنعكس حالته على علاقته مع والدته، ومع جدته لأبيه التى تسكن فى مبنى قريب
فى الشارع المواجه.
وذات يوم يعثر الصبى وهو يقلب فى أشياء والده على مفتاح فى ظرف صغير
مكتوب عليه اسم «بلاك» فيتصور أن العثور على ما يفتح به سوف يكشف سراً عن
والده، ويبدأ البحث من دليل التليفون عن كل شخص فى نيويورك اسم عائلته
«بلاك»، ويتنقل بين ٤٧٢ شخصاً، ويصنع لهم ألبوماً من الصور يطلق عليه
«مرتفع للغاية وقريب جداً»، ومن هنا جاء العنوان، وبعد بحث شاق يتوصل إلى
أن المفتاح كان فى آنية للزهور اشتراها والده، ولم يعرف ماذا يصنع به فوضعه
فى ظرف وكتب عليه اسم الشخص الذى اشتراها منه، والذى يتوصل إليه الصبى.
وفى أثناء البحث يلتقى الصبى مع عجوز أبكم يقوم بدوره الممثل السويدى
العظيم فاكس فون سيدو، ويسكن فى نفس المبنى القريب الذى تقيم فيه الجدة،
ويشعر بأنه جده، ويتمكن من الجمع بينه وبين جدته بالفعل، ويعرف منه عبر
الكتابة أنه ألمانى هاجر إلى نيويورك بعد قصف القوات البريطانية مدينة
درسدن فى نهاية الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥، ومصرع والديه أمام عينيه.
عازف الطبل وعازف الرق
والربط بين الحرب العالمية الثانية بعد هتلر والحرب العالمية الثالثة
بعد ١١ سبتمبر هو المنظور الإنسانى الشامل لرؤية دالدرى، ولا يقتصر على
التماهى النظرى بين قصف درسدن وقصف نيويورك، وإنما يمتد إلى عمق الفيلم
الدرامى،
فالحرب العالمية الثانية موضوع فيلمى تاركوفسكى وشولوندورف اللذين
سبقت الإشارة إليهما، وكما فقد إيفان طفولته فى تلك الحرب فقدها صبى دالدرى،
وكما يبدو صبى شولوندورف وجراس فى روايته طفلاً خارقاً من عالم آخر تحطم
صرخاته الزجاج وهو يدق على الطبلة الصفيح،
كذلك يبدو صبى دالدرى الذى يمسك برق بدلاً من الطبلة وهو يبحث عن كل
«بلاك» فى المدينة، وكلاهما يحمل نفس الاسم «أوسكار»، بل إننا نرى أوسكار
الألمانى فى لقطة عابرة من لقطات الفيلم الأمريكى.
samirmfarid@hotmail.com
المصري اليوم في
13/02/2012
«قيصر
يجب أن يموت»:
تحفة للدب الذهبى من الأخوين
تافيانى
بقلم
سمير فريد
جاء الفيلم الإيطالى الروائى الطويل «التاسع عشر منذ ١٩٦٢» للأخوين
باولو «ولد ١٩٣١» وفيتوريو «ولد ١٩٢٩»، الذى عرض فى مسابقة المهرجان - تحفة
رائعة جديرة بالفوز بالدب الذهبى تضاف إلى التحف التى جعلتهما من كبار
فنانى السينما فى إيطاليا والعالم، مثل «أبى سيدى» الذى فاز بالسعفة
الذهبية فى مهرجان كان عام ١٩٧٧، و«ليلة القديس لورينزو» ١٩٨٢، وغيرهما من
أفلام الأخوين الإيطاليين.
هناك عدة أفلام من أعمال الأخوين عن روايات ومسرحيات من أدب جوته
وبيرانديللو وتولستوى وغيرهم من أعلام الأدب العالمى، و«قيصر يجب أن يموت»
فيلمهما الشكسبيرى الأول عن مسرحية «يوليوس قيصر»، إنه شكسبير ولكن على نحو
لم يسبق له مثيل من قبل حيث يقوم بالتمثيل مجموعة من نزلاء سجن ريببيا مشدد
الحراسة فى ضواحى روما، ومنهم واحد فقط هو سلفاكورى ستريانو أفرج عنه عام
٢٠٠٦، واحترف التمثيل، ومثل أول أدواره فى «جومورا» إخراج ماثيو جارونى عام
٢٠٠٨، وعاد إلى السجن فقط لتمثيل دور بروتس، وقد برع فى الأداء إلى درجة
ربما ترشحه للفوز بجائزة أحسن ممثل، وعلى الشاشة من غير النزلاء أيضاً مدرب
التمثيل ماوريليو جيافريدا والمخرج المسرحى فابيو كافالى الذى اشترك فى
كتابة السيناريو مع الأخوين.
الواقع والخيال والحرية
يبدأ الفيلم بالألوان حيث يمثل الفريق على المسرح فى السجن ختام
المسرحية، ويصفق لهم الجمهور بحرارة، وتصبح الصالة خالية، ويغادر الفريق
المسرح ليعود كل منهم إلى زنزانته وتغلق أبوابها، وبعد لافتة مكتوبة «قبل
ستة شهور» تتحول الألوان إلى الأبيض والأسود لدى لنرى المخرج يشرح
المسرحية، ويختبر المتقدمين للتمثيل، ويطلب من كل منهم ذكر تاريخ ومكان
ميلاده مرة بصوت منخفض، وأخرى بصوت عال، وعند مشهد كل ممثل يكتب على الشاشة
جريمته ومدة عقوبته، والمعروف أن السجن المذكور يضم عتاة المجرمين، خاصة من
المافيا، وبينهم محكوم عليهم بالسجن مدى الحياة.
وأثناء حفظ كل سجين دوره، والتدريب عليه مع زملائه يتداخل حوار شكسبير
مع حوارهم، ويبدأ كل منهم بمناداة الآخر باسم الشخصية التى يمثلها، وتتغير
حياتهم وأساليب تفكيرهم، وتتقاطع معانى كلمات شكسبير مع أوضاعهم، خاصة عند
الحديث عن الحرية. واختيار مسرحية «يوليوس قيصر» ليس فقط لأن أحداثها تدور
فى روما، وإنما لأنها عن السلطة والفساد والوفاء والخيانة والشرف والنذالة،
وكل ما أدى فى الواقع المعايش إلى ارتكاب الجرائم التى نقرؤها على الشاشة
عند تعريف السجناء - الممثلين.
وفى منتصف الفيلم المكثف والمحكم فى ٧٦ دقيقة دون ثانية زائدة أو
ناقصة، نرى السجن لأول مرة فى لقطات عامة من الخارج، ونرى مشهداً واحداً
بالألوان يعبر سينمائياً عن التحول فى أفكار ومشاعر المساجين حين يتطلع
أحدهم إلى ملصق طالما شاهده من قبل ولم يبال به بجزيرة فى البحر، فيتحول
الملصق الأبيض والأسود إلى الألوان، وذلك تعبيراً عن إدراك قيمة الحرية.
وعند تمثيل مشهد مصرع قيصر ومونولوج أنطونيو الشهير «كان قيصر عظيماً، ولكن
بروتس يقول غير ذلك، وبروتس رجل شريف، ولذلك لابد أنه على حق»، نرى المشهد
لأول مرة من خلال الأسقف الحديدية، ونرى لأول مرة وآخر مرة حراس السجن وهم
يسخرون من الموقف كله، فهم بالنسبة لهم مجرد مجرمين.
وفى النهاية نعود مرة أخرى إلى الألوان، ويتكرر مشهد نهاية المسرحية
والعودة إلى الزنازين، لكن المشهد الأخير يكون للسجين الممثل كوزيمو ريجا
الذى قام بدور كاسيوس، واسمه حقيقى مثل كل زملائه، داخل الزنزانة، والجملة
الأخيرة قوله «منذ أن عرفت الفن تحولت هذه الزنزانة إلى سجن»، وهى عبارة
«شارحة» لمعنى الفيلم لمن يمكن أن يعرض عليه، ولكن ما يتميز به الأخوان
تافيانى، مثل شكسبير، السعى للتوصيل إلى أكبر عدد من المتفرجين وليس فقط
التعبير.
والمدهش أن المستوى الفنى للتمثيل بصفة عامة جيد ومقنع، ولا يقتصر على
ستريانو فى دور بروتس، وريجا فى دور كاسيوس، وإنما أيضاً جيوفانى أركورى فى
دور قيصر وانتونيو فراسكا فى دور أنطونيو، وكل منهم يلقى حوار شكسبير
مترجماً إلى الإيطالية بلكنة المنطقة التى جاء منها، وكما يبدع مدير
التصوير سيمون زامبانى فى استخدام الألوان والأبيض والأسود، يبدع كارميلو
ترافيا وجوليانو تافيانى فى تأليف موسيقى تجعل من شريط الصوت أوبرا كاملة،
على الرغم من الاقتصاد الشديد فى استخدامها، والثانى مؤلف لموسيقى أكثر من
٢٠ فيلماً، لكنه يعمل مع والده وعمه لأول مرة.
«قيصر يجب أن يموت» ليس فيلماً عن مسرحية شكسبير، وقد تم استبعاد
الشخصيات النسائية من النص الأصلى لأن كل الممثلين من الرجال، لكنه فيلم عن
الواقع والخيال والحرية: الواقع الذى يبدو من خلال الجرائم، والخيال
المتمثل فى الفن، والحرية التى تبدو قيمتها عندما يحرم منها البشر، هل يعيش
الإنسان أم يمثل دوراً، وهل يمثل الممثل أم يعيش دوره، وهل يفقد المجرم
إنسانيته فى الحياة ويستردها فى السجن، أم يفقدها فى السجن عقاباً على ما
فعله فى الحياة؟ فى أحد المشاهد يقول ممثل «كان قيصر عظيماً»، فيرد عليه
المخرج «وكذلك كان شكسبير»، ويمكن أن نكمل «وكذلك الأخوان تافيانى».
المصري اليوم في
14/02/2012
٢٥
يناير حاضرة فى مهرجان
برلين
كتب
برلين- أحمد الجزار
ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان برلين عرض الفيلم الفرنسى «اليوم» إخراج
السنغالى ألان جوميز، الذى تدور أحداثه فى العاصمة السنغالية داكار حول شاب
يعود من أمريكا ليواجه الموت بسبب حالة العنف الموجودة فى الشوارع، ويعد
هذا الفيلم هو العمل الروائى الطويل الثالث لجوميز الذى كتب سيناريو الفيلم
وتم تصويره بكاميرا رقمية صغيرة.
وقال ألان جوميز، لـ«المصرى اليوم»: الثورة المصرية تسيطر على معظم
أبناء الشعب السنغالى حاليا، فهى أصبحت هدفاً ورمزاً للحرية، لذلك رفض
الشعب السنغالى منح الرئيس الحالى عبدالله واد فرصة الترشح لفترة رئاسية
ثالثة وخرج فى مظاهرات سلمية مثل مظاهرات ميدان التحرير، ورغم ذلك سقط
العديد من الضحايا.
وأكد «جوميز» أن فيلمه ضد الخوف بشكل عام ومحاولة لاحترام الإنسانية،
موضحا أن استخدامه لكاميرا ديجيتال صغيرة فى تصوير معظم الأحداث منحته
الحرية فى التقاط أى لحظة.
وفى المسابقة الرسمية للمهرجان عرض فيلم «مرتفع للغاية وقريب جدا»
إخراج ستيفن دلدرى وتم ترشيحه مؤخرا للحصول على جائزتين من جوائز الأوسكار،
التى ستعلن فى ٢٦ فبراير الجارى وأعقب العرض ندوة وجه فيها المخرج الشكر
لكل من توم هانكس وساندرا بولوك لمشاركتهما فى أدوار صغيرة ووصفهما بأنهما
كانا إضافة حقيقية للعمل.
وفى برنامج الربيع العربى عرض الفيلم الوثائقى الإنجليزى الإيرلندى
«الثوار المتمردون» الذى يتحدث عن الثورة اليمنية من داخل ساحة التغيير
بصنعاء، من خلال مواطن يمنى اسمه قيس يعمل فى السياحة تعرف على المخرج
الإنجليزى شون مكاليستر الذى قرر أن يجعل منه محركا أساسيا للأحداث من خلال
التجول معه بين الثوار فى شوارع العاصمة، وتصل مدة الفيلم إلى ٧٠ دقيقة.
وقال بطل الفيلم قيس قاسم لـ«المصرى اليوم»: الثورة المصرية كانت
ولاتزال الحافز الأساسى لمعظم اليمنيين فى تغيير النظام الحاكم، وكنا دائما
نتمنى أن نحقق ما حققه المصريون ونتخلص من الديكتاتور.
أضاف «قاسم»: الحكام العرب استغلوا طيبة شعوبهم وكنا نتعامل معهم من
منظور الأب، وهذا كان الخطر الكبير الذى وقعنا فيه وأعتقد أن الأيام
القادمة ستشهد تغييرا كبيرا فى اليمن بعد أن قررنا إجراء انتخابات فى ٢١
فبراير الجارى لينتهى بذلك عهد الرئيس على عبدالله صالح إلى الأبد.
وأشار «قاسم» إلى أن الفيلم يمثل صورة طبق الأصل مما يحدث فى شوارع
صنعاء حيث يوجد ثوار سلميون لا يحملون أى أسلحة ويطاردهم نظام مجرم يريد أن
يبيد شعباً بأكمله من أجل السلطة.
أما المخرج شون مكاليستر فأكد أن مهمته فى هذا الفيلم كانت صعبة حيث
استمر فى التصوير عاماً كاملاً وكان يقف على خط النار وسط طلقات الرصاص،
موضحا أنه فى بعض الأحيان كان يرافق الموتى ضحايا النظام الحاكم. وأوضح
«شون» أنه كان شخصا غير مرغوب فيه من جانب المخابرات اليمنية الذين ظنوا
أنه صحفى أجنبى، مشيرا إلى أن النظام اليمنى كان يريد طرده فى أسرع وقت.
المصري اليوم في
14/02/2012
فيلم حنان عبد الله الوثائقي ''في ظلال
الرجل'' في مهرجان برلين السينمائي الدولي:
ثائرات مصريات على البساط الأحمر للبرليناله
بقلم: أميرة الأهل
ترجمة: صفية مسعود ـ
مراجعة: هشام العدم
يتمحور
مهرجان برلين السينمائي الدولي (البرليناله) هذه السنة حول الأفلام التي
تسلط الضوء من مختلف الزوايا على التحولات والثورات التي شهدها العالم
العربي، ومن بين هذه الأفلام الفيلم الوثائقي "في ظلال الرجل" الذي يقدم
صورة مؤثرة عن أربع مصريات. أميرة الأهل قابلت المخرجة حنان عبد الله
وتحدثت معها حول الفيلم.
"لا تستطيع المرأة أن تكون مستقلة في بلد غير مستقل. لا يمكن أن تعمل
بكفاءة في بلد لا يعرف معنى الكفاءة. كما أنها لا يمكن أن تكون حرة في بلد
مُستَعبَد. من المستحيل فصل مطالب المرأة عن الواقع الاجتماعي ..." هذه
الجمل تقولها شاهيندا مقلد في الفيلم الوثائقي بينما يرى المشاهد في
الخلفية صور الانتفاضة الشعبية التي هبّت في مصر عام 2011. في هذا الفيلم
يرى المشاهد نساء يقدن المظاهرات ويلهبن حماس الجماهير بالشعارات، نساء
يقفن بشجاعة في مواجهة الشرطة، ويكافحن جنباً إلى جنب مع الرجال في مواجهة
النظام الشمولي السائد في مصر.
طوال عمرها وشاهيندا مقلد تكافح وتناضل – من أجل حقوق المرأة ومن أجل
حقوق الفلاحين في مصر. "دافعي عن مبادئك حتى الموت!" هذه النصيحة نطق بها
أبوها على فراش الموت وأوصاها أن تتبعها. "كان رجلاً تقدمياً رائعاً، وكان
مهتماً بأن أدرس وأصبح مستقلة"، تقول شاهيندا مقلد بينما راحت يداها تمر
بكومة من الصور الفوتوغرافية المصفّرة التي وضعتها أمامها. الحكايات
والتاريخ أمامها، وخلفها حياة وهبتها للنضال من أجل العدالة. شاهيندا مقلد
هي إحدى النساء الأربع التي رافقتهن حنان عبد الله في فيلمها الوثائقي "في
ظلال الرجل" في ربيع عام 2011 الذي يُعرض حتى التاسع عشر من فبراير (شباط)
في مهرجان برلين السينمائي الدولي، وذلك في قسم "بانوراما".
واقع لا يُعقل
"وجه الثورة الأنثوي": خلال الانتفاضة ضد نظام مبارك الاستبدادي شاركت
النساء مشاركة فعالة. راحت حنان عبد الله تسير في شوارع وسط القاهرة. ما
زلنا في بداية المساء، الشوارع هادئة على نحو لم يعتاده المرء في هذه
المدينة المستيقظة دائماً. كانت المخرجة قبل ذلك في غرفة المونتاج، ففيلمها
التالي في مراحله الأخيرة. وفي صباح الغد ينبغي أن تكون مبكراً في المطار.
غير أن هناك أشياء كثيرة لا بد من تنظيمها قبل أن تسافر. ولكن أهم شيء
بالنسبة لها قبل السفر أن تزور أفضل صديقاتها في المستشفى حيث أُدخلت قبل
يوم بعد أن أُصيبت بخرطوشين خلال اشتراكها في المظاهرات في ميدان التحرير
وأمام وزارة الداخلية. كانت صديقتها محظوظة رغم كل شيء، إذ أن الخرطوش الذي
أصاب وجهها لم يكن مميتاً.
هذا الواقع الفظيع الذي لا يُعقل في معظم الأحيان، الواقع الذي تمر به
مصر في الوقت الحالي، هو ما تحاول حنان عبد الله أن تمسك به، وكثيراً ما
تنسى في غمار ذلك أنها تعرض نفسها بذلك إلى أخطار كبيرة. عندما عرفت في
ديسمبر (كانون الأول) الماضي أن مهرجان برلين السينمائي الدولي قَبِلَ أن
يعرض فيلمها الوثائقي كانت المخرجة تتعرض إلى موقف مشابه تماماً. لقد تلقت
النبأ في يوم الثامن عشر من ديسمبر (كانون الأول) – في الوقت الذي كانت فيه
قوات الشرطة والجيش تهاجم المتظاهرين أمام مقر مجلس الوزراء في قلب
القاهرة. أصيب العديد من المتظاهرين خلال تلك المواجهات، ودفع البعض حياته
ثمناً لاحتجاجه.
"كنت غاضبة للغاية بسبب ما يحدث في الشوارع لدرجة أنني لم أعرف في
البداية كيف أتعامل مع هذا الخبر السعيد، خبر دعوتي إلى البرليناله"، تقول
حنان عبد الله. استغرق الأمر بعض الوقت حتى تغلغل الخبر إلى وعيها. وتقول
المخرجة معترفة: "لقد كان شعوراً غامراً، وما زلت حتى الآن متأثرة من أنهم
اختاروا فيلمي أنا بالذات لعرضه في البرليناله"، إذ أن هذا الفيلم هو
باكورة أعمال المخرجة البالغة من العمر ثلاثة وعشرين عاماً.
نظرة حميمة على الحياة اليومية للمرأة المصرية
يمزج فيلم حنان عبد الله الوثائقي حكايات وصور الحياة اليومية لأربع
نساء مختلفات، ليقدم صورة حميمة واضحة المعالم ومؤثرة سياسياً لهؤلاء
النساء. ولدت المخرجة ونشأت في لندن، وهناك درست علم السياسة والفلسفة. بعد
الدراسة ترددت على عدة دورات عن السينما. وعندما نشبت الثورة في مصر كانت
تتردد على دورة عن الفيلم الوثائقي. على الفور قطعت حنان عبد الله دراستها
وسافرت إلى القاهرة. لم تكن تريد في الأصل أن تقضي سوى عشرة أيام، غير أن
الأيام امتدت لتصبح عاماً. بالمصادفة عرفت عبر صديقة من العائلة أن منظمة
"نساء الأمم المتحدة"
UN-Womenتريد
صنع فيلم عن النساء والثورة في مصر، وتبحث عن من يستطيع تنفيذ المشروع. "في
البداية لم أكن أريد أن أقوم بذلك، من ناحية لأني لم أثق في مقدرتي على صنع
الفيلم، ومن ناحية أخرى لأني أرى أن هناك موضوعات أهم"، تقول حنان عبد
الله. غير أنها استسلمت لمحاولات الآخرين لإقناعها - لحسن الحظ، مثلما تقول
اليوم.
فيلم "في ظلال الرجل" يحكي حياة أربع نساء من بيئات اجتماعية مختلفة،
وهو بذلك يحكي حياة نساء مصر اليوم. والنتيجة بورتريهات حميمة تفتح عيون
المشاهد على الحياة اليومية التي تعيشها النساء في مصر، على نحو نادراً ما
يراه غير المصريين. لم تقم النساء الأربع بفتح أبواب بيوتهن لحنان عبد الله
فحسب، بل فتحن أيضاً قلوبهن وأطلعنها على أدق تفاصيل حياتهن، وعلى أكثر
أمنياتهن وآمالهن وأشواقهن حميميةً. ليس هدف الفيلم الوثائقي في المقام
الأول تقديم صورة عن الثورة أو مقاومة نظام مبارك والمعارك التي دارت في
الشوارع، بل مناقشة المشاكل الاجتماعية للنساء والتي لم تتغير بعد سقوط
النظام.
"ما يهمني هو العامل الاقتصادي بالدرجة الأولى"، تقول حنان عبد الله.
وهكذا تحكي بدرية محمد عن حلمها بالذهاب إلى مدرسة لتعليم الفن. غير أن
الحلم لم يتحقق. لقد تزوجت وأنجبت أربعة أطفال، ومنذ ذلك الحين وهي تعيش في
إحدى قرى بني سويف في صعيد مصر حيث يربي والداها الدجاج والبط وحيث تتولى
هي وزوجها العمل في الأرض الزراعية. "منذ 18 عاماً وزوجي يبحث عن عمل"،
تقول بدرية. "لماذا يجب علينا إذن أن ندرس في الجامعة إذا لم تكن هناك
وظائف لنا؟" ملايين من المصريين يطرحون السؤال نفسه الذي طرحته بدرية.
حكايات مثل هذه هي التي توضح للمشاهد لماذا سئم الملايين نظام مبارك ولماذا
خرجوا للتظاهر في الشوارع.
الربيع العربي محور البرليناله
بين الثورة والحياة: "ليس ما يهم حنان عبد الله في المقام الأول تقديم
صورة عن الثورة أو مقاومة نظام مبارك والمعارك التي دارت في الشوارع، ما
يهمها هي مشاكل النساء التي لم تتغير بعد سقوط النظام"، تقول أميرة الأهل.
في دورة مهرجان برلين السينمائي الدولي هذا العام يحتل الربيع العربي صدارة
الاهمام. ويعالج "البرليناله" في 2012 الربيع العربي وتطوراته من عدة زوايا
وبأشكال مختلفة. وهكذا يعرض عدد كبير من المخرجين من العالم العربي أفلامهم
الوثائقية التي تظهر كيف رؤيهم للأحداث، في حين يلقي آخرون في أفلامهم
الروائية أو الوثائقية نظرةً على المنطقة بدون الاقتراب من الثورة بشكل
مباشر. "هم بالأحرى" - هكذا نقرأ في البيان الصحفي الذي وزعه البرليناله –
"يعالجون القضايا المصيرية والحاسمة، ومنها ضرورة تحديد الهوية الذاتية –
وأحياناً يفعلون ذلك بشكل كوميدي". حنان عبد الله منهمكة في إخراج فيلمها
الوثائقي الثاني الذي يدور هذه المرة حول مشاركة المرأة في الانتخابات
البرلمانية المصرية. أما أمنيتها فهي صنع فيلم صادق، فيلم تحب هي أن تتفرج
عليه. هذه الأمنية تحققت على كل حال في فيلمها الأول "في ظلال الرجل"، وهو
فيلم جدير، ولا شك، بالمشاهدة في البرليناله.
حقوق الطبع: قنطرة 2012
موقع "قنطرة" في
13/02/2012 |