لاشك ان موضوعات الهوية والذات والآخر كانت وماتزال تشكل هاجسا يوميا
متناسبا مع واقع الحياة المتسارعة وتداخل الأعراق والقوميات والثقافات في
مجتمع العولمة ومابعدها من آفاق مفتوحة ومجتمعات تواصل تعميق هويتها والحرص
على الحفاظ عليها ، ومن هنا يجيء دور الصورة الفيلمية في تتبع هذه التحولات
المرتبطة بالأنسان وبدوافعه وحاجاته وتطلعاته ، ومن هنا ايضا يمكن ان نفهم
نسق العلاقات الذي تؤسسه مسألة الهوية وتدفع باتجاه حوارات متواصلة تتعلق
بهذا الموضوع المهم .ومما لاشك فيه ايضا وجود القلق في مسألة الهوية
وتأكيدها خاصة في مجتمعات لها ارثها التاريخي وتقاليدها سواء في المظهر او
في طريقة الكلام او غير ذلك .
هذه المسائل طالما تناولتها السينما بأشكال شتى حتى تحولت الشاشة الى
مرآة للحياة وللمجتمعات على السواء ، حيث صار التعرف على كثير من تلك
المجتمعات يتحقق عبر الأنواع الفيليمة التي تعكس كثيرا من اوجه الحياة فيها
.
ولأن انفتاح الآفاق على تداخل الأعراق والثقافات في بلد مفتوح كدولة
الأمارات التي تستوعب مايقرب من 150 او اكثر من الجنسيات بما يترتب على ذلك
من اعراق وثقافات وانماط حياة ، لهذا كله وجدنا مخرجي السينما وقد لفتت
انظارهم بعض من الظواهر المرتبطة بتحول المجتمع في الأمارات وهو ماشهدنا
بعضا منه من خلال مجموعة من الأفلام الأماراتية التي عرضت في مهرجان
الخليج في دورته الرابعة .
فيلم "الكندورة " للمخرجتين الشابتين لمياء المعلا وميثاء الحداد
هذا الفيلم الوثائقي يتحدث عن الزي التقليدي الرجالي الأماراتي
المعروف بالكندورة وهو مايشبه "الدشداشة " او هو الدشداشة الأماراتية ، اذ
طرأت على هذه الزي بعض المتغيرات سواء في التصميم او في اللون او في اضافة
عناصر زخرفية او بما يجسم الشخص بسبب تصميمها الضيق حيث تقوم محلات متخصصة
بالتصميم وادخال تلك التعديلات .هذا الجانب البسيط المتعلق بالزي التقليدي
اليومي يفتح افقا للنقاش والرأي بين اجيال متعددة من المجتمع الأماراتي بل
يكاد ان يكون حوارا موضوعيا بين جيل الشباب الذي بدأ بعضه بمغادرة الزي
التقليدي الى ارتداء الأزياء الحديثة كبنطلونات الجينز وغيرها من الأزياء
التي صار انتشارها السريع مرتبطا بالموضة وتقليعاتها في انحاء العالم .
وتستعرض المخرجتان بشكل سلس من خلال مونتاج مميز تلك الخطوط المتعددة
للآراء المختلفة وبالطبع هنالك من يؤمن بضرورة الحفاظ على هذا الزي بشكله
التقليدي المتوارث المعتاد ويرفض ماطرأ عليه من تشويه في نظر هذا البعض
المدافع اذ يعد ادخال الألوان والزخارف امرا مرفوضا يشوه جمالية الزي
الأماراتي فضلا عن التصاميم الضيقة التي تجسم اعضاء الجسم .وللمدافين ايضا
رأي في ان الزي التقليدي يجب ان يحضر في جميع المناسبات ويروي احد
المشاركين في النقاش انه سافر الى لندن وهناك دخل ناديا او ملتقى اجتماعيا
اشترط ارتداء زي رسمي بينما هو دخل بالكندورة الأماراتية وكان موضع ترحيب .
بينما يذهب آخرون ان الكندورة هي زي غير مريح وغير عملي وانهم يفضلون
ارتداء السراويل العملية بدلا عنها وهؤلاء لايعدون ذلك خروجا على التقاليد
والموروث بل ان المسألة مرتبطة بالحرية الشخصية ومايناسب الشخص ومالايناسبه
وان التعبير عن الهوية لايأتي من خلال الزي فحسب بل هنالك جوانب اخرى كثيرة
.واما المدافعون عن ادخال الألوان والزخارف على الزي فهم يؤمنون بأن كل شيء
آيل الى التطور والزي هو الآخر يمكن ان يشمل بالتطور ايضا ولهذا لايجدون
غضاضة في ادخال الألون والخطوط والزخارف .بينما نجد آخرون يتحفضون على شراء
ذلك الزي بسعر غال جدا وبعضهم يشتري عشرات من الكندورة في السنة الواحدة
.الفكرة بدت طريفة والحوار بين الأجيال لم يخل من طرافة وجمالية دفعت
الجمهور الى المتابعة والأهتمام بسبب سلاسة بناء الموضوع ونجاح المونتاج في
الربط بين الآراء المتعددة وعرضها معا .
فيلم "لهجتنا" للمخرجة مريم النعيمي
وكما ذهبنا من قبل نجد ان التداخل بين الثقافات قد دفع الى تغييرات في
اللهجة المحكية الأماراتية التقليدية وهو الموضوع الذي كان محور هذا الفيلم
الوثائقي اذ ابدى اشخاص من خلفيات متعددة ارائهم بصدد ماطرأ على اللهجة
المحكية الأماراتية من تغيير ومنها دخول مفردات من لهجات بلدان خليجية بدأت
تدخل الى اللهجة الشعبية الأماراتية التقليدية وهو مايجب الحذر منه في نظر
من يؤمنون بضرورة الحفاظ على اللهجة المحكية التقليدية كما هي من دون تشويه
من لهجات خليجية او غير خليجية .فالمدافعون عن هذا الأمر على سبيل المثال
غير راضين عن استبدال كلمة (سير ) باللهجة الأماراتية بمعنى اذهب
واستبدالها بكلمة (روح) ، ويضربون امثلة كثيرة على استبدال كلمات اماراتية
بكلمات خليجية وحتى غير خليجية من لهجات البلاد العربية كاللهجة السورية او
المصرية او غيرها .بينما يجد اعلاميون ومثقفون ان التداخل بين اللهجات امر
واقع ومن غير الممكن السيطرة عليه بسهولة بسبب التداخل بين اللهجات بل
ويذهبون الى ابعد من ذلك بقولهم ان الأجيال الجديدة بدأت باكتساب عادات
وقيم مختلفة فهنالك من لايرسل ابناءه الا الى مدرسة خاصة انجليزية
والأنجليزية في هذه الحالة تصبح اسبقية بالنسبة لهم ولهذا يقول احد مذيعي
البرامج من المشاركين في هذا النقاش انه عندما يذكر في برنامجه مفردات من
اللهجة المحكية غير مألوفة لدى جيل الشباب فأن هنالك من يتصل به مستفهما عن
المعنى . ومابين من يؤمن مثلا بأن انتشار وسائل الأعلام وخاصة التلفزيون
كانت عاملا مهما في تقديم لهجة خليجية مفهومة من دول الخليج مجتمعة وبذلك
تغيب كثير من المفردات التي لايعرف معناها الا ابناء الأمارات من كبار السن
بينما هي غير مفهومة او معروفة لدى آخرين .
الحوار عن اللغة واللهجة لاشك انه جزء من منظومة انثروبولوجية واسعة
وشاملة وليس مجرد موضوع بسيط وعابر بل انها تتسع الى مديات اكبر واوسع بما
يرتبط بهوية المجتمعات نفسها وهو مااثارته هذه المخرجة في فيلمها الذي اضاء
جانبا مفيدا وحيويا.
فيلم "حمامة" للمخرجة نجوم الغانم
يعد هذا الفيلم اضافة مهمة لمسيرة المخرجة نجوم الغانم وهو يذهب ايضا
الى المسار نفسه الذي اشرنا اليه من قبل ولكن من زاوية اخرى ، فهو يعرض
لجوانب مهمة من حياة وشخصية "حمامة" تلك المرأة البسيطة التي تعالج الناس
وتقدم لهم الدواء فيما يعرف بالطب الشعبي، ورغم تقدمها في العمر الا انها
تجد في عملها الذي امضت حياتها فيه انه هو كل حياتها ولهذا تجدها تعبر بروح
واثقة عن كل ماقامت به من تقديم المساعدة للناس مما جعلها موضوع ثقتهم
ومحبتهم ولهذا لم ينقطعوا عن اللجوء اليها وهم ينشدون الشفاء على يديها .
تحرص المخرجة في هذا الفيلم على تقديم سلسلة من العلاقات الأنسانية
التي ماتزال قائمة بين الناس وبين هذه الطبيبة الشعبية التي مازال الكثيرون
على ثقة بما تقوم به وماتقدمه .
وبموازة ذلك ثم جدل او نقاش يتعلق بحقيقة وجود وجدوى هذا النوع من
العلاج ومدى الثقة به وهو نقاش يسلط اضواءا اخرى على جوانب من الحياة
اليومية والوعي الشعبي الذي يؤمن بضرورة الحفاظ على المروث لاسيما اذا
علمنا ان العلاج بالحجامة وبالأعشاب كان ومايزال قائما ومتداولا في كل
انحاء العالم تقريبا مع ان المسألة بالنسبة لحمامة مرتبطة بالفطرة وحيث
تطور وعيها وخبرتها في هذا المجال من خلال عملها الطويل .
ورشة سينما في
24/04/2011
الفيلم الفائز بالجائزة الأولى في مهرجان الخليج السينمائي
الرابع 2011
"الرحيل من بغداد" للمخرج قتيبة الجنابي:
الذات الهائمة في المنافي تلاحقها صور الماض وآثامه
طاهر علوان
معالجة سينمائية متميزة تخلصت من البكائيات السائدة
تحضر في ذهني هذه الأيام افكار عن ظاهرة الأفلام العراقية التي صرنا
نشاهدها هنا وهناك في المهرجانات وهي لاتزيد على اصابع اليد الواحدة فضلا
عن الأفلام قصيرة والوثائقية ، فهذه الأفلام يجد صانعوها انفسهم امام
تحديين ومشكلتين اساسيتين ، هما ان ما يقولونه او سيقولونه في افلامهم يجب
ان لايكون تكرارا ولا اجترارا ولانسخة مكملة لصور الكوارث والمحن التي عصفت
بالعراق سواء في زمن النظام السابق او بعد الغزو الأمريكي لهذا البلد ، ذلك
ان وسائل الأعلام وخاصة الفضائيات لم تترك شاردة ولا واردة الا وارسلت
كاميراتها وطواقمها لنقلها الى العالم ، ولهذا تعبأ ذهن المشاهد بصور
الخراب العراقي وهو يدرك جسامة المحنة وثقل الأحزان التي تفتك بالشخصية
العراقية ولهذا يجب الغوص فيما وراء تلك الصورة النمطية وان لايكون الفيلم
اجترارا ولا تكرارار من جهة ولا استدرارا لعواطف ومشاعر الجمهور وخاصة
الغربي فيعطف على الفيلم ومخرجه وطاقمه فيتحقق الهدف المرجو ..المشكلة
الأخرى التي يواجهها صانعوا هذه الأفلام انهم امام واقع صعب ومعقد وخطير
ايضا وهو ان ليس من السهل ان تخرج الكاميرا وطاقم الفيلم الى الشارع لغرض
تصوير فيلم ما...في ظل هذا كله يأتي فيلم الرحيل من بغداد للمخرج قتيبة
الجنابي وهو اول افلامه الروائية الطويلة بعد رحلة طويلة مع الأفلام
القصيرة والوثائقية .
والجنابي انسان حالم بمعنى الكلمة ومخلص لمشروعه الأبداعي والأنساني
واول ماسيبادرك وانت تلتقي به انه يريد صنع فيلم آخر وآخر ولكنه يحتاج
الدعم ...هو بلا دعم ...لايجبد (فن الحصول) على المنح المالية متعددة
الجنسيات ، وهو يتحدث عن ذلك ببراءة وصدق ففيلمه ليس عابرا للحدود، هو عاجز
عن (شم) رائحة الدعم والتقدم لها ولو كانت في الصين ....هذه مشكلة قتيبة
...الذي لايملك غير كاميرته التي ترافقه اينما حل واقام ...ولهذا هو لن
يتوقف عن التصوير والأخراج بتقشف شديد وامكانات تكاد تكون فقيرة..بل انه
ضمن نوع المخرجين الذين يعملون من دون ميزانية ..
مختصر القصة
الغوص في الواقع ..ضياع الحلم ...الشخصنة وحب الرموز ..الخيانة وبيع
الضمير ..الأغتراب والمنفى ...كل هذه هي مقتربات مهمة للدخول الى هذا
الفيلم : طارق (الممثل صادق العطار ) تدرج في ولائه لنظام صدام حسين وحزبه
حتى اصبح مصورا خاصا له ، وهو مولع بصور (القائد الضرورة) ووقفاته الشجاعة
والكاريزما وكل ذلك تستعرضه ذاكرته من خلال كم من المشاهد الوثائقية من
يوميات صدام ، والرجل يستعرض ذلك وهو في مأزق كبير فقد سقط النظام واحتل
العراق ، وهاهو المصور يكتب رسالة الى ولده الذي نكتشف فيما بعد انه مفقود
في الحرب بينما زوجته تقيم في بريطانيا فيقرر الهرب من العراق خوفا على
حياته ورثاءا للماضي السعيد الذي يحن اليه حنينا شديدا حتى تحسب ان الفيلم
ماهو الا نوستالجيا وتمجيد لذلك الزمن الغابر ...ويتنقل طارق بين بلدان عدة
لانعرفها اذ عمد المخرج على تعويمها وطمسها لنجد انفسنا اخيرا في هنغاريا ،
وهناك يحاول العثور على مهرب يساعده في الوصول الى لندن ، وكلما صادف شخصا
سأله عن كيفية الوصول الى لندن ، فيتلقى النصائح من هذا وذاك مع تحذير شديد
من الوقوع في حبائل المخادعين الذين يأخذون المال ويرمون الشخص على الحدود
...وفي آخر المطاف وبعد اتصالات تلفونية عديدة مع زوجته المقيمة في لندن
لكي ترسل له المال ، يعثر على مهرب لكنه يطالبه بمبلغ خمسة الاف دولار هو
لايملكها ، فيخرجه من تلك الحجرة التي كان يسكن فيها ، خلال ذلك هنالك من
يراقبه ويلاحقه من بعد في سيارة ولانعرف من هو وماذا يريد منه ، لكننا
نكتشف ان صورته قد ارسلت الى شخص ما يستدرجه ويأخذ جوازه وينصحه ان يسافر
الى بلدة على الحدود الهنغارية حيث من الممكن ان يساعده بعض اقارب ذلك
الشخص ويصل الى احد الأرياف ويمضي ليلته في ضيافة فلاح هنغاري ليلاحقه ذلك
الشخص ويجهز عليه برصاصة يستحقها لكنه لايموت كما يظهر في الفيلم ، وهو
يستحق الموت حقا لسبب هو انه وشى بأبنه الوحيد كونه صار شيوعيا وبدأ يعمل
مع المعارضة ضد نظام صدام ، وحرصا منه على الحفاظ على منصبه وامتيازاته في
القصر الجمهوري ولكونه مصورا شخصيا لصدام تكون النتيجية انه يقوم بنفسه
يتصوير مشهد قطع رأس ابنه بالسيف ..
مابين الروائي والواقعي- الوثائقي
يحرص المخرج منذ البداية على منح فيلمه قدرا كبيرا جدا من الواقعية ،
فالتصوير كله يتم في اماكن حقيقية والشخصيات التي ظهرت في الفيلم ليس من
بينها ممثل واحد هو ممثل محترف بل اختارهم المخرج من الحياة فضلا عن شحن
الفيلم بكم من الصور الوثائقية من وثائق نشاطات صدام اليومية ومشاهد الجلد
والتعذيب ، هذا كله دافع عنه المخرج بأصرار ، انه كان متعمدا اتخاذ هذا
الحل الأخراجي ، ولذلك بدت هنالك مساحة من الفيلم الوثائقي لايقطعها الا
التحول في الكشف عن علاقة طارق بالنظام التي اثبت فيها الأخلاص من خلال
الوشاية بالأبن .
واذا فرغنا من كون الفيلم ينتمي الى افلام الطريق فأن المخرج عمد الى
التنويع على الموضوع من خلال اثارة موضوع المنفى والتشرد والضياع الذي
تعيشه الشخصية التي فقدت الجاه والسلطان واذا بطارق لايكاد يملك قوت يومه .
يمزج المخرج خطوطا عدة مع بعضها ملمحا لموضوع المعارضة الشيوعية
متخذا موقف الدفاع غير المباشر عن اليسار العراقي في تصديه للنظام السابق
ومن جهة اخرى يمزج ذلك بملمح انساني في حنين طارق لأبنه وهو حنين فطري لكنه
يبدو فجا وساذجا عندما يري صورة الأبن للكثيرين ، اذ لا يستقيم ذلك مع
تعمده الوشاية به ثم الحنين اليه .
ومن وجهة نظر شخصية لم اكن متفقا مع اختيار المخرج لممثل لم يقف يوما
ممثلا محترفا امام الكامير ، كان بحاجة الى ممثل اكثر حرفية وخبرة ، ثم
تلاحظ الغياب التام للمرأة التي لم يكن لها دور يذكر في الفيلم وكان
بالأمكان لصداق ان يلتقي امرأة في رحلته الطويلة لتمنح وجها آخر للأحداث
كما اني لست متفقا مع المخرج في مسألة تعويم المكان في اثناء تنقل الشخصية
الهاربية بين البلدان...نقاط وجدت الأشارة اليها ضرورية من دون ان تنال من
الفيلم وجهد المخرج شيئا.
استدرار العواطف والتراجيديا التي تتكرر
واضح جدا عدم سقوط الفيلم في معالجته واخراجه في ماسقط فيه آخرون
عندما قدموا افلاما او تمثيليات تلفزيونية لذرف الدموع واستدرار عواطف
المشاهدين الغربيين خاصة ، وعدم الأمعان في العزف على وتر الفجيعة ، بل انه
عرض بموضوعية من خلال طارق الذي هنالك من سيحبه ومن لايحبه ، عرض من خلاله
واقع اولئك العراقيين الذين يتنقلون من منفى الى منفى ويبحثون لهم عن بقايا
حياة آدمية خاصة بالنسبة لطارق فهو كمن يريد التخلص من ذاته ، لكنه لم يظهر
ولا في مشهد واحد مع نفسه وهو يشعر بوطأة تأنيب الذات تجاه مااقترفه تجاه
ابنه وهو تجنب آخر للبكائيات وتحريك العواطف ، فهو اراد من طرف خفي محاكمة
مرحلة سابقة وراهنة ، فطارق العاشق لصورة قائده (الرمز ) مثله مثل آخرين
يهيمون بذلك العشق سواء قلوا او كثروا متجاوزين او متجاهلين كل الكوارث
التي حلت بالعراق وكأنها جاءت من المريخ ومن دونما سبب في فتح الأبواب الما
آلت اليه الأمور ..
فضلا عن ظاهرة غير مسبوقة انسانيا وتتناقض مع الضمير والفطرة السوية
الا وهي الوشاية بأقرب الناس وهو فعل تكرر من نساء قمن بالوشاية بأزواجهن
او اخوانهن او رجال وشوا بأبنائهم او العكس ..وكانوا يحصلون على اكراميات
في مقابل قتل اولئك الذين وشوا بهم ، وطارق فضل الأمتيازات التي يتمتع بها
حيث يعمل في القصر الجمهوري على اي شيء آخر .
الصوت الخارجي والحوار
لعل من اجمل مالجأ اليه المخرج وهو كاتب السيناريو ايضا هو لجوءه الى
الصوت الخارجي عند كتابة رسائله لأبنه (voice over(
فهو منح الفيلم مسارا سرديا مميزا فمن جهة رسخ الأيهام لدى المشاهد بأنه
مجرد حنين من اب لأبنه وبذلك قاد المشاهد الى تتبع ما سجري لاحقا ومن جهة
اخرى قدم معالجة منطقية لما سيلي من الهجرة وترك الديار في المقابل كانت
الحوارات المتكررة لطارق مع زوجته عبر الهاتف ، وقد ذكرت للمخرج المبدع
قتيبة الجنابي هذه النقطة وكذلك تحدثت مع المونتير الأنجليزي "وايت تيجر"
وتمنيت لو ابتدأ فيلمه بعد المشهد العام لبغداد الصوت الخارجي لكتابة
الرسالة بدل المحادثة التلفونية .
..............لاشك ان كل ماذكره المخرج من مكابدات ومصاعب واجهته
لأنجاز فيلمه واضحة ، وهي لم تنل من صبره واصراره على انجاز الفيلم ، فقد
انجزه معتمدا تماما على امكاناته الذاتية في ميزانية متقشفة جدا ، ولم يحصل
الا على دعم بسيط من مهرجان دبي السينمائي ساعده على اكمال المراحل الأخيرة
، لكن الفيلم مازال يحتاج الى ان ينقل الى نسخة 35 ملم وهو مايسعى المخرج
جاهدا للوصول اليه من خلال تمويل هذه المرحلة من جهة ما .
............قتيبة الجنابي الذي تميز مصورا ومخرجا للأفلام القصيرة
هاهو يطرح نفسه مخرجا واعيا وناضجا في هذا الفيلم الذي يفتح له افقا جديدا
في مجال السينما الروائية نتطلع الى ان تتجذر اكثر وان يجد السبيل الى
تمويل كاف لفيلمه المقبل لكي يتجاوز اي مشكلات ومصاعب فنية .
..........فاز الفيلم عن جدارة بالجائزة الأولى لمسابقة الأفلام
الروائية الطويلة في مهرجان الخليج السينمائي الرابع الذي اختتم مؤخرا في
دبي.
ورشة سينما في
24/04/2011
فيلم "طفل بغداد
في افتتاح مهرجان الخليج السينمائي
الرابع
طاهر علوان / دبي
بانعقاده هذا العام يكون مهرجان الخليج السينمائي الرابع قد رسخ
مساره في احتضان العديد من التجارب السينمائية في منطقة الخليج وفي
استقطابه
للطاقات والمواهب السينمائي الواعدة
.
ومما لاشك فيه ان طبيعة المنطقة من جهة الأنتاج السينمائي تحتاج
الى مزيد من التشجيع والتحفيز لغرض ضخ دماء وروح جديدة في هذا الحقل وذلك
مايحرص
عليه مهرجان الخليج عبر دوراته المتعددة
.
يقدم هذا المهرجان ومن خلال مسابقاته وعروضه المتعددة فرصة طيبة
لطلبة السينما وللهواة بموازاة المحترفين وهنالك مسابقة للأفلام الأماراتية
ومسابقات للأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية تتسابق
في الحصول على على
جوائزها دد الأفلام المشاركة في مهرجان الخليج السينمائي الرابع 153
فيلما
وبحسب الدول : الإمارات 45 فيلماً؛ العراق 23
فيلماً، و12 فيلماً من السعودية، و11 من الكويت و 8 من قطر: و 7 من سلطنة
عمان، و 2
من البحرين ...وبلغ عددالأفلام المشاركة من دول أخرى (الولايات
المتّحدة الأمريكية
والمملكة المتّحدة والهند وإسبانيا وفرنسا وألمانيا واليونان وتركيا وكندا
وغيرها): 47
فيلما .عدد الأفلام المشاركة ضمن المسابقة الرسمية: الخليجية: 64، مسابقة
الطلبة:
30فيلما وفي خارج المسابقة : "جيرار كوران": 48، برنامج "تقاطعات"
17 ..برنامج
"أضواء": 16برنامج "سينما للأطفال": 9 برنامج "طرق
كياروستامي": 3 .
يحكي فيلم "طفل العراق "قصة شاب عراقي يقرر العودة من منفاه في
الدنمارك حيث امضى جزءا من طفولته ومراهقته في تلك البلاد ، ومنذ البداية
يعتمد
الفيلم طريقة مباشرة في تعريف الشخصية بنفسها من خلال الحديث المباشر امام
آلة
التصوير ، يتحدث عن جوانب من حياته في المنفى وانه قرر السفر
الى العراق بعد ان
سبقته امه الى هناك وتركت له تذكرة السفر ، وما يلبث ان يصل الى هناك وحيث
يكون عمه
في استقباله ليروي له ماذا يعني ان تعيش في بغداد وفي العراق عموما حيث
الحياة
تفتقر الى ابسط المقومات واولها بالطبع مشكلة عدم توفر امدادات
الكهرباء وهي
المشكلة الأزلية التي تجدها في اغلب الأفلام الوثائقية العراقية من منطلق
انها
العلامة المباشرة لمعاناة العراقيين اليومية
.
العودة "الى الجذور " الى بغداد والى العراق شكلت مقتربا مهما بل
المقترب الأهم على الأطلاق في موضوعات افلام اكثر من مخرج عراقي ، ووجدناها
لدى
المخرج طارق هاشم في فيلمه ( 16 في بغداد) وهو الآخر يعيش في الدنمارك
ويعود الى
بغداد ليعرض ماآلت اليه الحياة هناك بعد العام 2003 ، يفعلها
ايضا المخرج قاسم عبد
في فيلمه الوثائقي "الحياة بعد السقوط" الذي يقدم فيه جوانب من حياة اسرته
:اخوته
واخواته وكيف يعيشون في بغداد بعد انهيار النظام السابق وبعد الأحتلال
ويفعلها
المخرج هادي ماهود في فيلمه ( العراق وطني ) الذي يعرض للموضوع
نفسه في اجواء
مدينته السماوة .
اذا نحن امام لازمة وثائقية تتكرر بهذا الشكل او ذاك في عدد من
الأفلام الوثائقية العراقية .
في هذا الفيلم الذي صنعه هذا الشاب الواعد "علاء محسن" البالغ من
العمر 22 عاما بأمكانات بسيطة وبدعم دنماركي من خلال شركة بي يو فيلم
وبتكلفة تقدر
بمئة الف دولار امريكي، يذهب
الى محافظة الديوانية لملاقاة امه
واقاربه هناك حيث تكون الحياة مزرية اكثر واكثر ، الطرقات المتربة المحطمة
والمباني
المتهالكة والمعاناة اليومية للناس في صيف لاهب يكتوي الناس بحرارته في ظل
الأنقطاع
المستمر للتيار الكهربائي ومايلبث الشاب ان يقطع وتيرة الأحداث
ليروي
من وجهة نظره مايجري وهو الذي يتحدث الدنماركية بطلاقة
.
في مدينة الديوانية تتجسم فواجع اخرى ممثلة في عادات زيارة
المقابر وتفقد الأحبة من ضحايا العنف المدفونين في مقبرة وادي السلام في
النجف حيث
اكبر مقبرة في العالم
.
وهناك يترحمون على ارواح اعزائهم ومنهم عم ذلك الشاب الذي يقضى
بعد عدم حصوله على اللجوء في الدنمارك ليعود الى العراق وحيث يجد قدره
يتربص به وفي
انتظاره حيث يختطف ويقتل .
مايتطلع له الشباب العراقي ومايحلمون به يتجلى في حديث ابن عم
الشاب :المخرج ، المصور الراوي الذي
يحلم بالهجرة بعد تحطم الآمال في
حياة طبيعية في داخل العراق ، وطريفة هي تلك الأحلام فالشاب يروي قصته وهو
الشاب
اليافع :انه عمل في شتى المهن ، بائعا وجنديا وسائقا وغير ذلك وكلها لم
توفر له
الحياة التي يحلم بها ولهذا لا يجد بديلا امامه غير الهجرة .
يجري ذلك الحوار كله على سطح المنزل في عتمة الليل حيث يدفع
انقطاع الكهرباء الى لجوء العائلات الى النوم على سطوح المنازل
.
لكن التحول الجذري في حياة الشاب يقع عندما يفقد والدته التي
يفترض انها ستعود معه الى الدنمارك وهو حدث مؤثر للغاية بالنسبة له
.
ثم يتبع ذلك تطور تلك التراجيديا الى تأبين الأم ودفنها وسط بكاء
وعويل الشاب واقاربه .
مقتربات اخرى
يحمل الفيلم شحنة قوية من الشجن الذي يتراكم في عقل المشاهد
العراقي والعربي من كثرة المآسي والخراب الذي عاشه ويعيشه المجتمع العراقي
في ظل ما
صار يعرف عالميا بالدولة الفاشلة
.
في هذه الدولة الفاشلة لم يبق من آثار الأحتلال الا خراب متفشي في
كل مكان وحزن مقيم وحياة محملة
بالمشاق
والصعاب.
ولهذا ربما كنت وقائع الفيلم تبدو معتادة بالنسبة لمشاهد غربي
وحيث الفيلم من انتاج دنماركي اما بالنسبة للمشاهد العراقي فالمسألة تبدو
ثقيلة
الوطء من كثرة المشاهد النمطية المنطبعة في عقله المشاهد .ولعل
هذا يقودنا الى وجود
احساس بالرتابة حاول المونتاج التخلص منها الى اقصى مايستطيع لكن المسألة
كانت برسم
الأخراج وعمل المخرج الذي اراد لفيلمه ان يكون بهذا الشكل .لكن الملفت
للنظر هو ان
المخرج الشاب يصرح مرارا ان موضوع فيلمه هو البحث عن الهوية اذ يصرح في
احدى
المقابلات التي اجريت معه ابان انعقاد المهرجان قائلا :" لقد
كنت ابحث عن العراق
الذي بداخلي وعن هويتي لأني ظللت بين احاسيس متناقضة واتساءل دائما : من
انا ؟ ، هل
انا دنماركي ؟ رغم ان لهجتي ومظهري يعرفان الجميع اني عربي عراقي لذلك قررت
الخضوع
لرغبة امي في العودة الى العراق للأجابة عن الأسئلة التي
حيرتني لسنوات طويلة ".
لايتحمل الفيلم بعد سرد الوقائع من وجهة نظر شاب قادم من الدنمارك
كثير من القراءات لاسيما وانه يؤكد مرار وتكرار انه قادم من الدنمارك وانه
يعيش في
الدنمارك ثم يجعل امه قبل وفاتها ان تردد هي الأخرى انها تشكر
الدنمارك وحكومة
الدنمارك لأن هذا البلد اواهم وساعدهم وقبلهم كلاجئين تحت وطأة الظروف
القاسية التي
عاشوها .
وكان من نتائج استطرادات المخرج الشاب الذي لما تنضج تجربته
وادواته بعد انه شتم العراق اكثر من مرة وتلك الشتيمة لم يكن لها مايبررها
لامنطقيا
ولا انسانيا ، ومسألة الجرأة على الناس والأستهانة بمشاعر شعب بكامله لم
تكن بالأمر
اللائق ولا الصحيح مهما كانت اسبابه التي تبدو ساذجة الى حد كبير وهو
مااثار حفيظة
الكثيرين . ولاادري ماهي الفائدة التي جناها هذا المخرج الشاب
من اطلاقه تلك
الشتيمة التي ربما صدرت منه وهو في وضع نفسي مترد ابان وفاة والدته ولكن
ذلك لايبرر
الأصرار على ابقاء تلك الشتيمة النابية .
من جهة اخرى لاشك ان ثمة اعتبارات مهمة تحسب لهذا الشاب الواعد
ومنها بساطة طرح الموضوع وعدم تكرار كليشيها ت الصور والمقابلات الشخصية
وترك
الشخصيات على عفويتها من جهة ومن جهة اخرى استخدام الحركة
المهتزة وعدم ثبات آلة
التصور في القسم الأعظم من المشاهد وقد بدا هذا الأستخدام مقنعا تماما بسبب
دخول
الشخصية ذلك العالم القلق الذي التبست مسبقا معالمه في ذهن ذلك الشاب وهو
يزور
العراق للمرة الأولى بعد سنوات من الأغترب وحيث لم يبق من
العراق في ذهنه الا صور
متداخلة شاحبة تعود الى سنوات الطفولة البعيدة
.
ويحسب للفيلم المونتاج المتقن واستخدام الموسيقى التصويرية التي
جاءت بالتوازي مع السرد المباشر للشخصية وهي تروي يومياتها
.
واذا توقفنا عند المونتاج ووجود
المشاهد الزائدة ،
يمكننا تشخيص بعضها ومنها ثرثرة العجوز اي الجدة ومنها ايضا المشاهد
المكررة التي
تؤكد عدم وجود الكهرباء وهو ماتشكو منه اغلب الشخصيات بطريقة متكررة
.
ربما كان الفيلم في بعض مشاهده اكثر تلبية لدافع الفضول لدى
المشاهد الغربي لكنه في الوقت نفسه يكون قد تخطى الى حد ما (الجرعة)
المطلوبة
والمعقولة
من المادة التراجيدية والمحزنة التي طبعت وتطبع الواقع
العراقي منذ الأحتلال وحتى اليوم .
وعودا الى تكرار المعالجات في عدد من الأفلام الوثائقية مابين
قاسم عبد وهادي ماهود وطارق هاشم وهذا المخرج الشاب والواعد فمن المؤكد ان
لكل منهم
معالجته الفيلمية المختلفة عن الآخر لكنهم جميعا يلتقون في نقطة مشتركة
واحدة ومهمة
الا وهي فكرة عودة المغترب الى العراق وكيف آلت اليه احوال الناس والمجتمع
وكلهم
ايضا وكتحصيل حاصل يكون اقاربهم بانتظارهم لكي يطلعونهم على متغيرات حياتهم
وكلهم
ايضا يتم الأحتفاء بعودتهم من قبل الأهل والأقارب وكلهم يبدأون
في تفحص الوضع
السائد بمساعدة اقاربهم واهلهم اللذين يصحبونهم الى اماكن عدة من بغداد
وخارج بغداد
في بعض الأحيان .
لست اختلف كثيرا مع هذا النوع من المعالجة الفيلمية الوثائقية بل
انني ارى ان هنالك مشاريع افلام اخرى ستأتي ربما لن تخرج عن هذا الأطار
ولكن بشرط
ان تحاول التخلص من الكليشيه في المعالجة وان لاتكرر بعضها البعض ولا تردد
الأفكار
نفسها .
ولعلها مسألة معتادة من وجهة نظر المغتربين انهم يريدون
اعادة
اكتشاف بلدهم الذي فارقوه لسنوات وماذا جرى من احداث ومتغيرات منذ مغادرتهم
له وحتى
عودتهم اليه ولكن النقطة المهمة سترتبط بمقتربات المعالجة الدرامية للموضوع
والتي
تعبر عن وجهة نظر كل شخص على حدة
.
من هنا صرنا امام شكل واقعي يحاكي التحولات الدراماتيكية التي
طرأت على الواقع العراقي بعد العام 2003 وتلك مسألة ستحيلنا مباشرة الى
فكرة العنف
المصاحب للحياة العراقية بعد العودة الى الوطن والعنف يتكرر في
ثلاثة افلام عراقية
على الأقل ففي فيلم قاسم عبد يتم اختطاف شقيقه في اثناء توثيقه للأحداث وفي
فيلم
هادي ماهود يتجلى العنف في نزعات الحركات والأحزاب السياسية التي تحمل
السلاح وفي
هذا الفيلم يتجلى العنف في اختطاف خال المخرج نفسه والتي تنتهي
بتصفيته .
من المؤكد ان ثيمة العنف في الأفلام الوثائقية العراقية تحولت الى
لازمة تتكرر لاسبيل لمخرجي هذه الأفلام للتخلص منها او بمعنى آخر تجاوزها ،
لكن
الفارق في المعالجات الفيلمية يكمن في كيفية تقديم صورة العنف
وتأثيره والأبتعاد عن
البكائيات والرتابة والتكرار التي تقع فيها كثير من الأفلام الوثائقية في
كونها
تنقل ماتراه وماتعيشه الشخصيات بلا تحريف ولا تعديل لكن المسألة المهمة هنا
هي
الأجابة عن سؤال : اي واقع نريد ان نقدمه الى المشاهد ؟ هل هو
الواقع المختزن في
الأذهان الذي طالما قدمته الفضائيات ؟ ام هو واقع مواز يتم فيه تلمس تلك
الحياة
التي تدب بصبر واناة ومن دون توقف ؟ ام هي تلك التفاصيل غير المرئية التي
عجزت
الفضائيات ووسائل الأعلام التقليدية من الأقتراب منها او
الوصول اليها
؟.
مما لاشك فيه ان جدلا كهذا ينبع من طبيعة الفيلم الوثائقي نفسه
لحساسيته ولوجود اعتقاد لدى كثير من الذين يخوضون في هذا الحقل ان هذا
الفيلم يتطلب
نقل الحقيقة كما هي من دون تعديل ولا تغيير والمحافظة على
الوقائع الحقيقية ...مما
لاشك فيه ان تخريجا كهذا لايخلوم من الصحة ولكن الأغراق في تكرار ماهو
معروف ومعلوم
سيوقع الفيلم وصانعه او صانعيه في مآزق لأنه في هذه الحالة سيفقد قسما
لايستهان به
من المشاهدين الذي يضعف لديهم دافع المتابعة والأهتمام
بمايشاهدونه .
ورشة سينما في
24/04/2011
ضمن فعاليات مهرجان الخليج السينمائي
الرابع
طفل العراق في الافتتاح وأفلام الطلبة
الإماراتيين تشي بمستقبل
واعد
احمد ثامر جهاد /
دبي
كعادته
حاول مهرجان الخليج السينمائي في دورته الرابعة ان يختار احد الأفلام التي
يُراهن
على إثارتها للجدل ليكون فاتحة عروض المهرجان.ويحق لأي مهرجان ان يكون
حريصا على
طقسه الافتتاحي،يختار مفرداته بعناية ويجترح ما أمكنه ذلك
مسوغات اختياره عرضا ما
يمثل فيلم الافتتاح.ربما يكون الاختلاف المعطى هاهنا إشارة دالة إلى ما
يصبغ راهننا
العربي من تباينات واختلافات في قراءة مسارات الواقع وتاليا الصورة التي
تعبر عن
هذا الواقع بصدق وبلاغة.
بصرف
النظر عن مستواه الفني كانت فضيلة فيلم (طفل العراق) انه قدم حفزا أوليا
لجمهور
المهرجان دفعه للخروج من حالة الاسترخاء نحو مساحة ضرورية من الحوار لتأمل
ما حدث
ويحدث عراقيا. كما اعتبر هذا الاختيار براي ادارة المهرجان
نوعا من التشجيع للشباب
لصناعة افلام وثائقية باقل كلفة ممكنة وبوسائل بسيطة(كاميرا شخصية). فكان
بهذا
الوصف فاتح شهية للمتلقين كي يواصلوا مشاهدة عروض الأفلام،عسى ان يجدوا
فيها ما
يلبي طموحاتهم في رؤية همومهم الحقة تتكلم على الشاشة وتعبر عما يتطلعون
إليه في
حياتهم.
طفل
العراق يعود
ربما ليس
غريبا ان يثير فيلم (طفل العراق) للمخرج العراقي الشاب علاء محسن(21 سنة)
جدلا بين
أوساط مشاهديه،سيما العراقيين منهم،الذين امتعض عدد غير قليل منهم من هذا
الاعتراف
الطويل والمباشر الذي قدمه الفيلم عن عودة شاب إلى وطنه بعد سنوات من
الاغتراب في
الدنمارك.
طفل
العراق اقرب من الناحية الفنية إلى وثائقية الفيديو المنزلي العفوي وهو
يعمد إلى
تسجيل اللحظات الحياتية في البيت والشارع وعلى الطرقات من دون إخضاعها إلى
عملية
تنقية مونتاجية تبعد عنها ما هو غير ملائم أو زائد.فجاء والحال
كذلك على صورة
سجالية اعتبرها البعض وثيقة عن معاناة شاب عراقي يعود مع عائلته إلى مدينة
الديوانية جنوبي العراق بعد ان كان غادر البلاد عشية سنوات الحرب الأخيرة
وما
أعقبها من أحداث معروفة.
مع هذا
الفيلم سنكون إزاء أزمة هوية تطرح نفسها بشكل مباشر ضمن دائرة أسئلة تبدو
بسيطة
وسطحية أحيانا،لكنها في المقابل معبرة عن وعي صانع الفيلم.فلا يمكن اختزال
الموضوعة
العراقية بما لها من تعقيد ملموس بسؤال عائم يطرحه المخرج على
إحدى شخصياته:هل
العراق أفضل من الدنمارك أم العكس؟ ما معنى ان تكون عراقيا في بلد مخرب لم
يترك
لمواطنيه مبررات كافية للانتماء؟
مشكلة هذا
الفيلم هي مشكلة مخرجه علاء محسن الذي كان موزعا بين انتمائه وهواه
الدنماركي في
مقابل حقيقة جذره العراقي.لكنه يحسم الأمر في نهاية الفيلم وعقب تلقيه
خسارة أخرى
بوفاة والدته في العراق ليقرر العودة إلى منفاه بإصرار اكبر على شتم العراق
الذي
مثل له الخسارات كلها،غير آسف على ما تركه وراءه.
ربما يحق
لنا ان تساءل هنا عن قدرة علاء على تقديم شئ آخر لبلده أكثر من شتمه
علانية؟
يصر علاء
على التكلم باللغة الدنماركية حتى خلال وجوده في العراق ويبدو حبيس تجربته
الحياتية
المحدودة المشفوعة بصغر عمره، تجربة ذاتية مشتتة أنتجت مشاعر مضطربة ونافرة
من كل
يرى ويسمع في العراق.الا ان السبب الأكثر حتمية في أزمة علاء
مغادرته البلد وهو طفل
صغير لا يمتلك اي ذاكرة خاصة مع المكان أو الناس من حوله،وعليه ما قيمة
المكان-الوطن من دون ذكريات خاصة تربطنا به،من دون مشاعر حميمة تصلنا بكل
من
اشتركنا وإياهم بتجارب مشتركة؟
ماذا لو
استبدلنا مكان الأحداث (العراق)بأي مكان آخر في العالم واحتفظنا بتجربة
علاء ذاتها:
طفل يغادر بلده في سنواته عمره الأولى
ويعود ليرى مدينة مخربة وأناس مكدودين
يجتهدون للخروج من تبعات الحرب،هل سنصل لذات النتائج؟
ثمة تشويش
حقيقي يعيشه الجيل الذي ولد في العشرين سنة الأخيرة إزاء قضايا جوهرية
تستحق تأملا
أوسع ومكاشفة صريحة،مثلما يحتاج الوضع العراق برمته إلى تسامح اكبر وتصالح
اصدق مع
الذات.
حينها
ربما من الممكن استرداد علاء والتخفيف من حزنه.
أفلام
الشباب تجرب الخروج عن المألوف
لا يمكن
للعين ان تغفل الحراك السينمائي الملحوظ في مجال الأفلام القصيرة
(الوثائقية أو
الروائية)التي يصنعها نخبة من الشباب من بلدان عربية مختلفة للتعبير عن
همومهم
ومعالجة قضايا تخص مجتمعاتهم. أفلام الشباب كغيرها من الأفلام
السينمائية ليست
بمستوى واحد.قد تتباين التجارب وتختلف الرؤى وفقا لقدرات المخرجين ومدى
استيعابهم
للمشكلات التي يعالجونها في أفلامهم.
إلى ذلك
كان للأفلام القصيرة الإماراتية نصيب وافر في هذا المهرجان،واستطاع بعضها
ان يقدم
حضورا متميز،لاسيما في رغبة المخرجين بالخروج عن
البناء النمطي
للوثائقي وإدخال نوع من التحديث على أسلوب الفيلم ولغته،رغم ان أفلاما أخرى
لم
تتجاوز طرح هموم صغيرة تخص المجتمع الإماراتي وحده.
من
الأفلام الملفتة التي قدمت ضمن مسابقة الطلبة للأفلام الوثائقية فيلم
المخرجة
الإماراتية فاطمة إبراهيم (جحر الأرنب) الذي حاول التصدي لموضوع حساس يطرح
بقوة
اليوم في عالمنا العربي إلا وهو انقياد الشباب إلى التقليد الأعمى للموضات
الغربية
أيا كانت وتاليا اغترابهم عن ثقافتهم وهويتهم.
جحر
الأرنب الذي كتبته وأخرجته فاطمة إبراهيم (وهو فيلمها الأول) تميز بأسلوب
رشيق
مغاير للبناء النمطي الذي تعتمده معظم الأفلام الوثائقية حينما توضع
الكاميرا أمام
المتحدثين كما في التقارير الإخبارية متغافلة عن الشرط الفني في صناعة
الفيلم. في
فيلم جحر الأرنب تم توظيف الصور ومقاطع الفيديو وأغاني أشهر النجوم
الغربيين بشكل
ذكي عمد إلى استخدام القطع واللصق في كولاجات سريعة تتناوب بين متحدث
وآخر،صورة
ونقيضها ضمن وحدة بصرية جميلة.
ربما
الطريف في الفيلم انه انطلق من مشهد سقوط أليس(بطلة حكاية أليس في بلاد
العجائب) في
جحر الأرنب،الطويل والمخيف والغامض،وكأننا إزاء رحلة في لاوعي الإنسان
الحديث الذي
تزدحم مخيلته بإشارات مختلفة تنتمي إجمالا إلى مهيمنات لغة الصورة وهي تبرز
في
الغضون أشهر اللوحات الإعلانية والماركات وعلامات القنوات
التلفزيونية وما إلى ذلك
دوال عصرية.
ضرورة هذه
السقطة (الواقعية والمتخيلة في آن ) هي المحور الذي سيختلف حوله المتحدثون
في
الفيلم والذين يمثلون طيفا من الأساتذة والطلبة وعوام الناس من كلا
الجنسين. وعليه
يعيد الفيلم الذي تحدث بلغة الموضوع ذاتها دون ادعاء،التأكيد
على حقيقة اننا نحتاج
أكثر من أي وقت آخر إلى إعادة نظر جدية في مكونات الثقافة التي يحملها
شبابنا
العربي لتأمل طبيعة أذواقهم وميولهم ومدى قدرة مجتمعاتنا على صناعة جيل يعي
وجوده
ويتطلع بثقة إلى بناء مستقبله
ورشة سينما في
24/04/2011
اشادة بتجربة المخرج العراقي الشاب علاء محسن
الثورات
تغيب عن مهرجان الخليج السينمائي
ايلاف
أكد مدير مهرجان الخليج السينمائي المخرج مسعود أمر الله آل علي أن
السينما ليست مكانًا للسياسية وان كانت تحمل في بعدها مغزى سياسيًّا؛ لأن
الفنّ إبداع جماليّ خالص يكتنز ابعادا متنوعة، مشيرا من جهة أخرى الى انّ
كثرة المهرجانات السينمائية في الامارات لا تنقص من أهميتها بل تضفي تنوعَا
وثراء للمشهد الثقافي في الدولة.
غابت الأحداث السياسية الاقليمية والدولية عن اعمال الدورة الرابعة
لمهرجان الخليج السينمائي الذي اختتم بدبي الاربعاء الماضي حيث لم ترد اية
دلالة الى أحداث الثورات المتتالية في الدول العربية فيما حضر فيلم
الافتتاح “طفل العراق” للمخرج الشاب علاء محسن العراقي الدنماركي كشهادة
شخصية سردية لسيرة حياة الناس في عراق اليوم حيث انعدام الامن والتناحر
الذي يدفع بالشباب نحو الهجرة، فهو حكاية طفل هاجر مع ذويه الى الدنمارك
التي احتضنت العائلة وساعدتها على الاستقرار.
والتقت ايلاف مدير المهرجان مسعود أمر الله آل علي الذي اكد: ان
المهرجان ليس ميدانا لعرض الثورات. وان صناعة السينما ليست مكانا
للسياسية.نافيًا ان تكون منتجا ثقافيا مشيرا الى ان:” الفن سواء كان أدبًا
أم موسيقى ليس ميدانا لها. فالسينما تحمل في بعدها مغزى سياسيًّا ولا تدخل
في لعبة السياسي “ مضيفًا:” ما يعني الفن بالنسبة لي هو الحالة الانسانية
وكفانا سياسية والمطلوب ان تحفزنا الحالة الانسانية فقط” لافتا الى ضرورة
الا تكون السينما أداة لاستخدام السياسية واغراضها، بل هدفها يتجلى بأن
تحكي بكل أناقة حالة هذا الانسان لأن الفن يحمل في طياته أبعادًا وليس
أدوارًا كونه يطرح نفسه ويترك للآخرين حرية الفهم.
وردًّا على سؤال حول انتقادات البعض كثرة المهرجانات السينمائية حيث
تستضيف الامارات وحدها اربعة مهرجانات سنويا علاوة على المهرجانات العربية
الاخرى مما يوحي بالتكرار والمشابهة قال :” أن من يقول هذا الكلام يحجر على
العقل لان المهرجانات هي بلورة لجهد ثقافي وغير مرتبطة بالجغرافية “ مشيرا
الى انها مسألة ثقافية بحتة وان كون الامارات ليس لها تاريخا سينمائيا ليس
عيبًا ولكن الوقوف هو العيب والخلل. مؤكدا ان “كثرة المهرجات تضفي ثراءً
كبيرا وتمنح الفرص للشباب للاطلاع على الكثير من الاعمال لا سيما وان
المؤشرات تؤكد ان التذاكر كلها بيعت.ووصف المسعود المهرجان بالمكتبة التي
تمتع الناس بكثرة تنوعها وهو يمنح الجمهور فرصة الاختيار.
وحول اختيار ادارة المهرجان لفيلم الافتتاح لمخرج شاب لم يتجاوز 21
عاما وهو علاء محسن قال:” انه مخرج شاب طموح وغير مؤدلج وليس من الضروري ان
يكون فيلم الافتتاح روائيا “ مشيرا الى انه بغض النظر عن المحتوى إن كان
قصيرا أو وثائقيا أو طويلا المهم ان يشد الانتباه ويسحر وهو يستحق
الاختيار. والتجربة الوثائقية يجب أن تشاهد بعين آخر لأن الأغلب يهتم
بالسينما الروائية.
وكان المهرجان قد انطلق بمشاركة 153 فيلما بينما غابت عن سجادته
خطوات نجوم السينما العالمية في ظل حضور عربي وخليجي لمخرجين وسينمائيين
وكتاب مخضرمين وشباب وهو ما اكده رئيس المهرجان عبد الحميد جمعة الذي
اشارالى ان الهدف دعم المواهب الصغيرة الشابة الخليجية التي تريد أن تُسمع
وتُحَاور.
يُذكر أن المهرجان اشتمل على ثلاث مسابقات رئيسية؛ شارك في المسابقة
الخليجية 64 فيلماً لمخرجين من الخليج أو أعمال تدور عن واقع الحياة في
المنطقة، منها 38 فيلماً قصيراً و20 وثائقياً و 6 أفلام روائية، إضافة إلى
30 فيلماً شاركت في المسابقة الخليجية لأفلام الطلبة. أما مسابقة الأفلام
القصيرة الدولية فاشتملت على 14 فيلماً من 8 دول. وستتنافس هذه الأعمال على
جوائز تبلغ قيمتها الإجمالية أكثر من نصف مليون درهم إماراتي.
وعن أعضاء لجنة التحكيم ترأس المخرج المصري مجدي علي لجنة تحكيم
“المسابقة الخليجية”، التي تضم في عضويتها كلاً من الشاعر والكاتب
الإماراتي أحمد راشد ثاني، والمخرج العراقي قيس الزبيدي. بينما تتشكل لجنة
تحكيم المسابقة الدولية للأفلام القصيرة من مونتسيرات كويو فالس، رئيس
اللجنة والمدير التنفيذي لمهرجان هويسكا السينمائي الإسباني، مع كل من
المخرج البحريني بسام الذوادي، والناقد السينمائي اللبناني هوفيك حبشيان.
الإتحاد العراقية في
24/04/2011 |