حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم (أوسكار) ـ 2010

لماذا فوّزوا (خزانة الألم)؟!

رمزي الغزوي

قبل ست سنوات اقترحت في زاويتي اليومية ، أن تمنح جائزة الأوسكار السينمائية الشهيرة بشحمها ولحمها ، لفلم احتلال العراق واجتياحه ، على أن ينال (بوش) جائزة أفضل إخراج وأفضل تمثيل ، فيما ينال توني بلير جائزة أفضل ممثل مساعد ، في حين تتوزع جوائز الإضاءة والمؤثرات الصوتية والخدع السينمائية على الكثير من (الكومبارس) الذين انطلت عليه أكاذيب بوش وساعدوا في جلب الويلات لهذا البلد الذي ما زال متشردقاً في دمائه.

أعتقد جازماً أن السياسة بكل شحمها ولحمها تدخلت لتفويز فيلم (خزانة الألم) للمخرجة الأمريكية (كاثرين بيجلو) ، فحصد ست جوائز أوسكار ، وهو فيلم يلفق الحقائق ، ويحل الجزار محل الضحية ، ويريد أن يرينا معاناة وآلام الأمريكان في حربهم غير العادلة والظالمة على العراق ، ولهذا فأول كلمة تفوهت بها المخرجة على منصة التتويج ، أنها أهدت الجائزة للجنود الأمريكان في العراق: فماذا عن ألم العراق والعراقيين؟،. وهل يستطيع فيلم هوليودي مهما بلغت فنيته أن يحاكي ويضارع الأوجاع والآلام التي خاضوا عبابها عبر تلك السنوات ؟؟؟

حينما سمعت بهذا الفيلم قبل ما يقرب الشهرين ، اعتقدت أنه يصور معاناة العراقيين وينبش ألمهم ، وتحمست لمشاهدته لأنهم بدأوا (يطنطنوا ويدندنوا) لترشيحه للفوز بالأوسكار ، ليكون منافسا لفيلم (أفاتار) ، الذي أعجبني ، وكتبت عنه في هذا الزاوية حينها.

وتوقعت أن يتناول هذا الفيلم جزءاً حياً من معاناة العراق وشعبه ، كما توقعت أن ينحاز قليلاً إلى الجنود الأمريكيين الذين يرى البعض منهم أنهم مجبرون على خوض حرب ليست على أرضهم ولا تعنيهم ، لكننا لم نتوقع أن يصدمنا بهذه الرؤية المحدودة للأحداث ، والتي حصرت كلمة الألم في الجانب الأمريكي فقط ، وحجبتها كلياً عن الشعب العراقي المغموس في ألمه من أم قصر في الجنوب ، وحتى زاخو في أقصى شماله.

يحكي هذا الفيلم يوميات فرقة مكونة من ثلاثة جنود أمريكيين متخصصة بفك الألغام والمتفجرات تعمل في العراق. يتوفى قائدها بعملية تفجير يتحكم بها عراقي عن بعد ، ويحل مكانه قائد آخر أكثر تهوراً، يميل إلى المجازفة بحياته وحياة الجنديين اللذين يعملان تحت أمرته. ولهذا يضع الجنود حياتهم على أكفهم ويسيرون في شوارع بغداد وأحيائها الشعبية بحثاً عن المتفجرات: لنزع فتيلها وإنقاذ المدنيين.

ويرينا الفيلم أن كل العراقيين من أطفال ونساء ورجال وشيوخ ، يعادون الأمريكيين ويضربونهم بالحجارة ويزرعون المتفجرات في كل مكان ، أمام مبنى الأمم المتحدة ، ووسط السوق وفي جسد طفل ميت وفي ملابس رب أسرة وفي شاحنة نفط. والأدهى أنهم يجلسون خلف شرفات منازلهم وفوق المئذنة والسطوح يتفرجون بقلوب باردة وبلا شفقة أو رحمة أو حتى خوف ، بينما الجنود يضحون بحياتهم من أجل تفكيك العبوات.

في خزانة الألم كل العراقيين تحولوا إلى إرهابيين في نظر المخرجة العظيمة ، من دون أن تنتبه إلى أن هناك من يراهم أصحاب حق مقاومين للاحتلال ويدافعون عن أرضهم ، وقد تعمدت عدم إظهارهم كضحايا: خوفاً من أن نتعاطف معهم ، أو أن نحس بمأساتهم. بل إن كاثرين تقنعنا بكل ما تمتلك من قوة إخراجية ، أن الضحايا هم الجنود الأمريكيون ، وهم البواسل والنبلاء بإنسانيتهم.

تنقطع الأنفاس ونحن نتابع بكل دقة مشاهد تفكيك المتفجرات ، والعرق يتصبب من جبين الجندي الباسل ، ويسمعون لهاث أنفاسه وتسارع نبضات قلبه ، وتدهشهم طيبة قلبه وصبره ولطفه في التعامل مع العراقيين الذين يبادلونه بالشر ويتربصون له دائماً. لكن ما فات المخرجة الذكية في مشهد بحث البطل عمن استخدم أحد الأطفال العراقيين لزرع المتفجرات في جسده بهدف الإيقاع به وبفرقته ، وأثناء دخوله عمق الأحياء الشعبية الضيقة وهو يركض وحيداً بين العراقيين ، أن أحداً لم يستوقفه أو يقتله بأبسط الطرق دون الحاجة إلى متفجرات. إذاً كيف يكونون بكل هذا العنف والشر يتطاير من وجوههم ولا يقبضون على الجاني بعد أن أصبح فريسة سهلة المنال؟،

خزانة الألم لا مكان فيها إلا للصوت الواحد ، واللون الواحد ، والكاميرا الواحدة ، فالمخرجة استخدمت في عملها أبسط التقنيات السينمائية ، وهو ما يبدو واضحا في طريقة التصوير التي تشعرنا أحياناً أننا أمام فيلم وثائقي مصور بكاميرا واحدة ، ويقوم ببطولته (رالف فاينس) و(جاي بيرس) ، و(جيريمي رينر)، ويدعي صناعه أنه مقتبس عن أحداث حقيقية مأخوذة من وثائق لوزارة الدفاع الأمريكية ، ليثبتوا للعالم بأن الأحداث حقيقية ، وليست من صنع مخيلة كاتب السيناريو (مارك بول) الصحافي الذي كان يرافق الجنود الأمريكيين في العراق.

من وجهة النظر الأمريكية تستحق المخرجة هذه الجائزة: لأنها أفضل من جمّل حقيقة الوجود الأمريكي في العراق ، وأفضل من يسعى للتأكيد بأن الإرهاب عراقي بامتياز ، بل وسعت إلى تجميل صورة ساسة بلدها وجيشها الذي حولته من مغتصب ومعتدْ ومتسلط وحاكم وعدواني ومضطهد للشعب العراقي، إلى معتدى عليه ، ومغلوب على أمره ، كل ما يحلم به السلام والعودة إلى بلده وأسرته بأمان.

وأرجو أن أشير إلى أن هذا الفيلم سيثير كثيرا من اللغط ، ليس لأن مخرجته أول امرأة تفوز بهذه الجائزة في تاريخ الأوسكار على مدار 82 عاماً. رغم أنه لم يحقق مبيعات في شباك التذاكر سوى 21 مليون دولار ، وبهذا يكون أقل فيلم تحقيقا للإيرادات يحصل على جائزة أفضل فيلم ، ولأنه وباختصار شديد مدعوم سياسياً.

ramzi279@hotmail.com

الدستور الأردنية في

12/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)