حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم (أوسكار) ـ 2010

"الوجيعة" فيلم عن غزو العراق مرشح للأوسكار

ماجدة موريس

مازال الغزو الأمريكي للعراق منذ 2003 يضغط علي مواضع الألم لدي الأمريكيين الشرفاء، سواء المواطنون المعارضون له أو الكتاب والفنانون الذين تتوالي أعمالهم حول هذا الحدث الأليم، منذ ثلاثة أعوام صنع المخرج الكبير (بريان دي بالما) فيلمه عن تأثير هذه الحرب علي أفراد كتيبة أمريكية في بغداد.

واليوم يأتي فيلم جديد، مرشح لأكبر عدد من جوائز الأوسكار التي سوف تعلن يوم 7 مارس القادم عن نفس الموضوع واسمه The Hurt Loker وترجمته تعني الأذي المفرط أو الوجيعة، كتبته مخرجته كاترين بيجلو مع مارك بويل، وانتجه الاثنان معا بدعم من عدد كبير من شركات الانتاج التي رحبت بالمشاركة فيه ومن خلال هذا الترحيب يمكن ادراك كيف أصبحت هذه الحرب ضاغطة علي «الاعصاب الأمريكية»، خاصة بعد توالي الكشف عن أسرار وفضائح كانت خافية0 تبدأ أحداث الفيلم بأفراد فرقة أمريكية في أحد شوارع بغداد الخربة، أو التي خربت بفعل الحرب، وأكوام من المخلفات ملقاة بينها لفافات بيضاء كبيرة يقف امامها الجنود الامريكيون عن بعد ثم يأمر قائدهم بإرسال «الروبوت الصغير» للكشف عن حقيقتها، يفشل الروبوت (وهو جهاز صغير أشبه بالديناصور الحديدي يوجه للكشف عن المتفجرات المخفاة في شراك خداعية ) ولا يحدث الانفجار المتوقع، بالتالي تصبح الخطوة التالية هي إرسال خبير المفرقعات من الفرقة، الرقيب (تومسون)، لفحصها، يرتدي تومسون زي العمل وهو رداء أشبه بأردية رواد الفضاء، ويتقدم بنفسه ليتفحص المخلفات ، وبين لحظة وأخري تظهر وجوه اطفال ورجال من نوافذ علي البيوت والاسطح قبل أن تختفي سريعا، المخلفات كبيرة هذه المرة، ولا توجد سلوك ظاهرة، من جديد يأتي الخبير بعد ارتداء بذلة الفضاء الحصينة، وفي لحظة يظهر تاكسي يرفض سائقه العودة ويود المرور، يوقوفونه بالسلاح، يطلبون منه الخروج فلا يرد، يرتفع صوت عربي «يا خوي اطلع من السيارة» يتضح أنه المترجم المرافق للفرقة، لكن السائق يصمت ، يقتربون منه فينظر إليهم بتحد، لا يكملون الاقتراب فالخوف يسيطر علي الجميع، الخوف من الصمت، ومن السائق، ومن سيارته ومن عدم اكتشاف جيمس لموقع بدايات السلوك، وبالتالي احتمال الانفجار، لكنه يجد أنبوبة تمثل عبوة جاهزة مليئة بالأسلاك التي تمتد طولا وعرضا، والتي تحيط بالشارع والمنطقة، يرتعب «الخبير» بينما يهبط رجل عراقي يراقب الموقف من شرفته جريا ويخترق خلفيات البيوت إلي بيت جانبي وبعد فترة من الرعب للجميع يفلح الخبير في إبطال جهاز تشغيل الانفجار، يخلع قناع الحماية، والبذلة وعلي وجهه علامة الانتصار والسيجارة تمتص التوتر وهو يحسب الزمن الباقي له في هذه المهمة، 39 يوما أصبحت الآن 38 يقترب منه زميله- القائد- برسالة أخري في شكل نصيحة «كن الكل.. تستطيع أن تكون» لكن جيمس يسأله بألم بالغ كيف أفكر في هذا.. والناس كل يوم تموت في الأرض العراقية؟ فتكون اجابة القائد: فكر في أشياء أخري، لكن جيمس لا يقتنع، أنه يواجهه بأنه هنا كان يوجد زميل وإنسان آخر هو تومسون.. فيجيبه أنه ميت، لكن جيمس يعقب.. أنه حي!

«علي» وحلم مشروع

لعل أهم ما يطرحه هذا الفيلم هو هذا التعبير الدقيق عن انتقال الأزمة العراقية من العسكريين صناع قرار الحرب في أمريكا إلي الأمريكيين الذين ذهبوا إليها بلا اقتناع بجداوها، بل علي العكس كانوا مقتنعين بخطاياها وكوارثها، خاصة في ظل حالة من الرعب ظلت، ولاتزال ، وجودهم بالعراق وتبدو هنا في جميع تفاصيل الفيلم الصغيرة من اللحظات الأولي معبرة عن رحلة موت لجنود ذهبوا إلي بلاد لا يعرفونها، ولا يدركون قيمتها فبادلتهم نفس المشاعر.. غير أن الفيلم بعد هذه المرحلة يتوقف أمام «جيمس» أكثر الجنود قدرة علي الاختلاف، ليضعنا في قلب الصراع الأمريكي الداخلي تجاه الحرب علي العراق، وفي الحوار الكثير من الجمل والعبارات البليغة حول هذه القضية، فأموات الأمريكيين ليسوا عددا كما يظن رؤساؤهم ولكنهم وجيعة دائمة لدي عائلاتهم كما يري هذا الخبير الشاب الذي ترك ابنه وزوجته علي خلاف معها مضطرا، وفي لحظة اثناء مهمته يأخذه الحنين إليه فيخرج هاتفه ليسمع صوته فقط، ومن هنا تبدو علاقته مبررة بذلك الطفل العراقي الوسيم الذي تقدم إليه يعرض بيع «سيديهات» لكل شيء، جنس، شذوذ، تمثيل، الولد (واسمه علي) يروج لبضاعة تاجر أقام مثل غيره «خص» علي شاطئ نهر يبيع كل شيء وأي شيء، وقد أفلح في بيع بعض السيديهات للخبير، الذي تبادل معه حوارا اكتشف فيه أن «علي»، مثل كل الاطفال الذين يعرفهم، محب للحياة ويريد أن يصبح لاعب كرة مثل «بيكهام» الانجليزي ، نشأت مودة بينهما اضافت إلي هموم جيمس الكثير ، خاصة وهو يكتشف أن عليا ليس وحده الذي يحلم أحلاما بسيطة ومشروعة وأنما بقية الاطفال الذين معه.

رعب وشقاء

في الجزء الثاني من الفيلم ، يكتشف جيمس موت علي واستخدامه كجهاز تفجير بشري يصاب باحباط هائل يجعله يدرك أي مستنقع جاء إليه مع زملائه، وفي مهمة من أكثر المهام براعة بالنسبة لصناع الكمائن (الذين لا يقدم الفيلم أي كلمة عنهم وإنما يترك للمشاهد حرية التعامل مع الفكرة وحيث ندرك أن كل هذا الشعب يواجه هؤلاء الأمريكيين بما يقدر عليه من أسلحة، يبذل الخبير جهدا هائلا لفك طلاسم تفجير منطقة من خلال سيارة ملغمة بأسلوب لا يصدق ، كان قد خلع قناعه في لحظة تغيير داخلي، وقال لبقية الفرقة : «إذا كنت سأموت هنا.. أريد أن أموت مرتاحا» ليمضي في مهمته بكثير من الجدية والتفاعل، غير عابئ بتحذيرات زملائه الذين وقفوا يصرخون لأنه خلع سماعات الأذن التي يتخاطبون من خلالها، ولم ينتبه إلي رغبتهم في الانسحاب بعد رؤيتهم «عيونا عراقية» تتحرك بشكل مخيف، وشابا يصورهم بكاميرا صغيرة، ورجلا ظهر فجأة يرتعد واتضح أنه شخص مفخخ حول كامل جسده، وفي لحظات ترتعب القلوب المطمئنة بكل إجراءات الحماية الممكنة، ويرتفع صوت القائد بأوامره للمترجم لكي ينفذ العراقيون التعليمات، وتتردد أصداء صوت المترجم في الفضاءات. قد تصل للبشر في البيوت أو علي حافة الشرفات، وعلي أعلي المآذن، ولكن هذه الهوة واسعة، والموقف بكامله هو نوع من حوار الطرشان، ذهب من يملك العتاد والنفوذ إلي بلد لا يعرفه مستهينا به فوجد كل هذا الرعب والشقاء، هكذا يقول لنا الفيلم في نهايته، حين يقع «جيمس» أخيرا بعد انفجار هائل ويردد لزملائه: أنا لست جاهزا لأموت الآن.. وهو في المستشفي متذكرا طفله الصغير .. لا يقول الفيلم أي عبارة سياسية ولا يتعرض لأصحاب قرار الحرب، ولكنه يطرح ما هو أهم وهو شرعية هذه الحرب ولاجدواها من خلال فريق عمل مبهر، بداية من المخرجة المنتجة المؤلفة وشريكها في التأليف والإنتاج إلي مدير التصوير باري اكرديد والمونتيرين بوب مورا ويسكر وكريس رالف ساندرز، إلي أبطال الفيلم جيرمي رينر (ويليام جيمس) وانتوني ماكاي في دور (سانبورن) قائد الفرقة ودوريان جريتي (الدريدج) وجاي بيرت (تومسون) وكريستيان كامارجو (كامبردج).. أن ما تقدمه كاترين بيجلو هنا ليس فقط هذا العرض الرائع لجزء من مهمة الجنود الأمريكيين في الأرض العراقية، وأنما هو وجهة نظر شديدة الوضوح في حصاد هذه الحرب علي المستوي الانساني، حيث يموت الامريكيون كل يوم ويشعل موتهم غضب أسرهم ومجتمعهم، وحيث اصبح هدف قواتهم - علي المستوي العسكري- هو الدفاع عن نفسها داخل العراق.. ويا لها من مفارقة كبري.

الأهلي المصرية في

24/02/2010

 

على الوتر

عنصرية "خزانة الألم"

محمود حسونة 

عندما تهون أمة على نفسها، فمن الطبيعي أن يعتبرها الآخرون “ملطشة”، وعندما تستهين بإمكاناتها وقدراتها، فمن حقهم أن ينتزعوا كل خيراتها ويدمروا عقولها، ويشوهوا ملامحها وتاريخها . وعندما تصبح عاجزة عن مجرد رد الفعل، فهو الدافع لأن يتقولوا عليها ما يشاؤون، ويفعلوا بها ما يريدون، وهم واثقون أن لا صوت سيعلو على صوتهم، ولا حجة ستقارع حجتهم، بعد أن خرست الألسنة وعميت العيون وصمت الآذان وتحول الإنسان فيها إلى كائن خانع خاضع مستسلم تنازل طواعية عن حق التفكير في ما يحدث له وما يحدث حوله .

هذا هو الإحساس الذي يمكن أن يسيطر على أي شخص عربي يشاهد الفيلم الأمريكي “خزانة الألم”، المعروض حالياً في دور السينما الإماراتية، والذي يصور أفراد الجيش الأمريكي الذين قدموا إلى العراق كملائكة جاؤوا لنشر الخير والحب والسلام بين “شياطين” لا يعرفون سوى الشر والحقد والعنف والدمار، من خلال فريق مهمته الكشف عن العبوات الناسفة وإبطالها قبل التفجير، لحماية العراقيين من أنفسهم، ولتخليصهم من الفوضى التي يعيشون فيها، ولنشر ثقافة الحياة بينهم بعد أن تمكنت منهم ثقافة الموت .

وإذا كان المجال لا يتسع لتناول الفيلم وتحليل تفاصيله مشهدياً وحوارياً، إلا أن خلاصته أنه عمل شديد العنصرية ضد العرب والمسلمين، ولمصلحة الأمريكيين “المخلصين والمنقذين” لعناصر “التخلف” في العراق .

ورغم أن رائحة العنصرية تزكم أنوف مشاهديه في صالات السينما، وتلاحقهم إلى منازلهم، لتتحول إلى كوابيس في مناماتهم، إلا أن جيش النقاد والكتاب العرب الذين يهرولون للإشادة بالنماذج المحدودة والنادرة التي تفلت من تحت السيطرة اليهودية في هوليوود، منتصرة للإنسانية ومناهضة لقوى الغطرسة والسيطرة . التزموا الصمت تجاه هذا الفيلم وكأن أقلامهم قد جفت وعقولهم يبست .

وإذا كان فيلماً مثل “أفاتار” الذي ننتصر جميعاً ونبصم على تميزه شكلاً ومضموناً، قد تناول محاسنه نقاد السينما والمحللون السياسيون وكبار الكتاب العرب (وهو يستحق)، فقد كنا ننتظر من هؤلاء أن يقولوا كلمتهم حول عنصرية “خزانة الألم”، وأن يفضحوا مضمونه خصوصاً أن أخباره تتصدر صحفنا وتسود صفحاتنا بعد أن نال عدة جوائز أمريكية، وتم ترشيحه لاقتسام جوائز الأوسكار مع “أفاتار” (ولكل منهما) وهو في حد ذاته ما يدفعنا لمحاولة مشاهدة هذا العمل الذي تساوى في القيمة الفنية والإبداعية حسب المحكمين والمتحكمين في الأوسكار والجوائز الأمريكية الأخرى الذين منحوا أصواتهم لهذا الفيلم العنصري .

هذا الصمت لا يعني سوى القبول بمضمون ورسالة فيلم يشوهنا وينافي الحقيقة، ويؤكد أننا بالفعل أمة عجزت عن مجرد رد الفعل، ولا أمل في أن يكون لها حق الفعل لا في السينما ولا في السياسة ولا في أي مجال آخر .

ولعله ليس غريباً أن نتحول إلى “ملطشة” بعد أن أصابنا داء الصمت، واكتفينا بالتصفيق لمن ينالون منا، وتحولت علاقتنا بفن كالسينما إلى منظمين للمهرجانات ومكرمين للآخرين ومانحي الجوائز لمن يسيئون إلينا أحياناً، بدلاً من أن نستغل إمكاناتنا ونطرح قضايانا أمام العالم في أفلام ننتجها ونعبر بها عن وجهة نظرنا ونصحح صورة لنا شوهوها عن إصرار وترصد .

mhassoona15@yahoo.com

الخليج الإماراتية في

22/02/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)