هذه السنة ارتفع عدد الأفلام المتنافسة على أوسكار أفضل فيلم إلى عشرة
كما كان الحال في الأربعينات وحتى عام 1949. الفارق المتوخى من رفع نسبة
الأفلام الساعية للاستحواذ على الجائزة الأشهر هذا العام ليس إضافة خمسة
جديدة بحد ذاتها، بل خلق منافسة أوسع، وحماس أعلى، واستيعاب عدد أكبر من
الأفلام المنتجة والمعروضة خلال العام الفائت.
والمسألة لا تزال مجزية: من بين 250 فيلما أميركيا عرضت في سنة 2009
فإن اختيار عشرة تحتوي على أعمال ناجحة وأخرى مخفقة تجاريا، وعلى أفلام
كبيرة الإنتاج وأخرى صغيرة جدا، وإنتاجات تتفاوت في النوع من الخيال العلمي
إلى الدراما الاجتماعية ومن الرسوم المتحركة إلى الكوميديا السوداء، ليس في
الحقيقة أمرا صعبا - خصوصا في سنة شهدت كما كبيرا من الأفلام الجيدة.
الأفلام العشرة أنجزت مجتمعة أكثر من ثلاثة بلايين و500 مليون دولار،
598 مليون دولار منها تعود إلى فيلم واحد هو «أفاتار» الذي تجاوزت إيراداته
عالميا بليوني دولار، بزيادة 200 مليون دولار عما كان فيلم المخرج جيمس
كاميرون أنجزه قبل اثنتي عشرة سنة «تايتانك».
فيلمان آخران بين الأفلام العشرة المرشحة للأوسكار تجاوزت إيرادات كل
منهما سقف المائتي مليون دولار هما «فوق» وهو رسوم متحركة من إخراج بيت
دكتر (293 مليون دولار)، و«الجانب الأعمى» لجون لي هانكوك (238 مليونا).
وفي حين أن نجاح «أفاتار» و«فوق» كان متوقعا، فإن نجاح «الجانب الأعمى» لم
يكن. وهو الفيلم المعاكس لما يحمله كل من هذين الفيلمين من أبعاد جماهيرية،
فهو يدور حول شاب أميركي من أصول أفريقية لا مستقبل له، إلى أن يتم
«إنقاذه» وتوجيهه، فيقود حياة جديدة محققا نجاحا رياضيا كان يتراءى بعيدا
كحلم مستحيل، وهو من بطولة نجمة اسمها ساندرا بولوك في سنة شهدت خسوف
النجوم.
في الحقيقة، فإنه من بين كل الأفلام المرتسمة على صفحة هذه المسابقة
فإن «الجانب الأعمى» هو أحد فيلمين يقود بطولتهما نجم معروف، فساندرا بولوك
في «الجانب الأعمى» يواجهها جورج كلوني في «في الفضاء» لاعبا شخصية رجل
أعمال يقضي معظم حياته في الطيران من موقع إلى آخر مهمته صرف الموظفين.
الأفلام المتبقية جميعا تحمل أسماء إما نصف معروفة أو غير معروفة على
الإطلاق، كما شأن «المقاطعة تسعة» و«رجل جاد» و«تعليم». أما «أولاد زنى»
فيحمل اسم براد بيت في المقدمة، لكنه ليس مصنوعا به أو حوله، بل يؤدي،
بالنتيجة، شخصية مساندة.
كل من «أولاد زنى مغمورون» و«المقاطعة تسعة» جنى أكثر من 100 مليون
دولار في عروضه. أما الأفلام الخمسة المتبقية وهي «في الفضاء» و«بريشوس»
و«خزنة الألم» و«رجل جاد» و«تعليم» فقد جلب كل منها أدنى من مائة مليون
دولار، وأقلها إيرادا هو الفيلم البريطاني «تعليم» الذي أنجز أقل من تسعة
ملايين دولار بقليل، في حين أنجز «رجل جاد» أكثر من تسعة ملايين دولار
بقليل.
مثل هذا التفاوت قد يكون مطلبا ثمينا لأكاديمية العلوم والفنون
السينمائية موزعة الأوسكار، كونه يعبر أكثر عن كل قطاعات الأفلام وأنواعها
ومصائرها أيضا، وكونه - إلى جانب ذلك - يمنح الأفلام المستقلة أو شبه
المستقلة (وهما نوعان) حضورا أكبر لجانب الأفلام ذات العناصر الهوليوودية
الرئيسية.
السؤال هو: أي خمسة أفلام من هذه العشرة كان سيصل إلى الترشيحات
النهائية هذه لو أن الأكاديمية لم توسع إطار مسابقتها لتشمل ضعف العدد
المعتاد كل سنة؟
الجواب هو، على شكل شبه مؤكد: «أفاتار»، «أولاد زنى مغمورون»، «في
الفضاء» و«خزنة الألم» و«بريشوس». ليس هذا تنجيما، بل قراءة محددة يؤكدها
سباق آخر صوب أوسكار مهم أيضا هو أوسكار أفضل إخراج. فالحاصل على بعد يسير
من المسابقة الأولى، هو فوز جيمس كاميرون عن «أفاتار» وكوينتين تارانتينو
عن «أولاد زنى مغمورون» وكاثلين بيغلو عن «خزنة الألم» ولي دانيالز عن
«بريشوس» ثم المخرج جاسون رايتمان عن «في الفضاء» بترشيحات الأوسكار كأفضل
مخرجين.
والدلالة هنا واضحة: لو بقيت الأوسكار على عادتها منذ خمسين سنة فإن
الأفلام التي لا مخرجين مرشحين لها في مسابقة الإخراج كانت الأكثر أهلا
لتبوؤ سدة الترشيحات النهائية كأفضل فيلم، ربما مع استثناء واحد، إذ تعودت
ترشيحات الأوسكار إضافة فيلم لا يرشح مخرجه، ومخرج لا وجود لفيلم له بين
تلك المتسابقة على أفضل أوسكار.
الدلالات لا تتوقف عند هذا الحد. ترشيحات أفلام هذا العام ليست
متوازنة تماما. صحيح أنها تحوي أفلاما من ميزانيات مختلفة (من 300 مليون
إلى 10 ملايين) إلا أن مسألة اختيار خمسة مخرجين فقط وليس عشرة، وهو أمر
شبه بدهي، تعني أن خمسة من الأفلام العشرة المرشحة لديها حظ مضاعف في الفوز
بأوسكار أفضل فيلم على أساس أن نتائج الأوسكار في السنوات السابقة الغالبة
(من عام 1927 وإلى اليوم) تضمنت ذهاب أوسكار أفضل فيلم لمن يفوز مخرجه
بأوسكار أفضل مخرج. بالتالي، فإن غياب مخرجي الأفلام الخمسة الأخرى، وهي
«الجانب الأعمى» (إخراج جون لي هانكوك) و«تعليم» (لون شرفيك) و«المقاطعة
تسعة» (نيل بلوكامب) و«رجل جاد» (الأخوان كوون) و«فوق» (بيت دكتر)، يلعب
دورا في حسم النتيجة لصالح أحد الأفلام الخمسة التي يتمتع مخرجوها
بالترشيح.
إلى جانب ذلك، فإن المرء يستطيع بصواب جانح التساؤل عما يفعله فيلم
«فوق» في سباق الأفلام. إنه فيلم أنيميشن طويل التقت معظم الآراء النقدية
الغربية على منحه تقديرا عاليا، لكن الأكاديمية كانت أنشأت قبل نحو ست
سنوات جائزة خاصة لفيلم الأنيميشن الطويل، وهذا الفيلم داخل فيها أيضا.
الأفلام الأربعة الأخرى المرشحة في أوسكار أفضل فيلم أنيميشن طويل هي
«كورالاين»، «السيد فوكس الرائع»، «الأميرة والضفدع»، «سر كلز» و«فوق».
بذلك فإن «فوق» عنوة عن كل الأفلام العشرة في القسم الروائي يتمتع
بترشيحين، إذا ما فاز بأحدهما فاز بالآخر. وهذا ما يجعله نتيجة شبه مؤكدة،
فالمصوتون من أعضاء الأكاديمية الستة آلاف سينظرون إليه على أساس أنه مرشح
في المسابقة الثانية، فلم لا يودعونه أصواتهم في ذلك السباق؟
حين يأتي الأمر إلى معاينة الأفلام ذاتها، فإن الإثارة الناتجة عن هذا
السباق الفريد تزداد: عادة ما تخرج الأفلام الخيال علمية بخفي حنين حين
تدخل السباقات المماثلة. في الأساس فإن الخيال العلمي استبعد من معظم
مسابقات الدورات الماضية، وإذا أخذنا العشرين سنة الأخيرة (من عام 1990)
فإن الأوسكار لم يمنح لأي من أفلام هذا النوع لسبب بسيط: لم يكن هناك فيلم
خيال علمي مرشح في أي من هذه السنوات. مما سيجعل المسألة مختلفة جدا هذا
العام، إذ إن كلا من «أفاتار» و«المقاطعة تسعة» هما فيلمان في الخيال
العلمي، وأولهما من أكثر الأفلام المتنافسة حظا بالفوز. الأكثر من ذلك أن
فيلم ستانلي كوبريك الكلاسيكي الرائع «أوديسا الفضاء 2001»، وهو من النوع
الخيالي العلمي بلا ريب، كان دخل مسابقة الأوسكار سنة 1969 بأربعة ترشيحات
لم يكن من بينها سباق أفضل فيلم.
وهناك تجانس ثنائي آخر بين فيلمين متسابقين هما «الجانب الأعمى» و«بريشوس»،
ليس فقط من حيث إنهما عملان دراميان، بل أساسا من حيث إنهما يدوران في نطاق
شخصيات أفرو - أميركية. «الجانب الأعمى» عن الشاب الأسود الذي تمنحه عائلة
بيضاء هوية إنسانية لم يكن يتمتع بها، والثاني «بريشوس» عن فتاة سوداء عانت
من سوء المعاملة والاعتداء بحيث تم محو شخصيتها، إلى أن تدخلت مشرفة
اجتماعية لتنشئها من جديد. كلاهما إذن عن بداية جديدة لشخصية ممحاة مع
نهاية تعكس الأمل والتصميم والفوز على المصاعب. هذا ما يدلف بهما إلى
الواجهة لأن تاريخ الأوسكار امتلأ بالأفلام التي تدور حول شخصيات تعاني من
مشاكلها الخاصة سواء إذا نظرنا إلى شخصية توم كروز في «مولود في الرابع من
يوليو» أو إلى شخصية دانيال داي لويس في «قدمي اليسرى».
باقي الأفلام تتنوع على نحو ملحوظ، ولو أن اثنين منهما لهما علاقة
بالحرب «خزنة الألم» لكاثلين بيغلو يدور حول فرقة نزع الألغام والمتفجرات
الأميركية العاملة في العراق وتضحياتها في حرب عابثة لا قرار فيها. إنه
فيلم جاد عن وضع أكثر جدية. في المقابل فإن «أولاد زنى مغمورون» هو عن فريق
من المنتقمين اليهود خلال الحرب العالمية الثانية مهامهم قتل الجنود
النازيين (بل والتمثيل في جثثهم أيضا) والاشتراك في محاولة (ناجحة) لقتل
هتلر وكبار معاونيه في باريس. إنه فيلم ساخر يعيد سرد الحرب المعروفة
نتائجها من جديد، وينجح في هذه المهمة أكثر - بكثير - مما فعل فيلم
«فالكاري» في مطلع العام الماضي الذي التزم بحقائق محاولة اغتيال هتلر في
ذلك الفيلم الذي لعب بطولته توم كروز. باقي الأفلام أكثر تباعدا: «تعليم»
للون شرفيك يدور حول فتاة شابة (كاري موليغان) تقرر شق طريقها متحررة من
التقاليد، وذلك في مطلع الستينات.. «في الفضاء» لجاسون رايتمان، عن رجل
أعمال (جورج كلوني) يقضي معظم حياته في الأجواء متمتعا باستقلاليته
وعزوبيته، إلى أن يواجه مأزقا في حياته.. «رجل جاد» للأخوين إيتان وجوول
كوون، حول يهودي في السبعينات يفيق على جملة من الأحداث الغريبة التي تقع
في إطار حياته الشخصية متتابعة مما يجعله يعيد التفكير في منوال حياته
الجادة التي سار عليها منذ البداية. و«فوق» هو فيلم عن المغامرة التي يقدم
عليها عجوز متبرم وصبي لحوح حين يحملهما منزل مربوط بآلاف البالونات التي
تطير به لتحط في منطقة غابات في أميركا اللاتينية.
وإذا كانت ساندرا بولوك قد فازت بالترشيح عن «الجانب الأعمى» (ولم يفز
به الشاب الذي لعب الدور - المشكلة وهو كوينتون آرون) فإن اثنتين من
الممثلات المتنافسات في سباق أوسكار أفضل ممثلة في دور رئيسي ليست لديهما
أفلام متبارية، وهما هيلين ميرين عن «المحطة الأخيرة» وميريل ستريب عن
«جولي وجوليا»، بينما كاري موليغان (عن «تعليم») وغابوري سيديبي (بطلة «بريشوس»)
متنافستان، مما يرفع قليلا من احتمالات نجاحهما.
على الصعيد الرجالي نجد ممثلين فقط لديهما أفلام متنافسة، هما جيريمي
رنر عن «خزنة الألم»، وجورج كلوني عن «في الفضاء».. أما الثلاثة الآخرون
فقادمون من أفلام غابت عن السباق الأول، وهم جيف بريدجز عن الفيلم الويسترن
الحديث «قلب مجنون»، وكولين فيرث عن الدراما «رجل أعزب» ومورغان فريمان عن
تشخيصه نيلسون مانديلا في «إنفيكتوس».
الموضوع لا ينتهي عند هذا الحد، بل يبدأ، خصوصا أن نحو شهر من
التوقعات سوف يكشف نواحي جديدة في المسابقات الرئيسية الأخرى من تمثيل إلى
كتابة سيناريو وتصوير وإخراج.
الشرق الأوسط في
05/02/2010 |