حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ملف خاص عن فيلم جيمس كاميرون الجديد "أفاتار"

جمع بين قوة الإبهار وقوة الأفكار

«أفاتار».. رؤية ثورية

محمد بدرالدين

من يرى فيلم "أفاتار" إخراج جيمس كاميرون" يكتشف صعوبة أن يحصل على جائزة أحسن فيلم فى مسابقة الأوسكار (مارس 2010)، والجوائز التى حصل عليها بالفعل لم تكن الأهم!. 

فهو يتخذ موقفاً سياسياً جريئاً بوضوح، بل يعبر عن رؤية ثورية بكل معنى الكلمة، تعارض جذرياً كل ما تقوم به أمريكا الرسمية فى هذا العصر، أى الإمبراطورية الأمريكية الاستعمارية، واحتلالها لأراضى الغير بالقوة، واستغلالها لثروات الشعوب، واحتقارها لكل ما عداها من شعوب وثقافات وهويات..!. 

"أفاتار": ضد أمريكا الغاشمة، وفيلم يفضح العنجهية الأمريكية، فى إطار فنى خلاب، وفى قالب أسطورى جميل. فالحق إنه فيلم يحقق أمراً نادراً ما رأيناه فى السينما، حيث جمع بين قوة الإبهار وقوة الأفكار!. 

دراما "أفاتار" الأسطورية، تدور بعد مائة عام، إذ تحشد الإمبراطورية الغاشمة أخطر وأحدث العتاد، وكل الطاقات من علماء وقادة عسكريين وجنود، لغزو كوكب اسمه "باندورا" به ثروة يسيل لها لعاب الغزاة خاصة مادة نادرة مولدة للطاقة ـ فى زمن نفدت فيه الطاقة المعروفة ـ وهم يقومون بالغزو بوحشية هائلة، ولا يكترثون بـ "سكان البلاد الأصليين"، بل يبررون لأنفسهم إبادة جميع هؤلاء السكان بمن فيهم الأطفال والنساء وحتى الزرع ومعالم الحياة من حولهم، بأنهم مجرد بدائيين، ويسخرون بغطرسة من عيشهم ومما يعتادون ومما يعبدون..!. 

فلا يأبهون بالقضاء على "شجرة الأرواح".. شجرة الحياة التى تمثل قيماً أو قداسة ومعنى أصيلاً لدى هؤلاء الذين يستهدفونهم بالموت، وبمنتهى القسوة المتعمدة!. 

ويستخدم المعتدون أقوالاً من الحرب العدوانية عام 2003 لبوش الصغير والمحافظين الجدد ضد العراق مثل: (لنواجه الإرهاب!.. حتى بالإرهاب! ـ حين تكون هناك ضرورة لحرب إستباقية فلابد من شنها..الخ). 

"أفاتار" تتخلله أيضاً قصة حب رقيقة، طرفاها جندى البحرية الأمريكية "سولى جيك" الذى بادروا بإرساله كمقدمة للحملة، والفتاة الجميلة ابنة زعيم السكان المستهدفين. فهو لا يلبث أن يفهم ويستفيق، وينقلب على المهمة الشائنة، ويعترف بالخطأ ويقنعنا الفيلم ويمتعنا بقصة حبهما الصادق وسط المخاطر من كل نوع..!. 

و"أفاتار" كذلك تتخلله مواقف شخصيات، كان من نماذجها عالمة نبيلة تناهض رغبة السيطرة الوحشية للعسكريين وقائدهم الشره المصر على التدمير إلى النهاية، فالفيلم من جهة أخرى تحية للنبل الإنسانى والتضامن الإنسانى فى كل مكان إلى جانب الحب، وإلى جانب المقاومة. 

نعم المقاومة (فى أفاتار) هى التى تتشبث وتصر والتى تنتصر، ولذلك فهو من هذه الناحية فيلمنا، إنه الفن حينما يصبح أيضاً ضرورة. 

ويصل فيلم "أفاتار" إلى ذروة "رؤيته الثورية" فى اعتقادنا بأن جعل للسكان الأصليين للكوكب المستهدف بالغزو ذيولاً بالفعل، فهو يريد أن يقول بأنهم حتى لو كانوا بدائيين كما ترددون بل وحتى "بذيول"، وحتى لو كانوا آتين من ثقافة أخرى لم تبلغ منجزات ثقافتكم وحضارتكم وحداثتكم، فإن ذلك لا يبرر لكم أبداً الاستيلاء على حق وأوطان الغير.. فالفيلم هنا لا يستخدم "مفردة" الذيول كطرفة، وإنما على نحو بالغ الجدية والصرامة والحدة، وكأنه يقول بالتالي: فما بالنا بالهنود الحمر، ثم ما بالنا بالعراقيين مروراً بالفيتناميين وغيرهم، وكل الشعوب التى لقيت احتلالاً من إمبراطوريات الصلف وغرور القوة، والنهب باسم مساعدة الشعوب المتخلفة.. وباسم العمران والتعمير.. أو "الاستعمار"!!. 

لقد كانت تكاليف "أفاتار" هى الأكبر فى تاريخ السينما، وأرباح الفيلم هى الأكثر كذلك فى تاريخ السينما حتى الآن، والفيلم قدم إبهاراً جميلاً (وشاملاً لا يقتصر على البعد الثالث)، توهجت فيه مجمل عناصره الفنية وبلغت نضجاً نموذجياً (إخراجاً وتصويراً ومونتاجاً وصوتاً ومؤثرات خاصة..)، لكن كل ذلك كان سيصبح غير ضروري، مجانياً أو سدي.. لو لم تكن تلك كلها مهارات وتكاليف من أجل رؤية حقيقية فى خدمة الإنسانية.. إن الجمع بين الإبهار والأفكار، على هذا النحو، هو ما يعطى لفيلم "أفاتار" قيمة باقية. 

إن ما يعطى هذا الفيلم قيمة هو أنه بالإضافة إلى الجماليات والتقنية المميزة، يعبر عن موقف صحيح إلى جانب الحق فى مواجهة القوة، وإلى جانب المقاومة فى مواجهة الغزو. 

وما يعطى هذا الفيلم قيمة هو أنه عمل فنى مرموق ممتع، وفى ذات الوقت إدانة قوية، بارعة باهرة، للعنجهية والهمجية الأمريكية فى عصرنا، ولما يسمى خطأ "بالاستعمار" ـ فى كل عصوره وصوره ـ لكنها تسمية شاعت مع الأسف واستقرت كمصطلح!. 

وما يعطيه قيمة هو أن هذا الفيلم شهادة تقدم فى هذا العصر، ورسالة منه، إلى كل العصور القادمة. 

هذا رغماً عن رأى المصوتين للأفلام الأفضل فى مسابقة الأوسكار، وتفضيلهم لفيلم يقترب من نفس الموضوع، أى خروج الأمريكان وجيوشهم لأنحاء العالم (أو عسكرة العولمة الأمريكية)، بل إنه يتحدث عن العراق مباشرة وقوات الأمريكان هناك. 

لكن هذا الفيلم (خزانة الألم)، للمخرجة كاترين بيجلو، جاء فيلماً بلا موقف إنسانى حقيقي، إنما تصنعه صاحبته ـ وتهديه فى حفل الأوسكار ـ لجنود الغزو الأمريكي، ولا تكترث بأصحاب الوطن الذين دمر حياتهم هذا الغزو وجنوده!.. إنه فيلم يفتقد بالتأكيد لشجاعة موقف "أفاتار"، ولهذا منحوه جائزتهم، ورضى عنه من الأمريكيين وأعضاء الكونجرس من هاجموا "أفاتار" ووصفوه بعصبية بأنه "فيلم معادٍ للولايات المتحدة"! 

العربي المصرية في

21/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)