حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ملف خاص عن فيلم جيمس كاميرون الجديد "أفاتار"

افاتار*:

من منظور البنيوية وما بعدها

كتب – زيد ابو درويش

الفليم الذي كسر الارقام القياسية خلال اشهر يغري بهذه المغامرة، أي قرائنه من زاوييتيتن منهجيتين يهيء لنا  انهما متناقضتان للوهلة الاولى هما البنيوية وما بعد البنيوية.

ولكنني ادعي ان ذلك ممكن وهذا ما ساعمل على ان يكون واضحا في متن هذا التحليل وهوامشه، فمن منظور البنيوية ساستخدم هذا المنهج من الزاوية التي يتعامل بها مع ( الظواهر) بوصفها متقابلات وثنائيات متصارعة في مستوى "البنى الكامنة"، و(الظاهرة ) هنا قد تكون اجتماعية او سياسية او اقتصادية او فنية ادبية او درامية ( كما فعل ذلك رولان بارت في كتابه : التحليل البنيوي للنص الادبي ). وفي اطار ما بعد النيوية سنبين أي من  القصص الكبرى التي يسعى (جيمس كاميرون او من هم ورائه) الى تدميرها  ، باعتبار ان تدمير القصص الكبرى هي المهمة الاولى في الفكر ما بعد البنيوي.

اولا بنيويا :

تعالج البنيوية من احد جوانبها  الظواهر المختلفة على اعتبار انها تتكون من ثنائيات متقابلة، متالفة او متصارعة ومن ناحية اخرى فان اكثر التعريفات شيوعا لمفهوم الدراما قائم على ان الدراما هي التجسيد الفني للصراع،

هذا بالاضافة لاهمية الشكل والمعنى والسياق الذي يدور فيه هذا الصراع ، فيلم افاتار من تاليف واخراج جيمس كاميرون مثال واضح لهذا التعريف.  من الوجهة البنيوية فاننا سنتجاهل السطوح والاشكال ونغوص عميقا في البحث عن البنى الكامنة لتحليل عناصرها وعلاقاتها الصراعية ، ولا يجب ان يفهم هنا ان الشكل لا اهمية له بل على العكس فان الشكل هو الذي يحظى بالاهمية الاولى خاصة للمتلقي الحديث الذي ناى بنفسه عن المعاني الكامنة وراح يبحث عن متعته في مستوى الشكل.

يمضي جيمس كاميرون في معظم شروحاته عن الفيلم بالحديث عن الشكل ( الاشكال ) التي استخدمها في هذا الفيلم : الكائنات البيولوجية الخارقة والممكنة في نفس الوقت الالات والتقنيات فائقة التطور كما ستبدو عليه في المستقبل، ولكنها ممكنة ايضا مما يعطي احساسا بان الفيلم اقرب الى الواقع منه الى المستحيل وبذا يبتعد الفيلم رويدا رويدا عن مفهوم سينما الخيال العلمي، هذا بالاضافة الى عوالم مدهشة ساحرة يزخر بها الفيلم سواء على ذلك الكوكب (المفترض) بانادورا بكائناته الحيوانية والنباتية الطبيعية اوالمتطورة والمفارقة للطبيعة. وكذلك الامر بالنسبة للعوالم الارضية التي تمثل مستقبل الانسان ومستقبل التكنولوجيا الرقمية بنتاجاتها الافتراضية، وكذلك الالات والمعدات الضخمة، تقنيات الصوت والاضاءة والديكور والمكياج واللغة.

لنتجاوز هذه الاشكال الخلابة  وهذه العوالم المبهرة التي وظفها "كاميرون" لاختطاف انتباه المتلقي، ولنذهب عميقا نحو الصراعات التي حاول المخرج تسريبها الى المتلقي دون ان يعيها:

1 -  الصراع بين البيولوجيا والتكنولوجيا: لاحظ الكائنات البيولوجية على كوكب باندورا الكائنات التي تطورت حسب القوانين الداروينية على الرغم من مفارقتها واختلافها الا انه من الممكن الاحساس بتاريخها البيولوجي الذي تطور طبيعيا حتى اصبح على هذا الشكل في كوكب باندورا، في الناحية المقابلة هناك التكنولوجيا التي طورها العلم حتى اصبحت على هذا الشكل خارقة في الحجم والكم والوظائف حيث اصبحت فعالة واكثر  طواعية، اذا لنعيد توضيح هذا المحور الصراعي الذي يشغل بال العلم الغربي ، انه صراع مابين تاريخ البيولوجيا في سياق تطورها الطبيعي وبين مستقبل االتكنولوجيا بنسختها المرعبة التي تغذ الخطى نحو تدمير الطبيعة بما في ذلك الانسان وتحديدا انسانية الانسان، وفي منطقة المنتصف بين قطبي الصراع يولد الحل،  يولد (افاتار) ، المسيح الافتراضي التكنولوجي والبيولوجي المخلص، نقطة التقاء البيولوجيا بالتكنولوجيا في عام 2150 ليعيد للانسان انسانيته ولكن ... بالنسخة الغربية !

2 -  صراع الاخر مع الغرب : بالعودة الى احداث الفيلم فان جنود المارينز يهاجموا شعوب النافي من اجل المعدن الثمين وفي الطريق يقتلعوا الشجرة المقدسة، شعوب النافي تصاب بالعجز امام الة المارينز المدمرة وتلوذ بالفرار الا ان  الافاتار "جيك سولي " الذي يملك جسدا مشابها لاجساد شعوب النافي ولكن عقله وجوهره غربي! فهو جندي المارينز (المقعد ) الذي ينقلب على بني قومه وعلى رغباتهم غير المشروعة ويعود على ظهر ذلك الطائر الخرافي ( قد تكون فكرته مشتقة من اسطورة ثور عشتار المجنح وهنا لعب على اللاوعي الشرقي وايماناته الاسطورية ) ويناصر الشعوب البدائية ويوحدها ويكشف لها مكامن قوتها وينتصرون في النهاية على الة المارينز الخارقة، ولننتبه ان هذا المحور الصراعي مركب، فهو ليس مجرد صراع ما بين التاريخ ممثلا بشعوب النافي من جهة وبين المستقبل الممثل بالحضارة الغربية المتفوقة كما يبدو للوهلة الاولى هناك شَرَك كامن  علينا ان ننتبه له ويمكن تلخيص كالتالي : الشعوب البدائية غير المتحضرة نقيضة الغرب لا  تنتصر بامكاناتها فقط،  اذا ارادت ان تقاوم عليها ان تتحالف " وربما ان تنصاع لاولئك الغربيين الذين يتعاطفون معها،  لن تنتصرو على الغرب الا بالتعاون مع الغرب، اتوقع هنا ان تتضح الفكرة التي يحاول الفيلم تسريبها، هذه الفكرة الخطيرة ستؤدي حتما الى الغاء الاخر نهائيا فهو عاجز بدون مساعدة الغربيين الطيبين...( يكرر جيمس كاميرون هنا فكرة فيلم لورنس العرب على الرغم من اختلاف السياق ).

 

3 -  صراع الغرب مع ذاته : الفليم يُعرض في سياق عالمي يحمل عنوان الحرب على الارهاب وفي ظل الاخفاقات الاخلاقية والسياسية والعسكرية والاقتصادية التي مني بها الغرب واميركا تحديدا، البلد التي انتج فيها  الفيلم،  يتعاظم الشعور بالذنب، لا يتبدى ذلك على السياسين، ولكنه قد يجتاح الغربيين العاديين ناهيك عن اولئك الذين يرفضون الحرب ومآسيها.  مهمة الفيلم هنا ومهمة افاتار تحديدا هي التعامل مع هذا الشعور بالذنب ولكن في مستوياته الكامنة ، لقد تحول هذا الفيلم في قصته الاساسية وتتابع احداثه والنتائج التي انتهت اليها،  الى مطهر يراد منه ان ينقي الضمير الغربي من ما علق به من اخطاء وخطايا، ينتجها المشهد اليومي للحرب.

ثانيا افاتار في منظور ما بعد البنيوية

وهنا اشير ايضا الى ان "ما بعد البنيوية" كاطار  للتحليل يهتم بذلك  الجانب الممثل بافكار ومفاهيم "جان فرنسوا ليوتار" حول مابعد الحداثة - بوصفها ظاهرة "ما بعد بنيوية.  يشرح ليوتار مابعد الحداثة بانها: عدم الايمان او عدم التصديق او الكفر بـ " القصص الكبرى :   "grand narrativesالتي يتداولها المجتمع الانساني، دينية سياسية فلسفية ... الى آخره، على سبيل المثال الخطاب الاستعماري الذي يقول نحن نستعمر الشعوب من اجل رفع مستواها الحضاري هي من القصص الكبرى التي لايجب تصديقها.

من القصص الكبرى التي يكرر "الفيلم" محاولة الاطاحة بها هي " اسطورة العلم " بوصفه خير مطلق،  تتكرر هذه الفكرة في العالم الغربي إجمالا بعد الحروب الكبرى التي شهدها طوال القرن الماضي،  من القصص الكبرى ايضا التي كانت مدار تناول الفيلم هي : كل من هو بدائي عالم ثالثي هو ارهابي شرير.  قصة اخرى : ان الغرب موحد  في رؤيته للاخر .  ومن القصص التي تجتاح الغرب وحاول الفيلم الاطاحة بها هي انكار الميتافزيقا، والايمان بالعالم المادي فقط ( المساعدة الالهية لشعوب النافي في حربهم ضد المارينز). الا ان اهم القصص الكبرى على الاطلاق التي كانت المهمة الرئيسية للفيلم هي القصة التي تشغل الراي العام الغربي والعالم على وجه العموم وهي " الحرب على الارهاب " كعنوان للصراع العالمي وكحجة يرفعها الغرب مبررا حربه التي تشن من اجل مصالحه الاستراتيجية ،  هذه الحرب هي في طور الافول او على الاقل التحول والتغير في كثير من ادواتها. الفيلم هو ايذان بنهاية هذه الحقبة وبنهاية هذه القصة الكبرى.

 السينما بالنسبة للمجتمع الغربي هي اهم ادوات نشر مضامين  الخطاب السياسي العام، لا طائل من وراء البحث في المؤسسة السينمائية التي تقف وراء جيمس كاميرون، ما يجب ان ننتبه اليه هو من يقف وراء تلك المؤسسة.

بالاضافة الى الافكار الرئيسية الي طرحها الفيلم، فان ترويج الموقف "الجديد" من مقولة " الحرب على الارهاب "هو اهمها على الاطلاق، والانتباه لحجم الدعاية الذي انفق على الفيلم مؤشر جيد للتدليل على هذا الادعاء، ليست الاموال فقط،  بل ان ترشيح الفيلم لنيل اهم جائزة سينمائية، يقع في نفس الخانة الدعائية. هذا التحول السياسي الذي يعبر عنه سينمائيا ليس الاول خلال حقبة ما بعد المحافظين في الولايات المتحدة، اذكركم بالفيلم الذي فاز بجائزة الاوسكار للعام الماضي ( المليونير المتشرد ) الذي يشير في اطروحاته  الى مثل هذا التحول.

الى جانب " افاتار" هناك فيلم اخر هو فيلم " خزانة الالم" اخرجته  الزوجة السابقة لجيمس كاميرون! وهو يتناول نفس الموضوع ايضا ولكن من خلال سياقات مختلفة هي اقرب الى سينما الواقع، وعلى ما يبدو ان الزوجة السابقة لجيمس كاميرون لم تتعلم منه فن الاخراج فقط بل تعلمت ايضا فن اللعبة السينمائية في معرفة أي نوع من الافلام تتطلبها اللحظة التاريخية وقادرة على ان تدر كل هذه المليارات.

-----------------

* القصة الرئيسية للفيلم : وحدة من قوات المارينز وفي عام 2154 تغزو كوكبا اسمه باندورا، الذي يبعد عن الارض مسافة 5.1 سنة ضوئية، تسكنه شعوب النافي الشبيهة بالانسان الغزو هو من اجل الحصول على معدن ثمين. يُخترق سكان الكوكب من خلال كائن افتراضي " افاتار" يتقمصه جندي المارينز جيك سولي، وعندما يفشل " سولي باقناعهم بمغادرة المكان، تبدا وحدة المارينز بالهجوم، ينقلب افاتار على المارينز ويوحد قبائل كوكب النافي وينتصروا على المارينز، يبقى افاتار "جيك سولي " بين شعب قبائل النافي ويتوحد معهم ويصبح واحدا منهم

سراج الأردنية في

12/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)