منذ أن
اشتعل ولع المشاهد المصري والعربي بمسلسل "أم كلثوم" ـ في شهر رمضان من
العام 1998ـ اندلعت معه حالة من الإقبال غير المحدود على سير الكبار
المعاصرين من القرنين التاسع عشر والعشرين..ربما كان مفهوماً أن النجاح
المدوي ـ الذي أذهل بطلة المسلسل الممثلة المحجبة حالياً (صابرين) وأذهل
مخرجة المسلسل انعام محمد علي ـ يدفع حتما باتجاه مسلسلات أخرى تحكي سير
مشاهير الفن في مصر كمحمد عبد الوهاب وسيد درويش وعبد الحليم حافظ وسعاد
حسني، فربما يتحقق ذات النجاح الذي حصده مسلسل أم كلثوم، غير أن الدفع جاء
باتجاه آخر..السياسة والتاريخ والقضايا الجادة ومن وقف وراءها من المشاهير
والزعماء والعلماء والمفكرين!
صحيح أن
مسلسلاً عن سعاد حسني صنع وعرض قبل عامين (السندريللا بطولة منى زكي ـ
رمضان 2006) وان مسلسلاً آخر صنع وعرض في نفس التوقيت بالضبط عن سيرة عبد
الحليم (العندليب، بطولة الصوت الجديد شادي شامل)، لكنهما جاءا بعد مسلسل
أم كلثوم بثماني سنوات كاملة ولم يصب أحدهما عشر نجاح مسلسل أم كلثوم!
وراء أم
كلثوم جاءت قاطرة من المسلسلات المصرية التي عرضت في فضائيات عربية كثيرة
مثل قاسم أمين وفارس الرومانسية يوسف السباعي والشيخ الشعراوي امام الدعاة،
والشيخ المراغي شيخ الازهر الاسبق، وبطلة التحرير النسائي هدى شعراوي،
وكذلك المسلسل ـ الفارق ـ الملك فاروق العام الماضي. كل هؤلاء تجسدت سيرهم
في مسلسلات تفاوت حظها من النجاح عند الجماهير ولدى النقاد، فإن أضفنا
اليهم سعاد حسني وعبد الحليم لكنا امام ثماني مسلسلات فضلا عن أم كلثوم..
وهذا
الموسم الرمضاني يشهد أكبر دفعة من أسماء المشاهير تعرض سيرهم على الشاشات
الفضائية في مصر والعالم العربي تجمع بين الزعامة السياسية (مسلسل ناصر)
والريادة الثقافية والتعليمية (مسلسل علي مبارك) والطرب الأسطوري الغامض
الفاتن (مسلسل أسمهان) والامامة الروحية (العارف بالله عبد الحليم محمود)،
وكأن الدراما المصرية العربية أخذت قرارا بانفتاح غير مسبوق على القرنين
التاسع عشر والعشرين، تفتش في ملفاتهما، وتقلب الصفحات في جرأة وصراحة!
غير أن
أسئلة كثيرة تثور بوجه هذا التوجه.. لعل في مقدمتها : اذا كان "الورثة"
يعترضون في أغلب الأحيان على عرض سير ابائهم وأجدادهم في هذه المسلسلات،
ويلاحقونها قضائياً ويهددون بوقف عرضها احياناً ـ والحالات التي سنذكرها
متعددة ـ فهل هم الذين يملكون هذه السير حقاً؟
في مصر
اصطلاح شعبي معروف في العامية يقول "عضم التربة" ويقصد به الناس في مصر
الولاء والانتماء إلى الآباء والأجداد ممن صاروا عظاما عارية من اللحم
مدفونة في المقابر، والتحدث عن سيرتهم ينبغي أن يكون في حدود من التبجيل
ربما تتماس والتقديس بعينه. فهل على من يريد أن يفتش في دفاتر التاريخ
ليستخرج منها الحقائق ـ وما أحوجنا إلى الحقائق! ـ أن يحرص على عظام التربة
أم على عظام ولحم الحقيقة؟ وهل يملك من ورثوا هذه العظام وحملوا اسمها حجب
الحقيقة وهذه العظام تخص شخصيات عامة وشديدة التأثير في مصر والعالم العربي
كله؟ ويواجهنا سؤال آخر: لماذا كل هذا الولع بالشخصيات المعاصرة اليوم؟
افتقاد لقيم بعينها أم محاكمات درامية لمن أصابوا وأخطأوا أم ان للأمر
أغوارا أبعد؟
ناصر 2008
الزعيم
الراحل جمال عبد الناصر هو صاحب نصيب الأسد من الأعمال الفنية التي تناولت
سيرته الذاتية..ففي العام 1996 جسد الراحل الكبير أحمد زكي شخصية ناصر في
الشريط السينمائي المهم "ناصر 56"، الذي حقق نجاحاً شعبياً كبيراً (من
انتاج التليفزيون المصري وعرض كشريط تجاري في دور العرض صيف 1996)، وفي ذات
التوقيت تقريباً كان المخرج السوري تحسين قوادري يعرض في القاهرة شريطه
"عبدالناصر" بطولة خالد الصاوي والذي لم يلاق نجاحا يذكر برغم اشادة النقاد
به.
وهاهو عبد
الناصر يكرس له مسلسل تليفزيوني تقارب حلقاته الأربعين حلقة، يجسد فيه دور
الزعيم الممثل المصري مجدي كامل، الذي سبق له أن جسد دور الزعيم في مسلسل
العندليب 2006 ، لكن الامر يختلف والمسلسل كله هذه المرة مكرس للشخصية
العتيدة!
المسلسل
الذي أخرجه السوري من أصل فلسطيني (باسل الخطيب) ويشارك فيه ممثلون كثيرون
من مصر والعالم العربي من بينهم وفاء عامر(والدته.. وللمفارقة كانت والدة
فاروق العام الماضي على ما بين الرجلين من خصومة تاريخية كبيرة جدا!!)
ومحمد وفيق (والده) وصلاح عبدالله (خاله) وطارق لطفي (عبدالحكيم عامر)
ونخبة من نجوم أجيال متعددة.
المسلسل
الذي تعرضه فضائيات عربية ويعرضه التليفزيون المصري عبر قناة جديدة متخصصة
في الدراما اطلقها في أول شهر رمضان (باسم: دراما رمضان)، استغرق مؤلفه
يسري الجندي عامين ونصف العام في جمع مادته التاريخية وكتابة حلقاته، هذا
وأن الجندي جمع المادة من وثائق معتمدة وشديدة الخصوصية فضلا عن عشرات
المراجع والمخطوطات والصحف القديمة وجالس أشخاصاً كانت لهم علاقة وطيدة
بالزعيم الراحل، وعكف على المادة بعد كل ذلك ينظمها وينقحها ويحولها ـ من
ثم ـ إلى دراما من لحم ودم..
من هنا
يبدو مسلسل ناصر أقل مسلسلات السيرة الذاتية الذي يمكن أن يتعرض للطعن على
صحته التاريخية او يتقول عليه "الورثة"! فابنة الزعيم الراحل (هدى جمال
عبدالناصر) هي بنفسها التي تولت المراجعة لأحداث المسلسل، وهي ليست مجرد
ابنة له بل هي استاذة جامعية في تاريخ مصر في القرن العشرين وهي التي
احتفظت بالوثائق التاريخية لوالدها وأمدت الجندي بكثير منها!
كما تولى
المؤرخان الراحل الكبير يونان لبيب رزق وجمال شقرة (امد الله في عمره)
المراجعة التاريخية للمسلسل (كان آخر ما راجعه يونان قبل الوفاة)، وبما ان
اهل مكة ادرى بشعابها فان هدى أدرى بشعاب تاريخ والدها الكبير الراحل.
ويونان وشقرة من اعظم اهل الدراية ايضا فضلا عن أن الجندي ناصري الهوى من
قديم.. فالمسلسل كله إذن فوق الشبهات وفوق أن يتحدث احد عن عظام تربته!!
الغريب أن
اقلاماً في الصحافة القومية والحزبية والخاصة هي التي هاجمته واتهمته
بالشبهات، والأغرب أن هذا تم قبل عرض حلقة واحدة منه!! وكأنهم كانوا
يلتمسون العذر مقدما للتليفزيون المصري في عدم عرضه على قناته الاولى لكي
يشاهده الناس فضائيا وأرضيا (القناة المصرية الاولى تبث فضائيا)، والاكثر
طرافة أن المنتج قبل وان مسؤولي التليفزيون المصري لم يطلبوا إلى احد
التماس الاعذار لهم ولا اتهام المسلسل (ناصع البياض التاريخي) بالأباطيل،
لكن البعض يحب التطوع بالخدمة في غير محلها!
أسمهان
شكوى تقدم
بها الورثة الشرعيون للفنانة الراحلة الكبيرة اسمهان إلى عدد من وزراء
الاعلام العرب يطلبون وقف عرض مسلسلها الذي يحمل اسمها وتجسد بطولته
السورية (سلاف فواخرجي)، فالأمير "فيصل الأطرش"، الوريث الوحيد لوالده
"فؤاد الأطرش" ولعمه الفنان الراحل "فريد الأطرش" تقدم مع ابنة عمته
"كاميليا الأطرش" بطلب مشترك لوزير الإعلام السوري مطالباً بإيقاف المسلسل
الذي أخرجه التونسي "شوقي الماجري" ومنع عرضه وتصديره وكان ذلك خلال
تصويره.
واتهم
"الأطرش" منتجي المسلسل بتضمينه الكثير من الأحداث الملفقة والتي لا تمت
إلى الحقيقة بصلة والتي يتناولها سيناريو المسلسل الذي يعرض حالياً، وتنطوي
أحداثه ـ حسب الأطرش ـ على قدر هائل من التزييف والمبالغة في الإساءة من
دون سند تاريخي أو حتى مبرر درامي أو أخلاقي، يبيح لها ذلك من باب الحتمية
الدرامية.
لكن سعي
الأمير لم ينجح، لان رؤساء الفضائيات والتليفزيونات في مصر والعالم العربي
ممن يعرضون المسلسل اليوم استلموا من المنتج أوراقا ثبوتية رسمية تمنحه حق
إنجاز وبيع المسلسل وحصلوا على تعهد بتحمله وحده مسؤولية أية تبعات ولذلك
يحق لهم عرضه كاملا، أما المشكلات القانونية وغيرها فالمنتج معني بمواجهتها
ولم يعودوا طرفا في نتائجها، وعلى هذا يعرض المسلسل من دون اشكاليات
قانونية إلى اليوم، والحق أن سيرة أسمهان مثيرة للجدل العنيف بحق!
الأمر هنا
لا يتعلق بثاني أهم صوت عربي بعد السيدة أم كلثوم وحسب، ولا بحسناء عصرها
التي أدارت عقول الملايين بجمالها واكتأب على أثر حادث وفاتها الأليم
(1944) عشرات من الرجال حزنا عليها.. فإلى ذلك كله.. ثمة خلاف حول علاقتها
بأحمد حسنين باشا السياسي المصري الشهير رئيس الديوان الملكي لفاروق (والذي
توفي هو الاخر في حادث صيد غامض سنة 1946. وكانت تربطه علاقة زواج سرية
بوالدة فاروق الملكة الراحلة نازلي..) وخلاف اخر حول علاقة أسمهان بأجهزة
الاستخبارات التي كانت تتصارع في مصر زمن الحرب العالمية الثانية ولاسيما
أجهزة ألمانيا وبريطانيا. فثمة من يرمي اسمهان بالعمالة لهذا الطرف او ذاك
منهما، وكل هذه الأسرار المغلقة يفض مغاليقها المسلسل الذي لا يمكن أن يعجب
الامير الأطرش ولا ايا من العائلة الكبيرة التي تنتمي اليها اسمهان وأخوها
فريد الأطرش!
ومن هنا
فان "أسمهان" يعد المسلسل الوحيد هذا العام الذي يوضع على مذبح الورثة وان
كان الذبح فات أوانه بعد أن فر الغزال من ذابحيه في اللحظات الأخيرة (على
عكس مسلسل مثل السندريللا الذي لوحق قضائياً بصورة منعت التليفزيون المصري
من عرضه إلى اليوم..)، وبين مطرقة الورثة وسندان سلاف الفواخرجي من سيقول
الحقيقة وراء مصرع أسمهان وأسرار حياتها الكثيرة؟ الله أعلم ولكن المؤكد أن
الورثة لن يستطيعوا كبح الجدل الواسع الذي سيثور حول أسمهان في الأيام
المقبلة مع اشتعال أحداث المسلسل!
الصوفي
اذا كان
لكل مشهور ورثة لا يفصلون بين ملكيتهم لعظام التربة وبين ملكية شخصيته
وتاريخه، فإن الأمر يتضاعف مع وجود ورثة من نوع آخر.. فإن أراد مؤلف أن
يكتب السيرة الذاتية لشيخ أزهر راحل فان عليه ليس فقط الحصول على رضاء
الورثة ولكن على رضاء الأزهر وهو ليس رضاء سهلا في كل الأحوال!
مجمع
البحوث الإسلامية بالأزهر ـ أعلى جهة فتوية بالمؤسسة الدينية العريقة ـ مرر
مسلسل "العارف بالله الشيخ عبدالحليم محمود"، بعد أن قلبه على كل وجوهه ..
فهذه أول مرة يتناول فيها عمل درامي السيرة الذاتية لشيخ أزهر راحل..وفي
النهاية وبعد بحث وتداول مر المسلسل الذي يجسد فيه الممثل الكبير حسن يوسف
شخصية الشيخ، من دون ان يمسسه سوء..وهكذا طاف بالورثة الشرعيين للشيخ
الكبير وبالمشايخ الشرعيين كذلك!
ولمن لا
يعرف من هو الشيخ عبد الحليم محمود فانه ليس مجرد شيخ أزهر عادي ولا عالم
مهم من علماء الشريعة أو كبار رجال الدين بل هو إلى ذلك من كبار المتصوفة
في مصر في القرن العشرين، وأكثر شيوخ الأزهر ممن صحبتهم صفة التصوف على
الاطلاق!
ولد محمود
في العام 1910 بمحافظة الشرقية شرق دلتا النيل المصرية. حفظ القرآن الكريم
ثم التحق بالأزهر سنة 1923 م. حصل على العالمية سنة 1932 م ثم سافر إلى
فرنسا حيث حصل على الدكتوراه سنة 1940 في الفلسفة الاسلامية. بعد عودته عمل
مدرسا بكليات الأزهر ثم عميدا لكلية أصول الدين سنة 1964 م و عضواً ثم
اميناً عاماً لمجمع البحوث الإسلامية فنهض به و أعاد تنظيمه. عين وكيلا
للأزهر سنة 1970.
صدر قرار
تعيين الشيخ وعبد الحليم محمد شيخا للأزهر في آذار ـ مارس 1973 وما كاد
الشيخ يمارس أعباء منصبه وينهض بدوره على خير وجه حتى بوغت بصدور قرار جديد
من رئيس الجمهورية ـ السادات وقتئذ يكاد يجرد شيخ الأزهر مما تبقى له من
اختصاصات ويمنحها لوزير الأوقاف والأزهر، وما كان من الشيخ إلا أن قدم
استقالته لرئيس الجمهورية على الفور، معتبراً أن هذا القرار يقلل من قدر
المنصب الجليل ويعوقه عن أداء رسالته الروحية في مصر والعالم العربي و
الإسلامي.
روجع
الإمام في أمر استقالته، وتدخل الحكماء لثنيه عن قراره، لكن الشيخ أصر على
استقالته، وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه، ورفض تناول راتبه، وطلب تسوية
معاشه، وأحدثت هذه الاستقالة دويا هائلا في مصر وسائر أنحاء العالم
الإسلامي، وتقدم أحد المحامين برفع دعوى أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس
الدولة ضد رئيس الجمهورية ووزير الأوقاف، طالبا وقف تنفيذ قرار رئيس
الجمهورية.
وإزاء هذا
الموقف الملتهب اضطر السادات إلى معاودة النظر في قراره ودراسة المشكلة من
جديد، وأصدر قرارا أعاد فيه الأمر إلى نصابه، جاء فيه: شيخ الأزهر هو
الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشؤون الدينية والمشتغلين
بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات
الإسلامية والعربية في الأزهر.
وتضمن
القرار أن يعامل شيخ الأزهر معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش، ويكون
ترتيبه في الأسبقية قبل الوزراء مباشرة، وانتهت الأزمة وعاد الشيخ إلى
منصبه ليواصل جهاده. وجدير بالذكر أن قرارا جمهوريا صدر بعد وفاة الشيخ
بمساواة منصب شيخ الأزهر بمنصب رئيس الوزراء.
من هنا
يعرف كل أزهري لهذا الرجل فضله على المؤسسة الاكبر في العالم الاسلامي،
وكيف أدارها بروح الصوفي الزاهد في المناصب فرفع من شأنها على الصورة التي
هي بها اليوم!
هذا عن الصوفي! فأما ابو التعليم فهو علي مبارك المثقف المصري الموسوعي
الكبير الذي يجسد شخصيته في مسلسل مصري يحمل اسمه الممثل كمال ابو رية،
والذي لم يجد ورثة يعترضون او يوافقون عليه، ومن يعترض على الرجل الذي كان
السبب في تأسيس منظومة التعليم في مصر خلال القرن التاسع عشر وشغل منصب
وزير المعارف فمنحه الناس لقب ابو التعليم في مصر، فان ذكر هذا اللقب لم
يكن أحد بحاجة إلى ان يصحبه باسم علي مبارك، الذي يعد من علامات التاريخ
المصري المشرقة في عصري الخديو اسماعيل (1863 ـ 1879) وابنه توفيق (1879 ـ
1892).
الحقيقة
والولع
ولمن يشغل
باله بالسؤال عن الحقيقة في هذه المسلسلات وغيرها من المسلسلات التي سبق أن
تناولت سيرة العظماء، نقول ان الأهم في هذه الموجة الدرامية ليس كبد
الحقيقة وانما حالة الجدل التي يصنعها كل مسلسل منها!
ففي
التاريخ لا أحد يملك الحقيقة كاملة ولا يمكن أن يزعم لنفسه ذلك.. ولكن
المؤلف الذي يصنع الدراما يفتح الملف على الشاشة تاركا الجدل يحتدم..فهل
قالت المؤلفة لميس جابر الحقيقة كاملة ـ مثلاً ـ في مسلسل فاروق العام
الماضي؟ لا، حتى المرجع الكبير الراحل يونان لبيب رزق الذي راجع المسلسل لم
يزعم ذلك.. لكن حالة الجدل التي صاحبت وأعقبت المسلسل هي الثمرة اليانعة
المرجوة.. فدفاتر التاريخ العربية معظمها مغلق مسكوت عنه.. تارة بحجة "عظام
التربة" وتارة باسم "السمعة الوطنية" وتارة بحجة "الانشغال بما هو اهم"
..وفي جميع الحالات مطلوب من صوت التاريخ ألا يتكلم، وأن يواصل الصمت
لمصلحة هذا الطرف أو ذاك!
لا أحد
يملك الحقيقة في هذه المسلسلات ولا في دفاتر التاريخ ولا أحد يملك سلطة
تنقيح التاريخ..لا الورثة ولا المؤرخون انفسهم ولا السلطة ولا المشاهدون!
وحتى هؤلاء الورثة يحق لهم فقط ما تركه الراحل من تراث او عقار ان كان ترك.
ولا عجب
اذن في حالة الولع التي تحيط بهده المسلسلات التي تعرض سير المعاصرين..لان
حالة المسكوت عنه من التاريخ طالت وتمددت وأفرزت حالة من الغموض والتعتيم
الذي لم تعد له ضرورة سوى أننا تعودنا الصمت باسم احترام الماضي فأصابتنا
علل شتى في الحاضر.. والناس يريدون اليوم أن يعرفوا ما طال منعه عنهم..ولم
يعد ممكنا منعه بحال!
المستقبل اللبنانية في 7
سبتمبر 2008
|