طرحت قبل
سنوات مجموعة من الأعمال السينمائية والدرامية التي تناولت شخصية الرئيس
المصري الراحل جمال عبد الناصر، فكان فيلم <ناصر 56> مع أحمد زكي ليلقي
الضوء على مرحلة تأميم قناة السويس وغيرها من الأحداث التي جرت ضمن حقبة
زمنية محددة، وبعدها أطل خالد الصاوي عبر فيلم <جمال عبد الناصر> فتطرّق
العمل أيضاً الى الثورة ضد الملك فاروق حتى وفاة الزعيم المصري، وكذلك
مسلسل <أم كلثوم> فتح نافذة مهمة على المرحلة الناصرية، لكن مسلسل <ناصر>
الذي تعرضه فضائية الـ خلال أيام شهر رمضان المبارك كانت له أبعاد دقيقة
وشاملة وواضحة سعى المؤلف يسري الجندي عبرها الى الغوص في جميع مراحل
القائد العربي منذ الطفولة وحتى الرئاسة، فإذا بالمعالجة الدرامية تأخذ
طابعاً شيقاً يؤرّخ حياة ذلك الطفل الذي تربى بعيداً عن والديه لفترة من
الزمن، وأصيب بنكسة غير عادية عند وفاة والدته، فاستمد من بيئته الريفية
ذلك العنفوان الوطني والعناد للوصول الى الحق، فتكرّست لغة الارض بكل
عفويتها في ملامحه، حتى اعتنق النضال للتعبير عن ذاته ووطنه·
الممثل
والمخرج السوري باسل الخطيب، حقق مفاجأة غير عادية في صياغة صورة تلك
الدراما الحساسة التي لا تحتمل أدنى الثغرات، فدخل الى نص يسري الجندي بكل
انفعالاته وجديته وعفوية احداثه، ليترجم الخطوط العريضة التي رافقت جمال
عبد الناصر منذ كان صغيراً حتى مراحل الدراسة والانخراط في الجيش والمشاركة
في القتال، والنضال ضد الاحتلال، والاتجاه نحو مسارات الرفض للتسلّط الذي
كان يمثله الملك فاروق، وصولاً الى نقطة تحوّل الضباط الاحرار وبما فيها من
عمق وتوازن، ومعالجة غير ثابتة للتطورات التي أحدثت الانقلاب وحققت
انتصاراً للشعب المصري الذي استمد الاوكسجين من خطوة لا تنطبق عليها سوى
صفة المغامرة الناجحة بتفوّق·
الممثل
الشاب مجدي كامل حاله كما حال المخرج باسل الخطيب، التف بكل براعة على
الرهانات السلبية التي وضعت أمامه على أساس أنه سيفشل في تجسيد شخصية عبد
الناصر صاحب الملامح الخاصة والايماءات التي لا يمكن حلها بسهولة، إلا أن
خبرة وقناعة ذلك الفنان جعلته يقتحم خصوصية <ناصر>، بكل ما تحمله الكلمة من
معنى لدرجة توازي إبداع الفنان الراحل أحمد زكي في فيلم <ناصر 56> حيث أبحر
مجدي كامل مع ذلك المركب الناصري بعكس كل التيارات والامواج العتية، واستحق
الاستحسان في امتحان ليس من السهل ان يفوز به اي فنان، خصوصاً اذا كان من
الجيل الجديد، ولا شك في ان الكاتب يسري الجندي سارع الى استيعاب امكانيات
كامل ووضع على عاتقه اثقال ذلك الدور الذي رفع رصيده ودفعه الى مقدمة نجوم
الشاشة الصغيرة·
اللافت في
مسلسل <ناصر> ان يسري الجندي لم يعتمد على صيغة المجاملات في كتابته لذلك
النص الضخم والمعقد وكانت لديه الجرأة للاضاءة على أخطاء المرحلة الناصرية
وهفوات الثورة، ولو أتى ذلك بشكل ملطف، ولا بد من الاشارة الى ان السيدة
هدى جمال عبد الناصر ساهمت في دعم نص الجندي بالكثير من الوثائق الخاصة
وحتى أنها لم تعترض على أي نقطة تطرّق اليها الكاتب استناداً الى المعطيات
التاريخية، وهي الناحية التي أعطت المسلسل المذكور المزيد من الجاذبية
والمصداقية، علماً أن بعض الأصوات خرجت لتعترض على هذا النوع من الشفافية
في معالجة درامية تتناول سيرة حياة جمال عبد الناصر·
فضائية
أصابت الهدف هذه المرة في اختيارها مسلسل <ناصر> لعرضه حصرياً ضمن لبنان،
كونه يعرض عبر فضائيات عربية اخرى، ومع الاشارة الى ان هذا الخيار دعم نسبة
المشاهدة لهذه الشاشة كون العمل يستحق المتابعة·
اللواء اللبنانية في 6
سبتمبر 2008
|