لا أعرف إن كان من رابط بين ألبوم فريق «بينك فلويد» «الجدار» 1982
الذي يصرخ فيه روجر وتر «فيرا ما الذي حل بك» وفيلم المخرج
البريطاني مايك لي Vera Drake «فيرا
دريك» ،2004 رابط يتعدى الاسم إلى ما يجعل النداء على فيرا مطالبة
بالطيبة والرقة والأمومة، أو ربما بما يدفعنا للتساؤل طيلة
مشاهدة ذلك الفيلم «ما
الذي ينتظر فيرا دريك؟»، ونحن نتابع حياتها وهي تجتهد لأن تكون موجودة في
كل مكان،
لا بل ونحن نعرف الإجابة لكننا نؤجلها لأنها آتية لا محالة.
قبل استعراض
الفيلم تجدر الإشارة إلى أن مايك لي يعتبر واحداً من أبرز المخرجين
الانجليز
المعاصرين، ولنا أن نورد أفلامه «كل شيء أو لا شيء» «عارية»،
و«أسرار وأكاذيب» (سعفة
كان الذهبية 1996) وغيرها لاستعادة منجزات كثيرة حققها للسينما الانجليزية،
دون أن ننسى أن «فيرا دريك» حصل على أسد البندقية الذهبي وجائزة أفضل ممثلة
ليملدا
ستونتون عن تجسيدها شخصية فيرا وغيرها من جوائز عديدة في
مهرجانات كثيرة حول
العالم.
يتمركز الفيلم حول شخصية فيرا التي لا تتوقف لحظة عن العمل، فهي
تعمل خادمة في بيوت الأغنياء، وتساعد في الوقت نفسه كل من
حولها، سعيدة دائماً
كونها قادرة على إسعاد الآخرين، تتفقد جيرانها، تعتني برجل مقعد تعينه
زوجته
العاملة والتي تمضي كامل وقتها خارج البيت، تزور أمها العجوز وتلبي
احتياجاتها، وكل
ما يخص عائلتها مضبوط ومعتنى به بصرامة، زوجها الذي يعمل مع
أخيه الثري في تصليح
السيارات، ابنها الذي يعمل خياطاً، ابنتها الحزينة المضطربة وهي تعمل في
معمل
مصابيح كهربائية.
بيتها الصغير مفتوح أمام الجميع، قد تلتقي مع شاب حزين وهي
تنزل الدرج، فتدعوه إلى الغداء، فيصبح خطيب ابنتها. في الفيلم نحن في لندن
عام
،1950
ومازال شبح الحرب مخيماً عليها، وجميع الشخصيات مسكونة بذكريات ومشاهدات
أليمة، لكن فيرا تمتلك من الحنان ما يفيض عليهم جميعاً، وهي
قادرة على أن تكون
فاعلة في كل شيء، والسعادة بالنسبة إليها سعادة الآخرين، إلى درجة تورطها
بفعل تجده
خيّراً بالمطلق، ألا وهو «مساعدة الشابات» كما تسمي إقدامها على مساعدتهن
دون أي
مقابل مادي على الإجهاض، وبطريقة بدائية تستخدم فيها أنبوباً
تدخل به ماء ممزوجاً
بالصابون وسائل معقم إلى رحم الفتاة الحامل.
وعليه تبقى طيلة الفيلم وهي
تقوم بهذه العملية بوصفها فعل خير تقصد من خلاله تخليص الفتيات من عبء
الحمل، الذي
قد يكون من جراء تعرض إحداهن لاغتصاب كما يحدث لابنة سيدة تعمل لديها فيرا،
أو حمل
زوجة بابنها السابع الذي يشكل كارثة بالنسبة للزوج، ولتلقي
عليها الشرطة القبض بعد
وصول إحدى من أجرت لهن تلك العملية إلى الموت ونجاتها منه بأعجوبة.
ما تقدم
سيقلب حياة فيرا وعائلتها رأساً على عقب، سيظهر طيبة فيرا لدرجة السذاجة،
دون أن
يكون الفيلم في وارد تسجيل مقولته بخصوص الإجهاض، وإن فعل، خصوصا بعد
استعراضه لما
يدفع الفتيات إلى الإقدام عليه، والتعقيدات التي تواجه الإجهاض في تلك
الفترة من
تاريخ انجلترا، فالأمر الأشد أهمية في الفيلم شخصية فيرا نفسها، دهشتها
باكتشاف أن
ما قامت به على مدى 20 سنة أمر لا يحمل المساعدة بل الأذى، وأن
القانون سيعاقبها
على ذلك، وليحكم عليها بالسجن لسنتين ونصف السنة.
يمتلك الفيلم قدرة لافتة
على نقل أجواء المرحلة التي يصورها، وتحديداً الحياة الأسرية لعائلة فيرا،
ولعل
معرفة الاهتمام الكبير الذي يوليه للممثلين سيوضح حميمية
الفيلم، وتقديمه العائلة
بواقعية تحيل كل شيء إلى محاكاة محكمة للحقيقة، فمايك لي وقبل تصويره أي
فيلم يجمع
ممثليه ويجعلهم يعيشون سوية لشهر أو أكثر ومن ثم يبدأ عمليات التصوير، وفي
هذا ما
جعل شخصيات «فيرا دريك» متلاحمة كما لو أننا أمام عائلة
حقيقية، ستدفع في النهاية
ثمن طيبة فيرا دريك، وإصرارها على أن تكون نافعة على الدوام.
الإمارات اليوم في
28/07/2009 |