ما العلاقة بين 'حماس' (حركة المقاومة الاسلامية التي باتت تشكل
شوكة سياسية في حلق المجتمع الدولي وحتى
بعض الاطراف العربية والفلسطينية) من جهة و'الحمص' (المنتج
الغذائي المنسوب للعرب
أو الشرق أوسطيين عموماً) من جهة أخرى؟. العلاقة ليست مباشرة ولا وثيقة
بالتأكيد،
لكن الامر ليس كذلك بالنسبة للصحافي النمساوي 'برونو'.
ويختلط الامر على 'برونو' حتى أنه يتصور أن لا فرق بين (حماس)
و(الحمص) بل ان لب الصراع الفلسطيني ـ
الاسرائيلي هو الحمص، ولذا فان أمر حل هذا الصراع ليس صعباً
كما يتصور البعض وقد
يتكلف فقط قليلاً من خبز البيتا أو ما شابه!
من جهته، اجتهد الدكتور غسان الخطيب
وهو سياسي فلسطيني معروف في توضيح الامر للصحافي الذي عمد الى الجمع بينه
وبين
شخصية اسرائيلية أخرى في مدينة القدس قبل شهور لمناقشة القضية المعضلة، حيث
شرح بكل
وضوح وحسن نية أن 'حماس' شيء و 'الحمص' شيء آخر!، ولكن تمادي
الصحافي جعله يشك في
الامر ويعتقد أن وراءه شيئاً من المزاح غير البريء.
ولاقى حدس الدكتور الخطيب
تصديقاً في العاشر من الشهر الجاري في دور السينما البريطانية حيث بدأ عرض
فيلم
كوميدي يحمل اسم 'برونو' وتظهر فيه مقاطع من المقابلة المذكورة.
وفوجئ
المشاهدون العرب ومن هم على معرفة بالصراع العربي ـ الاسرائيلي بمشاركة د.
الخطيب
في الفيلم الى جانب شخصيات فلسطينية أخرى مثل عدنان الحسيني
وأيمن أبو عيطة وذلك
على نحوٍ مخالف لما اعتادوا عليه.
ونقلت صحيفة مترو البريطانية في عددها الصادر
الثلاثاء الماضي تصريحاتٍ غاضبة لأبو عيطة الذي وصفه 'برونو' في واحدة من
مقابلاته
الترويجية للفيلم بأنه ارهابي وأنه 'عثر على ارهابي حقيقي وجره إلى مقابلة
سيعرضها
في فيلمه الجديد برونو'. ولفتت الصحيفة إلى أن أبو عيطة يخطط
الآن لمقاضاة بطل
الفيلم لوصفه له بأنه 'عضو خطير' في كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري
لحركة
فتح.
أما الدكتور الخطيب فقال في حديثٍ عبر الهاتف مع 'القدس العربي' ان الامر
انطوى على خديعة وتحايل وانه لم يكن يعلم بأنه سيكون جزءاً من
فيلم سينمائي، فقد
اتصل به صحافي نمساوي يسمى 'برونو' ورتب لقاء مع شخصية اسرائيلية لمناقشة
موضوع
الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
وقال الخطيب انه عندما تبين أن الامر لا يخلو من
سخرية واستهزاء وليس موضوع جهل وعدم معرفة تراجع في قراره بالمشاركة في
الحوار وقام
بالاتصال بالصحافي ليسأله عدم اذاعة المقابلة بالمرة الا أن الامر لاقى
آذاناً
صماء. وأشار د. الخطيب في هذا الخصوص الى أن وسيلة الاتصال
الوحيدة مع الصحافي
المزعوم كانت البريد الالكتروني فقط لا غير، وأنه قام بارسال العديد من
الايميلات
لحث 'الصحافي' على عدم نشر المقابلة الا أن محاولاته كلها كانت دون جدوى
حيث لم يلق
أي رد من 'الصحافي'.
وتلقى د. الخطيب مؤخراً عدة مكالمات هاتفية من أصدقاء
شاهدوا الفيلم في دور العرض الغربية وكشفوا له حقيقة الخديعة التي تعرض
لها، فعرف
أن الصحافي النمساوي الذي حاوره ليس الا الممثل الكوميدي المعروف (ساشا
بارون
كوهين) (37 عاماً) الذي سبق وأن تقمص شخصية صحافي في أكثر من
فيلم وعرض كوميدي.
أما هذه المرة فقد اختار كوهين أن ينتحل شخصية 'برونو' الصحافي النمساوي
المتخصص في الازياء والموضة وله ميول جنسية مثلية. ويقرر
'برونو' أن يغادر بلده
النمسا الى الولايات المتحدة الامريكية بحثاً عن النجومية والشهرة ويكلفه
ذلك أن
يطرق أبواباً عدة وأن يحاول دروباً مختلفة، ويقوده اصراره على البحث عن
النجومية
الى محاولة التدخل لحل الصراع العربي الاسرائيلي أو حتى عرض
نفسه للخطف على أيدي 'مجموعة
ارهابية' أملاً في أن يفتح ذلك أبواب الشهرة والمجد أمامه!.
وهذه ليست
المرة الأولى التي يستخدم فيها ساشا بارون كوهين أسلوب المزج بين النهج
'الروائي'
والآخر 'التوثيقي' في أفلامه، متنكراً بصفة
صحافي، فقد لجأ من قبل الى هذا الأسلوب
في أفلامه السابقة التي لاقت نجاحاً منقطع النظير ومنها 'بورات'
في العام 2006 الذي
نال عنه جائزة بريطانية رفيعة، كما أن شخصية (علي جي) التي قدمها في عرض
تلفزيوني
ناجح قبل أعوام تعد من أشهر الشخصيات في التاريخ الكوميدي الحديث في
بريطانيا.
ولا يقتصر تناول الصراع العربي ـ الاسرائيلي في الفيلم على الشخصيات
الفلسطينية
التي تمت استضافتها، فهناك العديد من الاشارات الساخرة لواقع
الشعوب العربية و
الأديان عموماً. ومثلاً عمد الممثل عند استضافته للممثلة الامريكية من أصل
عربي (بولا عبدول) الى دعوتها للجلوس على مقعد
عبارة عن جسد لانسان حي لا تخفي ملامحه
أصوله العربية أو الشرق الاوسطية، فيما اتخذ هو لنفسه كرسياً
مشابهاً لم يفلح صاحبه
(الكرسي)
في اخفاء ملامح الاعياء والارهاق التي ربما تشير رمزياً الى حالة القهر
السياسي التي تعانيها الشعوب العربية. وزاد الممثل في استفزازه الكوميدي
عندما عرض
بعض الطعام لضيفته مقدماً على جسد رجل ذي ملامح شرق أوسطية
أيضاً، ما اضطر الضيفة
الى مغادرة العرض غاضبة.
وبخلاف ذلك فقد تضمن الفيلم بما لا يدع مجالاً للشك
مشاهد جنسية فاضحة وتحطيماً للكثير من الخطوط الحمر في مجالات عدة، الامر
الذي رجح
معه المراقبون أن يتسبب الفيلم في عاصفة من ردود الافعال الغاضبة فردياً أو
جماعياً. وكان السفير النمساوي أعرب عن اعتراضه على ما اعتبره
اساءة لبلاده عندما
جاء على لسان بطل الفيلم أنه يطمح الى أن يكون النمساوي الأكثر شهرة من
(هتلر)
النمساوي المولد. وقال السفير انه قلق من
أمر الربط بين بلاده وسيرة هتلر.
يشار
الى أن أفلام ساشا كوهين تحظى بالنجاح غالباً، ولا يبدو أن الفيلم الجديد
'برونو'
الذي سبقته حملة اعلامية ضخمة سيكون استثناء من هذه القاعدة. أما كوهين
نفسه فيرى
فيه البعض نموذجاً للجانب الآخر المشرق في 'شخصية اليهودي' كما وصفه أحد
أصدقائه
وزملاء مهنته في فيلم وثائقي عنه عرضته القناة التجارية الرابعة في
التلفزيون
البريطاني مؤخراً.
القدس العربي في
23/07/2009 |