زار بيروت، مؤخّراً،
الممثل المصري الشاب محمد كريم، أياماً قليلة للغاية، حاول أثناءها معرفة
ردّ فعل
الجمهور اللبناني إزاء فيلمه الجديد «دكان شحاته» لخالد يوسف،
الذي يبدأ اليوم
أسبوعه الخامس في صالة لبنانية
واحدة فقط، هي «أمبير سوديكو». إنها دردشة سريعة،
أكملها كريم بإرسال أجوبة يُفترض بها أن تكون خاصّة بـ
«السفير»، بدأها بالقول إن
فيلمه هذا ذو قيمة فنية كبيرة، وإن موضوعه «يمسّ كل فرد من أفراد المجتمع،
وهو
قريبٌ جداً من المواطن العادي، لأنه (أي الفيلم) يتناول تفاصيل مجتمعنا
خلال
الثلاثين سنة الماضية، من خلال عائلة صعيدية». وأشار إلى أن
«دكان شحاته»، الذي
مثّل فيه محمود حميدة وعمرو سعد واللبنانية هيفاء وهبي وآخرون، «أحدث جدلاً
كبيراً،
نقدياً وجماهيرياً، أكثر من «حين ميسرة» (الفيلم السابق لخالد يوسف ومحمد
كريم
أيضاً)، علماً بأن هناك «الريس عمر حرب»، الذي جمع المخرج
والممثل معاً: «إنه (دكان
شحاته) فيلمي الثالث مع خالد يوسف، لكني أعتبره التعاون الأول، لأن يوسف
بذل جهداً
كبيراً معي لتأدية الدور في أفضل صورة ممكنة. قدّمني للمرّة الأولى بهذه
الجرأة،
ومنحني مساحة كبيرة في فيلم أرى أنه مهمّ. ثم إنه هو الذي
رشّحني للدور. أعتبر نفسي
تلميذه، لأنه علّمني أشياء كثيرة، أبرزها اللغة القائمة بين الممثل
والكاميرا،
بالإضافة إلى التفكير الدائم بالتمثيل».
وصف كريم أبرز ملامح شخصيته في الفيلم،
بالقول إن سالم «شاب صعيدي يعمل في دكان والده الحجاج (حميدة) لبيع
الفاكهة. إنه
مغرم ببيسه (وهبي)، لكنه يتزوّجها في ظروف صعبة، وغصباً عنها». وقال إن
الفيلم يرسم
صورة قاسية عن الواقع، لتركيزه على أن «الظلم الاجتماعي
سيوصلنا إلى حالة الفوضى
العامة»، وأن «قتل البراءة والطيبة والتسامح سيتيح لـ «البلطجية» الانتشار،
ما
يؤدّي إلى فقدان الناس شعورهم بالأمان». غير أن التحضير للدور «كان مرهقاً
جداً،
على الرغم من أنه الفيلم السابع لي. هذا مختلف تماماً، لأني
أظهر في شخصية تشكّل
الشرّ في داخلها تراكمياً، لأن الأب كان يُفضّل ابنه شحاته على الآخرين
دائماً.
تطلّب الأمر استعداداً نفسياً كبيراً
للدخول في الشخصية، بالإضافة إلى التحدّث
باللهجة الصعيدية، التي فاجأني بها يوسف في أول أيام التصوير، إذ كان
الاتفاق أن
يتحدّث الأب وحده هذه اللهجة. تدرّبت عليها مع بوّاب العمارة الصعيدي ساعات
طويلة،
كي أفهم طريقته. أعتقد أني نفذّت اللهجة بطريقة واقعية، أي
خليط بين اللهجتين
القاهرية والصعيدية. وعلى الرغم من أني ضاعفت جهدي لاتقان اللهجة الصعيدية،
إلاّ
أنها منحت الشخصية واقعية وصدقاً. كما أني احتككت بأهل محافظة المنيا،
عندما ذهبنا
إلى هناك لتصوير بعض المشاهد، كي أعرف المزيد عن حياتهم وردود أفعالهم. هذا
كلّه
أفادني في تأدية الدور».
إلى ذلك، قال كريم إنه بحث عن هذا الدور منذ بدايات
عمله الفني: «بعد عرض الفيلم في القاهرة، أردت معرفة ردود فعل المشاهدين.
سعدتُ
جداً عندما أدركت مدى كراهيتهم سالم. شعرت عندها بأني نجحت في تقديم
الشخصية، على
الرغم من أنها كلّفتني كثيراً. إن الشخصية التي قدّمتها
مركّبة، لأن هناك أسباباً
أدّت إلى تكوّن سالم بهذه الطريقة. ردود فعله متباينة، لكنه قاس وشرير ولا
يتنازل
عن حقّه أبداً». أما عن مسألة الاندماج، فقال إنه عندما يقف أمام الكاميرا
يندمج
كثيراً في الشخصية التي يؤدّيها «إلى درجة أني فقدت السيطرة
على أعصابي، ما جعل
يوسف يتدخّل أكثر من مرّة لوضع حدّ لمشاكل نتجت من مشاهد الضرب التي شاركني
فيها
عمرو سعد وعمرو عبد الجليل. تدخّل آخرون أيضاً لإنقاذهم من بين يديّ. مع
هيفاء
وهبي، كانت المشاهد قاسية جداً، على الرغم من أننا أجرينا
تدريبات عدّة. أنا رجل
صعيدي و«دمي حام»، وهي امرأة لا تطيعه. أراد يوسف إعطاء المشهد مصداقية
عالية، وهو
ماهر جداً في التعامل مع هذا النوع من المشاهد». أضاف كريم أن «الصفعات
التي
وجّهتَها هيفاء وهبي الي في مشهد النهاية حقيقية، كأنها مُصابة
بهيستيريا فعلية.
اكتشفتُ أنها صفعتني سبعاً وستين مرّة، إذ أُعيد تصوير المشهد ثلاث مرّات».
ووصفها
بأنها «فنانة واعية ومتفهِّمة. لذلك تقبّلت الأمر بشكل طبيعي، لأن المسألة
كلّها
مجرّد تمثيل. ما ساعدنا على ذلك وجود مخرج محترف ومتمكّن من
أدواته وتوجّهاته
وتوجيهاته».
من ناحية أخرى، قال محمد كريم، ردّاً على مسألة الاغتصاب الزوجي،
إن سالم رفض تمنّع بيسه عنه، مع أنها زوجته: «إنها لا تحبّه.
اعتبر سالم تمنّع
زوجته عنه إهانة لكرامته ورجولته. ضربها بقوّة كي تستسلم. ثم اغتصبها
بوحشية. تمّ
تسليط الضوء على هذه المسألة، لأنها غالباً ما تحدث حالياً. هناك جمعيات
نسائية
عدّة تسلّط الضوء على الاغتصاب الزوجي، وتبحث عن أسبابه. أعتقد
أن إظهاره على
الشاشة الكبيرة يُعتبر خطوة على طريق مطالبة المجتمع بحقوق المرأة.
بالطريقة نفسها،
تناول الفيلم قضية ميراث الأنثى في المجتمعات الشرقية، إذ وزّعنا ميراث
الأب على
الشباب الذين ظلموا أختهم. لا يوجد بيت في مصر كلّها تقريباً
يخلو من مشاكل
الميراث، التي أظهرها الفيلم للفت انتباه المسؤولين والمجتمع كلّه».
كلاكيت
أن نترجم
فيلماً
نديم جرجورة
تعاني صناعة الأفلام
السينمائية العربية والأجنبية مشكلة واضحة في مسألة الترجمة إلى اللغات
الأخرى، عند
عرض الأفلام
المذكورة في دول ناطقة بلغات مغايرة للغات الأفلام. فباستثناء الأفلام
الغنائية، التي يترجمها صانعوها كاملةً، لا يعثر المُشاهد على
ترجمة دقيقة وواضحة
للأغنيات المُسَاقة داخل السرد الدرامي، سواء كانت مؤلَّفة خصّيصاً
بالفيلم، أم
استُلَّت من التراث الغنائي أو الأعمال الفنية الحديثة؛ بل إنه لا يعثر على
الترجمة
نهائياً. وإذا تحمّل المخرج مسؤولية ما في هذا الإطار، فإن المنتج يتحمّل
مسؤولية
أساسية، لأن الترجمة محتاجة إلى تكاليف مالية تقع على عاتقه،
علماً بأن الأغنيات لا
تقلّ أهمية عن النصّ الحكائي للحبكة، لأن المخرج اختارها لأغراض درامية
وفنية
وجمالية وإنسانية، تُفيد حكايته وتساهم في تفسير جوانب أو حالات أو مواقف
أو مشاعر،
لا يُمكن للصورة أو الأداء التمثيلي أو الحوار، وحده، تفسيرها.
لا تُعاني
الأفلام العربية فقط هذا المأزق. ذلك أن أفلاماً أجنبية عدّة، خصوصاً تلك
المنجزة
بلغات غير اللغتين الفرنسية والإنكليزية الأكثر انتشاراً في
العالم إلى جانب
الإسبانية، تعاني المأزق نفسه، فإذا بالمُشاهد يحتار أمام ما تُشاهده عيناه
على
الشاشة الكبيرة (وهو يتمتّع به، ربما)، وما تسمعه أذناه من دون أن يفهمه.
إذ كيف
يُعقل لعربيّ، مثلاً، يُتقن إحدى اللغتين الإنكليزية أو
الفرنسية (هناك من يُتقن
لغات أخرى أيضاً)، أن يتابع الوقائع الكاملة لنصّ درامي مكتوب بلغة غيرهما،
بحواراته وأغنياته ومناخه العام، إذا لم تُقدِّم الترجمة له دلالات حيّة
عمّا تعنيه
هذه الأغنية، نفسياً أو جمالياً أو درامياً؟ ألا تعبّر الترجمة السليمة
والكاملة
للفيلم كلّه عن احترام كبير للمُشاهد، المحتاج إلى متابعة كل
ما يجري أمامه على
الشاشة الكبيرة، وإدراك المعاني الكامنة في المتن، كما في التفاصيل
والهوامش، لأن
التفاصيل والهوامش لا تقلّ أهمية (أو هكذا يُفترض بها أن تكون) عن المتن؟
***
تنسحب مسألة الترجمة على السوية اللغوية المعتمدة فيها. فإذا ندر أن تخطئ
الترجمات الأجنبية في نقل المضامين والتعابير والكلمات، من دون
الابتعاد عن المناخ
الدرامي العام للنصّ؛ إلاّ أن الترجمة إلى اللغة العربية تعاني مأزقاً
لغوياً
وأدبياً، لأن معظم العاملين فيها لا يتقنون علم الترجمة وقواعد اللغة
العربية،
ومعرفتهم اللغات الأجنبية منقوصة أو مشوّهة أو مسطّحة، فإذا
بالترجمة العربية
مرتبكة وخاطئة في تفسيرات مختلفة؛ ناهيك بوجود عوائق «أخلاقية» و«دينية»
تحيل
الترجمة إلى رقيب.
مشكلة الترجمة الرقابية عويصة في عالم عربي غارق في تخلّفه
وحصاره المدمِّر. لكن، ألا يُمكن توظيف محرّر لغوي أو مراقب أدبي لمعاينة
النصّ
المترجَم إلى العربية قبل إرساله إلى المُشَاهِد؟ ألا يجدر بالمعنيين
بالترجمة إلى
العربية أن يولوا هذه الترجمة عناية صحيحة وسليمة، كي يتطابق
النصّ المترجَم إلى
العربية مع النصّ الأجنبي وقواعد اللغة العربية؟
السفير اللبنانية في
23/07/2009 |