شارع السعدون؛ كيف كان؟ وكيف هو الآن؟ ما هي أسباب غلق أغلب دور السينما
وإهمالها؟ هل عاد روّاد السينمات من جديد بعد فترة طويلة من الغياب؟ هل
تحول شارع السعدون من شارع ثقافي إلى شارع "طبي" أي للعيادات؟ في الـ 6
سنوات السابقة والانفتاح الإلكتروني السريع على العالم، ودخول لعبة "الستلايت"
الساحرة، هل لهذه العوامل تأثير على شحة رواد السينمات؟ الوضع الأمني، كيف
كان أثره على شارع السعدون؟ الكثير من الذين هاجروا وابتعدوا عن عراقنا
الحبيب، وكان لشارع السعدون النصيب الأوفر من الذكريات التي يحملونها، هل
يعرفونه لو عادوا؟ وهل اللعب بمعالمه يشكل تخريبا للذاكرة الوطنية؟ من هم
الذين دعموا احياءه، وساهموا في تطويره؟ وما هو قانون "الثلث" السينمي؟
ذهبنا إلى وسط بغداد، إلى الشارع الأثير الذي كان لا يهدأ ولا ينام، حيث
حواضن الثقافة والذكريات، لعلنا نجد جواباً لكل هذه التساؤلات. بعد مرورنا
بسينما "النصر" التي تحولت بوابتها الجميلة الى مقهى شعبي، تفاجأنا حين
وجدنا أبواب سينما "السعدون" مفتوحة، اغتمرنا الفرح ونحن نمشي في ممراتها
لنجد أهلها يرفضون التحدث إلينا، وبأسلوب غير معهود، غادرناها بأمل البحث
عن أخرى تكون مفتوحة، فوجدنا سينما "سميرأميس" بفخامتها وبنايتها الرائعة
قد فتحت أبوابها، لمسنا ترحيباً جميلا، حتى عرضوا علينا استعدادهم الكامل
للتعاون معنا في جميع المجالات بعد أن عرفوا أننا من جريدة "طريق الشعب"،
تحدثنا مع السيد فؤاد البياتي المسؤول عن إدارتها وسألناه:
• بعد إعادة فتح دور السينما، هل وجدتم إقبالاً لاسيما أن فترة غلق هذه
الدور ليست بالقليلة؟
ـ قمنا بفتح هذا الدار على نفقتنا الخاصة، وعلى مسؤوليتنا الخاصة أيضا،
ولنجلي عن العائلة العراقية الهموم ومشاكل الحياة اليومية وتستريح لساعتين
وثلاث، لم نجد أي دعم من وزارة الثقافة لأنهم يعانون نقص التمويل وبرأيي
الشخصي أن وزارة الثقافة وزارة مهمة لا تقل في أهميتها عن أي وزارة سيادية،
وعلى الدولة أن تولي إهتماما كبيرا بها، لأنها لا تستطيع أن تدعم أي دار
للعرض.
شخصيات لها دور كبير في دعم الثقافة
ويكمل الفنان فؤاد قائلاً: وجدنا دعماً كبيراً مادياً ومعنوياً من شخصيات
لها دور كبير في دعم الثقافة كالأستاذ صباح المندلاوي والدكتور شفيق
المهدي، حيث أبدى المهدي استعداده الكامل للتعاون معنا وهذا جزء من أخلاقه
وشخصيته، ومن خلال هؤلاء الناس الطيبين استطعنا أن نصمد بوجه كل الصعوبات
التي اعترضت طريقنا، وما نعاني منه بشكل كبير هو القانون الذي أصدره النظام
السابق بأخذ ثلث أثمان البطاقات، وها قد سقط النظام ولكن هذا القانون للأسف
لم يسقط، فنحن نعاني الابتزاز، يأخذون منا مبالغ كبيرة، وكما تعرفون نحن
نعاني نقصا في التمويل، ووصل المبلغ ذات مرة إلى 667,000 ألف دينار "صورة
الوصل مرفقة" وإذا لم نقم بدفع هذا المبلغ سترفع علينا دعوى قضائية ونغرم
من قبل الحكومة، بالإضافة الى الرشاوى والهدايا الواجب علينا تقديمها وإلا
تغلق دار السينما هذه!!، من قبل الأمانة ومن قبل الصحة وغيرهما، حتى وصلت
دور العرض الى الإفلاس جراء هذا القانون، وهذا سبب في إغلاق الكثير منها،
أنا بدوري أطالب رئيس الوزراء أن يعيد النظر في هذا القانون، كما أطالب
برفع الضرائب على الأقل لتشجيعنا على مواصلة مسيرتنا هذه، وإعادة إحياء هذه
الدور التي كانت محط إقبال العوائل والشباب، ولنقدم ثقافة جميلة من خلال
الأفلام الواعية التي نقدمها، ولا تفوتني الإشادة بالقوات الأمنية التي
وجدنا منها تعاوناً كبيراً عندما تأتي في زيارات متابعة.
نقدم خدماتنا للعوائل بمبلغ يفوق أسعار البطاقات
ويضيف: يوم أمس أتت عائلة عراقية، قمنا بدعوتهم للجلوس في الجناح الرئاسي،
وقدمنا لهم ضيافة بأكثر من أسعار البطاقات، وخصصنا لهم عاملاً يلبي جميع
احتياجاتهم. كل هذا حتى نعيد البريق لهذه الدور المهمة.
رسالة إلى الدكتور أياد السامرائي
• هل فكرتم في إنتاج فيلم خاص بكم؟
- نعم فكرنا في مشروع كهذا، سنقوم في أول أيام عيد الفطر المبارك بإنتاج
مسرحية كوميدية، نقدية، بأسلوب متحضر بعيد من الألفاظ النابية، نعرض من
خلالها مشاكل عديدة يعانيها أبناء شعبنا، بالتعاون مع المخرج الأستاذ ثائر
الهاشمي.
وأضاف: في جلسة لي مع الأستاذ منعم جابر قال لي إن مشكلة الأعمال النقدية
سواء كانت مسرحية أم تلفزيونية، هي أنها تضع أيديها على الجروح وتتركها بلا
علاج!، سأقول له اليوم ومن خلالكم إن العمل القادم سنضع من خلاله أيدينا
على الجروح، ومن ثم نعود لنطيبها.
سنظل نطالب ونطالب، لكن يا ترى من الذي يسمع؟ ومن الذي يطبق؟، نحن نضع جميع
آمالنا بكم، كونكم شيوعيين، الحزب الراعي والداعم للثقافة، وأيضاً باسم
فناني السينما والمسرح، أشكر جريدتكم وتوجهكم، ومن خلالكم أوجّه رسالة إلى
الدكتور أياد السامرائي، ليضع ملفاتنا على طاولة النقاش في البرلمان.
بعد أن استمعنا للحديث الممتع، قمنا بجولة في دار سينما "سميراميس" لنستكشف
جمالها، وعراقتها، وما أسعدنا فعلاً هو عودة هذه الدار الكبيرة كونها تشكل
صرحاً عريقاً في ذاكرة كل من كان يرتاده أيام زمان. وانبهرنا بكل شيء فيها،
من التقنيات إلى الديكور إلى النظافة، ناهيك عن الإدارة المتحلية بالمعرفة
والأخلاق.
نترك سينما "سميراميس" وكلنا أمل وتفاؤل بغدٍ أفضل، لنحط الرحال على أبواب
سينما "أطلس" لنجدها هي الأخرى تزهو، رغم بساطة وتواضع إمكانياتها.
التقينا مديرها الأستاذ سعد الأعظمي لنسأله:
• ما هي المشاكل التي تعانون منها، وهل وجدتم دعماً من أي جهة حكومية أم
غير حكومية؟
- بدءاً اشكر جريدتكم الموقرة، وأشكر اهتمامكم ودعمكم لكل أوجه الثقافة،
أما المشاكل التي تعاني منها دور العرض، فأولها وأهمها هو انفتاح العراق
بعد سقوط النظام على مظاهر التطور، كالستلايت والانترنت، فصار الفيلم
يصلنا وهو ما زال يعرض في دور السينما المصرية وبسعر (2000) دينار، أي حتى
بأقل من سعر البطاقة، وهذا من أهم أسباب إغلاق الكثير من هذه الدور.
• لكن مشاهدة الفيلم بالستلايت لا تعوض لذة المشاهدة في أجواء السينما ؟
ـ نعم تبقى السينما لها لذة ومشاهدة تختلف اختلافاً كليا عن مشاهدة
التلفزيون، لكننا نمر بظرف أمني صعب إضافة الى مشاكل الكهرباء، وكل هذه
صعبت خروج العوائل، فتجدهم يفضلون مشاهدة الفيلم في البيوت على المجيء الى
السينما.
• هل تجدون إقبالاً من قبل العوائل؟
ـ كلا لم تعد تشهد دور السينما مجيء العوائل كالسابق، فكما تعرفون أن
الكثير من العوائل تعاني رازحة تحت ضغوط البطالة ونقص الخدمات، حتى أصبح
المواطن مثقلاً، وبالكاد يجد لقمة عيشه، فكيف يمكنه أن يفكر بالمجيء
لمشاهدة فيلم؟
بعدها انطلقنا لنجد سينما "النجوم" قد أهملت بالكامل وكتب عليها "للإيجار"
.... كم تمنينا لو يعود بنا الزمن الى الأيام التي كانت فيها هذه السينما
قبلة المرتادين، وحتى تحسدها الدور الأخرى لموقعها المتميز.
وتابعنا اللقاءات، ولكن هذه المرة مع أهل المنطقة، فالتقينا روّاد شارع
السعدون، وسألنا المواطن ستار جبار:
• كيف تجد شارع السعدون الآن؟
- شارع السعدون تغيّر كثيرا، قلـّت فيه الحركة، وسلبا أثرت الازدحامات في
ارتياد المواطنين، وتحوّل الشارع من كونه مرتعا للثقافة إلى شارع
للعيادات!!، لا أحد يأتي ليسألنا عن كتاب أو عن سينما، تحولت كل المظاهر
الثقافية إلى مخازن ومحلات.
نواصل المسير لنلتقي المواطن احمد ونسأله:
• كيف تجد حال السينمات اليوم، وانتم كمواطنين ما هو دوركم في إعادة هذا
الشارع الى سابق عهده كونه يشكل جزءاً مهماً من ذاكرتنا الوطنية ؟
- الوضع الأمني أثر تأثيراً كبيرا في دور السينما، وحتى على المواطن الذي
يرتاد السينما، بالإضافة إلى انعدام الرقابة، وبذاءة الأفلام التي تعرض في
بعضها، فسابقا كنا نجد رواداً يحملون من الثقافة الكثير والكثير، أما الان
فوا أسفاه افتقدنا كل هذا، لقد أصبح اهتمام الناس بالأمور السطحية، فكما
تشاهدون تتحول أغلب هذه الدور الراقية إلى مخازن ومطابع وعيادات طبية، وأنا
أضع أمنياتي أمام المسؤولين للالتفات ولو قليلاً لعراقة هذا الشارع، ولما
يحمله من تاريخ وذكريات عظيمة.
مع هذه الأمنية، نحن بدورنا نتطلع إلى أن يعود إلينا هذا الشارع الذي اجتاح
الغبار والإهمال جميع معالمه، ونضع أمنيتنا ومطاليبنا على طاولة النقاش،
لعلنا نجد من يسمع، ومن يفعل....
فما وجدناه هناك، في شارع السعدون يستحق، فعلاً، أن يجد الرعاية والدعم،
لنكمل الخطوات التي نسير بها للوصول إلى العراق الذي نتمنى.
إيلاف في
21/07/2009 |