المخرج السينمائي الفرنسي جون كوكتو،يخلق الشعر في كل ابداعاته
الفنية، السينما بالنسبة له ليست صوراً متحركة، هي فن شعري، تفكير بواسطة
الصورة،يرى ان السينما تدخل في الشعر و لا تخرج منه و ليست
مجرد وسيلة تقنية جديدة،
هي تقدم الشكل المتقدم للثورة الجمالية التي تبني انساناً جديداً.
في افلامه كل
صوره اشبه بفعل يتجاوز معناه العادي، يحمل في داخله صورة الواقع بواسطة
بوابة
الحلم.
كوكتو سيد الضوء و الظلام، الابيض و الاسود، الدخان و السحاب، السماء
و
المرآة. الفيلم ابداع صوري يجمع بين كل المتناقضات،هو لعب ضوئي ساحر، حيث
يتحدث
الضوء ويرقص، وليس مجرد وسيلة لتسجيل الصورة، الضوء فن لرسم
العالم الميتافيزيقي
اللامرئي، السينما هي وسيلة لتوثيق الحلم واللاواقع.
في فيلمه الجميلة و الوحش
يقدم المخرج ايقونات ساحرة بالتلاعب مع اللونيين الابيض و
الاسود.
يمكننا التوقف
مع بعض المشاهد التي تدور في قصر الوحش، هذا القصر ليس مجرد مكان تدور فيه
الاحداث،
هو عالم من عوالم الحلم و الخيال، هي فضاء يجتمع فيه كل الغرائب ، تماثيل
ذات عيون
براقة يتصاعد منها دخان و بخار ابيض، في كل زاوية من هذا القصر
تحوي الدهشه، في هذا
العالم تتحرك شخصيتان من عالمين مختلفين تصارع القدر و تحاول فهم سبب
الوجود.
نحن لسنا امام فيلم خيالي مسلٍ، نحن امام فيلم شعري فلسفي وفكر شاعر
حيث
الصورة السينمائية ابحار في عالم بلا حدود.
هذا القصر يختفي داخل غابه تسبح في
الضباب، نفهم ان المخرج يرى ان العالم الميتافيزيقي جزء من
العالم الظاهر لكن
ادراكنا لا يراه او يحس به، وحدة الشاعر له القدرة على الادراك و الاحساس
بهذه
الاشياء.
نكتشف القصر فجأة، عندما يضيع ابو الجميلة و هو تاجر ترك منزله و ذهب
في رحله تجارية و اضطر للعودة في جنح الظلام، كوكتو يقود هذه الشخصية الى
عالم لم
تتوقعه شخصيته و ليس لها القدرة على فهمه كونها شخصية برجوازية
و عادية لا تحمل
روحاً قادرة على الاحساس بعالم الحقيقة.
يصل الاب للقصر يفتح الباب، يدخل،
بالمدخل يولد الضوء من رحم الظلمة، ايادي تخرج من الجدران تحمل
الشموع، هنا الضوء
اداه حساسه لرسم عالم السحر، يجلس الاب على المائدة يأكل و يشرب ثم ينام،
في الصباح
ينهض مفزوعاً على صوت الوحش، يخرج مسرعاً يبحث عن مصدر الصوت، تقوده
الكاميرا ليرى
وردة حمراء كانت ابنته الجميلة طلبتها، يقطف الوردة و هنا يظهر
الوحش، تقف الكاميرا
كانها مترجم بينهم، لا خيار له سوى الموت او ان يرسل ابنته الجميلة لتصبح
زوجة لهذا
الوحش البشع، يعود الاب يحكي حكايته تقرر الجميلة الذهاب لقصر الوحش.
تمتطي
الجميلة الحصان الابيض تتجاوز الغابة، تدخل القصر، يكون الضوء باستقبالها،
كوكتو
يعرض حركتها ببطء، نراها تسبح او ان هناك قوة غير مرئية تقودها لعالم تمتزج
به
الدهشة و الخوف.
نلاحظ في كل مرة يعرض المخرج المدخل، يختار للكاميرا موضعاً
مختلفاً، يحافظ المخرج على انارة واظهار وجه الجميلة حتى عند صعودها
السلالم حيث
يغمر الظلام المكان.
الظلام بهذا الفيلم عنصر جمالي ديناميكي لتنشيط خيالنا، هو
وسيله لاخفاء اشياء لنظل متحمسين للحظة ميلاد صورة جديدة، لنعيش لحظات خوف
او
قلق.
دخول الجميلة للقصر يجعلنا نتذكر دخول اورفي للعالم الاخر حيث ينزل
الى
الجحيم لاسترجاع زوجته من الموت.
شعرية كوكتو السينمائية ليست مجرد خلق صور
جميلة حساسة؛ هي من اجل طرح اسئلة معقدة عبر قوالب سهلة، هي جدل لا متناهٍ
بين
الواقع الظاهر و عالم الموت و الخلود.
لا يدعونا المخرج ان نتعاطف مع شخصياته بل
ان نعيش التجربه، ان نحلق في عالم اخر غير مادي، عالم روحي
مقدس.
تعيش الجميله
لحظات في هذا العالم كل شيء مسخر لها و يتحدث اليها مثل الباب و المرآه لم
تلتق بعد
بالوحش فكيف سيكون اللقاء؟ الجميله فتاة جميلة، حساسة، تحب أباها، و تسخر
حياتها
لخدمته، هي اشبه بملاك فكيف ستتحمل العيش مع مخلوق بشع؟
الجمهورية اليمنية في
11/07/2009 |