يترقب جمهور التلفزيون والسينما مشاهدة العمل التلفزيوني "أبو ضحكة
جنان" الذي يروي سيرة حياة نجم الكوميديا اسماعيل ياسين. العمل الذي كتبه
أحمد الإبياري وأخرجه محمد عبدالعزيز، يتناول مسيرة ياسين منذ بدء مشواره
الفني وحتى وفاته في العام 1972 عن ستين عاماً وسيُعرض خلال شهر رمضان في
آب/ أغسطس المقبل في أكثر من عشر محطات فضائية من بينها تلفزيون
"المستقبل".
تدفعنا هذه المناسبة الى التأمل في مسيرة اسماعيل ياسين السينمائية
المكرّسة التي ما زالت تسكن الوجدان أكثر مما تخاطب العقل. لذلك تبدو
الاستعادة النقدية لرحلة هذا الممثل منزلقاً لا يخلو من الخطورة. فهي ـ أي
الكتابة النقدية عن ياسين ـ قد تؤدي الى مبالغة في إضفاء رداء فضفاض من
العبقرية والنبوغ عليه أو تسلك الدرب المعاكس الى تسطيحه. وفي كلتا
الحالتين ستبدو قاصرة عن فهم أبعاد ظاهرة اسماعيل ياسين التي انطلقت قبل
سبعين عاماً بفيلم "خلف الحبايب" (1939).
عندما دخل اسماعيل ياسين عالم السينما، كانت تلك الصناعة لا تزال في
طورها الأول في مصر، لا سيما ما يخص الكوميديا التي استندت أفلامها الأولى
الى المسرح الشعبي مع أقطاب من أمثال أمين عطاالله ونجيب الريحاني وفوزي
الجزايرلي وعلي الكسار. وذلك تماماً ما قامت به الأفلام الغنائية الأولى
لبهيجة حافظ ومنيرة المهدية وابراهيم حمود، مستلهمة تراث المسرح الغنائي.
من هنا، اعتمدت بدايات الكوميديا السينمائية السائدة على العديد من تقاليد
المسرح الشعبي وما علق به من تأثير فنون الفرجة والموالد. ومن تلك أن يقوم
الممثل بمخاطبة المشاهد أولاً الجالس في الصالة وثانياً من خلال الكاميرا
السينمائية التي نظر إليها علي الكسار ومن بعده اسماعيل ياسين مخاطباً
المشاهد. كذلك، ارتكزت تلك الأفلام على الشخصيات الشعبية كالعمدة والعسكري
والخواجة والزوجة والحماة وبينها البطل الشعبي غير البعيد من شخصية "جحا".
فالبطل في تلك الأفلام الكوميدية الأولى كما في المسرح الشعبي كان يصطنع
البلاهة ليتمكن من السخرية من دون قيود. وكان في الغالب فقيراً، يمتلك
القدرة على اختراق مظاهر الطبقة الثرية وكشف حقيقة شخصياتها كأنه ينتقم
بذلك لنفسه ولشريحة كاملة من الفقراء.
قدّم اسماعيل ياسين هذا النموذج منذ فيلمه الأول "خلف الحبايب" للمخرج
فؤاد الجزايرلي في دور مساعد لفوزي الجزايرلي (في شخصية "المعلم بحبح") ومن
ثم مع علي الكسار في فيلم "علي بابا والأربعين حرامي" (1942) لتوجو مزراحي.
لعب ياسين الشخصية الشعبية الساخرة "السنيدة" لنحو عقد من الزمن قبل أن
تأتيه البطولة الأولى في فيلم "الناصح" (1949) لسيف الدين شوكت الذي يرجع
الفضل إليه أيضاً في تقديم "شكوكو" بأول دور بطولة في "شمشون ولبلب" عام
1952.
في "الناصح"، لعب ياسين شخصية البطل الأبله الذي لا يكف عن الوقوع في
الورطة تلو الأخرى لكن الحظ يكون حليفه في النهاية. وهو أيضاً الإطار الذي
قدم فيه "البطل" لحلمي رفلة في العام التالي و"المليونير" لرفلة أيضاً.
رسخت تلك الأفلام انتماء ياسين الى الطبقة الفقيرة، ليس في دفاع خبيث عن
الفقر وإنما في محاولة للبحث عن القيم الاجتماعية المصرية في أعقاب الحرب
العالمية الثانية التي شهدت بروز طبقة جديدة من أغنياء الحرب ومحترفي
السياسة الانتهازية. كذلك حملت تلك الأفلام نوعاً من البحث عن هوية مصرية
في الشكل والمضمون بما لا يخلو من السذاجة والبراءة، ضارباً جذوره في فنون
الفرجة الشعبية التي كان ياسين يمتلك أدواتها بامتياز.
من فيلم الى آخر، اكتسب اسماعيل ياسين مكانة شعبية تليق بإمكاناته
الفنية وملامحه الجسمانية ذلك أنه شكّل نموذج البطل للطبقات الفقيرة التي
كانت السينما وسيلة الترفيه الوحيدة المتاحة لها. وجدت تلك الطبقة في ياسين
بطلاً من نوع جديد يشبهها، ويختلف عن البطل المصقول الذي قدمه عماد حمدي
مجسداً أحلام الطبقة الوسطى وآلامها. وليس غريباً بهذا المعنى أن يسهم
ابتعاد اسماعيل ياسين من الوسامة في تقريبه أكثر من الجمهور مشتهراً بلقب "بقّو"
(أي فمه باللهجة المصرية) في إشارة الى فمه الكبير الذي تفنن في تحريكه
واستغلاله كاريكاتورياً. حتى أن شكله الخارجي كان في أكثر من فيلم عنواناً
محورياً يُشار إليه علناً مثلما هي الحال في "أوعي تفكر" (1954) حيث تغني
شادية له "عاجباني وحاشته" أو "المليونير الفقير" (1959) الذي تتغزل فيه
فايزة أحمد بشكله ساخرة منشدة "يا حلاوتك يا جمالك".
[نجم المرحلة
لم تتأخر السينما المصرية، على جري عادة أي سينما تجارية، عن استغلال
شهرة ياسين في أدوار مكررة ومتشابهة، متواضعة المستوى في الغالب، لعبت على
شخصية البطل سيء الحظ الذي يجيد السخرية من كل ما هو زائف. وفي لحظة الذروة
الجماهيرية والنجومية، تطابق النجم والشخصية فصار يظهر في أفلامه بإسم
"اسماعيل" أو "سمعة" بدءاً بفيلم "حرام عليك" (1953) لعيسى كرامة قبل أن
تحمل الأفلام اسمه الحقيقي الكامل على غرار "مغامرات اسماعيل يس" (1954)
ليوسف معلوف و"عفريتة اسماعيل يس" (1954) لحسن الصيفي و"اسماعيل يس يقابل
ريا وسكينة" (1955) لحمادة عبدالوهاب وسلسلة طويلة من الأفلام التي كانت
عناوينها تبدأ بـ"اسماعيل ياسين في...".
في جانبها السياسي، حفلت أفلام الخمسيات التي قدمها اسماعيل ياسين
بتمجيد ثورة 1952 بشكل مباشر أو مبطن. وبعض تلك الأفلام كان جاهزاً للعرض
قبل الثورة، ولكن مع قيام الأخيرة أضيفت إليه مونولوغات من واقع الحال كما
حدث مع فيلم "كلمة حق" (1953) لفطين عبدالوهاب الذي أُضيف إليه مونولغ
"المصري أفندي بين عهدين" وفيلم "اللص الشريف" (1953) لحمادة عبدالوهاب
الذي حُشر فيه مونولغ "عشرين مليون" متغنياً بمحمد نجيب ورفاقه. بخلاف تلك
اللمسات المضافة، كان فيلم "كيلو 99" (1956) الذي حمل توقيعَي ابراهيم حلمي
وعبدالعزيز جاد تملقاً مباشراً للعهد الجديد. ولم تخلُ الأفلام التي وقّعها
فطين عبدالوهاب لمغامرات اسماعيل ياسين في "الجيش" (1955) و"الأسطول"
(1957) و"الطيران" (1959) من محاولة إزالة الحاجز بين الشعب والسلطة
العسكرية في ظل مناخ اجتماعي وسياسي جديد.
خلال الخمسينات وحدها، حقق اسماعيل ياسين ما يوازي نصف عدد الأفلام
التي صنعها خلال مسيرته الكاملة التي امتدت على أربعة وثلاثين عاماً،
مكرراً خلال تلك المرحلة شخصياته وأدواره في أكثر من عمل سينمائي. في
محاولة مختلفة لاستثمار إمكانياته الفنية، قدمه فطين عبدالوهاب في تجربة
مغايرة من خلال "الآنسة حنفي" (1954). صحيح أن الأخير يقوم على أحد اسكتشات
ياسين المعروفة حيث يقوم على دور إمرأة، إلا أن الفيلم ذهب بالفكرة أبعد من
خلال قصة الرجل الشرقي الذي يتحول على أثر عملية جراحية الى امرأة ويبدأ
باختبار الظلم والتمييز الواقع على المرأة. الى النزعة النقدية للمجتمع
والرجل الشرقيين، حمل الفيلم ملامح تجديدية لجهة تناوله موضوع التحول
الجنسي وأزمة الهوية الجنسية وإن بأسلوب كوميدي ساخر. ولا تزال مشاهد
الغرام بين "حنفي" المرأة و"أبو سريع" الجزار (رياض القصبجي) تحمل عناصر
الكوميديا الخالصة بمحاكاتها لمشهديات كلاسيكية من روميو وجولييت وغيرها.
مرة ثانية لعبة ياسين دور رجل يتحول الى امرأة في "الست نواعم" (1985)
ليوسف معلوف من دون أن يضيف شيئاً الى الشخصية السابقة بل على العكس حيث
وقع الفيلم في غلاظة المبالغة في تناوله شخصية المرأة الدميمة المفرطة في
الاهتمام بزينتها ودلالها.
بعيداً من الأدوار المكررة، قدم النجم الكوميدي خلال الخمسينات فيلمين
بارزين هما "المفتش العام" (1956) لحلمي رفلة و"العتبة الخضراء" (1959)
لفطين عبدالوهاب. ومصدر تميّز الفيلمين هو حملهما شخصية ياسين السينمائية
التقليدية للرجل البسيط لتكون محور المفارقة الكوميدية. ففي الأول، يعتقد
أهالي القرية بسبب سوء فهم، أن الحكومة قد أرسلت "المفتش العام" للكشف عن
فسادهم. وفي الثاني، يقع الريفي الساذج القادم الى القاهرة للمرة الأولى
ضحية نصّاب محترف يبيعه "العتبة الخضراء".
[ابتكار الشخصية
بعيداً من التقويم النقدي لأفلام ياسين وتلك المرحلة الذهبية في
مسيرته، حقق الممثل بموازاة الجماهيرية والشهرة ما هو أساسي في فن
الكوميديا وتجددي قياساً بالمرحلة. فبعد عدد قليل من الأفلام التي لعب
بطولتها المطلقة، بل ربما منذ أدوار "السنيد" التي أداها في الأربعينات،
استطاع اسماعيل ياسين أن يبتكر شخصية خاصة به، ذاب فيها الممثل والإنسان
والشخصية. وكانت تلك الشخصية السينمائية مزيجاً من الحضور الجسدي والسلوك
والإحساس والحركة. فأول ما يميّز حضور ياسين على الشاشة تلك الهشاشة التي
تظهر جسمانياً قبل أن تشع من الداخل. فهو في كافة أدواره سريع التأثر بما
يحيط به. يجفّله الصوت العالي وتخيفه حركة الأجساد من حوله. إنه دائم
التيقظ والخوف من أن يصيبه أذى ما. فلا ينفك يحمي نفسه بيديه المرتجفتين،
مشيحاً بوجهه دائماً عن مصدر الخطر الذي يستشعره. إن تلك المكونات التي تنم
عن الضعف والحس المرهف والهشاشة الداخلية والخوف وربما قلة الثقة بالنفس،
ليست من المكونات التقليدية للممثل الكوميدي لا في زمن ياسين ولا في هذا
الزمن. ولعل ذلك الموقع الهش الذي يمكن البحث عن جذوره في حياته الشخصية،
وضعه على تماس مع المتفرج البسيط الذي لا يملك ما يدافع به عن نفسه سوى
الضحك والسخرية والنكات.
في تكامل وانسجام مع تلك الهشاشة الرقيقة، تأتي المواصفات الانسانية
النبيلة التي وسمت شخصياته السينمائية. ثمة ما هو انساني عميق ونبيل في
حضوره على الشاشة وفي تجسيد لشخصياته التي مهما تنوعت واختلفت ظروفها،
تتمسك بانسانيتها في مواجهة كل ذلك الزيف المحيط بها. وعلى الرغم من الارث
المسرحي الثقيل الذي يحمله ومجايليه من الكوميديين، الا انه قد يكون من
قلائل الممثلين الذين نجحوا في الفصل بين المسرح والسينما في ادائهم، خارجا
من عباءة المسرح الشعبي سريعا ومتخذا من كوميديين عالميين مراجع، تظهر
تأثيراتها فيه كما هي الحال مع تأثره بالممثل الكوميدي جيري لويس ومثلما
نلمح طيف تشارلي تشابلن في بعض شخصياته وحركاته.
الى جانب ذلك الجهد الشخصي، افاد ياسين من ثنائياتها التمثيلية لتعزيز
شهرته فكان الثنائي الذي لعبه مع رياض القصبجي على الشاشة ـ الاخير في دور
الشاويش عطية ـ من انجح تلك الثنائيات التي قامت على كيمياء محببة بين
الممثلين، تجمع التناقض والتشابه بينهما. على الرغم من وقوفه امام ابرز
ممثلات السينما في ذلك الوقت من امثال شادية وهند رستم وزهرة العلا وتحية
كاريوكا وسواهن، الا ان حضوره ذاك لم يتحول يوما كاريكاتوري او بمعنى آخر
متجاوزا لمقوماته. غني عن القول انه لم يلعب دور الدونجوان يوما او ساحر
النساء. فاما ان تقع البطلة الجميلة في غرامه بسبب ما يتمتع به من نبل
وانسانية وطيبة وامام ان تتركه كسير القلب انما راض كأنه يدرك سلفا انه ليس
فتى الاحلام بالمعنى السائد للكلمة.
[التحول
خلال عقد الستينات وحتى وفاته في العام 1972، قدم اسماعيل ياسين ثلاثة
عشر فيلما في مرحلة اتسمت بانحسار الاضواء عنه، حقيقة ترجمتها عودته الى
مشاركة نجوم آخرين البطولة كما في فيلمي فطين عبد الوهاب "حلاق السيدات"
(1960) و"الفرسان الثلاثة" (1962)، قبل ان ينتهي الى ادوار مساعدة او
هامشية وينهي مسيرته بفيلم "الرغبة والضياع" عام 1972 للمخرج احمد ضياء
الدين. ولكن المفارقة ان بعض افلام هذه المرحلة كان على درجة عالية من
النضج والحرفية وان لم يكن يحمل بصمة اسماعيل ياسين التقليدية ومنها "العقل
والمال" (1965) المنسي الذي يحتاج الى قراءة ثانية اليوم لما حمله من بذور
الفانتازيا التي لم تكن سائدة في السينما العربية وقتذاك، فضلا عن نقده
السياسي الذكي لتلك المرحلة من تاريخ مصر ومعالجته فكرة العلاقة بين
السلطوة والشعب.
لا شك في ان تمسك اسماعيل ياسين ومن خلفه المنتجون والكتاب والمخرجون
بالعدة الجاهزة للممثل التي عرف بها منذ دخوله السينما، اسهمت بشكل اساسي
في حصر نجوميته بالخمسينات. وتلك مرحلة كانت السينما المصرية خلالها ماتزال
في طور البحث عن صياغة ناضجة شكلية ومضمونية، ناهلة من معين الفنون الشعبية
التقليدية. وعلى صعيد العلاقة بالجمهور، كانت السينما وقتذاك امتدادا
للفولكلور المتمثل بالحكايات الشعبية والمسرح الشعبي. وما ترداد الناس
لنوادر اسماعيل ياسين وحكاياته في افلامه سوى تأكيد على ذلك الامتداد الذي
شاركه فيه نجوم آخرون من طينة شرفنطح (محمد كمال المصري) وبشارة واكيم وحسن
فايق وعبد الفتاح القصري وماري منيب وزينات صدقي وسواهم. لقد كان هؤلاء
النجوم بمثابة عالم كامل من الخيال الفني المستوحى من الواقع الملموس
والمضيف اليه في الوقت عينه. وذلك الواقع تجسد ببساطته في السينما قبل ان
يصبح ذلك الواقع اكثر تعقيدا وتركيبا مع المتغيرت والانعطافات السياسية
والاجتماعية والاقتصادية. افضت تلك التغيرات الى اشكال سينمائية اكثر
تعقيدا، انحسرت معها موجة الكوميديا الشعبية والميلدراما الساذجة ليحل في
مكانها افلام تتسم بقدر اكبر من الواقعية والجدية في التعاطي مع الواقع.
ورافق تلك الفورة السينمائية تحول في صورة البطل الذي اضحى منتميا الى
الطبقة الوسطى.
بهذا المعنى، لم يكن مستغربا انحسار لاضواء عند نهاية عقد الخمسينات
عن اسماعيل ياسين بقدر انحسارها عن عماد حمدي. هذان البطلان النقيضان -
الشبيهان جسّدا بطل الخمسينات الذي تعامل مع الحياة اما ببراءة او بفروسية
ونبل. لم يخبُ النموذج الذي قدمه اسماعيل ياسين تماما. فذلك الانسان "الغلبان"
الذي يصطنع البلاهة في مواجهة المنطق المقلوب و"يتمسكن حتى يتمكن" عندئذ
يبدأ بالانتقام لنفسه ولجمهوره من كل سنوات البؤس... هذا النموذج قريب جدا
مما قدمه عادل امام في السبعينات والثمانينات مع فارق السياق الزماني
والاطار السياسي والاجتماعي، وهو ما يجعل عادل امام ابن عصر التشاؤم
والكابوس والسخرية المُرة والعنف في مقابل ياسين ابن مرحلة الحلم والتفاؤل
والبراءة والسخرية غير المُرة... وهي مواصفات مازالت تجد صداها اليوم بين
جمهوركبير لاسيما في مصر حيث السخرية والنكتة هما التعويض عن الفعل
والوسيلة لاجتراح القدرة على البقاء في واقع شديد القسوة.
[ سطور عن حياته
ولد اسماعيل ياسين في مجينة السويس عام 1912 وعاش طفولة بائسة وحياة
غير مستقرة لم يستكمل خلالها تعليمه الابتدائي لاسيما بعد وفاة والدته. نمت
تدريجيا موهبته وتأثر بمحمد عبد الوهاب، فأعد نفسه ليصبح مطربا متمرنا في
الافراح والمقاهي قبل ان يتوجه الى القاهرة بحثا عن فرصةن الا ان شكله وخفة
ظله حجبا عنه النجاح في الغناء.
هناك، التقاه المؤلف ابو السعود البياري وقدّمه الى الراقصة الاولى
وقتذاك بديعة مصابني، صاحبة "كازينو بديعة"، احد اشهر المسارح الاستعراضية
في ذلك الزمان، فانضم الى فرقتها مونولوجيستا، اشتهر بقدراته الصوتية ليس
الجمالية وانما المتمكنة من اداء النغمات الشرقية. التفتت اليه السينما حين
قدمه فؤاد الجزايرلي عام 1939 في فيلم "خلف الحبايب" ثم انضم الى فرقة علي
الكسار المسرحية وتألق في القاء المونولوجات. الى جانب مسيرته السينمائية،
توالت المسرحيات التي قدمها من خلال الفرقة المسرحية التي اسسها وقدم من
خلالها ما يزيد على خمسين مسرحية بشكل شبه يومي 1954 و1966.
توفي عام 1972 متأثرا بأزمة قلبية.
عادل إمام يحقّق رقماً قياسياً بـ "بادي غارد"
ويهوي عن عرش الايرادات بـ"بوبوس"
عادل إمام "بادي غارد" رقماً قياسياً كأول مسرحية عربية يستمر عرضها
لأحد عشر عاماً على التوالي. وفي ذلك دلالة مباشرة على النجاح التجاري الذي
حققته مسرحية "بادي غارد"، وبالطبع فإن النجاح يعود بالدرجة الأولى الى
جماهيرية بطل العرض عادل إمام. العمل من تأليف يوسف معاطي وسمير خفاجي
والإخراج لرامي إمام.
بخلاف الأعمال المسرحية الأوروبية والأميركية التي استمرت عروضها
لسنوات تفوق العشرين في بعض الأحيان ("قطط" و"ماما ميا" مثلاً) والتي تبدل
فيها أبطال العرض المسرحي لأن البطولة الحقيقية هي للنص، ليس في أعمال إمام
المسرحية الجديدة ما هو لمّاح في النص.
يبلغ رصيد عادل إمام السينمائي قرابة 122 فيلما روائيا، يقابلها خمسة
أعمال فقط في المسرح باستثناء تلك الأدوار الصغيرة التي مهدت لنجوميته،
والمحسوبة لنجومها الكبار من أمثال فؤاد المهندس في "أنا وهو وهي" وأمين
الهنيدي في "غراميات عفيفي" وغيرهما.. أما البطولات المطلقة لعادل إمام
فبدأت مع "مدرسة المشاغبين" عام 1970 ثم "شاهد ما شفش حاجة" و"الواد سيد
الشغال" و"الزعيم" وأخيرا "بادي غارد".
خمس مسرحيات فقط لعب بطولتها عادل إمام خلال قرابة 40 عاما مقابل أكثر
من خمسين مسرحية لمحمد صبحي مثلاً خلال نفس المرحلة الزمنية تقريبا، مما
أتاح للأخير أن يتنوع في أدائه أكثر.
على ان لهذه الاستمرارية التي تحققها "بادي غارد" أرضية تقوم على
إرادة الجمهور الذي مازال يكرّم "الزعيم" باستقبال أعماله بالترحاب والرضى
على الرغم من النقد اللاذع الذي يواجهه الفنان الكوميدي في أعماله المسرحية
والسينمائية الاخيرة على حد سواء. ولعل ذلك نابع بالدرجة الأولى من الإحساس
العميق لدى النقاد والكثير من الناس بقدرات إمام على تقديم ما هو أفضل
بكثير وأعمق بكثير. ولا يُخفى ايضاً على المتابعين ان الممثل الذي اختار
منذ سنوات بعيدة الاسترخاء على رصيده وآثر تطويق نفسه في صورة النجم المطلق
الذي لا يحتاج الى بذل جهد كبير لإرضاء جمهوره حتى صارت أعماله تُفصّل على
مقاسه الخاص، ممتن لتلك الاستمرارية التي تريحه من عبء الخروج من شخصية
والدخول في أخرى بين عام وتاليه. أضف الى ذلك العامل المادي الناتج عن
استمرار العرض لأكثر من عشر سنوات والذي يعود على إمام بثلث الايرادات.
على صعيد آخر، خذل الجمهور عادل إمام في آخر أفلامه "بوبوس" المعروض
حالياً في الصالات المصرية، إذ لم يتمكن إمام للمرة الأولى منذ سنوات من
تصدر شباك التذاكر بل انه حل في أسفل الترتيب. لم تصل إيرادات الأسبوع
الأول إلى 4 ملايين جنيه (ما يقارب 600 ألف دولار) في وقت تردّد فيه أن أجر
إمام وحده في الفيلم وصل إلى 15 مليون جنيه (حوالي ثلاثة ملايين دولار).
ورغم أن موضوع العمل يتناول أزمة رجال الأعمال المتعثرين بعد الأزمة
المالية العالمية، إلا أنّ إعلان الفيلم جاء ليجهض أي محاولة جذب للجمهور.
كانت مشاهد الضرب بين إمام ويسرا كافية لتعيد الى الأذهان سلسلة "بخيت
وعديلة" التي قدمها مع الممثلة شيرين. كذلك الأمر بالنسبة إلى المشهد الذي
يحمل فيه يسرا على كتفيه المنقول حرفياً من فيلمه "السفارة في العمارة". مع
فارق بسيط هو داليا البحيري بدلاً من يسرا.
المستقبل اللبنانية في
10/07/2009 |