إحكي يا شهر زاد..
قولي
..
وفضفضي عن كل البنات والستات.. إحكي يا شهر زاد..
إحكي وماتخافيش قطع
الرقاب..
لا من شهر يار..
ولا من مسرور السياف.
إحكي يا شهر زاد حكاياتك
المؤلمة الموجعة البعيدة
عن كل تسلية.. لأنها من دنيا الواقع الأليم الذي نعيش
فيه، ويتعدي بمسافات كبيرة دنيا الخيال.
إحكي ..
وإسردي..
وإشهدي يا
جارية المتعة في كل الأزمنة والعصور،
لإرضاء كل شهريار بمختلف المستويات،
والطبقات.. وإن ظلت السمات واحدة مهما تعددت اللغات كالقاسم المشترك
الأعظم،
فقد يتغير الشكل..
لكن يبقي المضمون واحدا دائما..
امرأة مقهورة علي يد رجل
ظالم اعتقد أنه »بذكورته«
يملك كل الحقوق وهي »بأنوثتها«
ما عليها إلا
الطاعة والولاء والرضوخ،
الضرب والإهانة من نصيبها،
تأخذ صورا وأشكالا متعددة
فالإيذاء النفسي أقسي
من العقاب البدني.
إحكي يا شهر زاد..
منظومة مؤلمة
صاغها ببراعة شديدة الكاتب الكبير
»وحيد حامد« بأسلوب سهل رغم مايحمل من قسوة
ويقدمه في صورة سينمائية رائعة راقية »
يسري نصر الله«
في »دنيا« »آدم ـ
وحواء«.
آدم..
وحواء ليست حكاية جنس..
وعلاقة.. بل هي نظرة اجتماعية
سياسية واقتصادية تشريح لمجتمع يعيش تناقضات حادة أدت إلي حالة تفسخ في
أشكاله
وأنماطه الاجتماعية.
إن صاحب »
المدينة«..
و»باب الشمس« الجراح الماهر
في تشريح المدن ومعرفة أوجاعها..
ووضع يده علي أمراضها وأوجاعها الاجتماعية »المرأة«
فيها هي أحد مظاهر ودلائل أخطر الأمراض التي تعيشها
المدينة.
»إحكي
يا شهر زاد« ليس فقط حكايات عن النساء..
لكنه حكاية
المدينة المغتصبة..
المنهوبة.. المسلوبة.. المستباحة يوميا من رجال »باهوات«
»وجهاء« يعملون بالاقتصاد والسياسة يتاجرون بقوت الغلابة وأنصاف
الأغنياء فالأمر لايفرق كثيرا فكله
»بيزنس«.. وهو ما قدمه باقتدار الفنان
الكبير (محمود حميدة) البيه الكبير العالم الاقتصادي الذي أصبح وزيرا لكنه
تخصص
في سلب النساء ثرواتهن وأموالهن باختلاف ألقابهن
»آنسة« »مطلقة« ـ »أرملة«
وهي الحكاية الثالثة »ناهد« الطبيبة المثقفة التي تنتمي لعائلة ثرية وتزوجت
بمن أحبته بعدما اقتحم حياتها بكلامه المعسول المصاغ
من خلال ورقة مكتوبة
اسمها »قسيمة زواج« تبيح له أن يساومها علي عرضها..
وشرفها.
ومن »ناهد«
المثقفة الواعية إلي »صفاء«
وشقيقتيها..
ثلاث بنات توفي والدهن،
يسكن العشوائيات حيث ضاعت معاني الكرامة والمروءة والشهامة في الأزقة »
نذالة«
العم وسرقته لهن كانت أحد الأسباب التي جعلتهن يعتمدن علي الصبي (محمد رمضان)
انخدعن في طيبته ووقفته معهن..
لكنه استطاع أن يمارس الفحشاء معهن لتصبح
الشقيقات ضرائر متخذا كلمات »زوجتك« نفسي والنتيجة أن الأخت الكبيرة انتقمت
منه وقتلته لتمضي في السجن خمسة عشر عاما لتخرج وتعيش مع السجانة التي كانت
تحرس
يوما الزنزانة.. سنوات السجن كانت بداية حياة تشعر فيها بالحرية..
بعد قهر
ومذلة عرفتها النفس قبل الجسد من معاشرة رجل واحد للشقيقات
الثلاث..
حكاية قاسية
لكنها منتشرة بشدة وبصور أقسي وأبشع منها في العشوائيات التي نتجت أصلا عن
مشكلات
اقتصادية واجتماعية لاتستطيع أن تفصلها عن السياسة.
أما أماني أو »سلمي
حايك«
المصرية كما يطلقون عليها والتي تعمل نهارا
في أرقي محلات بيع مستحضرات
التجميل والماركات العالمية..
وتختبئ ليلا خلف حجاب رخصة مرورها عالمها البسيط
أيضا وسط العشوائيات وعربات المترو..
وأخيرا »هبة«
أو » العملاقة« مني
زكي التي تستحق تحية خاصة فقد تعرضت لقهر شديد من أصحاب أقلام ونفوس ضعيفة
هاجم
أصحابها الفيلم وتطالوا عليها شخصيا قبل أن ينزل الفيلم إلي
شاشات عرض..
ونسوا
إنها فنانة كبيرة من حقها أن تنعم بحياتها واستقرارها لذا أقول لها لاتهتمي لكل
ذلك ولاتحزني فقد قدمت دورا جميلا في عمل متميز سيضاف ويحسب لك في حياتك
الفنية.
كذلك »سوسن
بدر« وأداؤها الرائع وصدقها الشديد التي جسدت بجدارة الشخصية
التي تقدمها.
في هذا الفيلم نجح »رجلان«
أن يلخصا حكايات كل النساء
المأساوية.. وينزعا أوراق التوت التي تختبيء خلفها عورات اجتماعية
واقتصادية
وسياسية خطيرة..
لاتخضع لشرع أو لدين ولاتقرها إنسانية..
إن دعوة »شهر زاد«
للحكي عن مأساتها هي أولي الخطوات لحل مشكلتها ففي الإفصاح وعدم السكوت
بداية
الخطوة للرفض والتمرد علي واقع أليم..
ولهذا فإن مايحسب أيضا ليسري نصر الله حسن
اختياره الشديد للممثلين وخاصة الوجوه الجديدة »شرين
أمين«.. ناهد السباعي..
سناء عجرود.. ورحاب الجمل.. وحسن الرداد ومحمد رمضان ..
وفاطمة الناصر.
فقد كان الفيلم ضفيرة مجدولة بعناية فائقة في كل عناصره الفنية.. خاصة
التصوير »لبهزان«
الذي قدم لنا القبح لكن بجمال شديد إن أوجع قلبنا لكن لا ينفرنا
وأخيرا تحية لكل »شهر زاد« لعلها تنهض وتزيل القهر المعنوي أو الجسدي وتنفض
عن
نفسها المذلة..
لأن
»شهر زاد« مجرد صورة لطاووس مختال..
بينما هو في
الحقيقة »محتال«.
وعذرا ومعذرة لكل جمعيات حقوق الإنسان نساء كانوا أو
رجالا.
آخر ساعة المصرية في
08/07/2009 |