موجة جديدة من أفلام الحركة والجريمة أخذت تغزو شاشات العالم، مصدرها
هوليوود مصنع الأحلام والكوابيس، وسواء اتجهت عاصمة السينما إلي تغليف
الحياة بألوان الورد المختلفة أو صبغها باللون الأحمر الدموي، فإن خبرتها
بالاتجاهين تجعلها قادرة على تقديم البضاعة القديمة برونق يبهر العيون التي
قد تظن أنها تشاهد أفلاماً مبتكرة، فيها من الإبداع أكثر مما بها من تكرار.
في صالات السينما المحلية يعرض حالياً فيلم (اقتحام بيلهام ـ شوم شفًيَه ُن
ذمٌوفٍ 321) وهو معالجة جديدة لفيلم إثارة كلاسيكي عرض عام 1974 تحت عنوان
(أُنجِزَ أولاً) من بطولة وولتر ماثاو وهيكتور اليساندرو، ويجمع الفيلم
الجديد لأول مرة بين النجم الأميركي جون ترافولتا ودينزل واشنطون الذي
يتعاون للمرة الرابعة مع المخرج توني سكوت المعروف بأفلام الحركة، إذ كان
واشنطون قد قام من قبل ببطولة ثلاثة أفلام من إخراج توني هي: (المد
القرمزي) عام 1995 و(رجل على خط النار) عام 2004، وأخيراً فيلم الخيال
العلمي (لي ًِّّ) عام 2006 الذي لاقى نجاحاً واسعاً في شباك التذاكر
الأميركي، أما كاتب النص لفيلم (اقتحام بيلهام) فهو السيناريست الحاصل على
الأوسكار بريان هلجلاند ـ مبدع فيلمي (النهر الغامض ـ ٍ؟َُّّيك ْيًّمْ)
و(سري لوس أنجلوس ـج.ء. َُنيلمَُّيفٌ) ـ والذي يعتمد في رؤيته الجديدة على
قصّة عادية للغاية لا تخلو من نقد واضح لأنماط العيش في مدينة نيويورك بلغة
غاضبة، وبرهن من خلالها توني سكوت مجدّداً على البراعة الفنية في جعل
التشويق أحد وأجمل مفرداته للتعبير عن منطق الصراع بين الخير والشر، إذا
أراد المشاهد أن يفسر رسالة الفيلم على أنها تعبير دقيق عن الحياة
وتفاصيلها.
يجسد دينزل واشنطون في النسخة الجديدة للفيلم، شخصية (والتر جاربر) مشرف
على تنظيم عمل القطارات بمحطة أنفاق في نيويورك، حيث يبدأ يومه بشكل سيئ
للغاية بعد اختطاف أحد القطارات على يد عصابة قوية جداً ومسلحة بشكل متطور
يرأسها (رايدر ـ جون ترافولتا)، والذي يهدد بقتل كل المسافرين في القطار ما
لم يتم دفع عشرة ملايين دولار فدية للإفراج عن المخطوفين الرهائن، ويتم
إيقاف القطار في محطة (ذجبءح 321)، ويصادف أن التفاوض يتم أولاً بين رايدر
ووالتر، ويرتاح الأول للثاني ويصر على أن يكون مفاوضه رغم كل شيء، وخصوصاً
أن والتر متهم في دائرته بأنه تقاضى 30 ألف دولار رشوة من شركة يابانية حين
كان خبيراً مرسلاً من واشنطن إلى طوكيو لكي يعطي رأيه في قيمة القطارات
الأميركية قياساً على مثيلاتها اليابانية.
رجل الأمن الأول كانونيتي (جون تورتورو) سمع اعتراف والتر بأنه تقاضى
الرشوة فعلاً، وتغاضى عن الأمر عندما أعلن بأنه فعل ذلك من أجل دفع بدل
الجامعة لولديه.
تؤمّن السلطات المبلغ الذي طلبه رايدر ويحمله والتر إليه، ثم لا يلبث أن
يهرب من المجموعة، وبحوزته مسدس زودته به القوى الأمنية وراح يطارد رايدر
ومعه مسلحان، تقوم قوة من البوليس بقتل المسلحين ويرى رايدر نفسه وجهاً
لوجه مع والتر الذي يهدده بالقتل إن هو لم يستسلم، وتأتي النهاية الطبيعية
والمتوقعة لانتصار الخير على الشر مصحوبة بتساؤل لماذا يقتل رجل عادي لم
يعتد حمل مسدس في يده واحداً من أكبر وأشرس المجرمين؟
أحداث الفيلم صاخبة وقوية وتتميز بالإيقاع السريع في 106 دقائق، تم تصويرها
في استونيا كوينز بنيويورك سيتي، مع 14 مساعد مخرج ومؤثرات خاصة قادها جون
ستيفانيتش ومارك فاريسكو، لتعبر عن مشاهد الخوف وقلق الانتظار وعنف
المطاردات والمواجهات القاتلة، حيث أبدع المخرج توني سكوت في إمساكه خيوط
اللعبة التشويقية منذ البداية، وجاء الأداء المتنوّع لممثلين مختلفي
الأنماط مثل (واشنطون وترافولتا، وجون تورتورو وجيمس غاندولفيني وآخرين)
محافظاً على نسق الشخصيات المتناقضة، وكان جون ترافولتا أكثرهم غضباً
وتوتراً وحنقاً وهو ما ينسجم مع شخصيته في الفيلم كمجرم، وبالفعل نجح العمل
من ناحية الشكل وعلى مستوى النجوم والأسلوب البصري وقوة التنفيذ والبراعة
في الأداء والقدرة المدهشة على التعبير مما جعله يستحوذ على مشاعر مشاهديه.
أما من الناحية التقنية، فبدا الفيلم متماسكاً بشدّة، ومثيراً ومحافظاً على
جمالياته، من خلال صورة رُسمت بحرفية عالية، وتركت انطباع أن حياة المشاهد
العادية أمر يمكن احتماله، وأن متاعبه ومخاوفه اليومية أقل قسوة مما يراه
على الشاشة، وأن المآسي التي تقع في مناطق أخرى من العالم، أيسر من هذه
الكوارث السينمائية، لذلك فإن هذه الأفلام في تيارها الأساسي تعتبر وسيلة
من وسائل الضغط الأيديولوجي، تعمل على صرف انتباه الجمهور عن أخطار حقيقية،
بتوجيه مخاوفه نحو أخطار وهمية.
الفيلم:
The Taking of Pelham 123
سيناريو: بريان هلجلاند
إخراج: توني سكوت
بطولة: دينزل واشنطن وجون ترافولتا، وجون تورتورو
تصنيفه: أكشن (جريمة ـ عصابات)
مدته: 106 دقائق
إنتاج: كولومبيا بيكتشرز ـ سوني
«سكوت» جمع بين معادلة الفن والجماهيرية
دينزل واشنطن وترافولتا.. أداء بارع وتاريخ حافل
ربما كان من أهم أسباب انتعاش السينما الأميركية، تعدد وتنوع اتجاهات
أفلامها، فضلاً عن جرأة بعضها، وإمكانياتها المتمثلة في التقنية والخبرات.
ويعتبر فيلم (اقتحام بيلهام
The Taking of Pelham)
إنتاج عام2009، مثال جيد لهذا الإبداع المتمثل في المخرج توني سكوت
والبطلين دينزل واشنطنوجون ترافولتا. ورغم أنه فيلم سبق تناوله في بداية
السبعينات، لكنه يأتي هذه المرة برؤية أخرى ونص جديد وممثلين أفضل ومخرج
متمكن، فـ (توني سكوت) من مواليد (نورثمبرلند ـ بريطانيا) عام 1944، وهو
شقيق المخرج الشهير ريدلي سكوت، ولا يقل مهارة عن أخيه، له أسلوب مميز جداً
في الإخراج، ولمساته السينمائية واضحة في استخدام الألوان والمؤثرات، ومن
أشهر أفلامه: (Crimson
Tide لجين هاكمان ودينزل واشنطن،
The Fan لـ روبيرت دي نيرو،
Top
Gun لـ توم كروز،
h Beverly Hills Cop II لـ إيدي ميرفي،
Enemy of the State لجين هاكمان وويل سميث،
Man on Fire لـ دينزل واشنطن،
Days of Thundeْ لـ توم كروز).
نجح في أن يصنع لنفسه مكانة خاصة به، بسعيه إلى ابتكار سلوك إبداعي جمع قوة
الحركة بملامح انفعالية وعشق إنساني جميل، وهو بتنوع نتاجه داخل إطار واحد
عنوانه (التشويق السينمائي)، حقق معادلة البعدين الدرامي والجمالي والنسق
التجاري إلى حد معقول وجماهيري. أما دينزل واشنطنوهو أحد الممثلين الكبار
في هوليوود، ويعد من الممثلين الجادين في لهجتهم وتكمن لديه الموهبة
والانسجام في كل أدواره المليئة بالدراما والإثارة والكوميديا، فقد حصل على
جائزة الأوسكار مرتين حتى الآن، الأولى كأفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم
(المجد ـ
stardom)
عام 1990، وهو الفيلم الذي أطلق شهرته في عالم السينما، وعام 2002 كأفضل
ممثل في دور رئيسي عن فيلم (يوم التدريب ـ
field day).
ويعتبر واشنطنبإجماع النقاد أشهر ممثل أسمر في هوليوود حالياً، كما اختارت
مجلة (بريميير) السينمائية أداءه في فيلم (مالكولم إكس ـ
Malcolm X)
عام 1992 كواحد من أفضل مئة أداء في تاريخ السينما، وإلى جانب التمثيل، خاض
واشنطنتجربة الإخراج مرتين، إذ قام بإخراج فيلم (أنطوان فيشر ـ
Antoine Fischer) عام 2002 و(المناظرة العظيمة ـ
The great debate) عام 2007، الذي نال استحساناً واسعاً من النقاد،
وان لم يلاق نجاحاً مماثلاً في شباك التذاكر.
أما الممثل البارع الوسيم جون ترافولتا والمولود في 18 فبراير من عام 1954،
والذي تجاوزت شهرته الحدود في فترة السبعينات وأصبح فتى أحلام الكثيرات من
الفتيات، وشاعت في تلك الفترة بعض الموضات التي قدمها في فيلم (حمى ليلة
السبت ـ
Saturday
Night Fever)
عام 1977، كتسريحات الشعر واللباس الجلدي، فقد واصل نجاحاته الرائعة
وأفلامه المميزة حتى عام 1978، حيث قدم فيلمه الرائع (جريس ـ
Grease) الذي يحكي قصة مجموعة شباب زملاء في إحدى المدارس وعن المشكلات التي
تقابلهم.
قدم ترافولتا نخبة من الأعمال السينمائية الرائعة، أكسبته الشهرة العالمية
بكل جدارة وخصوصاً في بداية التسعينات، كان منها ذو الطابع الكوميدي مثل
فيلمه (أنظر من الذي يتكلم ـ
Look Whoصs
Talking ) والإصدار الثاني منه عامي 1989 و1990، وفيلمه (الخبراء) و(أرقام
الحظْ) الذي لعب فيه دور ثري يجلب له حظه أي شيء يراهن عليه أو يتمنى
امتلاكه.
كما قدم العديد من أفلام الاكشن مثل(نزع الوجه) في عام 1997، حيث شاركه
البطولة الممثل المميز نيكولاس كيج، وقدم بعدها فيلمه الرائع (جنون مدينة)،
وبعدها في عام 1999 قام بأداء فيلم (ابنة الجنرال ) عن قصة مثيرة لابنة
جنرال في الجيش يحاول جون التقرب إليها وشاركته البطولة الممثلة الحسناء
ماديلاين ستاو، كما قدم فيلم (سياف البحر) الذي تم إنتاجه بعد أحداث الحادي
عشر من سبتمبر ويمثل فيه دور إرهابي دولي يقوم باختطاف وتفجير وسرقة أموال
ومواد كيميائية خطيرة.
وبالرغم من تميز ترافولتا بأعماله السينمائية ونجوميته العالمية فقد اثبت
نجاحه أيضاً حتى في حياته الاجتماعية واستقراره مع زوجته وطفليه، ويعتبر
فيلم (اقتحام بيلهام) هو أول ظهور سينمائي للنجم المحبوب بعد فقده نجله
(جيت) البالغ من العمر 16 عاماً إثر تعرضه لحادث غرق، وهو الابن الوحيد له
من زوجته الممثلة كيلي بريستون (46 عاماً)، ولهما ابنة تدعى (إيلا) تبلغ من
العمر ثماني سنوات.
البيان الإماراتية في
28/06/2009 |