بدأت قبل أسبوعين في دور السينما أولى عروض الفيلم المثير «ملائكة
وشياطين»، وهو
مقتبس من رواية للمؤلف الشهير دان براون (صاحب رواية شفرة
دافينشي)، وكانت
الروايتان قد حققتا أعلى المبيعات وترجمتا إلى أكثر من 50 لغة في العالم،
وتصدر
الفيلم في أول ثلاثة أيام من عرضه إيرادت السينما في أميركا، وهو من بطولة
توم
هانكس وإيوان ماجريجور وإيليت زوير، ومن إخراج رون هوارد.
الوسم
السري
داخل المكتب البابوي، يتفحص روبرت الوسم الذي لا بد أن يكون هو
الوسم السري الخامس والمجهول للطبقة المستنيرة، ويتعرف عليه،
إنه شعار الفاتيكان، (الصليب،
على شكل مفاتيح) لكنها مقلوبة، يستنتج روبرت بمعونة السكرتير البابوي الذي
ما زال يتألم من الحروق التي في صدره، أن المعني بهذا الرمز هو القديس بطرس
(سان
بيتر) وهو أول بابا في تاريخ الكنيسة، وقد قتل مصلوباً
بالمقلوب!
ومن خلال
عبارة للسيد المسيح عن القديس بطرس يحفظها باتريك وروبرت (على هذه الصخرة
سأبني
كنيستي) يهرول الجميع إلى مدخل أرضي يقود إلى ضريح سان بيتر
الأثري الذي يقع على
إحدى الصخور في مقبرة تحت الأرض داخل الفاتيكان، لكن المفاجأة الأعنف هي أن
قنبلة
المادة المضادة لا يمكن إيقافها الآن؛ لأن الوقت لا يسع لتبديل بطارياتها
كما قالت
العالمة الفيزيائية فيتوريا.
لأجل الفاتيكان
هكذا، يبدأ نجم
السكرتير البابوي بالظهور مجدداً حين يدفع بنفسه للموت من أجل الفاتيكان،
مستخدماً
مهارته في التحليق بالهليكوبتر لأجل تفجير القنبلة في أعلى سماء الفاتيكان
كحل
أخير، يلقي (باتريك) بنفسه من الطائرة بعد أن حلق إلى أعلى
مستوى مستخدماً منطاد
الهبوط، وبأعجوبة لفّتها هالة ربانية يحط باتريك قدميه في إحدى ساحات
الفاتيكان بعد
أن دوى الانفجار العظيم في سماء الفاتيكان محولاً ليلها إلى نهار (منير)
رغم أنه لم
يحقق الرغبة الكاملة للطبقة (المستنيرة) في الانتقام من
الكنيسة وتحطيمها بالنور
كما كانت تقول أسطورتها مدعمة بالتهديد المسجّل.
(إذا
تكلمت لكم الروح
المقدسة وهتفتم باسم الرجل عالياً، فإنه اختيار الله) في النهاية، وبينما
يكاد يجمع
الكرادلة، على اللجوء إلى نص قديم يخرق كل بروتوكلات الخلوة الانتخابية،
لانتخاب
السكرتير البابوي، الشاب المنقذ «المخلّص» في منصب البابا، تحت
وقع هتافات المؤمنين
الكاثوليك خارج الفاتيكان، تستجد بعض الحوادث التي يكتشفها البروفسور من
خلال مفتاح
القائد المقتول (ريختر)، والذي يفتح تسجيل كاميرات المراقبة في المقر
البابوي،
يراجع روبرت التسجيل ليجد ما كان أكثر الأمور إثارة، وهو
الحديث بين ريختر
والسكرتير البابوي في لقائهما المغلق قبيل اقتحام المكتب ومقتل
ريختر!
ملائكة وشياطين
كان ريختر يقول للسكرتير البابوي (باتريك)
إن اسمه واسم البابا وردا كثيراً في مذكرات العالم النووي المقتول! وإن
باتريك حضر لقاءً بين البابا والعالم، كان قد عقد بطلب من
الأخير، الذي كان
كاثوليكياً مؤمناً علاوة على كونه عالماً، وقد أثرت فيه هذه التجربة
العلمية
الجديدة بحيث كان يحتاج إلى مزيد من الإرشاد والدعم الروحي، تماماً كالعالم
جاليليو، فكان اللقاء، الذي عرض كل تفاصيل التجربة وما يمكن أن
تتوصل إليه على
البابا بحضور السكرتير البابوي، والمفاجأة أن البابا كان مسروراً لهذا
الإنجاز
وداعماً له معتبراً أن اكتشاف مثل هذه الحقيقة العلمية سيساعد على ردم
الهوة بين
العلم والدين والزيادة من قوة الكنيسة، وحثه على إعلان التجربة!
ومن دون أي
إنكار، أكّد السكرتير البابوي (باتريك) كل شكوك القائد ريختر! واستنكر
بتشدد وصف
هذه التجربة بالعمل الديني، وراح يناقش بحدة لبيان أسبابه في
رفض رأي البابا،
والعمل على إفشال هذه التجربة بأي ثمن. كان باتريك يتساءل باستنكار عما
يمكن أن
يسببه بحث علمي مغرور يتمكن من أن يصل إلى ما يسمى بجزيء الله
«God Particle»، من
ضربة للعالم الكاثوليكي أجمع: «إذا كان للعلم القدرة على الخلق، فماذا تبقى
لله؟».
اتضحت الصورة تماماً للقائد ريختر الذي واجه باتريك بالحقيقة، وبأنه
هو من قاد كل هذه الجرائم بسرقته للأختام الأثرية (الأوسام)
الخاصة بالطبقة
المستنيرة والتي تحفظ عليها الفاتيكان منذ زمن، ومن ثم فبركته لكل هذه
القصة بعد أن
قتل العالم «فيترا» وسرق قنبلة المادة المضادة من مختبره، ليخبئها في
الفاتيكان، ثم
يظهر للعالم مقدار الفتك والدمار الذي يمكن أن يسببه العلم
وعداءه للدين، وبأن
الدين ممثلاً به هو المنقذ والمخلّص، حتى لو كان ذلك بالخديعة.
الانتحار
المقدس
يقر باتريك بأنه يفعل كل ذلك لحماية للكنيسة والدفاع عن تاريخها،
فالكنسيون رجال عقيدة، والكاثوليك يحتاجون إلى قائد مخلّص يظهر
لهم أن الشر محيط
بهم وأن الحرب لا تزال في أوجها بين الكنيسة وأعدائها القدامى الجدد، وأنها
لا بد
أن تنتصر في النهاية!
في هذه الأثناء يرفع باتريك الختم الخامس في وجه
ريختر، بعدما حمّي بالنار، وفجأة يفتح صدره ويسم نفسه بهذا الختم ليطلق
صرخة مدوية،
واهماً الجميع بأن ريختر هو من فعل ذلك! يدخل بعدها روبرت وفيتوريا والحرس
السويسري
قاعة المكتب ليجدوا الوسم ملقى على الأرض وريختر يوجه مسدسه
تجاه
باتريك!
بعد اطّلاع الكاردينال الأكبر على تفاصيل التسجيل، ينتظر جميع
الكرادلة في خلوتهم السكرتير البابوي الذي كان قد استدعي
لينتخب في منصب البابا.
لدى حضوره، يفهم باتريك نظرات الحضور، وفي مشهد تراجيدي، يسرع إلى أحد
النصب في
المقر البابوي، ليصب على نفسه شيئاً من الزيت وينتحر احتراقاً بشمعة من
شموع
الكنيسة!
ينصّب الكاردينال باجو ليكون البابا لوك (لوقا) الثاني، ويبدي
روبرت استغراباً بأنه ليس هناك من الباباوات من سمي بلوقا سوى
لوقا الأول، ليفهم
بأن هذه التسمية جاءت كرمز على مدى القرب الذي يمكن أن يكون بين العلم
والدين، حيث
كان لوقا الأول طبيباً إلى جانب كونه البابا.
هوامش جزيء الله «God Particle»
تسمية جزيء الله تسمية حديثة للجزء المجهول من المادة
والمعروف لدى الفيزيائيين بـ «بوزون هيجز»، وهو الجزء الأساسي المفقود مما
يعرف لدى
الفيزيائيين بالنموذج القياسي للمادة الأولية، وقد افترض العالم الفيزيائي
هيجز في
نظرية ذات اعتبار بأن هذا الجزيء تكوّن بعد الانفجار العظيم
مرتبطاً بحقل قوة خفي (حقل
هيجز) الذي كان يتغلغل في كل الكون، ليمنح كتلة لكل المواد المتفاعلة معه
عن
طريق الجزيء المجهول (بوزون هيجز)، وقد سمي بجزيء الله مجازاً لأنه مصدر
القوة
الخفية المتغلغلة في كل الكون والمانحة لوجوده (كتلته). وإعادة
إنتاج المادة
المضادة ضمن تجربة مركز (سيرن)، عملية ذات علاقة بمحاولة اكتشاف هذا الجزيء
الذي لم
يتمكن العلماء بعد من التحصل عليه محسوساً.
بين الفيلم والرواية: لماذا
فعل السكرتير البابوي ذلك؟
بسبب ضخامة الرواية وأحداثها، ولأسباب فنية
أخرى، تصرف مخرج الفيلم وكاتب السيناريو في نص الرواية كثيراً، وبشكل
إيجابي في
كثير من الأحيان، ولكن، يبدو أن الخوف من الاصطدام مجدداً بالفاتيكان وربما
التعرض
للمحاكمة هو ما منع من استحضار الدواعي والخلفيات التي قام
السكرتير البابوي (باتريك)
على إثرها بكل هذا العمل كما في نص الرواية، حيث حُصرت في أفكار (باتريك)
المتشددة ورفضه لرأي البابا، ما أدى إلى
نوع من التمحور السلبي والمكشوف لدور
السكرتير البابوي، وعلى الرغم من اختزال خطاباته ومداخلاته
كثيراً، فقد ظهر للجميع
بأنه هو من سيكون المجرم من بداية الفيلم.
وكان نص الرواية يدور حول السر
الذي كشفه البابا للسكرتير البابوي آخر أيام حياته، وهو أن لديه ولد، وأنه
مدين
بسبب ذلك للعلم والعلماء، ما جعل باتريك ينتفض في وجهه دون أن يسمع تتمة
الحديث،
بعد أن تيقن من أنه قد هتك نذره لله بأن يظل (متبتلاً) أي أن لا يرتبط بأي
امرأة.
وفساد البابا في نظر باتريك كان قد غير نظرته للعالم بالكامل وقاده إلى قتل
البابا
والتخطيط لهذه الجريمة وقت انتخاب خليفته، لكنه في الأخير ينصدم
بالكاردينال الأكبر
يخبره الحقيقة وهي أن البابا لم يفقد (تبتله) إنما كان له ولد
عن طريق (التلقيح
الصناعي) من راهبة أحبها عندما كان كاهناً، وأن هذا الولد هو السكرتير
البابوي
نفسه!
أسرار الحقيقة، أم أسرار الواقع
كانت لعبة ذكية من
الكاتب المبدع دان براون أن يحرك تفكير القارئ (أو المشاهد) إلى أنه ليس
للواقع فقط
أسراره المثيرة، ولكن للحقيقة أيضاً أسرار أخرى ربما تكون
مجهولة أو متجاهلة،
فالمظهر السري الذي بدا على الطبقة المستنيرة في الزمن الغابر ومحاولة
تمثله من
جديد لأجل غايات انتقامية أكثر سرية، واستغلال تجربة علمية تريد أن تعرف سر
الكون
لأجل هذه الغاية، ثم انكشاف ذلك كله في أفكار واتجاهات متزمتة تدعي بأنها
فقط من
يعرف سر الحقيقة، يثير في كل متلق الرغبة المتجاهلة في أن يسأل
من جديد، ذلك السؤال
المهم!
«دافينشي»
أفضل فنياً والمثقفون يترقبون الرواية الجديدة لدان
براون
قال بعض المهمتين بالشأن الفني إن توم هانكس أبدع كعادته في تمثيل
شخصية البروفسور لانجدون الهادئة والمثيرة، ورغم أن رواية
ملائكة وشياطين كانت أقوى
في نصها من (دافينشي كود)، إلا أن الحبكة الدرامية للفيلم كانت أقل إثارة
من
نظيرتها في الفيلم السابق (دافينشي كود) والذي أحدث ضجة كبيرة في العالم
وتعرض
للهجوم الصريح من الفاتيكان الذي تجاهل الفيلم الحالي تماماً.
وتمتاز رواية
ملائكة وشياطين بكثرة الأحداث التي كان من الصعب تناولها في فيلم بشكل أكثر
سلاسة
من ذلك، وكانت المطاردات البوليسية وعمليات البحث والمناقشة قد
أخذت حيزاً كبيرا من
وقت الفيلم على حساب نصوص الممثلين، لكن مشهد إنتاج المادة المضادة داخل
مركز سيرن
ومشهد إحراق السكرتير البابوي نفسه وكذلك الحوارات بين روبرت والحرس
السويسري، وبين
السكرتير البابوي والقائد ريختر ومشاهد المطاردات البوليسية التي تبنى على
استنتاجات من التاريخ والأساطير كانت قد أضافت لمسات فنية
مبدعة، مصورة بشكل أكثر
إثارة ما يمكن أن يتخيله القارئ لنص الرواية، لتجعله يعيش الحدث حياً
وبكثير من
التضارب والحيرة والترقب، مع تأثير الموسيقى الكنائسية المصاحبة
للفيلم.
وينتظر الحقل الثقافي في سبتمبر/ أيلول القادم الرواية الجديدة لدان
براون، والتي تأتي تكملة لسلسلة رواياته التي أخذت طابعاً
استثنائياً بالحفاظ على
شخصية واحدة فقط هي عالم الرموز البروفسور روبرت لانجدون، وقد تغير اسم
الرواية
الجديدة من (خاتم سليمان) إلى (الرمز المفقود) وسيكون محورها الحركة
الماسونية. وفي
سابقة من نوعها، عقدت شركة «أفلام كولومبيا» صفقة جديدة مع دان براون حصلت
بموجبها
على حقوق تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي جديد، رغم أنها لم
تنشر بعد.
@
كاتب بحريني
الوسط البحرينية في
25/06/2009 |