جميل أن يقع صناع الأفلام علي فكرة وحدة المكان الذي يجمع الكثير من
الشخصيات.. ويستخرج منه رؤي درامية عصرية. تختلف بالضرورة عما كان يتناوله
مثلا سعد الدين وهبة في "سكة السلامة". أو صلاح أبوسيف في "بين السما
والأرض" وغيرها.. ويبقي الأهم هو ما الذي يمكن ان نستخرجه من شخصيات محبوسة
في علب وكأنهم علي خشبة مسرح حتي نصدقها؟!
وفيلم "الفرح" للمخرج سامح عبدالعزيز يستثمر نجاح فيلمه السابق "كباريه"
الذي اجتمعت له عدة شخصيات في مكان واحد فجر مواقف وأحداث مكثفة ومشحونة.
وفجر معها طاقات تمثيلية هائلة لمجموعة من المبدعين كانت تعمل في خدمة
النجوم والنجومية الزائفة" دون ان تتاح لهم فرص التألق. حتي ولو في أدوار
صغيرة وشبه متساوية. المهم فيها انه لا يوجد من يركبهم. ويشد اللجام نحوه
هو وحده!!
هناك جانب آخر في مثل هذه التجارب ذات البطولة الجماعية.. أن غالبية
أحداثها لابد وان تكون مباشرة وسريعة الايقاع. حيث لا تحتمل الخوض في
تفاصيل كل شخصية.. لذلك تظهر الشخصيات اما موحية بطبيعتها الخارجية
والداخلية.. واما الحوار يكون دالا عليها.. لذلك لا مجال هنا للقول مثلا
انهم يتحدثون عن الحلال والحرام بشكله المباشر. نقول لهم نعم وما المانع
فالدراما تتطلب ذلك ولا ننسي ان هناك اباحية أو عنفا في أعمال أخري وبشكلها
المباشر ايضا ومع ذلك لا أحد يريد ان يلحظ ذلك وكأنه كيل بمكيالين.. وهي
ازدواجية لا أعرف كيف يقع فيها بعض المثقفين؟!
اننا في فرح شعبي أخذ من عصر العولمة شكلا آخر غير الذي كنا نعهده في
أفراحنا الشعبية قديما.. حيث بدت المصلحة فيه هي المبتغي.. حتي أن الفرح
يقام خصيصا من أجل جميع "النقوط" أو ردها. حيث يكون "المعازيم" قد حصلوا
عليها في أفراحهم.. ان صاحب الليلة زينهم "خالد الصاوي" أراد شراء ميكروباص
يتكسب منه فيقرر بمعاونة أصدقائه "محمود الجندي" وغيره عمل هذه "اللعبة"
التي تحيل الفرحة الي نوع من الواجب الاجباري علي الناس!!
ليست هذه هي "الصورية" الوحيدة في اللعبة بل يجيء الأسوأ منها في صورة
العريس والعروسة "ياسر جلال وجومانا مراد" المتزوجان شرعا لكنهما لا
يستطيعان عمل فرح لضيق ذات اليد. ولأن العروسة فقدت بكارتها معه يريدان جمع
المال لإعادتها لكي يرفع أبوها رأسه في الحتة!!
من هنا يجد نص أحمد عبدالله المتميز عدة مداخل جاهزة لكشف العديد من
النماذج الأخري. علي طريقة "الطيور علي أشكالها تقع" فنري نوباتجي الأفراح
أو قائد الفرقة "ماجد الكدواني". أو راقصته الشعبية المترهلة "سوسن بدر"
التي تحاول أم صاحب الفرح "كريمة مختار" استتابها. فتعود للرقص بعلقة ساخنة
أو أحد سكان الحي العجوز "حسن حسني" المتزوج من شابة صغيرة "مي كساب" يحاول
طيلة ليلة الفرح قضاء ليلة ساخنة دون جدوي بسبب سيطرة الفتاة عليه. أو
المنولوجست العجوز أيضا "صلاح عبدالله" الذي راحت أيامه وموضته أو النموذج
الأكثر تأثيراً لأحد المعازيم الأسطي "باسم سمرة" الذي تعجبه بائعة البيرة
"دنيا سمير غانم" وهي فتاة مسترجلة لتحمي نفسها وتنفق علي أمها وأخوتها..
ويتجاوز الأسطي في اغوائها ومطاردتها حتي يلقي مصرعه علي يديها!!
تجيء الكارثة حينما تتوفي أم زينهم فجأة. فتغريه الدنيا بألا يعبأ. ويستكمل
الفرح حتي يسرق المال الذي جمعه في صورة الانتقام الالهي وينتهي الفيلم
بصراخ الجميع!!
ولكن.. وبمغامرة يحسد عليها المخرج يقوم بعمل تحول درامي آخر أو نهاية أخري
تنهي أحداث الفرح يكون فيها زينهم قد استمع لصوت ضميره والحاح زوجته "روجينا"
وأعلن فض الفرح لتلقي العزاء.. وبالضرورة لم تكن أحداث أخري استكملت.. وهو
وحي من الآية القرآنية الكريمة "وهديناه النجدين".. فالإنسان قد يبحث عن
شقائه بيده. وهو يعتقد أنه يحسن صنعاً.. أو انه ناصح نصاحة ليست علي أحد.
مع ان الشيطان رخيص ومتوافر بشدة في الأسواق وفي الأنفس.. ولا يحتاج الي
مهارة ولا ذكاء.. فلم الاصرار اذن علي الخطأ.. وعلي عدم التراجع.. والله
برافو!!
Salaheldin-g@hotmail.com
الجمهورية المصرية في
25/06/2009 |