رغم أن مشروع بسام الملا، حول تقديم دراما البيئة الشامية كان
يبحث عن أجواء وشخصيات متجددة، أبرزها مشروعه عن يوسف العظمة وحسن الخراط
وسواهما
من أبطال الشرف والثورة ضد الفرنسيين، إلا أن حكايات (باب الحارة) أخذته
بعيداً عن
هذا المشروع، وجعلت رغبته في إضافة معالم جديدة في تناوله
للبيئة الدمشقية مؤجلة
لبعض الوقت على الأقل!
وقد تجدد الصخب الإعلامي حول (باب الحارة) في جزئه
الرابع، بتغيير أو تغييب بعض أبطاله من نجوم الأجزاء السابقة... حدث هذا في
الجزء
الثالث مع صدمة تغييب شخصية أبي عصام الجماهيرية (أداها باقتدار الفنان
عباس
النوري) ويحدث أيضاً في الجزء الرابع الذي يتم تصويره حالياً،
مع تغييب شخصية عكيد
الحارة (أبو شهاب) التي أداها الفنان سامر المصري... وقد عقد بسام الملا
مؤتمراً
صحافياً في القرية الشامية حيث يتم تصوير أجزاء من العمل للإعلان عن هذا
القرار،
الذي برره بمشاركة سامر المصري في إعلان تلفزيوني مستخدماً الشخصية
الدرامية ذاتها،
الأمر الذي اعتبره الملا إساءة لعمل ما زال يعرض على الشاشات!
كان يمكن أن يصبح
هذا الأمر مجرد خيار فني للمخرج الذي يسيطر على مقادير النص بموافقة من
يكتبون
العمل، ويتحمل بالتالي تبعات الفشل أو النجاح بناء على
المسؤولية المناطة به، لولا
أن تصعيداً إعلامياً حاداً حرف الأمور عن مسارها، وحولها إلى معركة إعلامية
فيها
الكثير من السجال المليء بالاتهامات المتبادلة!
وقد أردنا أن نحاور المخرج بسام الملا، لا لكي نضيف
لهذا السجال فصلاً جديداً، بل لكي نفهم لماذا تحول مسلسل (باب
الحارة) إلى مادة إعلامية ساخنة في كواليس علاقات صناعها،
بعيداً عن مناقشة تفاصيل
العمل الفني ومعطياته!
·
قبل أن أبدأ في مناقشة تطورات
ومشكلات العمل... أود
أن أتوقف عند عنوان صحافي منسوب إليك، وقد استفزني بصراحة، فقد نسب إليك
(من لا يحب
باب الحارة يكره الشام) هل يعقل أن تجعل من محبة عمل فني ما أو كرهه،
عنواناً
لاحترام ومحبة تراث مدينة عريقة كدمشق؟!
أولا أنا استفزني هذا العنوان كما
استفزك تماماً لأنني ببساطة لم أقله على هذا النحو... ومن المؤسف أن
الصحافي الذي
ادعى أنني قلته في المؤتمر الصحافي الأخير الذي عقدته في القرية الشامية لم
يتحل
بالأمانة الصحافية، ولدي التسجيل التلفزيوني الكامل لوقائع المؤتمر
الصحافي،
وتستطيع أن تشاهده إن شئت لتتأكد من صدق كلامي. لقد قلت: إن من
يرفض الصورة
الإيجابية التي أقدمها في أعمالي عن الشام، هم أناس لا يحبون الشام...
وشتان بين
هذا القول وبين ما نقله الصحافي... لأن هذه الصورة الإيجابية موجودة في
عشرات الكتب
التي كتبت عن مدينة دمشق وليس في (باب الحارة) فقط، وشتان بين
أن تحب أو تكره
كاتباً يكتب في الوطنية مثلا وبين أن تكره الوطنية ذاتها... إذن أنا تحدثت
عن أناس
يرفضون مفهوماً، وهم بالتأكيد أحرار ألا يحبوا (باب الحارة) أو لا يقتنعوا
به، لكن
لا يحق لهم أن يعتبروا هذه الصورة الإيجابية عن دمشق هي صورة
خيالية ومنمقة من دون
أن يقرأوا تاريخ المدينة، لأن من يعرف دمشق ومن عاش فيها، يعرف تماماً أن
دمشق كانت
تعيش على قيم حقيقية، هي بالنسبة لي اليوم، وللكثيرين غيري مازالت مثيرة
للإعجاب،
وقادرة على تقديم دراما فيها هذه الجاذبية الأخلاقية والقيمية.
·
لماذا لم تكتب
رداً إلى الصحيفة، توضح أنك لم تقل هذه العبارة؟!
إذا أردت أن أرد على كل من
كتب أو أوّل عبارة على لساني، فلن أجد وقتاً لتصوير (باب الحارة) والإيفاء
بالتزامات عرضه على رمضان... فضلا عن أن الصحف تجعل الكلمة
الأخيرة للصحافي نفسه
ليعقب على الرد الذي أرسلته، وفي هذه الحال يترك المجال للصحافي ليكذبك مرة
أخرى،
ويبدأ بالتحامل لأنك رددت عليه واتهمته بعدم الأمانة، وللأسف تضيع الحقائق
وتتحول
إلى مماحكات!
·
العكيد أبو شهاب خارج (باب
الحارة) بعد (أبو عصام) هل استبعاد نجوم
مسلسل في أجزاء، سهلا بالنسبة لك إلى هذه الدرجة؟!
بالتأكيد لا... يكفي أن تسمع
كل هذا الأخذ والرد والهجوم والهجوم المضاد الذي يشوش على العمل، كي تدرك
أنني لا
أعتبره أمراً سهلاً، وهو ليس محبباً بالنسبة لي، ولكن مكره أخاك لا بطل!
·
في
قضية تغييب أبي عصام حاولت التبرير لكن الجمهور لم يقتنع منك،
ولم يقبل حل
تغييبه... ألم تتعظ مما حدث؟!
أنا لا أحب المكابرة... أوافقك أن الجمهور لم
يقتنع بموت أبي عصام، لكنني كنت مضطراً لذلك، كنت أدافع عن خياري كمخرج
قائد للعمل
ومسؤول عن إنجازه ومساره، ضد رغبة الزميل عباس النوري في تسيير الشخصية كما
يشاء...
صحيح أنني خسرت حضور ممثل مهم أحبه الناس
في العمل، لكنني كسبت خياري كمخرج، وربما
تفاديت أمورا أعظم كانت ستحدث.
·
وما هي مشكلة (أبو شهاب) وأنت
تقول إنك استبعدته
لأنه ظهر بشخصيته الدرامية في إعلان تجاري، ثم تعلن في المؤتمر الصحافي،
أنك
استبعدته لأسباب درامية؟!
صحيح أنا قلت هذا، ولكن أليس ظهور سامر المصري عبر
شخصية (أبو شهاب) في إعلان تجاري يخلق مشكلة درامية... تصور أن المشاهد
يتابع
المسلسل، ثم فجأة يتم عرض الإعلان داخل الحلقة، ألن يخلق هذا لبساً، ألن
يشوش على
حضور الشخصية ذاتها... أليست هذه مشكلة درامية؟ أليست هذه
إساءة أمانة تجاه شخصية
درامية ما تزال تعرض في مسلسل أجزاء؟! ثم الجميع يعلم، أن الإعلان لا يحقق
لأي فنان
أي مردود سوى المردود المادي، وسامر المصري كان يسعى نحو هذا المردود فقط،
ولم يعمل
إعلاناً لجمعية خيرية، أو لحملة تطوعية في قضية إنسانية، بل لشركة اتصالات!
لقد
سبق للممثل المذكور أن نفذ إعلاناً بشخصيته الخاصة العام الماضي، لصالح
الشركة
نفسها، فلم أحتج ولم أعترض... فهذا حقه، وهو حر كفنان فليمثل
إعلانات ما يشاء إذا
كان يحب هذا النوع من التمثيل... لكن عندما يستخدم شخصية درامية عمل عليها
كاتب
ومخرج ومصمم ملابس وليست ملك الممثل وحده... فهذا أمر فيه تجاوز، وفيه
تغليب
للإعلاني على حساب الفني... وهو أمر لا يمكن أن يمر بلا موقف
حاسم.. أو رد فعل على
الأقل!
·
لكن سامر المصري يقول إن قضية
استبعاده كانت مبيتة ضده، وإن الخلاف
بينكما أساساً هو خلاف شخصي؟!
ثمة فرق أولا بين الخلاف الشخصي وبين المهني،
الخلاف الشخصي قد يكون بسبب علاقات خاصة مصاهرة، نسب، علاقة جوار، تشارك في
عمل
تجاري... والحمد لله لا يوجد بيني وبين الممثل المذكور أي شيء من هذا
القبيل، أما
خلافنا حول قيامه باستثمار شخصية درامية ليست ملكه وحده في
إعلان تجاري، فهذا خلاف
مهني وفني، وأنا أدافع عن العمل الدرامي بينما هو يدافع عن العائد المادي
الذي أحب
أن يجنيه من إعلان تجاري وعلى حساب فنه... وآمل من الجمهور ومن القارئ أن
يضع نفسه
مكاني ويحكم خارج هذا الصخب والضجيج الذي يثار بلا وجه حق.
·
لكن يقال أنك أردت
أن تمنعه من المشاركة في عمل بيئة شامية آخر هو (بيت جدي)؟!
هذا قرار قديم، كنت
قد وضعته كشرط على ممثلي (باب الحارة) ثم اكتشفت أن الأمر صعب التنفيذ،
وعندما احتج
سامر على هذا البند قام مدير الإنتاج بشطبه من العقد... وأنا
في النهاية لست
منزعجاً من ظهوره في (بيت جدي) فقد ظهر الممثل وائل
شرف في (بيت جدي) العام الماضي،
ولم يؤثر هذا أبداً على ظهوره في (باب الحارة) الذي عرض
بالتزامن... ونصف ممثلي
(باب
الحارة) يظهرون هذا العام أيضاَ في الجزء الثاني من (بيت جدي) ولم يستبعد
أحد
منهم، وهذا أكبر دليل على أن هذا الادعاء عار عن الصحة، وهو محاولة للتمويه
على سوء
أمانته مع الشخصية التي مثل إعلانا بها، وهي ما تزال حية في مسلسل أجزاء،
ومحاولة
لخلط الأوراق كي يظهر بمظهر (الضحية) و(المغدور) ويا للأسف!
·
الشركة التي نفذ
سامر المصري الإعلان التجاري لها، هي شركة راعية لـ (باب الحارة) فما
المشكلة في
ذلك؟!
صحيح هي إحدى الشركات الراعية لـ (باب الحارة) لكن هذه الرعاية لها حدود
واضحة ومعروفة، تتعلق بظهور اسمها ضمن الشركات الراعية أثناء
البث، وبعدد من
الدقائق الإعلانية التي تخصصها لها المحطة العارضة... هذه حدود تسري على
(باب
الحارة) وعلى غيره من الأعمال، وشتان بين هذه الحدود، وبين أن نسخّر شخصية
درامية
أساسية في العمل، من أجل أن تظهر في إعلان يروج للشركة مباشرة،
ويضرب سياق الشخصية
الدرامية حين عرضها... ومن المؤسف أن بعض الصحافيين لم يميزوا حجم التنازل
في هذا
الأمر.. وأنا أناشدهم أن يحكموا ضمائرهم، وأن يُعملوا عقولهم قبل أن يروجوا
لأشياء
لا يجوز الترويج لها، ولو بحسن نية!
·
هل أنت نادم على تقديم مسلسل
أجزاء، وأنت
تعلم أن الكثير من الممثلين يعتقدون أن ظهورهم في مسلسل أجزاء مدعاة للي
ذراع
المخرج والمنتج، لأنه ليس من السهل استبدال شخصياتهم الناجحة
بالنسبة للجمهور؟!
أنا لست نادماً فهذا عملي وأنا مقتنع بهذا المشروع... وأنا أعرف كيف تبدلت
القيم الأخلاقية في الوسط الفني السوري اليوم، وكيف أصبح بعض
الممثلين يرون أنفسهم
فوق أي مشروع وأهم منه... طبعاً هذا شيء متعب ومرهق، وأنا بالفعل متعب...
لكنني لست
نادماً على الإطلاق... فهذه طبيعة عملي، وعلى كل مخرج يحترم مهنته
ومسؤوليته أن
يدافع عنها، وأن يقاتل من أجمل حماية قراره فيها... مهما خلق
له هذا من المتاعب.
·
ألا يحتمل أن يكون قرارك بالأساس
متعسف، ويحتاج لحوار ولإعادة نظر؟!
بالتأكيد... محتمل هذا... فأنا بشر أخطئ وأصيب، لكن ثمة فارق بين الحوار
وبين
محاولة لي الذراع... لا أحد يقبل أن تلوى ذراعه، ولا أحد يقبل
أن يتحول الحوار إلى
سياسة فرض أمر واقع... يعني في حالة أن ممثلا لديك ظهر بشخصية درامية في
مسلسلك
بإعلان تجاري... كان يجب أن يكون الحوار قبل أن يصور الإعلان... أما بعده
فهو فرض
أمر واقع ليس إلا.
·
سؤالي الأخير: لماذا تحول مسلسل
(باب الحارة) إلى مادة
للمماحكات وللتراشق الإعلامي والسجالات الاتهامية... هل هذه طريقة لتسويق
العمل
وإبقاءه في دائرة الضوء والاهتمام الجماهيري؟!
يؤسفني أن يروج عن عملي انطباع
كهذا... فأنت تعرف أنني اعتدت أن أصور أعمالي بصمت وهدوء، وكثيراً ما كنت
أختلف مع
الجهات المنتجة لأعمالي في مسألة الدعاية للعمل قبل ظهوره، التي كنت أرفض
المبالغة
فيها لإيماني بأن العمل الجيد يفرض نفسه من داخله وأثناء عرضه،
وليس مما يخلق حوله
من صخب وضجيج... وفي النهاية أنا لا أستطيع أن أمنع صحافياً أن يكتب خبراً
عن (باب
الحارة)، أو يتبنى وجهة نظر ممثل خرج من العمل... لذا فأنا بالتأكيد لست
مسؤولا عن
كل ما ينشر حول المسلسل.. وأعتذر من القراء ومن المشاهدين إذا
أزعجتهم كثرة الأخبار
حول (باب الحارة)... وأتمنى ألا أحاسب عليها.
القدس العربي في
18/06/2009 |