يُنتظر في الأسابيع المقبلة عرض فيلم "طنجرين" في صالات العرض المغربية،
والفيلم من إخراج الألمانية إرينا فون البيرتي، والفيلم هو أول أفلامها
السينمائية، وقد أتمت تصويره في مدينة طنجة الساحلية في شمال المغرب، وتم
إنتاج الفيلم مشاركة بين ألمانيا والمغرب، والفيلم يحكي قصة واقعية، وتدور
أحداثه حول قصة الشاب القادم من برلين توم، وصديقته بيا، اللذين يعملان
كعازفين في إحدى الفرق الموسيقية الألمانية. ويدفعهم إعجابهم بالموسيقى
العربية إلى السفر إلى طنجة، وفي هذه المدينة الكبيرة يقابلان فتاة مغربية
هي أميرة، وهي تحترف الرقص الشرقي.
والفيلم المشترك، "طنجرين" عرض الشهر الماضي في العاصمة الألمانية برلين،
للمرة الأولى في لقاء خاص بالجمهور، تكمن خطورة عرضه في المغرب لأن أحداثه
تدور حول الفقر، والدعارة في مدينة طنجة، وصورت جميع لقطاته في هذه
المدينة، وبمشاركة ممثلين مغاربة من بينهم الممثلة الشابة نعيمة بوزيد،
والممثل سعيد باي، والفنان العربي اليعقوبي، وصابرينا الوزاني، هذا إضافة
إلى ممثلين ألمان وهم على التوالي: نورا فالدشتيتن، والكسندر شير، وعنوان
هذا الفيلم يحيل على فاكهة معروفة، وهي البرتقال اللذيذ "طنجرين" الذي كان
مفضلا في الكثير من بقاع العالم، وكان يصدر إلى العالم عبر ميناء طنجة.
قصة الفيلم
من العنوان المثير للفيلم نستطيع أن نلمس ماذا أرادت مخرجة الفيلم أن تنقله
للمشاهد الغربي، لقد أرادت أن تقول الكثير عن تجارة الجنس، والرقيق
الأبيض، المنتشرة عبر محطات كثيرة في العالم، وطنجة واحدة
من تلك المحطات المهمة، فالبرتقال اللذيذ "طنجرين" الذي ينتظره المشترون،
قادما من ميناء طنجة، ما هو إلا رمز لهؤلاء الإناث المغلوبات على أمرهن،
وقد ارتضين أن يضعن أجسادهن في خدمة تحقيق هدفهن بالهجرة إلى أوروبا،
فأميرة تبدأ رحلة البحث عن سكن يؤويها بعد أن هجرت أسرتها، التي لا توافق
على عملها كراقصة، وتعتبره عملا مشينا، لا يليق بمغربية مسلمة، فلا تجد
الفتاة أمامها غير الهروب من البيت والسكن في شقة، تسكنها مجموعة من
الفتيات اللائي يماثلنها المصير في الخروج على التقاليد المغربية الأصيلة
ويعملن في الملاهي الليلية، والحانات ويتاجرن بأجسادهن من أجل الحصول على
المال، وينصب تركيز أولئك الفتيات على إغواء السياح الأوروبيين، الذين
يترددون على تلك الحانات والملاهي، لكونهم يدفعون الكثير من المال إضافة
إلى ذلك، ما تأمله كل واحدة منهن، أن تجد من يغرم بها من هؤلاء الرواد،
فيقرر أن يصطحبها معه إلى أوروبا، وبذلك يحقق حلمها، الذي نسجته عبر سنوات
عمرها بالهجرة إلى أوروبا، للخلاص من حياة البؤس والفقر، وقلة الفرص
المتاحة لها ولأمثالها في بلدها من الشباب، لذلك تحاول أميرة إيقاع توم في
غرامها، كي تحقق هي الأخرى حلمها بالسفر إلى أوروبا.
تصوير الفيلم
يحاول الفيلم الألماني المغربي "طنجرين" تقديم صورة جديدة عن صراع
الحضارات، فالفيلم الذي حاول أن ينقل لنا شوارع طنجة، وما يحدث في ملاهيها
وحاناتها من جنس وقوادة، ومخدرات، وعاملين مرتشين، وقذارة حقيقية، ابتداء
من قذارة كأس الشراب، وحتى ملمس الأيدي، وما يقدم من طعام في مطاعم
المدينة، التي توحي بأنها ربما تنقل جراثيم مرض التهاب الكبد الفيروسي،
ومرض نقص المناعة المكتسبة، والفيلم عكس رؤيتين مختلفتين، الأولى تتحدث عن
شرق قذر يمكن شراء كل شيء فيه من الشريف إلى الوضيع، ومن ابنة العائلة
الشريفة، التي ربما لم يدر بخلدها يوما أن تبيع جسدها لتحقيق الخلاص من
واقعها المريض، فتجد أنها فعلت كل شيء لتحقيق ذلك الهدف، وحتى أولئك
الفقراء الذين يمارسون أردأ الأعمال وأدناها ولا يرون أي مشكلة في ممارسة
أي عمل يجلب النقود، والرؤية الثانية التي تعكس تحول علاقة الغرب بالشرق
كعلاقة التاجر بالسوق، الذي تحيطه وتتحكم به قوانين العرض والطلب، إذاً
فالفيلم لا يعكس وجهة النظر الأوروبية المتزمتة، حول أن الشرق شرق والغرب
غرب فقط، بل يحاول، أيضا أن يطرح وجهة نظر فرعية حالمة، عن رحلة أبطاله،
وبحثهم وسط القذارات،" أكوام النفايات" التي يظهرها الفيلم، والتخلف عن سحر
الشرق فتتلاقى تلك الصور بحلم الهجرة إلى أوروبا، كنافذة للإطلال على عالم
نظيف، وعلاقات أفضل تتشح بقدر من الأمل، حتى لو كان ضئيلا لأمثال أميرة،
وفي هذا السياق قالت فون البيرتي في لقاء صحفي،"إن الفيلم يوضح سوء الفهم
بين الثقافات المختلفة"، وأضافت المخرجة الألمانية، أن فكرة الفيلم أتتها
حين قامت بتصوير"فيلم وثائقي" عن حياة بائعات الهوى المغربيات، ومن خلال
البحث والمقابلات، التي أجرتها مع الفتيات، تبين لها أن الموضوع ينطوي على
نوع من الإثارة، ويصلح لأن يكون فيلماً سينمائياً طويلاً، وعن ذكرياتها في
المغرب قالت إنها سبق لها العمل والتصوير هناك، كما أنها ترتبط بعلاقات
صداقة مع كثير من أبناء المغرب، أما عن الصعوبات التي واجهتها كامرأة في
أثناء تصوير مشاهد الفيلم فتقول المخرجة:"إنه من الصعب على الأوروبيين بشكل
عام التصوير في شوارع المغرب، لكننا قوبلنا باحترام الجميع، ووجدت تعاوناً
خاصاً من منتج الفيلم كريم ديباغ.
ضجة متوقعة
ومن المتوقع أن يثير الفيلم عند عرضه في صالات العرض في المغرب ضجة إعلامية
وفنية كبرى، وذلك بسبب مضمونه الذي يعتبر في المغرب من المضامين الممنوعة،
أو مما يعرفه النقد السينمائي المغربي بالتابوهات السينمائية، التي يرفضها
المحافظون في المجتمع المغربي، فالفيلم يسلط الضوء على فئة معزولة اجتماعيا
من العاهرات وقد اعتبرها الفيلم محورا مهما من الواقع المغربي، وأكد من
خلال تصوير هذا الواقع بكل ما أتاحته عدسة الكاميرا السينمائية من رؤية
بانورامية، على الرغم من أدعاء كاتبة الفيلم ومخرجته،إرينا فون البيرتي
بقولها إن الفيلم يناقش قضية صراع الحضارات، لكن ليس من منظور سياسي ديني،
كما عبر عنه صامويل هنتنجتون في كتابه الشهير"صراع الحضارات"، ولكن يناقشه
من منظور ثقافي ناتج من الاختلاف بين الثقافات. إن هذا الطرح لثيمة الفيلم
لن تقنع الأوساط المحافظة في المجتمع المغربي، التي سترى في الفيلم إهانة
حقيقية للمغرب، وللمرأة في المغرب، وربما ستطلب من السلطات المغربية
المسؤولة، منعه من العرض في المدن المغربية وذلك لإساءته، للشابات
المغربيات، المكافحات، اللاتي يعملن بدأب وشجاعة، وكد حقيقي، لطرح نموذج
إنساني مشرف ومحترم للفتاة المغربية، الصابرة على ظروفها، المحاولة دوما
القفز على الصعوبات، التي تواجهها، لأجل أن ترسم خطا مستقيما في لوحة حياة
الأسرة المغربية المكافحة.
faissalhassan@hotmail.com
إيلاف في
17/06/2009 |