في مشهدين دراميين تناقلتهما وسائل إعلام متعددة، يقول أحد الطلاب
الجامعيين وهو يهم بدخول مركز الملك فهد الثقافي في الرياض لمتابعة فيلم
(مناحي ) "هذه بداية التغيير".! . فيما يهتف أحد رجال الأعمال وهو يصطحب
ولديه لمشاهدة الفيلم، يقول بابتسامة واسعة:" بعد ثلاثة عقود من الحظر..هذه
أول خطوة في ثورة سلمية ". وأضاف " لا أريد أن ينشأ ولداي في الظلام ..
لقد قلت لهما إنه في المستقبل سيتحدثان عن اليوم وكأنه نكتة".!!
بكل الأحوال كان الاعتقاد السائد لدى الأغلبية أنّ ليس هناك أمل كبير لدى
المعارضين لعرض فيلم مناحي في السعودية في أن يتمكنوا من إيقاف عرض الفيلم
انطلاقاً من أحداث سابقة سواء مع البدايات الأولى لعرضه، أو مع التراكمات
التي اعتبرت إيجابية في سياق آلية تمرير السماح للسينما بالظهور في
السعودية ..
وحتى لو طرح السؤال الذي يقول: إلى جانب من وقفت الأنظمة: إلى الفنون
السينمائية، ويمثلها هنا "مناحي"، أم إلى جانب المعارضين الذين لا يمكن
نسبتهم أو تصنيفهم إلى الهيئة مثلاً أو إلى أي جهة رسمية أخرى أمنية أو
غيرها. وهل المساندة والعسكرة -(التي قد تشدنا إلى حادثة خيمة الجوف
الأدبية - ) تعني تغذية توجهات السماح بتمرير السينما؟!.
وإذا كانت المعارضة قادها متحمسون صغار السن فشلوا في منع عرض اليفلم
بمركز الملك فهد الثقافي مؤخراً وسط حضور أكثر من 300 مشاهد-عرض اليوم
الأول - أطلقوا موجات التصفير والتصفيق مع أول مشاهد من الفيلم فإن الأمر
فـُرض في النهاية وبأكثر من رسالة كان يجب أن تفهم مبكرًا بطريقة أكثر
تعقلاً ، وخدمة للأهداف للجانبين.
وعلى الرغم من أن أي استقراء للدلالات سيكون اجتهادياً وقد يرمي بالأسباب
إلى ارتفاع مستوى التدين لشعب محافظ، فإن مالا يمكن مناقشته هو أن السينما
السعودية تعتبر حديثة النشأة ، وفي فترة من الفترات كان هناك ما يمكن وصفه
-مجازاً - بأنه صالات أو تجهيزات عرض سينمائي مثل محاولات بعض الأندية
الأدبية، على الرغم من التقنين والتنسيق مع الجهات الدينية ذات العلاقة
كحال النادي الأدبي بالشرقية والرياض بالرياض مؤخراً .
ولعل شحذ الذاكرة يعيد للأذهان ذكرى أول فيلم سعودي سينمائي "ظلال الصمت"
الذي أنتج عام 2006 ، و فيلم " كيف الحال " الذي تم تصويره في مدينة دبي،
وتصاعد الأمر بتدشين أول مهرجان سينمائي سعودي عام 2006 وذلك بعنوان مهرجان
جده للعروض المرئية، ثم تطور الأمر بعد عام واحد فقط إلى مسابقة للأفلام
السعودية تحت مظلة رسمية هي وزارة الثقافة والإعلام .لتحتفي الأخيرة بعد
عام آخر ثان بتأسيس أول نادٍ للسينما بالسعودية بالمنطقة الشرقية .
هذا العرض – و أعني به مناحي - كمظهر مدعوم بقوة من جهات مقربة تقف خلف
الشركة المنتجة واجه مشاكل عديدة في بداياته حيث واجه معارضة شديدة من
الجهات الدينية يرون في السينما بما فيها أفلام وموسيقى مخالفة لمبادئ
الشريعة الإسلامية. وبرغم مما رُبط بينه وبين الفيلم من أنه من أسباب
الكوارث الطبيعية في إشارة إلى الزلازل الأخيرة في شمال غرب السعودية إلا
أن الجموع لم تتوقف عن متابعته مستمتعة بأحداث الفيلم في بلاد تخلو بأكملها
من أي دور سينمائية، على الرغم من عدم وجود قرار رسمي صريح بالمنع فيما
يتم يوميًا مشاهدة الكثير من الأفلام عبر وسائل البث الفضائي عبر الأطباق
اللاقطة .
كما أن هناك رؤية من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت ترى في
السينما [ شر كامل ] ، وأنه سيكون من الصعوبة السيطرة عليه في حال السماح
به، والحجة الدائمة هي أن محتوى الأفلام مخل بالآداب والعادات والتقاليد .
وهذا الرأي هو الذي يوّلد دوافعاً لدى الكثير من السعوديين لتحميلها عن
طريق الانترنت ومشاهدتها كأفلام
DVD، ومقاطع فيديو. ناهيك عن الآلاف ممن يذهبون لمشاهدته في الدول
المجاورة .
هذا بدوره يدعو لاستغراب بعضهم من منعها بينما هي موجودة بشكل أو بآخر في
مقاهي الانترنت على شكل شاشات عرض بعضها يتجاوز 3م×3م وتعرض عليها الأفلام
والمباريات والقنوات الغنائية، ويبدو أن المواجهة بدأت تقل عن بدايتها مع
هذا الفيلم تحديدًا حيث كانت البداية حين تفاجأ الكثير في مدينة الطائف
(غرب السعودية ) بمنع عرض الفيلم بعد أن أعلنت الجهة التي أعلنت عن عرضه
بإيقاف ذلك تفادياً للوقوع في محاذير شرعية! ، ولكنه نجح بعد ذلك في العرض
في جدة في الوقت الذي ظهر فيه الأمير الوليد بن طلال معلناً التبرع بريعه
لصالح المهرجان السينمائي في جدة ، ليعرض الفيلم عدة مرات ويلقى قبولاً
كبيراً ، ولكنه يعود لينتكس عندما يفشل في قبول عرضه ضمن المهرجان الشتوي
بمنطقة جازان ( جنوب غرب السعودية ) بالحجة نفسها ومنعه في مدينة الطائف،
مع أن الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - يومها -
الشيخ إبراهيم الغيث صرح بأنه لا يمانع من عرض بعض الأفلام السينمائية إذا
كانت تدعو إلى "الخير"، حسب ما نقلت عنه في العديد من الصحف، وكان قبلها قد
صرح بأن السينما "شر مطلق"، ليعود إلى القول بعد 24 ساعة فقط : " نحن لم
نقل إننا نرفض السينما ولكنني أوضحت انه لم تتم استشارتنا في عدد من
المناسبات التي كان طابعها سينمائيًا" .
وكان من الواضح حينها أن الهيئة أو الشرطة الدينية كما تلقب قد أحرجت
كثيرًا لنجدها تكتفي بتفقد صالات العرض والتأكد من الفصل بين الجنسين قبل
أن تستمر العروض لعدة أيام . ولعل تصاعد نبرة المعارضة تجلت بعدها في تصريح
لأحد أكثر أعضاء هيئة كبار العلماء إثارة للجدل حيث شدد الشيخ عبد الله بن
منيع على الرفض "نستنكر مثل هذه التوجهات غير الصحيحة والتي لا تتماشى مع
مكانة السعودية في خريطة العالم الإسلامي". وقال في تصريحات لـموقع"إسلام
أون لاين": "علماء المسلمين من خارج بلداننا يغبطوننا على عدم وجود دور عرض
سينمائية في السعودية، وهذه سمة من سمات طهارتها من هذه الوسائل الإعلامية
الهادمة". وتحدى يومها أن تكون هناك أي جهة رسمية ثقافية أو غيرها قد أتاحت
الحصول على تراخيص لذلك .
- روتانا هل تقود مواجهة أم تسعى (لفتح فني )
من المؤكد أن شركة الإنتاج الشهيرة (روتانا) لا تنوي فقط من خلال الدعم
للإنتاج السينمائي أن تنتج العديد فقط من الأفلام السينمائية، بل هي وعلى
لسان مالكها الأمير المقرب من الأسرة المالكة تقول : الأمير الوليد بن
طلال ماضٍ في تبني السينما السعودية " فهي إذًا محاولة تسجيل فتح في تاريخ
الفنون في السعودية . حيث يؤكد مديرها العام أيمن حلواني أن روتانا بقيادة
الأمير الوليد لن تتوقف عن دعم الإنتاج السينمائي، وإيجاد دور عرض وتسويق
الأفلام وفيلم " مناحي" لن يكون الأخير!، مع مراعاة العادات والتقاليد .
حيث تنوي الشركة إنتاج ثلاثة أفلام جديدة على المدى القريب.
بل وتتجاوز ذلك في خططها للتسويق الخارجي على المستويين الخليجي والعربي
والعالمي. و روتانا إن نجحت فهي ستسجل رياده ربما تحسب لها مستقبلاً في
تفكيك مسيرة أكثر من أربعة عقود من الرفض لفن يعتبر من الفنون العالمية
الرائدة ولا يعيبه الإسفاف والابتذال البعيدين عن روح الفن الأصيل . خصوصاً
في ظل تصاعد أصوات سعودية خبيرة وشابة في هذا المجال مطالبة بفتح المسارات
أمام السينما مما دعى حتى لمناقشتها على مستوى مجلس الشورى.
تقول المخرجة السعودية هيفاء المنصور : " نريد من مجلس الشورى دعماً طويل
المدى للسينما المحلية وهي التي تمثل منبرًا لتمثيلنا ثقافيًّا وحضاريًّا
على المستوى الدولي ... ونتمنى أن نرى تأسيساً لمعاهد الفنون أو جعلها
جزءاً من برامج البعثات الحالية لكي تصبح سلاحاً نواجه به تحديات الانخراط
في المجتمع الدولي ". ولعل ذلك جعل بعض أعضاء مجلس الشورى مثل الدكتور
محمد رضا نصر الله للمطالبة بإنشاء هيئة وطنية للسينما والمسرح ، مشيراً
إلى أن هناك اتفاقية تفاهم بين وزارة الثقافة والإعلام السعودية والوكالة
الفيدرالية للسينما بروسيا الاتحادية من أجل التعاون في هذا الجانب". فيما
تساءل عضو مجلس الشورى د. عبدالله دحلان أثناء استجواب المجلس لوزير
الثقافة المجلس الدكتور إياد مدني عن مستقبل افتتاح دور السينما مع الحفاظ
على الثوابت والآداب، وقال: "إنه أمر أن الأوان لافتتاحه". وبالرغم من أن
هناك ملاحظات وتوصيات أدرجت في المذكرة إلا أنها ما لبثت أن رفضت بعد فترة
لرفض العديد من أعضاء المجلس المحافظين. مما دفع للمطالبة من قبل العديد من
الأعضاء الآخرين بأن يتم البحث عن مخارج دينية لفسح المجال أمام السينما
بطرق مقننة في السعودية.
السينما السعودية بلا شك تسير في خطوات بطيئة ولكنها ملحوظة وملموسة . ولعل
مسابقات الأفلام السينمائية التي تقام ما بين الحين والآخر أبرزت جيلاً من
الشباب الماهر إخراجياً من خلال العديد من الأفلام الوثائقية والاجتماعية
القصيرة والجريئة والتي حظيت بجوائز قيمة. ، وهي - في الحقيقة - تمثل درجة
في السُـلّم نفسه لا بد من صعودها ، وحتى عندما يتحقق حلم المتابعين
والمهتمين بقرار من صانعه في الجهة المسؤولة حكومياً فعليهم ألا يتفاءلوا
كثيراً حيث من المنطق أن تكون الانطلاقة معقدة الشروط ، ويتوقع لها أن تحمل
أعباء إضافية لجهات حسبية ورقابية ، بالإضافة لضوابط أخرى عديدة.
إقرأ
أيضاً:
العرض الثاني لفيلم مناحي في
الرياض يمر بسلام
أول فيلم
سينمائي
يعرض
في
الرياض
إيلاف في
10/06/2009 |