رغم ان عرضه كان خارج المسابقة في مهرجان كان الاخير للافلام السينمائية ،
حاز الفيلم الثالث عشر للمخرج سام ريمي على اعجاب الجمهور ورضى النقاد
وامتد الامر الى اكثر من ذلك حين كبلهم بالدهشة والرعب لأنه حمل سمة (افلام
الرعب) واصاب مشاهديه طوال عرضه بارتعاش وفزع لايخلو من الفكاهة والمتعة ..
يحمل فيلم ريمي الجديد عنوان (حتى في الجحيم) وتجسد دور البطولة فيه اليسون
لوهمان بشخصية (كريستين براون) العاملة في مصرف والملاحقة بلعنة لاخلاص
منها ن ويشاركها البطولة جوستن لونغ وادريانا بازارا في فيلم يختلط فيه
الرعب بالفكاهة على مدى ساعة ونصف هي مدة عرضه..
ففي مهرجان كان لهذا العام ، كان سام ريمي سعيدا جدا لبلوغه سن الخمسين
ولتقديمه فيلم (حتى في الجحيم) الذي اختار ان يعرضه خارج المسابقة فاختلطت
ضحكات مشاهديه بصرخات الهلع..
قدم ريمي العديد من الافلام على مدى 27 عاما من اهمها (رجل الظلام)
و(الشيطان يموت) والثلاثية الشهيرة لفيلم (الرجل العنكبوت) التي يجري اعداد
الجزء الرابع منها حاليا..اما في فيلمه الجديد (حتى في الجحيم) فيستخدم
الدعابة مع الرعب مستوحيا احداث الفيلم من الازمة المالية التي يمكن ان
تحرك مشاعر الابطال...
وتعمل الشابة الجميلة كريستين براون (الممثلة اليسون لوهمان) موظفة في
مصرف حيث تتخصص في مجال القروض والاستيفاءات العقارية ..وتنال باستمرار رضى
رب عملها الذي يكافئها بترقية وعلاوة جيدة لكنها تتوقف فجأة عن معاملة
زبائن المصرف باسلوب جيد، وتمعن في ذلك كثيرا حين تتلبسها لعنة مفاجئة تقود
كل من يقع ضحية مزاجها السيئ الى الجحيم، فلا تتردد في الصراخ بوجه امرأة
عجوز تتقدم لها بطلب تخفيض مبلغ دفعات القسط ولاتكتفي بالصراخ بل تدفعها
بعنف وتعمل على أهانتها بإسقاطها على الأرض امام الجميع..
وفي الأيام والليالي الثلاث التي تعقب ذلك ، تصب كريستين لعنتها على اغلب
معارفها فتقودهم الى الجحيم عبر مشاهد قد يضطر المشاهدون الى اغلاق اعينهم
لتجنب مدى عنفها وماتعبر عنه من هلع كما ستدهشهم المشاهد الفنية المفاجئة
وتطلق مشاهد اخرى ضحكاتهم ليصبح فيلم (حتى في الجحيم) من الافلام القليلة
التي تعكس الرعب والضحك معا دون ان ينفصل الواحد عن الآخر..
المدى العراقية في
09/06/2009
اسـتـيــــراد وتـصـــديــر .. عندما لا تكون الهجرة أفضل
الحلول
ترجمة: إيمان قاسم ذيبان
شخصيتان عاشتا في أوروبا وشهدتا الكثير من البؤس والمصاعب لتغرقا مرغمتين
في بحر الخطايا لأن المكان الذي هاجرا اليه قد عبث بروحيهما قبل أي شيء
آخر.
بريشة فنان وحذاقة كاتب بارع، أوضح لنا المخرج النمساوي (اولريش سيدل)-
الذي كرم في مهرجان البندقية عن فيلمه الايام العصيبة- مسار مدارين تقاطعا
على خارطة أوروبا الشرقية، تمثل الأول بـ(أولغا) التي جسدت شخصيتها الممثلة
الأمريكية (كاترينا راغ)، الممرضة الأوكرانية التي هاجرت إلى النمسا بعدما
فقدت عملها، والثاني لـ(بول) الذي جسد شخصيته الممثل الامريكي (بول هوفمان)
وهو شرطي نمساوي طرد من عمله وقرر البدء بمغامرة من نوعٍ آخر.
مثلت الهجرة لهذين العاملين الكادحين فرصة أخيرة للبقاء بعيداً عن كونها
حلماً صعب المنال. فقرار الهجرة بحد ذاته كان اختياراً صعباً لأولغا لأنها
دفعت ثمناً باهضاً إزاءه عندما تركت رضيعها الوحيد بعهدة والدتها. وأنى
لها نسيان المعاناة التي واجهتها في بلدها الأم؟ هناك، حيث تحملت الإهانات
وسيمت العذاب بأقسى انواعه على يد إمرأة برجوازية ذات سلطة ونفوذ جندتها
للعمل مقابل السكن والمأكل دونما أجر ثابت يساعدها على تلبية متطلباتها
وعائلتها.
وفي النمسا، حاولت صاحبتنا كسب المال بأي طريقة كانت عارضة خدماتها على
وكالة مجهولة خاصة (بالبغاء)، ثم تركت هذا العمل رغبة للعيش بكرامة وتجنباً
لاستهانة الآخرين، وأنتهى بها المطاف عاملة في مستشفى لأمراض الشيخوخة.
وفي الجانب الآخر لقصتنا، كان (بول) الغارق في الديون إلى درجة أن دائنيه
بدأوا يهددون حياته، كان قد أضطر إلى السفر للعيش مع أبيه المرابي وسيئ
الصيت الذي دس نفسه في تجارة غير مشروعة لاستيراد المكائن الخاصة بصنع
الشراب ومرافقته على مضض في الحانات الليلية المكتظة بالسكارى.
تدور هذه الأحداث مشوبة بمشاعر الاشمئزاز والكراهية تارةً ومشاعر االعاطفة
والحنين إلى الوطن تارةً أخرى، ويؤدي تفاقم البؤس إلى خلق الأوهام والرغبة
بالإنتقام.
ولا ننسى توجيهات اولريش سيدل لأبطاله التي أضفت على عمله جمالية أكثر.
فعلى الرغم من المشاهد القاسية التي زجهم بها وفرضها عليهم، ما أنفك هذا
المخرج يعامل ممثليه بعاطفة عميقة مولداً في ذاتهم الأحساس بمشاعر لأشخاص
حقيقيين جردتهم طبيعة الحياة أو النظام السياسي من كل شيء. وبنظرة فنية
حاذقة، ولج إلى دواخل شخصياته المعقدة والمؤثرة والمستقلة إحداها عن الأخرى
بصورة كاملة. ومنها: مسنات ينفث في روحهن خيطا رفيعا من الأمل قبل فراق
الحياة، ومومس شابة تجبر على إرتداء الملابس الأنيقة والظهور بمظهر لائق كي
تغري الوسطاء التجاريين المبهورين بما حققوه من إمتيازات مالية، وشرطي ذو
نزعة فاشية سنحت له فرصة لا مثيل لها في الخلاص لكنه أخفق في انتهازها.
والجدير بالذكر إن هذا الفلم (المستند الى بناء دقيق ومتين مكون من وحدات
تصويرية طويلة وفن مجازي غير متوقع) تجنب الإباحية بشتى إشكالها معالجاً
إياها بسلسلة من المعاينات الدقيقة لحالة المجتمعات التي تلت المرحلة
الصناعية وما خلفته من الشعور بوحدة لا حدود لها. ظهرت هذه المعاينات بوضوح
عبر تسليط الضوء على حالات الفقر والعوز.
وخلافاً لكل التوقعات، يعد المشهد الأخير الأكثر روعة في (استيراد وتصدير)
حيث نرى أولغا وهي تتفقد نظافة الغرف والأسرة التي تنام في أحضانها مسنات
مقعدات ومصابات بسلس البول، لا أسنان لهن، يعانين من الذل وسوء المعاملة.
يشدنا مظهرهن وهذرهن المتواصل عن الموت المشارفات عليه أوالألتقاء بأرواح
القديسين وتؤثر فينا الدموع التي تنساب بحرارة لحظة تذكر التراب الذي
سيواري أجسادهن. أنسكبت هذه المشاعر الجياشة بانسجام على أنغام موسيقى
هادئة ومؤثرة.
إنه حقاً عمل صيغ بأتقان، يؤكد موهبة اولريش وإيمانه برسالة فنه وقدرته على
تصوير الهجرة ومعاناتها.
عن صحيفة اللوموند الفرنسية
المدى العراقية في
09/06/2009 |