تتضارب الأنباء حول فيلم «المهد» الإماراتي الذي أخرجه السوري محمد ملص.
وبحسب
مصادر مقربة من الفيلم، فإن «المهد» قد «أتلف» من الجهة
المنتجة التي لا ترغب
بامتلاك نسخة منه للعرض. من جهته قال ملص أخيراً إن فيلم «المهد» قد استبعد
من
المشاركة في أحد المهرجانات الدولية التي تعقد دوراتها في دولة الإمارات
العربية
المتحدة سنوياً لأسباب غامضة، ربما كانت سياسية أو فنية. وعلى حد قوله،
فإنه يمتلك
نسخة من الفيلم، وسيقوم في الأيام المقبلة بدعوة الصحافيين
والنقاد والمهتمين
لمشاهدته في عرض خاص «احتراماً للفنانين والفنيين الذين عملوا معي أكثر من
سبعمئة
يوم».
الفيلم الذي كلف الجهة المنتجة أكثر من ثلاثة ملايين دولار، وقام محمد ملص
وانتصار صفية بتنفيذه انتاجياً، استهلك في تصويره 550 علبة من
الفيلم الخام وصوّر
في صحارى تدمر ودبي واستعان فيه ملص بطواقم فنية كبيرة، وتم تصميم الكثير
من
المعارك الضخمة التي أعاد تصويرها مراراً بغية نقل الواقع الحرفي لشبه
الجزيرة
العربية في تلك الفترة التاريخية التي تلت هجوم أبرهة الحبشي
على الكعبة. ولكن يبدو
أن الأمور لم تسر على ما يرام لأسباب لا تزال غامضة بالفعل، فرأت الشركة
الاماراتية
المنتجة أن تمتنع عن اقتنائه بين مجموعة أعمالها الأخرى. وبحسب المصدر، فإن
الشركة
المنتجة توقفت حالياً عن تنفيذ الكثير من المشاريع التي كانت تتصدر قائمتها
السورية
وأنها أغلقت مكاتبها في دمشق.
أياً تكن «الحالة الغامضة» التي وصل إليها فيلم «المهد» سواء أكانت ناتجة
من
أسباب فنية أم سياسية والتي أدت إلى استبعاده أو إبعاده أو حتى
«اتلافه»، فإن ملص
الذي يشكل خياره الفني هذا تعبيراً جلياً وواضحاً عن «مأزق» كان قد بدأه
أساساً مع
الفيلم التونسي «البحث عن عائدة» للمسرحية التونسية جليلة بكار، التي رعته
ممثلة
رئيسة ومنتجة وكاتبة للنص، ثم قامت بسحب الفيلم من مخرجه
السوري لأسباب غير معلومة
لم تعرف حتى يومنا هذا على رغم مرور أكثر من عقد ونصف عقد على الانطلاق
بهذا
المشروع التجريبي الرائد كما رأته ورعته بكار في حينه.
الفيلم الإماراتي الذي «خنق» في المهد يقدم في شكل أو في آخر صورة معكوسة
عن فهم
ملص نفسه للسينما الموؤودة التي طالما كتب عنها، لا بل إنه
بحسب علمنا كان يستعد في
الآونة الأخيرة لإصدار مذكراته الشخصية تحت هذا العنوان. هذه السينما تبدو
هنا
يتيمة ومغردة خارج ملعبه الذي قدم فيه فيلميه «أحلام المدينة» و «الليل».
فليس هناك
من تعريف واقعي ومدروس للمصطلح الذي أطلقه بنفسه من قبل بغية
توصيف السينما السورية
في المجالات التي طرقها بحثاً عن تمويل مشاريع كثيرة لم يكتب لها النجاح
لأسباب
مختلفة، ووئدت لأسباب ظل بعضها غامضاً ويعود أحياناً إلى المخرج نفسه، أو
ربما
لأسباب كانت في يده على الدوام. وفي ما يخص «المهد» موضوع
حديثنا، ربما استكثرت
الجهة المنتجة ارتفاع أيام الاستعداد والتصوير في شكل لا يمكن تحمله، ويفوق
تصوراتها الواقعية عن انتاج الأفلام والمسلسلات.
أضف إلى ذلك الشكوى والتذمر من أجل اعادة تصوير المعارك الضخمة المرهقة
والمكلفة، وهي معارك كانت في حاجة إلى مخرجين متمرسين ومهنيين،
فإعادة تحريك
المجاميع ليست مسألة هينة، فيما تعتبر سينما ملص مثالاً نادراً عن سينما
المؤلف،
وهي سينما مغرقة في تأويلاتها الذاتية والشخصية الى درجة عدم اتفاقها مع
المجموع
وانفصالها النفسي والفني عنها، وهو ما ميز سينما هذا المخرج
أصلاً.
قد لا يرى «المهد» النور أبداً إذا ما صدق بالفعل قول المصدر المذكور من أن
الشركة المنتجة قد وضعت يدها نهائياً على المادة المصورة. وأن
«ادعاء» ملص بامتلاك
نسخة للعرض الشخصي، ليس إلا تغطية على النتيجة التي آلى إليها الفيلم وذراً
للرماد
في العيون.
الحياة اللدنية في
05/06/2009 |